المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العراق يعيش «الاحتقان الطائفي» وهذه هي الأسباب



فاطمي
05-22-2005, 11:33 AM
تشابك الطوائف (1)

لماذا وضع الضاري «النقاط على الحروف» في هذا الوقت؟

ما فرص مقتدى في الصمود بين النيران والدماء؟

أول تظاهرة مذهبية كانت في البصرة .. وهذه ليست صدفة

بغـــداد ـ د. جمـال حسـين

حررت مدن الجنوب العراقي من التكريتيين والعانيين والراويين والأنباريين ومن بعثهم الى ديارها، لتستبدل بهم الأصفهانيين والأهوازيين والقميين والتبريزيين ومن لم شملهم.

هذا مختصر مفيد للحرية المشروطة التي جناها الجنوب المظلوم، الذي يمعن في تبديل بدلته وشجرته ونطقه لتزينه بنزف لم يكن مستعدا له، وإن جرت «بروفة» أولية عليه في أيام عنيدة من مارس 1991 حين دفعت إيران بمجموعات أرادت تحويل مسرى «الانتفاضة الشعبية» العفوية التي انطلقت من أحياء البصرة الفقيرة لصالحها، الأمر الذي دفع ثمنه العراقيون ببقاء صدام أكثر من عقد لهذه «الهفوة» الإيرانية المقصودة بصرّ الأسنان وبذر ّ النموذج الجنوب اللبناني الذي تحلم بإنشائه في البصرة تحديدا.

وإذا كان الجميع سنة وشيعة، يشتكون في السر ّ ويلوذون بالعبارات العامة عن الأخوة والوحدة الوطنية في العلن، فإن ذلك لا يغير في الأمر ما لم يغيروا ما في أنفسهم وعلى الأرض، فالكلام مهنة يأكلون خبزهم منها وحرفتهم التي يتقنونها، وعلى الناس الدمار وعلى الأرض الخراب.

المسألة لم تجر أبدا على النحو المعلن والمصور والمكشوف، فالباطن غاية في الخطورة والعمد في إخفائه غاية في نفوس المخططين ورهبة من إفشاء السر الذي ليس صعبا ظهوره حين يقتل السنة اخوانهم الشيعة على البطاقة المدنية، ويفجر السنة مآتم أخوتهم الشيعة لكونهم يتأخرون في الأذان بضع ثوان ويضيفون إليه من «بدع» واجتهادات، وحين يقتل الشيعة اخوانهم في الدين دفاعا عن النفس تارة وإلهاما لقوائم المنظمات السرية.

نقاط على الدماء

ولعل تصريح رئيس هيئة علماء المسلمين حارث الضاري الذي اعتزم فيه «وضع النقاط على الحروف» باتهامه «قوات بدر» علنا بمسؤولية اغتيال أئمة وخطباء مساجد كلهم سنة، كان مفتتحا لابد منه لتقليب «الملف الطائفي» الموجود الذي ينكره أو يخففه السياسيون بناء على واجبهم السياسي الذي يقتضي عليهم دوما تخفيف «الاحتقان».

غير أن إصرارنا على وجود «الاحتقان الطائفي»، بل وحتى المجابهات الطائفية التي تشبه كثيرا «حربا طائفية غير معلنة» له المزيد من المعطيات، أكدها لا أكثر تصريح من يعتقد أنه كبير علماء السنة.

والتصريح المثير للضاري لم يضع النقاط على الحروف، بل انه وضعها على الدماء أيضا، فهو شدد على عبارات مثل «وقد أعذر من أنذر» و الأهم منه ما جاء في قوله تحديدا «ستشهد المرحلة القادمة ما لا تحمد عقباه» وأن الأمور تسير نحو التوتر الحاد.

والتوتر ليس حادا فحسب، بل دمويا ولا يتسع المجال لتعداد عمليات الاغتيال والاغتيال المضاد وفتح مقابر جماعية جديدة على أساس طائفي، تنفرد «القبس» في نشر صور بعض منها، وهي لجثث ضحايا ما أطلق عليه قضية المدائن التي أنكر الرسميون وجودها، كما تنصلت منها كل التنظيمات الإرهابية المعلنة عن نفسها والتي راح ضحيتها مدنيون شيعة تصوروا أن سكنهم في مناطق سنية، لا يجلب لهم المصير الذي تجسده هذه الصور القاسية.

الشيخ والوزير

وضع الضاري نقاطه على حروفه في هذا الوقت بعد أن تأكد من خسارة محاولات أطراف كان يديرها لعرقلة إنشاء حكومة إبراهيم الجعفري التي كادت تسقط حتى اللحظات الأخيرة وما أن باءت جهود سرية في عدم تقديم بيان جبر الى وزارة الداخلية.

فلم تهضم أبدا «التنظيمات السنية» العراقية بمختلف مشاربها واجتهاداتها وصول عنصر بارز في «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية» له قوات شكلت ودربت وسلحت في إيران ضمن قوام «حرس الثورة» الإيراني. زد على ذلك وجود خلفيات كثيرة كانت قوات بدر طرفاً فيها مع جهات سنية مختلفة وخاصة في المناطق العراقية التي يقطنها السنة والشيعة.

ربما افترضوا بالوزير بيان جبر «السوء» قبل أن يجربوه، فمثلا، أطلع وزير الداخلية العراقي الرأي العام على واحدة من «التباس القصد» الذي راح ضحيته، موضحا بأن «العلماء السنة» قد تم اعتقالهم قبل توزيره بنحو 15 يوما.

وردا على دعوات «هيئات سنية» بإقالته، قال ان الجمعية الوطنية لها الحق وحدها في تقرير مصير هذا الوزير أو ذاك وليس جهات لم تحصل على مقعد واحد في الجمعية.

رد حامي القانون في العراق كان حاميا و قانونيا وليس سياسيا، فهو يعرف بأن السنة قاطعوا الانتخابات وفق مزاجهم وعوامل أخرى خارج نطاق المزاج، وفي الوقت نفسه فتح على نفسه باب المساجلة في واحدة من مسلمات الدولة العراقية، الأمر الذي قد تبدى في صفحات مناقشة «قضية بيان جبر» و منظمة بدر ودورها في العملية الأمنية برمتها، وخاصة نفيه الطبيعي بأنه ولا قوات بدر قد «مارست القتل بحق أحد»، حيث لا يوجد عاقل ينتظر منه أكثر من هذا النفي.

الأزمة لا تنحصر بتصريحات الشيخ ولا نفي الوزير، بل في قضية شاملة أعقد بكثير مما تبدو للوهلة الأولى كأنها صراع على مقعد الداخلية، أنها متشعبة إلى درجة يصعب لملمة خيوطها الرئيسية.

الشيخ والسيد

لمقتدى الصدر علاقات «مقاوماتية» جيدة مع حارث الضاري وأحمد الكبيسي وكثير من رجال الدين السنة، فهو يصف رئيس هيئة علماء المسلمين بـ «الشيخ المجاهد» والعلماء يدعون له ولمجاهديه وقاموا ببعض الفعاليات الناجحة بإظهار الوئام بين الطائفتين الكبيرتين في العراق بتحقيق حلم الأب الشهيد محمد صادق الصدر بالصلاة الجماعية بين السنة والشيعة.

لكن مقتدى الصدر ذهب إلى أبعد من هذه المجاملات والعواطف ليقف ما بين ألسنة العلماء السنة الملتهبة وتصريحات البدريين المنددة، لكي يطفئ من هذا ويبرد من ذاك.

ولا نعتقد ان مقتدى الصدر سينجح في لعب دور «مخفف الصدمات» في هذه الأزمة الكبرى، فالبدريون هم أنصار الحكيم الذين لا يودون الصدريين هم ولا أجدادهم، كما أن نطاق تأثير الصدريين في الهيئات السنية المتصارعة فيما بينها محدود للغاية، ناهيك عن وضع مقتدى الخاص وعمره وضيق مجال المناورة الذي يطبع تحركاته واتهام أكثر من طرف سني له بتلقي دعم إيران أسوة بالحكيميين في بدر وغيرها.

مظاهر.. وحسب

ولم يكن قرار «ديوان الوقف السني» محميا بدعم هيئة علماء المسلمين والحزب الإسلامي العراقي بإغلاق مساجد السنة بعد صلاة الجمعة الفائتة ولمدة ثلاثة أيام أكثر من تظاهرة شكلية للتعبير عما يحصل في البلاد من تصادم وتشابك طائفي غير محدود ولا محمود.

فكما قال خطيب وإمام مسجد «أم القرى» أحمد عبد الغفور السامرائي ان هذا الإجراء يجيء «احتجاجا على تلك المجازر»، دون أن يسميها ويحددها. فالخطيب البليغ والمؤثر في أعصاب متابعي الفضائيات التي يحلو لها نقل خطبته كل جمعة يدرك ان المجازر لم ترتكب بحق السنة وحدهم، فالشيعة الراهنون طالتهم مجازر نعرضها اليوم بالصور، لا تقل عما سجلته دوائر الطب العدلي ومشارح البلاد بحق الشبان السنة.

ويذهب السامرائي ليكرر تهديد الضاري بالقول إن إغلاق المساجد السنية ليس سوى «احتجاج سلمي وخطوة أولى وستتبعها خطوات». ومن الواضح أن للجماعة خطة تحرك كاملة ليس من الصعب إدراكها لمتتبع نشرات الأخبار اليومية في العراق!

التظاهرة المذهبية

هذا يحدث باستمرار في طول العراق وعرضه، ويحصل في العراق دوما، كما تألمت أيامه في الكثير من «الأحداث الطائفية» دون الالتفات ولو من الناحية المهنية لأهميتها ودس أصابع التحقيق لمعرفة ما يجري بالفعل.

ففي البصرة مثلا، حدثت أول تظاهرة مذهبية شارك فيها السنة بدعوة من مديرية الأوقاف السنية و «هيئة علماء المسلمين» التي لم تكن ناشطة بعد، كما الحال في ذلك اليوم الحزيراني (يوم من يونيو) من عام 2003.

لم يتوقف أحد عند «تظاهرة السنة» وكان مجلس الحكم المشكل منذ أيام يضم عضوين من أهل البصرة وكلاهما شيعة (الشهيد الزاهد عز الدين سليم والقاضي وائل عبد اللطيف الذي كان الى جانب عضويته في مجلس الحكم محافظا للبصرة في سابقة جديدة في منظومة الحكم العراقي).

محاصصة المساجد

لم يتنبه إليها أحد بمعنى، أن العراق كله كان مهموما بقضايا أكبر من شعارات السنة البصريين، فالناس بدأوا يشعرون بمهانة الاحتلال (في هذه الأوقات بالذات انطلقت رصاصات الأميركيين في صدور المتظاهرين في ساحة الفردوس مستبدلة مهمتهم المعلنة الى محتلين تقليديين). أضف الى ذلك أن البلد برمته سرق في وضح النهار، فما بالك ببضعة مساجد يدعي سنة البصرة أن اخوتهم الشيعة صادروها!

لم تكن أولوية مسألة «محاصصة المساجد» في وقت انشغل فيه أهل الحكم بمحاصصة أنفسهم، واغتم الأميركان بمسقط جنودهم بعد أن أعلن رئيسهم نهاية الحرب، وثمة صدى خفيف كانت تعمله رسائل صدام الصوتية وبدأ فرسان القاعدة يمتطون صهوات السيارات المفخخة.

راحت إذن صرخات سنة البصرة في تلك الأوقات وكظموا غيظهم، بل خبأوه رمادا يمكن اشتعاله في أي لحظة، فيما انشغل الشيعة بجدولة الأولويات العديدة التي جاءوا من أجلها.

المظلومون

بداية، ان شيعة العراق وسنتها كان مغضوباً عليهم بسبب السياسة «المناطقية» التي اتبعها النظام حتى إزاء البعثيين الأصليين، فمن عاش في تلك الأوقات يعرف ما حل بعائلات بعثية وأبنائها (العمر والمنديل نموذجا) لكونهم بصريين، فصفاء صالح العمر عندما كان عضوا لفرع البصرة لحزب البعث دفع وعائلته ثمنا باهظا لمجرد أنه قال لصدام في واحدة من زياراته الى المدينة بأن «البصرة مهملة وتحتاج الى اهتمام أكبر من القيادة». لم يصح الديك البعثي لآل العمر لغاية سقوط النظام من وراء كلمة واحدة. فقد تعامل صدام مع صفاء وفاروق وجهاد (أشقاء كلهم وصلوا مرتبات عليا في الحزب في البصرة) كبصريين وليس كبعثيين.

لذلك فأن من بطش بالبصرة غرباؤها لا أبناؤها وهذه حقيقة، ولم يثق صدام ببصري إطلاقا ولم يصل طوال فترة حكمه أي بصري إلى منصب قيادي عدا حالة واحدة انتهت بمأساة عندما أصبح حميد مجيد العايد محافظا للناصرية وحقق فيها انجازات جعل الأهالي يطلقون عليه «ابن الناصرية» وحين سمع صدام هذا اللقب أخفاه تماما من الوجود.

ونموذج نعيم حداد، عضو القيادة القومية، ومصيره المأساوي على يد صدام لم يكن لكونه شيعيا، بل لأنه من الناصرية ولم يوافق على التدخل ضد عشائر سوق الشيوخ والضغط عليهم في مسألة التسلل وحركات الثوار في الأهوار الجنوبية.

بينما قرب الشيعي محمد الزبيدي ليبطش بأهله في الجنوب واستغل الأكاديمي والبعثي القديم الشيعي سعدون حمادي للتطبيل لسياسته ورسمها وأخيرا إضفاء شرعية ما على برلمان مزيف.

الجمرة الطائفية

القضية التي نريد إيصالها أن المشكلة، لا سابقا ولا حاليا، كانت عراقية ـ عراقية، والظلم وقع على العراقيين كلهم بلا استثناء، و«الجمرة الطائفية» التي يرغب البعض في «توليعها» لا تنحصر بمشاكل الوقف السني والشيعي، فحتى هاتين المؤسستين كانتا نتيجة إلغاء وزارة الأوقاف بقرار من الحاكم الأميركي بول بريمر ولم تكن تنفيذا لفتوى إيرانية أو فلوجية، وسرت ضمن المخطط الأميركي لتكريس الوضع الطائفي في العراق (ليس مؤكدا وجوده نظريا، لكنه عمليا بيـّن جدا) بابتكارهم للمرة الأولى منظومة المحاصصة.

ظهور الوقف السني والشيعي كل على حدة بقرارات فوقية شمل العراق، والمشكلة لم تبدأ بهذا التنظيم الذي أساسه مذهبي على أقل تقدير، بل تنحصر في أن الأمور تاريخيا وإداريا لم توضح في السابق عندما كانت ثمة وزارة لأوقاف الجميع بمن فيهم اليهود. ولم تكن ضمن «الأدبيات الإدارية» تسميات مثل «مسجد للشيعة» وذلك للسنة، وكان هذا الأمر يجري حسب العرف، وبناء على من يدير المسجد ومن يؤمه ومن يؤذن فيه، لكن تحديد إداري ـ حقوقي لم يكن موجودا.

الكثرة تغلب

وكذلك التسليح يغلب العقل والتفاهم. فالتنظيمات والحركات الشيعية التي داهمت الجنوب العراقي، وخاصة في البصرة منذ اللحظات الأولى لتسليمها للبريطانيين، كانت مسلحة جيدا ومتحمسة ومنتظرة هذا اليوم، فيما شعب الداخل كان معصورا من صدام الى درجة أنه كان خائفا من أي شيء ولم يكن مستعدا لمواجهة عناصر انتحارية ذاقت الأمرين في الغربة.

العبارة الأخيرة لا تعني بالضرورة ان الذين قدموا الى البصرة كانوا من ضمن أهلها الذين هربوا او لجأوا الى إيران، واغلبهم أيام الانتفاضة، لكن قسماً منهم كانوا كذلك، إلى جانب قوات منظمة دستها إيران بما لا يقبل الشك ضمنها.

وضع هؤلاء أيديهم على مؤسسات الدولة الكثيرة بما في ذلك المستشفيات والجامعة، وشيدوا عند رأس كل جسر وشارع حزبا وتنظيما وحركة. وكانت هذه المقار بمثابة موطئ القدم الذي انطلقوا منه لرسم خرائط طرقهم.

سرقة التسامح

لم يضر العراقيين أن يكون مستشفى صدام باسم الصدر، ولا فرق حتى من وجهة النظر الطبية ولم تستفزهم كثرة الصور للرموز الدينية التي تجاوز عددها وأشكالها ما كان يعاني منه العراقيون من صدام ورساميه ومصوريه وبدلاته المختلفة على الرغم من تكرار سخط السيد علي السيستاني من استغلال صوره في واجهات الأحزاب ومؤسسات الدولة.

من الممكن عدّ هذه المظاهر شكلية، قياسا إلى ما حصل على الأرض من استيلاء على عقارات ومبان ومنشآت بأكملها وتوظيفها لصالح الحزب والحركة المستوردتين.

الحديث لا يجري عن سرقة ميناء المعقل ورافعاته وإهدائها الى إيران ولا عما حصل في معملي الأسمدة والورق وما جرى من نهب بالساعات لمصنعي البتروكيماويات والحديد والصلب، ولا منشآت التصنيع العسكري التي تلاشت بين ليلة وضحاها، فهذا في النهاية حديد، لو كانت إيران الغنية والقوية تقبله على نفسها، فلا التاريخ ولا العراقيون سيسامحونها على إبرة واحد نقلت إليها وتقبلتها بصمت لدوافع، الحديث هنا غني جدا عن التوقف عندها.

الأشد إيلاما مما تمت سرقته من العراق كان التسامح والمودة بين ما هو سني وشيعي وأرمني وصابئي وهندي وبلوشي وأحسائي وحتى يهودي. فالعراق عاش وترعرع على هذا النحو ولم يفرق بين عربي واعجمي إلا بالحب وامتداده على منبته وتربته.

وطوال حياتنا ولغاية هذه اللحظة نستنكف هذه التقسيمات، لكن لهذه الرسالة مبدأ ووضعا آخر، فهي مجهزة للحديث بلغتهم، باللغة التي فرضوها علينا على الواقع، ولا مفر من تتبع مجرياته علنا كي نضع الإشارة على المحور الخطأ.

جمال
05-28-2005, 02:01 AM
تشابك الطوائف (3)

جدولة المصادمات بين الشيعة والسنة في العراق بدءا من الشرارة الأولى

بغداد ـ د. جمال حسين

يسأل من يدعون بتمثيل السنة العراقيين وعن سبب صمتهم من الرسالة الصوتية البذيئة التي بثها أحمد الخلايلة الذي يطلق على نفسه «أبو مصعب الزرقاوي» ومدتها 33 دقيقة من موقع «قاعدته» في الإنترنت والتي دعا فيها الى قتل «الرافضة» (الشيعة) أينما يثقفونهم (أطفال نساء ولا يهمه، مدنيين كانوا أم غير ذلك) مختتما رسالته البشعة بنعتهم بـ«الخنازير» لكونهم «عيون وآذان الأميركيين» و«ليسوا مسلمين» وأن «من يقف في صف اليهود يكون مثلهم». ودعا السنة الى «حرق الأرض» تحت أقدامهم والمحتلين.

وللمرة الأولى منذ وقت متأخر من عام 2003 سمع الناس دعوة واضحة وصريحة من تنظيم فاعل في العراق الى شن الحرب الأهلية المبنية على أساس طائفي بقول هذا الإرهابي بشكل مباشر «أن أفضل طريقة لتقويض السياسة الأميركية في العراق هي بتحويل البلد الى طوائف دينية تقاتل بعضها بعضا»، ليفسح المجال للذاكرة بتسجيل أول خطوة نحو تشابك الطوائف الذي يعتبره البعض انه اصبح على عتبة الانفجار.

حرب المراجع

.. وكان اغتيال الشهيد محمد باقر الحكيم بعد خروجه من صلاة الجمعة في عملية فائقة التدبير راح ضحيتها نحو 80 شخصا، وعلق السيد عبد العزيز الحكيم على هذه الفاجعة بالقول المركز والجملة الصحيحة «إن هدف الجريمة إشعال الفتنة الطائفية» (الرئيس الحالي للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية تعرض لمحاولة اغتيال، هو الآخر، قتل على اثرها الكثير من حراسه ومرافقيه).

وبعد فترة قصيرة، فجر مكتب المرجع محمد سعيد الحكيم، ولحسن الحظ نجا من هذه المحاولة التي أعقبتها مباشرة واحدة من أبرز سوابق «إشعال الفتنة الطائفية» بالاعتداء الوقح على الزوار والمراقد المقدسة في العاشر من محرم قبل الماضي والتي عرفت بـ «مجزرة عاشوراء».

وتعرض خمسة أعضاء من مجلس الحكم المنحل لمحاولات اغتيال كلهم شيعة، استشهد على أثرها عز الدين سليم وعقيلة الهاشمي ونجل سلامة الخفاجي التي نجت في الفترة نفسها والتي فلت فيها أحمد الجلبي من محاولة مماثلة.

وأصبح واضحا من مسلسل الاغتيالات المنظمة هذه أن القادة الشيعة وليس غيرهم هم المستهدفون فيها، وبما أن السبب علم فان العجب بطل بقيام مجلس الحكم بتشكيل «لجنة لمكافحة الطائفية» لم تعقد أي اجتماع!

حرب الحسينيات


مع توالي تفجير الحسينيات بطرق الاغتيال الجماعي بواسطة السيارات المفخخة أو ما يسمونهم «الانتحاريين»، استمر صمت الجهات السنية المعنية وإدانتها «الخفيفة» لهذه الأعمال الإرهابية الصريحة التي كانت موجهة ضد مساجد وأناس أثناء تأديتهم الصلاة. وبدأنا نسمع للمرة الأولى مصطلحا جديدا في الواقع السياسي العراقي وهو «المساجد الشيعية» وكأنها مساجد ثلاثة نجوم وليست مساجد للمسلمين.

يقيم الشيعة في الموصل مراسم الفاتحة على ضحايا التفجيرات الانتحارية ويتقبلون العزاء من الناس ليأتي من يفجر نفسه بهم لكي لا يبقي على أحد يستقبل المعزين.

العلماء السنة عبر وسائل الإعلام وخطبهم الدينية لم يبردوا من دماء أخوتهم الشيعة المنكوبين بالقتل الجماعي بعبارات حتى لو تكون عاطفية، بل راحوا يتهمون بعضهم «جهات خارجية» باذكاء نار الفتنة على الرغم من معرفتهم الخاصة بالجهات التي تنفذ هذه الجرائم والتي كانت تعترف عبر مواقعها في الإنترنت بمسؤوليتها عنها.

واستمر مسلسل تفجير المساجد «الشيعية» والحسينيات ومرت أسابيع كانت تتعرض لها هذه الأماكن الى اعتداءات بالساعات وليس بالأيام، ومع ذلك بدا كما لو كان بعض الأخوة في الطائفة الأخرى شامتين وصامتين.

حرب البطاقات


في اللطيفية والمحمودية وامتداد «مثلث الموت»، كان المسلحون يوقفون السيارات التي تنقل الناس الى النجف وكربلاء والحلة والجنوب العراقي عموما يستطلعون هوياتهم وما ان تقرر اسماؤهم بأنهم شيعة (ليس هذا دائما ممكنا، فأسماء أعلام الإسلام يسمونها الشيعة والسنة على السواء)، حتى تجبروهم على عمل أشياء كثيرة مثل شتم الأئمة وغيرها من تصرفات كنا نعتقد أن جاهليين كأبي لهب وأبي جهل كانوا يقومون بها ضد المسلمين الأوائل، وحتى هؤلاء الذين وبختهم آيات كريمة لم يصلوا الى درجة إجرام هذه الفئات عندما كانوا ينحرون المدنيين ويلقون بجثثهم على قارعة الطريق بكل بساطة.

كانوا يعلقون منشورات الرعب التي تحتوي على أسماء العائلات الشيعية ويطالبونهم بترك البلدة أو الذبح.. وتكرر الأمر في سامراء ونفذ في المدائن، ولم يعثروا على شيعي واحد في الفلوجة و إلا كانوا ذبحوه.

وكانوا قلما يتعرضون الى أي ضابط سني في الحرس الوطني بل كانوا يذبحون أفراد هذه المؤسسة العسكرية العراقية بالعشرات كل شهر، ولعل صورة الـ 46 قتيلا جنوبيا، الذين عثر عليهم بعد خروجهم من التدريب في معسكر الصويرة، كانت الأكثر شهرة ومأساوية في حوادث القتل الجماعي.

حرب الكنائس


بالإضافة الى دق الإسفين بين الشيعة والسنة، كان لبعض التنظيمات الإرهابية في العراق خطة نفذوا من خلالها «سوالف» بن لادن والزرقاوي وتحريضهم ضد «النصارى» بالاعتداء على الكنائس وتفجير الكثير منها واغتيال نسبة كبيرة من المسيحيين والصابئة واليزيديين في مناطق العراق المختلفة، وابتكار حجج مختلفة يبررون فيها هذه الجرائم كمنع بيع الخمور وغيرها من الحجج التي لم تنطبق كثيرا على مسنين آمنين تم الاعتداء عليهم في بيوتهم بلا أي ذريعة.

حرب الأقاليم


الحوادث التي حصلت في هذا السياق كثيرة جدا، لكن تسلسل قسم منها قد يفضي الى مفتتح البحث عن حل لإشكالية هذا الاحتقان. فقد تمت مداهمة المساجد السنية التالية: «الكويتي» في الفاو و«البصرة» في أبي الخصيب ومسجد«الروافة» في الزبير واغتيل خطباؤهم ومؤذنوهم وألقيت جثثهم في الطريق.

رد متطرفو السنة باغتيال سيد مكي رئيس حزب الدعوة في أبي الخصيب (يدعي سنة البلدة بأنه توعد بتطهير البصرة من السنة، في بيان وزعوه بعد عملية اغتيال متهميه باغتيال إمام مسجد أبي الخصيب أمجد الدوسري) واغتيال آخر لمسؤول منظمة بدر في القضاء وتفجير مسجد للشيعة في أبي الخصيب أيضا (في بيانهم عقب هذا التفجير قالوا بالنص: «البصرة تمثل لسان الميزان في صراع السنة في العراق)».

أجاب متطرفو الشيعة باغتيال الشيخ والداعية السني المعروف عبد الرحمن الفريح، وأثر ذلك كثيرا في سنة البصرة، لما يتمتع به القتيل من سمعة، فخرجوا في تظاهرة كبيرة في تشييعه وبعده، وحصلت مصادمات استمرت ثلاث ساعات مع الحرس الوطني وقاموا برمي مقرات حزب الدعوة ومنظمة بدر بالحجارة في غضون هذه التظاهرة.

السنة يعتقدون أن «أوقافهم» تمت مصادرتها لتصبح «أوقافا شيعية» وعددوا بعض المساجد والمكتبات والمنشآت الدينية الأخرى، والقضية أضيفت الى تراكمات الحكم وما يحدث في البصرة الآن، لتصبح «حقوقا سليبة»، الأمر الذي يستدعي تدخلا حازما للدولة لحل هذا الموضوع نهائيا دون تركه ليحقن الحقد في النفوس.

وفي منطقة «الأجبال» حدثت مصادمات بعد مداهمة مسلحة من الميليشيات لمسجد المنطقة، اختفى على أثرها 18 من الشبان السنة يقال أنهم غير معروفي المصير الى الآن.

تمت الإجابة على هذه المصادمات بتفجير مقر «ثارات الله» بالقرب من العشار، الأمر الذي أدى الى سلسلة من المجابهات تم فيها الاعتداء على الشيخ السني عبد العزيز آل الشيخ واغتيال والد مدير استخبارات البصرة خلف البدران، وانهالت القنابل اليدوية على عدد من مراكز الشرطة في البصرة.

حرب الأحزاب


وغالبا ما تدخلت الأحزاب الإسلامية (شيعية وسنية) بشكل سلبي في تأجيج نيران الحالة الطائفية. فمثلا، دعت مؤسسة شهيد المحراب التابعة للمجلس الأعلى الشيعة للثأر عقب مجزرة المدائن.

وحصل الأمر نفسه بعد «مجزرة الحلة» ذائعة الصيت التي نفذها الأردني رائد منصور البنا وتسبب في أزمة في العلاقات الأردنية ـ العراقية، خففت منها زيارة الرئيس جلال الطالباني الى عمان قبل فترة، حيث شكل حزب الله العراقي ما أسماها «كتائب الفتح» مهمتها الثأر للشيعة الذين سقطوا جراء العمليات الإرهابية ضدهم.

ودعوات الثأر هذه توجه عادة ضد ما يعتبرونهم «وهابيين»، ولا نعتقد أن لهذه التشكيلات المسلحة مقياسا دقيقا يبصرون من خلاله الوهابي أو غيره من المصلين العاديين الذين يرتادون المساجد «السنية».

وأخذ تنظيم «ثارات الله» الشيعي على عاتقه تصفية ما اعتبروهم إرهابيين وكلهم سنة بالطبع، وكانت هذه العمليات مفتتحا لتدخل مباشر من تشكيلات الأحزاب الإسلامية في الدورة الطائفية الدموية.

والغريب أن كل زعماء هذه الأحزاب يدعون الى الوحدة الوطنية وكلهم مسؤولون في الدولة أو أعضاء في الجمعية الوطنية.

الأمر ينطبق تماما على الأحزاب والحركات والتنظيمات السنية المنشأة على أساس طائفي والتي تبان من أسمائها مثل «أنصار السنة» و«جند السنة» و«كتائب الفاروق»، وغيرها، فهؤلاء يقتلون الشيعة وأولئك يقتلون السنة والاثنان يقتلان المسيحيين وغيرهم من الطوائف وكلهم بمجموعهم يقتلهم الأميركان!

حرب الأئمة


في غضون تعليقه على سبب إغلاق المساجد السنية قال عضو هيئة علماء المسلمين احمد عبد الكريم أنه تم اغتيال 64 رجل دين سنيا في الأشهر الثلاثة الأخيرة فقط، علاوة على أضعاف أضعافهم من المغيبين في سجون الاحتلال والمعتقلات العراقية. وقبل الإعلان عن هذا الاحتجاج بساعات كان ممثل السيد علي السيستاني في مدينة الصدر محمد طاهر العلاق قد اغتيل برصاص مجهولين.

واتهمت هيئة علماء المسلمين «لواء الذئب» بقتل إمام مسجد الشعب حميد مخلف الدليمي وقتلت عضو مجلس الشورى وعضو هيئة علماء المسلمين هادي النعيمي وعددا من مريديه وألقيت جثثهم في أطراف المدينة. وشوهدت جثة إمام مسجد أور طلال نايف العنزي مكبلة اليدين ورصاصة في الرأس في حديقة الفردوس، وقتل قريش عبد الجبار عضو مجلس الشورى، وقتل الدكتور مصطفى المشهداني بعد خروجه من مسجد المهيمن في حي الحرية، وقتل إمام مسجد الكبيسي في حي الشرطة واغتيل عضو هيئة علماء المسلمين سعدي أحمد زيدان، ونجا إمام مسجد الخلفاء عبد الكريم العاني من محاولة اغتيال أصابت جسده بخمس طلقات وأضعاف عمليات الاغتيال التي فاتنا ذكرها. علما بأنه تم الاعتداء على 12 مسجدا سنيا في صلاة الجمعة الفائتة قبل إغلاقها.

وكان رئيس هيئة علماء المسلمين حارث الضاري قد أطلق سراح أشخاص من الشيعة قتلوا شقيقه ضامر الضاري إمام وخطيب مسجد رعد في حي الخضراء لكي لا يفتح مجالا لفتنة طائفية، لكن هذا الكلام كان قبل سنة ونصف السنة تقريبا.

حرب الجامعات


حين شاهد البروفيسور في الرياضيات عبد السميع الجنابي وهو عميد كلية العلوم في الجامعة المستنصرية لافتات سوداء كان طلابه قد رفعوها على جدران الكلية، أمر بإزالتها معتبرا إياها تحمل عبارات طائفية لا تليق بالحرم الجماعي ومستندا الى قرارات وزارة التعليم العالي بمنع استخدام الجامعات كمنابر للمظاهر الطائفية.

رد الطلاب (الشيعة) عليه باعتصام طال اسبوعا انتهى بالعثور على جثة العميد في باب الكلية مطعونة بعدة حراب.

وحين نظم أحد طلبة جامعة بغداد احتفالا بسيطا مع زملائه بمناسبة اختيار إبراهيم الجعفري رئيسا للوزراء، علقوا رأسه على أسوار الجامعة بعده بيوم، الأمر الذي أشعل تظاهرات طلابية غاضبة اجتاحت الجامعة لأكثر من أسبوع تعطلت فيها الدراسة ولم تسيطر عليها قوات الأمن حيث سقط في هذه الاضطرابات عشرات الجرحى ليضطر رئيس الجامعة موسى الموسوي الى تعطيل الدراسة لمدة خمسة أيام أخرى، خوفا من وقوع المزيد من الضحايا.

حرب الانطباعات


لم يتكفل أحد ويشرح للطوائف المتشابكة بأن العصابات الإرهابية في العراق وعلى رأسها صاحب الرسالة الصوتية، يراهنون على الاقتتال الطائفي وتكريس حالة (للأسف الساسة العراقيون الجدد ساهموا بتوطيدها بقوة) هي أن السنة أكثر الخاسرين في عملية التغيير التي شهدها العراق، فيما الشيعة هم الرابح الأكبر. وكذلك زرع انطباع لدى الغالبية الشيعية بأنهم كانوا الضحايا الوحيدين من نظام صدام، فيما السنة مدللون منه.

ولعل سببا موضوعيا أدخل الشيعة بمواجهة مباشرة مع النظام هو توفر قاعدة انطلاق لعملياتهم وملاذ آمن لأحزابهم المعارضة وممول سخي لبعض الجماعات، هو إيران، فيما لم يجد السنة ولا حركاتهم مثل ذلك الملاذ بسبب تحفظ السعودية واستفادة سوريا من الحصار على النظام، وتكتيك الأردن الخاص بالتغيير الذي فضله السنة المعارضون للنظام: إحداث انقلاب عسكري، فحدثت انقلابات كثيرة جدا ضد نظام صدام أبرزها محاولات الشيخ طالب السهيل واللواء محمد الشهواني رئيس المخابرات العراقية الحالي، والعميد محمد الدليمي الذي اعدمه صدام مع كافة أشقائه والكثير من أبناء عمومته، ناهيك عن محاولات كثيرة نفذوها، وأخرى فشلت قبل تنفيذها، علما أن معظم محاولات اغتيال صدام الفاشلة نفذها ضباط سنة. وهذا كله يؤكد ان الانطباع المزعوم بأن السنة كانوا يوالون صدام ويواليهم، باطل.

وثمة مجال بدأ يتسع لاعتقاد الكثير من السنة أن تحالفا كرديا - شيعيا موجّه ضدهم لذلك عليهم «مقاومته». فمثلا، قبل إثارة مسألة فيلق بدر كان الحديث برمته في «المثلث» يدور حول البيشمركة وأعمالهم العسكرية ضد «مجاهدي الفلوجة» وغيرها وبنوا هذا الانطباع وأكدوه بمقاطعة الانتخابات وتركهم الشيعة والكرد لتقلد زمام الأمور بعد أن وضعوهم أمام خيار واحد: أما تأجيل الانتخابات أو مقاطعتها، في وقت لم يمتلك فيه احد، لا بين الكرد ولا الشيعة، حق وصلاحية تأجيل الانتخابات المنصوص على إجرائها بموعدها في قوانين البلد وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

إيهام الشيعة بأن السنّة وراء الهجمات


كما أن انطلاق نشاط العصابات الإرهابية من محافظات تسكنها غالبية سنية كالموصل والأنبار وتكريت، ساعد في ايهام بأن السنة هم من يقومون بهذه الأعمال ضدهم تحديدا وأن المدن السنية «حاضنة للإرهاب» كما يحلو للقادة الأمنيين الجدد تسميتها، مخطئين جدا في توجيه الرأي العام الشيعي ومحققين مرام الخلايلة.

والتباس آخر وقع به السنة بعد أن قدمت جماعات وأحزاب الإسلام السياسي الشيعي أنفسها وقادتها كممثلين للشعب العراقي الذي يعتقدون ان غالبيته شيعة (سنحصي هذه المسألة البالغة التعقيد في حلقة قادمة). ولا يوجد أي أساس لنعرف السبب الذي جعل هؤلاء الساسة المتعطشين للسلطة يعتقدون بأنهم ممثلون للشيعة، وهل يكون ذلك واقعيا لمجرد أنهم شيعة؟!


عصابات الاجرام تكفّر الـجميع وليس لها دين

هوس السلطة الذي أصاب بعض أعضاء وقادة أحزاب الإسلام السياسي تحول الى «هوس طائفي» أصاب كثيرا من الشيعة والسنة على السواء في منعطف لم يجد فيه أي من أنصار الطائفتين خياراً آخر غير عنق زجاجة واحد لا يتسع سوى لرقبة منفردة تعبر بفتّاحة أميركية.

وكان أكبر الأخطاء الفادحة التي كرست كل هذه الانطباعات غير الصحيحة الخطوة الأميركية بتعيين بول بريمر وإدارته وتشكيل مجلس مهلهل ومزري الصلاحيات يحكم البلاد حسب الحروف الأبجدية، وفق المصطلح المزعج الذي بات قاعدة سياسية الآن: المحاصصة الطائفية. ولعب العلمانيون المتعطشون للسلطة دورا سلبيا في تمرير هذا المخطط الذي أرسى «الطائفية السياسية» في العراق لأمد غير معلوم، ساعدهم في ذلك موقف أكثر سلبية من علماء المسلمين من الطائفيين والقوميين الذين فقدوا امتيازاتهم، وللإنصاف لم يعترض عليه سوى قوتين غير مؤثرتين وقتذاك هما الحزب الشيوعي العراقي ومقتدى الصدر!

أن عصابات الإجرام التي تروع العراقيين ليس لها دين وتكفِّر الجميع ولا يمكن خلطهم بالسنة ومعاقبة السنة لكونهم محسوبين عليهم، وينطبق الأمر على بقايا النظام السابق الذين تأسلموا وصاروا فجأة «أنصار السنة» وأعضاء في «جيش محمد» ونوابغ في الذبح فيما هم يتلعثمون بقراءة الآيات القرآنية للفضائيات المخربة.

فلماذا يُحسب التكفيريون القادم أغلبهم من خارج البلاد، والبعثيون، على السنة؟ ولماذا يأخذون جريرة السنة بهم، حتى أولئك الفتيان والشيوخ الذين اعتادوا على ارتياد المساجد؟!

تاليا، لا ينبغي الاعتقاد أن السنة مرتاحون لما تقوم به العصابات الإرهابية المحسوبة عليهم، ولا يجوز التفكير بأن الشيعة جزء من منظومة الإسلام السياسي والتشكيلات الشيعية المسلحة المشكلة في إيران، فكلهم طلاب سلطة، والسلطة ليست لها رائحة ولا عنصر ولا قومية وليست سنية ولا شيعية.



(يتبع)

مجاهدون
05-30-2005, 12:10 AM
تشابك الطوائف (4)

الطائفية السياسية ما بين حكومة الطوائف وطوائف الـحكومة

بغداد ـ د. جمال حسين

وقع وزير الداخلية العراقي بيان جبر بالمحظور الذي نبهنا اليه في الحلقة الاولى وانزلق في المساجلة التي فتحت «الملف» برمته، بإعلانه استعداده «التحالف ولو مع الشيطان »، مثبتا قضية إن فتحت صفحاتها الاولى، فلا احد يدري من سيبقى على قيد الحياة ليقلب صفحاتها الختامية.

حين يوجه مواطن عراقي مؤثرة كلماته على ملايين السنة في بلد ملتهب طائفيا، «اتهامات طائفية» الى اهم وزير في الدولة النامية توا، فإن هذه الدولة لم تتدخل وتبسط «سلطة القانون»، بل ظهر وزيرها مبررا متوعدا احيانا، واحيانا اخرى متوسلا كتلميذ مذنب.

هل يعقل ان تصمت الحكومة وآلياتها عن تصريحات «حارث الضاري» ولماذا لم يتدخل القانون للتحقيق والمحاسبة، ولماذا يتدخل «المطلوب السابق» للقانون (حسب الوثائق الحكومية على الاقل) السيد مقتدى الصدر ليجري الوساطة بين السنة والشيعة؟!

هذا يعني في اقل تقدير، وجود فراغ كبير بين السلطة والناس والقانون الذي تمثله والمنابر التي تحرك المجتمع. فراغ سياسي واقعي يجعل اتهام الامس «وثيقة شرف» اليوم.

كيف تصفى الامور لو كان الإمام يوقع للسيد وثائق الشرف؟

اين الحكومة من كل ذلك وما رأي القضاء في اتهام علني غير مسبوق لوزير داخلية بارتكاب «جرائم»؟

فإما ان يحاسب الضاري بتهم القذف والاتهام الباطل و يسجن او يدفع تعويضا ماليا للوزير او يذهب الوزير فورا الى المحكمة للإجابة عن اتهامات الجرائم المنسوبة إليه.

ما علاقة مقتدى الصدر بكل ذلك؟

واي «وثيقة شرف» ايا كان قد امهر توقيعه عليها (حارث الضاري باسم هيئته او ابو الحسن العامري عن تنظيمات بدر المسلحة)، من شأنها وقف المشكلة الاساس التي اختصرها الرئيس جلال الطالباني بعبارة واحدة «الطائفية في العراق من صنع الله»؟! فميثاق الشرف سرعان ما لطخه الإرهابيون بتفجير حسينية في بغداد وقتل شيعة في تلعفر وكرد في طوزخرماتو، بإعلان صريح بأن ما يوقعه الضاري لا يعنيهم بشيء كدورة تشبه الى حد كبير توقيعات ياسر عرفات وتصريحاته وما يعقبها من تفجيرات «حماسية» و«جهادية».

تلك المشكلة هي التي دفعت وزيري خارجية الدولة العظمى والكبرى في الإقليم للإسراع اليوم وقبل غد الى العراق لتلافي ما يمكن تغطيته ولو في الاشهر القريبة القادمة.

النظيران اللدودان


لا يمكننا التصديق بأن زيارتي وزيري خارجية الولايات المتحدة وإيران كونداليسا رايس وكمال خرازي في اسبوع واحد جاءتا حسب ترتيبات دبلوماسية ومواعيد نظيرهما هوشيار زيباري الذي نشك بأنه كان يعلم بهما، على الاقل بزيارة السيدة الاميركية.

فالعالم انشغل بتصريح واحد فقط لرايس، حصرته في جملة حذرت فيها من مغبة تهميش السنة وإبعادهم من لعب دور مهم في العملية السياسية.

فوزيرة الخارجية الاميركية تلقت تقارير جيدة هذه المرة اشير فيها الى ان الفائزين في الانتخابات تمادوا كثيرا في تصديق انتصارهم الى الحد الذي شكلوا فيه لجنة صياغة الدستور من 55 شخصا بينهم اثنان فقط من «رعاياهم» السنة!

وتعلم جيدا اسباب عدم حضور نائب رئيس الجمهورية غازي الياور ومعه المجموعة السنية لحفل اداء قسم الحكومة، ولابد ان تكون لديها فكرة ولو عامة عما كان يدور في قصر الشيخ المقدم كسني.

حكومة الائتلاف

لم تكن الحكومة الحالية لمن ادرك ما جرى، «حكومة الجعفري» باي حال، فهي حكومة شكلها «الائتلاف العراقي الموحد» وفي مقر رئيس المجلس الاعلى للثورة الإسلامية السيد عبد العزيز الحكيم، الذي اكد الامر بتلاوته بيانا الى «الشعب العراقي العظيم» ليس بصفته عضوا في الجمعية الوطنية، فحسب، بل لكونه القبطان الاوحد لدفة اهل الحكم.

لم يكن استحواذ «الائتلاف» على القرار السياسي العراقي خافيا على وزيرة الخارجية الاميركية ولا تلك الضربات المتبادلة علنا بين حكومة ستأتي واخرى سترحل. والاميركان الذي اهدوا الانتصار لجماعة الحكيم على طبق من دماء جنودهم، ليس لديهم الاستعداد لتوسيع هذا الطبق الى ما لانهاية لتحقيق «اجندة» كمال خرازي او غيره.

والذين وصفوا زيارة خرازي بأنها «شجاعة» واعادوا وكرروا بأنها مبادرة عظيمة لكونها تأتي من اول وزير خارجية في العالم (عدا اولئك الممثلين للقوات المتعددة الجنسية) ممعنين بدورهم في «الاجندة الإيرانية».

والوزير الإيراني قام كما فعل الآخرون بزيارة «قواته» غير الرسمية في العراق ولغرض الاطمئنان عليها، حاله كحال وزراء القوات المتعددة الجنسية.

ولم يكن تصريح وزير الخارجية العراقية بالاعتراف بعدوان العراق على إيران «شكليا» او لمجاملة الوزير الزائر الشجاع، بل تترتب عليه مسائل حقوقية - مالية، يعلم الله وحده المكان الذي سيعثر فيه العراقيون على زيباري حين تحين لحظة الحقيقة في «يوم الحساب».

يدرك القادة العراقيون الحاليون ثمن الدعم الإيراني لبقائهم، لذلك يهيلون عليهم «الافضال» بمناسبة وبدونها، كذلك الانزلاق المقصود لرئيس الحكومة الجعفري في اول زيارة خارجية له حين وجه اتهامه العلني لسوريا دون التوقف في إيران، علما ان بديهية «تسلل الإرهابيين» تحكم حسب وثائق الداخلية والدفاع لـ «نظام علاوي المقبور» (كما بدأوا يسمونه الآن في صحفهم الرسمية) كانت قد اشارت مرة الى القبض على اكثر من 120 متسللا افغانيا في يوم واحد اخترقوا الحدود الإيرانية ليجاهدوا في معارك الفلوجة (ابريل 2004)، ناهيك عن الآلاف الذين يقبض عليهم شهريا من متسللين لا يمتلكون اي وثيقة سفر.

وهل نسي الجعفري ان مكاتب مفتوحة في طول إيران وعرضها، علنية تعرضها الفضائيات تقوم بتجميع وتهيئة المتطوعين الإيرانيين لمحاربة احتلال «الشيطان الاكبر» وقد ازداد نشاط هذه المكاتب بعد الدعوة التي اطلقها مرشد الثورة علي خامنئي ورد عليه من جنوب لبنان حسن نصر الله مؤيدا بلبس الاكفان و «إنقاذ النجف» في غضون مصادمات جيش المهدي والقوات الاميركية والحكومية العراقية في معارك اغسطس 2004؟

وزيرا الخارجية هل يقرران؟!


وهل تكفي اشهر معدودات لتؤثر على ذاكرة المسؤولين العراقيين لهذا الحد، ام ان تأكيدات خرازي في بغداد «مستعدون لضبط الحدود» او تأكيداته «لن نسمح للإرهابيين باستخدام إيران لدخول العراق» كافية لطمأنتهم بأن 80 مركزا حدوديا سترقع من الشق الكبير فيما بين البلدين؟

ومسألة اخرى ولو فنية: هل ان وزير الخارجية، سواء العراقي او الإيراني، مختص بأمور الحدود و«ضبطها»؟ هل هذه شغلته؟ وحتى لو كانت نوايا خرازي صادقة بمنع تسلل الإرهابيين الى العراق، فمن قال ان وزارة الخارجية الإيرانية تعمل ذلك، او من ضمن اختصاصاتها وهل لديه سلطة على «حرس الثورة» وباقي تنظيمات الامن والاستخبارات التي يسيطر عليها المحافظون، وهؤلاء يعدونه إصلاحيا من الطراز الخاتمي لا يمكنهم وضع مخططاتهم حسب سياسته، بل فيما يرونه «مصلحة النظام».

ولماذا علينا عدم ربط ما يجري من تفجر راهن في «قضية الاحواز» بهذه الزيارة الشجاعة، ولماذا علينا استبعاد تملق إيراني للولايات المتحدة بشأن مسألة الاحواز او غيرها، لاسيما ان خبراء واشنطن ضليعون للغاية في تعظيم المشاكل الإقليمية من هذا النوع؟ وما الذي تستطيع إيران عمله في هذه الظروف غير رعاية «رجالها في العراق» مهما كان الثمن!

والمشكلة لا تنحصر في نوايا خرازي، بل في تعدد مراكز القوى الإيرانية والتصادم الملح فيما بينها والدبلوماسية وخطب الجمعة، وتهيئة الاجواء الكاملة لأن يصبح العراق مضطربا اكثر، فلا تنتقل النار الى إيران التي طالما جاهدت بخطوات سياسية ناجحة، الى حد بعيد، في حماية نفسها منذ تلك الايام التي كان فيها الحديث عن إسقاط النظام العراقي المادة الدسمة لحياة السياسيين والصحافيين.

رفسنجاني واميركا والتسويات


وهناك من يعتبر ان زيارة كل من رايس وخرازي الى العراق في اسبوع واحد قد تسمح بنفض الغبار عن ملف التعاون الاميركي - الإيراني غير السري للغاية من اجل العراق.

ويعتبر ترشيح هاشمي رفسنجاني مجددا لرئاسة إيران في جزء كبير منه ثمرة هذا التعاون، وهو الذي يعتبر «العراب» الخفي في تنسيق الادوار. فرفسنجاني بالذات هو الذي اقنع علي خامنئي بضرورة التعاون مع الولايات المتحدة وفق الحجة التالية التي قالها بالنص لمرشد الثورة: «الحرب قادمة لا محالة ضد العراق وإذا لم نتعاون معها سنعطيها الذرائع لشن حرب علينا بعد العراق، لذلك فمن الافضل التعاون معهم لكي يخرجوا باقل الخسائر، الامر الذي سيجعلهم مدينين لنا وبعد ذلك ستفتح مجالات التطبيع معها مع استمراركم في خطاباتكم النقدية كما فعلنا في افغانستان ونركز على وحدة الاراضي العراقية لنرضي السعودية وباقي الدول العربية، وبذلك سنستأصل الصدامية والخاتمية ونقلل من هجمات الإصلاحيين».

لقاء سري


بعد شهر من عملية الإقناع المذكورة، ارسل خامنئي مندوبه الخاص عباس ملكي المعاون السابق لوزير الخارجية ليفاوض اميركيا يعمل في سفارة بلاده في الكويت، قدم نفسه للمبعوث الإيراني باسم مستعار واتفقوا على جملة من القضايا نذكر ما يرتبط بالوضع العراقي الراهن: اولا، التعاون ما بين البلدين من اجل تشكيل الدولة البديلة لنظام صدام. ثانيا، مشاركة المجلس الاعلى في قيادة الدولة العراقية. ثالثا، تشكل اميركا مظلة حماية للشيعة في الجنوب وتتم مشاركتهم الفاعلة في الحكومة الفدرالية. رابعا، عدم تدخل القوات الإيرانية في المناطق العراقية الشيعية لا في اوقات الحرب ولا بعدها، ولن تتدخل في الشأن العراقي الداخلي بعد سقوط النظام.

خامسا، السماح لقوات بدر الدخول في الجنوب والشمال عبر السليمانية لتأمين الوضع الامني بعلم القوات الاميركية.

وتضمن الاتفاق مسائل كثيرة كحماية المنشآت النفطية للعراق وإيران من هجمات محتملة، وتأمين سلامة الطيارين الاميركيين في حالة وقوعهم في الاراضي الإيرانية، وعدم السماح لصدام او انصاره بالهروب عن طريق إيران، وتسليم مطلوبين من عناصر القاعدة. وتعهدت الولايات المتحدة ألا يمارس العراق المستقبلي او اي من معارضي إيران (يقصدون مجاهدي خلق وغيرهم) اي نشاطات ضد إيران انطلاقا من الاراضي العراقية، وغيرها من المسائل.

في غضون ذلك، صرح بيان جبر (وزير الداخلية الحالي) في يناير 2003 لصحيفة «إطلاعات استراتيجك» ان وحدات من فيلق بدر استقرت في كردستان العراق والاهواز الإيرانية بجميع اسلحتها الثقيلة للمشاركة في حرب الإطاحة بالنظام، الامر الذي رصدناه في غضون تغطيتنا للحرب وايدته تصريحات الاتحاد الوطني الكردستاني.

لحية بلحية


إذن، الزيارتان متوائمتان للغاية على حد التعبير الشائع «لحية مربوطة بلحية». ولكن اكثر ما يثير فيها، ان الوزير الإيراني الذي عبرت زيارته عن دعم واضح للاخوة في المذهب الذين يقودون البلاد بالشموع، جابهها موقف الوزيرة الاميركية في إنارة فوانيس السنة مجددا.

وهو النسق ذاته الذي حافظ على «شعرة معاوية» فيه الرئيس جلال الطالباني في زيارته للاردن في وقت تصور فيه الجميع ان العواقب الطائفية بعد «مجزرة الحلة» ورماد الموقف الاردني بدعم العراق في حربه ضد إيران والذي لا تنوي نسيانه، لا يمكن ان تنطفئ ما بين الاشقاء السابقين.

لا رايس ولا خرازي ولا الطالباني ناقشوا مشاكل العراقيين الحادة، ولم يجلب اي منهم كيلو واطا واحدا للبلاد المظلمة، ولم يناقشوا استثمارا ما، او اسعار دواء وتذليل صعاب تعاني منها التجارة، ولم يفكر احد منهم بإنعاش العملة العراقية وتطوير الوضع المصرفي ولا تبني مشاريع زراعية وإنتاج ولو حذاء بتمويل مشترك. كل ما ناقشوه كان يخص ما ينمقونه بالتسمية الحلوة «العملية السياسية» المؤسسة على اعتبارات «الطائفية السياسية»، هي الاعتبارات الوحيدة التي تبقيهم في الحكم الذي لا يفكر احد فيهم بالتنازل ولو بمليمتر سلطة لغيره، باستعانة من تلك الليالي الطويلة التي كانت فيها الانوار لا تطفأ في منزل الرئيس العراقي السابق.

في قصر الشيخ


كل يوم كان ممثلون سنة يجتمعون مساء في قصر غازي الياور وكانت اجتماعات ما اسموها «لجنة الحوار الوطني» و «الجبهة الوطنية» (تكتلات سنية ظهرت في غضون تشكيل الحكومة) تعمل على مدار الساعة، وكانت قوائم الوزراء السنة تكتب مساء في قصر الشيخ لترمى صباحا في الزبالة في ديوانية السيد عبد العزيز الحكيم!

وسنـّة الياور مختلفون مع هيئات سنية اخرى، فهيئة علماء المسلمين لم تدخل في قصر الشيخ لأنها مقاطعة اصلا «العملية السياسية» ولا مكان بكل الاحوال لغريمه عدنان الباجه جي، الذي بدأ بإغلاق مكاتبه الواحد بعد الآخر ومعها صحيفته، ولا نصير الجادرجي وانصاره المسنين ولا دعاة الملكية وشريفهم.

انهم الاقوام والقبائل والاقطاعيون العشائريون الذين تربطهم بالشيخ وعشيرته الكبرى مصالح وعلاقات تاريخية، وليس كل واحد فيهم يود التقرب من الرئيس السابق يجد له صدرا ومكانا رحبا في صالات الشيخ.

كان القائمون على تشكيل الحكومة في الائتلاف العراقي الموحد مدركين لحجم التناقضات السنية - السنية وحافظوا على مبدأ واحد: لن يفرض عليهم اسم واحد في الحكومة من اي مجموعة سنية مهما كانت، في الوقت نفسه يحاولون تفادي فرض اسم على تلك المجموعات. بمعنى آخر امتلاكهم «نصف فيتو» واستغلوا هذا الفيتو المنقوص بالفعل في غضون إلغاء ترشيح عدنان الباجه جي لهيئة الرئاسة ومشعان الجبوري لرئاسة الجمعية الوطنية.

وتساءل المفاوضون الشيعة في غضون مناقشاتهم مع السنة: كيف نستطيع تقبل الشريف بن علي مع كل مودتنا له، والباجه جي مع فائق تقديرنا إليه، في منصب كبير ولم تحظ قائمتاهما بمقعد واحد؟! وبالنسبة للجبوري قال الشيعة انه لا يوجد اتفاق سني عليه وحتى لو تم هذا الاتفاق فسنرفضه.

طائفيات دستورية


إبعاد السنة من لجنة صياغة الدستور واضح، فهم 2 الى 55 والصراع ما بين الكرد و الشيعة على رئاسة اللجنة الخطرة في العملية السياسية العراقية جلي ّ.

قد تكون النسبة الضئيلة للسنة في اللجنة مرجعها اسباب «فنية» لأن اعضاء اللجنة ينبغي ان يكونوا نوابا، ولا وجود كافيا للنواب السنة في الجمعية الوطنية وحتى بعض السنة المعدودين في البرلمان فهم من قائمة الائتلاف الشيعي! فمن اين ياتون بسنة الى لجنة صياغة الدستور طالما ان تشكيل البرلمان من الاساس بني على اساس مقاطعتهم له وبالتالي تحولهم الى اقلية بإرادتهم الخطأ؟

خبراء الائتلاف ابتكروا طريقة قانونية وشرعية لإشراك السنة في لجنة الصياغة، بجلبهم إليها ليس كاعضاء، بل بتسمية مهذبة اخرى كثرت في عراق بريمر وهي: المستشارون.

والمستشارون السنة يفترض مشاركتهم في اللجان الفرعية التي تؤلف الدستور وهي مشاركة في كل الاحوال، لكن القوى السنية قالت انها غير مسؤولة ولا يعني لها الدستور شيئا طالما لم تشارك في صياغته، ووصفت وجود المستشارين بذر الرماد في العيون وهددت علنا بأنها سترد كيد الفقرة جيم الى نحر من عملها، خصيصا بمنح المحافظات الكردية الثلاث حق الفيتو على اي قانون في العراق بتآلف المحافظات السنية (الرمادي وصلاح الدين والموصل) ضد اي استفتاء من اجل الدستور لغرض تعطيله وشل الحياة السياسية فيما بعد.



الدوامة الطائفية و«المستشارون»

ان القوانين المعمول بها في العراق مستندة إلى «قانون إدارة الدولة» الذي منح فترة 6 اشهر فقط ما بعد اغسطس القادم فيما لو صوت العراقيون في نوفمبر ضد الدستور او عارضته ثلاث محافظات، الامر الذي قد يدخل البلد في دوامة جديدة، هي طائفية اساسا، خاصة ان المعلومات تشير الى ان الاخوان في المحافظات السنية متحزمون وحادون اسنانهم ومتهيئون ومستعدون للمشاركة الفاعلة في استفتاء نوفمبر لغرض إلغائه، دون حتى ان يعرفوا ما الذي سيحتويه!

بالطبع، هذا الاستعداد «طائفي - سياسي» جزء منه توتر الحالة ما بين هيئة علماء المسلمين و «بدر» بامتداد ما حصل يوم الانتخابات ومؤامرات إفشال تشكيل الحكومة التي بالكاد حققت اجتماعها الاول بعد ثلاثة اشهر هي ثلث عمرها الافتراضي وصولا إلى اغسطس الرهيب.

ولولا «الطائفية السياسية» والتشبث بالسلطة لاتفق الشيعة والسنة على الاقل في كتابة الدستور، فالخلافات بينهما شبه معدومة في المسائل الدستورية الحادة وهي: شكل نظام الحكم ومحاصصة المناصب وتثبيتها في الدستور، دور الدين الإسلامي في الدولة والفدرالية. هذه نقاط خلاف لا يختلف فيها الشيعة والسنة (العرب)، بل نجيز القول بأن خلافهما المشترك مع الكرد، وهو السبب الذي اشعل الصراع على رئاسة لجنة الدستور بين الشيعة والكرد في حقيقة الامر.

الخلاف ما بين الشيعة والسنة حول الدستور ليس على الدستور بحد ذاته ولا على الافكار المقدمة ولا على بنود يراها هذا المستشار ويعترض عليها آخر، بل ينحصر في «الدور» الذي وصفته رايس بـ «تهميش السنة»، والذي شدد عليه المرجع الاعلى السيد علي السيستاني مطالبا بإشراك السنة في كتابة الدستور بفاعلية اكبر.



الافتراض الـخطأ

والمقاومة السلمية


السنة هم الذين وضعوا انفسهم وخصومهم السياسيين في مطب مقاطعة الانتخابات الذي لا تستطيع كل الاطراف الراهنة الخروج منه ومن قواعد اللعبة الديموقراطية في المؤسسة البرلمانية الاولى الناشئة في منظومة الحكم الجديد.

من جانب آخر لن تقام قائمة العراق ولن تستوي فيه الامور حتى لو تم التصديق بأن السنة سيرضون بإقصائهم وانهم بالتدريج سيتقبلون «التهميش» كأمر واقع، وهي نظرية طائفية خاطئة سياسيا، ستجلب فقط المتاعب والمزيد من الدماء الى البلاد.

فالشيعة يدعون الى «المقاومة السلمية للاحتلال» (هي الفكرة التي تبناها السيدان محمد باقر الحكيم وعلي السيستاني) ويدعون اخوتهم الى الانخراط في العملية السياسية التي يعتقدون انها «مقاومة سلمية» وعدم ترك عواهن العراق على بول بريمر (سابقا) و مستشاريه والسفارة الاميركية حاليا.

لكن «الطائفية» لعبت دورها هنا، وخاصة عندما جاء «المقاومون» القصر الجمهوري وابدوا استعدادهم للرئيس السابق غازي الياور وبفضله قابلوا الدكتور اياد علاوي واتفقوا على إنهاء المقاومة والمشاركة في العملية السياسية.

تم الاتفاق معهم، ولكنهم بعد ان تغدوا وتعشوا مع بعض وسافروا الى الرمادي والموصل وغيرها من معاقل السنة، نسي الامر ولم ينفذ ولم تتم دعوتهم لاسباب كثيرة، منها ان لا احد من الشيعة والكرد كان مستعدا للتنازل عن منصبه لصالح مشاركتهم في ما يسمونه قبل غيرهم «العملية السياسية». وفي غضون ذلك استمرت معارك الفلوجة واستؤنفت الضربات العسكرية ضد سامراء والرمادي لغاية إطلاق النيران على القائم.

هذه «الطائفية السياسية» التي نتحدث عنها والتي عطلت كل محاولات المصالحة الوطنية وإشراك السنة في الحكم بشكل اكثر تحديدا والتي رفضها الاميركيون بتصريحات وزيرة الخارجية والمرجعية العليا بتحذيرات السيستاني المتكررة.

و «الطائفية السياسية» ليست من صنع الله كما يعتقد الطالباني، بل من وحي الاحزاب الدينية والقومية العربية والكردية على السواء وهي نفسها التي حصرت سلطة الرئيس بالسليمانية وحدها والتي لا تحب رؤية صوره حتى داخل المناطق الكردية التي لا يسيطر عليها، ولم تتعامل معه كرمز وطني بصفته رئيسا للجمهورية.

هي «الطائفية السياسية» التي اعاقت المصالحة وولدت المزيد من اليائسين الذين صاروا إرهابيين وهي التي الغت الآخر في منظومة حكم يريدونها تعددية وديموقراطية، ناهشة الجسد العراقي بالويلات والغد المفتوح على مصراعيه للهاوية.

فاطمي
12-17-2006, 12:51 AM
للمراجعة والمقارنة بايامنا هذه