jameela
12-07-2016, 10:28 PM
http://cdn.newsabah.com/wp/wp-content/uploads/2016/08/%D8%A3%D8%AF%D8%A8%D8%A7%D8%A1-%D8%A3%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%83%D9%85-205x300.jpg
الصباح الجديد ملاحق ديسمبر 7TH,
ليس موضوع مقالات هذا الكتاب هو نشأة الرقابة على الأدب في ألمانيا وتطورها ثم إخفاقها في نهاية المطاف، بدءاً من المرسوم الذي أصدره الأساقفة عام 1485 لقمع ما أعد مؤلفات ملحدة، وصولاً إلى التجسس الاشتراكي لجهاز أمن الدولة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية التي أفل نجمها. إنما الهدف هنا هو إيضاح الكيفية التي مورست بها الرقابة في كل حالة ومع كل كاتب. لقد اخترنا لكم حالات أنموذجية ، من هراطقة ومتمردين وسباحين ضد التيار، من كتاب وناشرين تحتم عليهم أن يقفوا أمام المحكمة بسبب تهم “العصيان السياسي” أو ” التجديف على الرب” أو ” إفساد الأخلاق” أو ” إهانة الذات الملكية”.
إن الصراعات التي خاضها أهل الأدب مع أصحاب السلطة لهي علامات مضيئة ومحطات مهمة على طريق الوصول الى رأي عام حر لا تقف أمامه عوائق أو عقبات.
القسم الثاني
اختيار وإعداد: يورغ – ديتر كوغل
ترجمة: سمير جريس ، محمد عوده ، د. عدنان عباس
تحرير: حسن ياغي
هاينتس آرنولد
أدباء أمام المحاكمالأدب وأمن الدولة
وكان من بين المشردين الكثير من المثقفين والكتاب الشيوعيين، وكان عدد كبير منهم قد التجأ الى الاتحاد السوفياتي، اي التجأ حتى بعد تأسيس جمهورية فايمار، الى هناك وذلك لانهم اعتقدوا ان تلك البلاد قد امست العالم الجديد الذي كانوا يحلمون به: فقد تجاوبوا معها تجاوباً بعيد المدى، فأمسوا يدافعون عنها ضد كل الهجمات وضد اي نقد يوجه لها, فبلاد الشيوعية اصبحت بالنسبة لهم مقدسة، انها الجنة الدنيوية ,اسطورة الانسان الجديد اما قائد هذا الانسان الجديد اعن ستالين فقد امسى الايقونة التي يمجدها جل الكتاب الشيوعيين فهو تجسيد حق لكل الفضائل الانسانية.
وكان يوهانس ر. بشر قد ازجى في عام 1942 “تحيات الشاعر الالماني الى الاتحاد السوفيتي “فكتب قائلاً إني مدين الى الاتحاد السوفيتي بكل ما أنا مدين به للحياة: إني مدين له بحياة جديدة أكثر رقياً. اني مدين له بما يطلق عليه vita nuova اي الحياة الاخرى او الحياة الجديدة التي حلم بها الشعراء في كل العصور ، فهو “مملكة البشر” انه الاساس والبناء الذي سيبزغ منه عصر الانسان بعدما هيمنت الالهة وطغى فجر الالهة الالاف السنين على الحياة الانسانية، انه التحقيق العصري للدولة العقلانية التي نادى بها افلاطون، دولة الشمس عند كاميانيلا، حلم تومس موروس بـ” الانسان الكامل” او الـ”يوتوبيا” انه تحقق المثل المسيحي الاعلى كما تصوره دولة الله، العودة الى المثل الاعلى للخير والجمال كما تطلع اليه قدماء الاغريق، انه رمز لشعراء عصر النهضة والعصر الكلاسيكي ايام اثينا القديمة، انه المواطن الذي كان هولدرين يتلهف عليه ويحن اليه مفتشاً عنه بكل خلجات روحه ابان ” قرن الشؤم والويلات”: انه انتصار للرؤى بلا مثيل، انه انسجام نادر وتوافق رائع، وسمفونية لكل ما تحقق من خلال الاتحاد السوفيتي في فترة قصيرة من الزمن امام ناظري”.
من هذا المنظور كان الاتحاد السوفياتي في عهد ستالين، الدولة التي تحققت فيها كل التصورات الطوباوية التي خطرت على الذهن البشري- بما في ذلك الديانة المسيحية- ولأمراء في ان هذا المديح جنون لا يقل طموحاً من “رايخ الاف عام” الذي تغنى به هتلر. وحينما تتلى على المرء مبالغات وتبجحات من هذا القبيل، فلا يبقى لديه اي خيار آخر سوى ان يكون خادماً مطيعاً، ففي مواجهة هذه الحكمة المضغوطة، يبدوا النقد تجديفاً ومغامرة، وبهذا المعنى فأنه محرم تحريماً تاماً. وبالتالي فقد كان لزاماً ان تحمي دولة من هذا القبيل من كل هجوم ، كما امسى على كل قاطن في هذه الدولة ان يتبع تعليماتها في كل شيء وان يؤمن ايماناً تاماً بالأيديولوجية التي تتبنها: اي ان يخضع لأوامر الحزب الشيوعي بوصفه الحامي للنظرية والساهر على نقائها من كل تحريف.
“ولان الكتاب هم مهندسو الروح البشرية ومصمموها كما قال الرفيق ستالين، لذا فأن من حقنا ان نطالبهم، هم بالذات، بأن يكونوا على اعلى درجات الوضوح والنقاء الأيديولوجيين، وبأن يبدوا سلوكاً طبقياً لا تشوبه شائبة”.
لقد وردت هذه العبارات في الصحيفة المسماة “دوتشيه تسنترال تسايتونغ ” ( الصحيفة الالمانية المركزية) الصادرة في موسكو في اب / اغسطس عام 1936. وكانت هتافات ونداءات من هذا القبيل والمقدمات التي سبقت بشهر واحد عمليات التطهير في صفوف اتحاد الكتاب السوفياتيين وفي فرعه الالماني، قد سبقت هذه الهتافات والنداءات المحاكمات الرهيبة التي دبرها ستالين في موسكو لتطهير الجيش والحزب من كل من لا يثق به.
وسارت عمليات “التطهير” في الاتحاد السوفياتي، دائماً وابداً على النموذج واحد سواء اسفرت عن محاكمات وعقوبات او ادت الى تنكيل وانتقام فقط. فبتجريدها المجتمع من امنه وسلامته، عززت هذه العمليات أمن الدولة وضمنت للسطلة المهيمنة السلامة.
وكما قالت حنة اردنت في مؤلفها الموسوم (عناصر وجذور الهيمنة الشاملة)، كانت عمليات التطهير هذه ركناً اساسياً من اركان المجتمع السوفياتي : فحينما ترفع دعوى على احد المواطنين، يتحول كافة اصدقائه، بين ليله وضحاها الى الد واخطر اعدائه وذلك لأنه من فقط بوشايتهم به وبتقديمهم العون لأثراء اضبارة الدعوة الضي يعدها ضد جهاز الشرطة والمدعي العام ،سيستطيعون انقاذ انفسهم، ولان التهم تقوم في الحالات العامة ، على جرم مزعوم لا وجود له، لذا فان الحاجة لمثل هؤلاء الناس على وجه الخصوص امر ضروري لإقامة دليل وتقديم البينة. ففي سياق حملات التطهير الواسعة ثمة وسيلة واحدة فقط يمكن للمرء من خلالها ان يثبت ولاءه, انها الوشاية بالأصدقاء.
وبقدر تعلق الامر بنظم الهيمنة الشاملة والعضوية في حركة شمولية فمن المحتمل جدا ان يكون هذا السلوك نمطاً صائباً، وفي ضوء هذا كله، فأن الصداقة وكل انواع العلاقات الاخرى هي امر مريب المشبوه”.
بهذا تحدد المبدأ الاساسي الذي ما تزال تسري على هديه كل اجهزة امن الدولة في القرن الحاضر : الغدر . والغدر والخيانة للثقة طبعاً. وحيثما تخان الثقة، تعم الريبة والظنون، أي ستخلق التربة ،التربة التي يترعرع فيها المبدأ اللينيني القائل بأن الثقة امر جيد، الا ان الرقابة افضل ولا مراء في ان هذه الجملة تنطوي على مبدأ لا تهتدي به الاجهزة الامن الشيوعية فقط.
وكان الحزب هو المؤسسة المسيطرة الوحيدة. فهو الذي يحدد وعلى نحو مطلق ، ما هو حق ، وهو الذي يسهر على ان يأخذ الجميع بما رأه حقاً بلا قيد او شرط: وما كان مسموحاً لا بتوجيه النقد اليه ولا باتخاذ موقف مختلف، لا بل ما كان مسموحاً حتى باتخاذ موقف محايد. وطالما كان الحزب يمنع تأسيس اي جناح فأنه ومن حيث المبدأ حرم أي تباين في الآراء وهكذا كان الحزب يتهم كل ناقد بمعاداة الطبقة العاملة مدعياً ان نقده ينطوي على تناقض اساسي- وبالتالي ما كان الحزب يرى انه بحاجة لان يشغل نفسه بهذا الناقد بل دأب على محاربته والقضاء، ان لم يكن عليه شخصياً ، فعلى شخصيته على ادنى تقدير.
وهكذا تعين ان يجابه عدو الطبقة العاملة باستمرار بالحذر واليقظة الثوريتين، وان يفضح ويكشف ضماناً لبقاء الحزب طاهراً نقياً منه وممن كان على شاكلته، واذا ما صادف وان تسلل الاعداء الى صفوفه بصفتهم الشخصية او بأفكارهم فيتحتم تطهير الحزب منهم تطهيراً جذرياً. وينطبق هذا عل اتحاد الكتاب ايضاً لا بل ينطبق على هذا الاتحاد على وجه الخصوص، فاتحاد الكتاب يضم عادة افراداً مؤهلين أكثر من غيرهم ، لا لان يفكروا تفكيراً حراً فحسب، بل لان يفكروا تفكيراً مختلفاً ايضاً :
اعني الفئة المثقفة . ومن هنا فلا عجب في ان يكون اتحاد الكتاب في ما يسمى بالبلدان الاشتراكية مؤسسة تتقصى مــا يــدور بخلـد الكتاب وتراقب عطائهم الفني اكثر من كونه مؤسسه مهنية فقط، ففي المجال الفني والادبي :ان من ممكناً ان تتخذ، على نحــو مستتــر ولكــن فعــال، موافــق مخالفــة للمعايير المحــددة مــن قبــل الدولة وكانــت الفعالية التي تتسم بها هذه المواقف تقض مضاجــع اجهزة امن الدولة عن حق. ومن هنا ايضاً فقد التعيين على الحزب ان يسلط الاضواء باستمرار على الفن والادب ايضاً وان يستثمر النقاش والحوار لتطهير الاتحاد والبلوغ به الى المستوى الذي يتماشى مع اقرانه البيروقراطية القائدة للحزب.
” ان حملات التطهير جزء من الهيمنة الجزب الشاملة ليس الا، فهنالك اكثر من سبيل لان يفرض الحزب “دوري القيادي ” على كل كاتب وعلى المجمل الانتاج الادبي ايضاً وهكذا كانت قيادة الحزب الشيوعي الالماني (الملتجئة الى موسكو، المترجم) ممثلة بالفلتر البرشت ، الرجل المهمين على مقدرات الحزب والمنفرد بتوجيهه، لا تحشر نفسها في النقاش حول التعبيرية في الفن والادب فحسب بل كانت تراقب من خلال تقصيها ما يدور في الاجتماعــات والمحادثــات والتقاريـر، عـمل الكتـاب ايضـاً”.
http://www.newsabah.com/wp/newspaper/104205
الصباح الجديد ملاحق ديسمبر 7TH,
ليس موضوع مقالات هذا الكتاب هو نشأة الرقابة على الأدب في ألمانيا وتطورها ثم إخفاقها في نهاية المطاف، بدءاً من المرسوم الذي أصدره الأساقفة عام 1485 لقمع ما أعد مؤلفات ملحدة، وصولاً إلى التجسس الاشتراكي لجهاز أمن الدولة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية التي أفل نجمها. إنما الهدف هنا هو إيضاح الكيفية التي مورست بها الرقابة في كل حالة ومع كل كاتب. لقد اخترنا لكم حالات أنموذجية ، من هراطقة ومتمردين وسباحين ضد التيار، من كتاب وناشرين تحتم عليهم أن يقفوا أمام المحكمة بسبب تهم “العصيان السياسي” أو ” التجديف على الرب” أو ” إفساد الأخلاق” أو ” إهانة الذات الملكية”.
إن الصراعات التي خاضها أهل الأدب مع أصحاب السلطة لهي علامات مضيئة ومحطات مهمة على طريق الوصول الى رأي عام حر لا تقف أمامه عوائق أو عقبات.
القسم الثاني
اختيار وإعداد: يورغ – ديتر كوغل
ترجمة: سمير جريس ، محمد عوده ، د. عدنان عباس
تحرير: حسن ياغي
هاينتس آرنولد
أدباء أمام المحاكمالأدب وأمن الدولة
وكان من بين المشردين الكثير من المثقفين والكتاب الشيوعيين، وكان عدد كبير منهم قد التجأ الى الاتحاد السوفياتي، اي التجأ حتى بعد تأسيس جمهورية فايمار، الى هناك وذلك لانهم اعتقدوا ان تلك البلاد قد امست العالم الجديد الذي كانوا يحلمون به: فقد تجاوبوا معها تجاوباً بعيد المدى، فأمسوا يدافعون عنها ضد كل الهجمات وضد اي نقد يوجه لها, فبلاد الشيوعية اصبحت بالنسبة لهم مقدسة، انها الجنة الدنيوية ,اسطورة الانسان الجديد اما قائد هذا الانسان الجديد اعن ستالين فقد امسى الايقونة التي يمجدها جل الكتاب الشيوعيين فهو تجسيد حق لكل الفضائل الانسانية.
وكان يوهانس ر. بشر قد ازجى في عام 1942 “تحيات الشاعر الالماني الى الاتحاد السوفيتي “فكتب قائلاً إني مدين الى الاتحاد السوفيتي بكل ما أنا مدين به للحياة: إني مدين له بحياة جديدة أكثر رقياً. اني مدين له بما يطلق عليه vita nuova اي الحياة الاخرى او الحياة الجديدة التي حلم بها الشعراء في كل العصور ، فهو “مملكة البشر” انه الاساس والبناء الذي سيبزغ منه عصر الانسان بعدما هيمنت الالهة وطغى فجر الالهة الالاف السنين على الحياة الانسانية، انه التحقيق العصري للدولة العقلانية التي نادى بها افلاطون، دولة الشمس عند كاميانيلا، حلم تومس موروس بـ” الانسان الكامل” او الـ”يوتوبيا” انه تحقق المثل المسيحي الاعلى كما تصوره دولة الله، العودة الى المثل الاعلى للخير والجمال كما تطلع اليه قدماء الاغريق، انه رمز لشعراء عصر النهضة والعصر الكلاسيكي ايام اثينا القديمة، انه المواطن الذي كان هولدرين يتلهف عليه ويحن اليه مفتشاً عنه بكل خلجات روحه ابان ” قرن الشؤم والويلات”: انه انتصار للرؤى بلا مثيل، انه انسجام نادر وتوافق رائع، وسمفونية لكل ما تحقق من خلال الاتحاد السوفيتي في فترة قصيرة من الزمن امام ناظري”.
من هذا المنظور كان الاتحاد السوفياتي في عهد ستالين، الدولة التي تحققت فيها كل التصورات الطوباوية التي خطرت على الذهن البشري- بما في ذلك الديانة المسيحية- ولأمراء في ان هذا المديح جنون لا يقل طموحاً من “رايخ الاف عام” الذي تغنى به هتلر. وحينما تتلى على المرء مبالغات وتبجحات من هذا القبيل، فلا يبقى لديه اي خيار آخر سوى ان يكون خادماً مطيعاً، ففي مواجهة هذه الحكمة المضغوطة، يبدوا النقد تجديفاً ومغامرة، وبهذا المعنى فأنه محرم تحريماً تاماً. وبالتالي فقد كان لزاماً ان تحمي دولة من هذا القبيل من كل هجوم ، كما امسى على كل قاطن في هذه الدولة ان يتبع تعليماتها في كل شيء وان يؤمن ايماناً تاماً بالأيديولوجية التي تتبنها: اي ان يخضع لأوامر الحزب الشيوعي بوصفه الحامي للنظرية والساهر على نقائها من كل تحريف.
“ولان الكتاب هم مهندسو الروح البشرية ومصمموها كما قال الرفيق ستالين، لذا فأن من حقنا ان نطالبهم، هم بالذات، بأن يكونوا على اعلى درجات الوضوح والنقاء الأيديولوجيين، وبأن يبدوا سلوكاً طبقياً لا تشوبه شائبة”.
لقد وردت هذه العبارات في الصحيفة المسماة “دوتشيه تسنترال تسايتونغ ” ( الصحيفة الالمانية المركزية) الصادرة في موسكو في اب / اغسطس عام 1936. وكانت هتافات ونداءات من هذا القبيل والمقدمات التي سبقت بشهر واحد عمليات التطهير في صفوف اتحاد الكتاب السوفياتيين وفي فرعه الالماني، قد سبقت هذه الهتافات والنداءات المحاكمات الرهيبة التي دبرها ستالين في موسكو لتطهير الجيش والحزب من كل من لا يثق به.
وسارت عمليات “التطهير” في الاتحاد السوفياتي، دائماً وابداً على النموذج واحد سواء اسفرت عن محاكمات وعقوبات او ادت الى تنكيل وانتقام فقط. فبتجريدها المجتمع من امنه وسلامته، عززت هذه العمليات أمن الدولة وضمنت للسطلة المهيمنة السلامة.
وكما قالت حنة اردنت في مؤلفها الموسوم (عناصر وجذور الهيمنة الشاملة)، كانت عمليات التطهير هذه ركناً اساسياً من اركان المجتمع السوفياتي : فحينما ترفع دعوى على احد المواطنين، يتحول كافة اصدقائه، بين ليله وضحاها الى الد واخطر اعدائه وذلك لأنه من فقط بوشايتهم به وبتقديمهم العون لأثراء اضبارة الدعوة الضي يعدها ضد جهاز الشرطة والمدعي العام ،سيستطيعون انقاذ انفسهم، ولان التهم تقوم في الحالات العامة ، على جرم مزعوم لا وجود له، لذا فان الحاجة لمثل هؤلاء الناس على وجه الخصوص امر ضروري لإقامة دليل وتقديم البينة. ففي سياق حملات التطهير الواسعة ثمة وسيلة واحدة فقط يمكن للمرء من خلالها ان يثبت ولاءه, انها الوشاية بالأصدقاء.
وبقدر تعلق الامر بنظم الهيمنة الشاملة والعضوية في حركة شمولية فمن المحتمل جدا ان يكون هذا السلوك نمطاً صائباً، وفي ضوء هذا كله، فأن الصداقة وكل انواع العلاقات الاخرى هي امر مريب المشبوه”.
بهذا تحدد المبدأ الاساسي الذي ما تزال تسري على هديه كل اجهزة امن الدولة في القرن الحاضر : الغدر . والغدر والخيانة للثقة طبعاً. وحيثما تخان الثقة، تعم الريبة والظنون، أي ستخلق التربة ،التربة التي يترعرع فيها المبدأ اللينيني القائل بأن الثقة امر جيد، الا ان الرقابة افضل ولا مراء في ان هذه الجملة تنطوي على مبدأ لا تهتدي به الاجهزة الامن الشيوعية فقط.
وكان الحزب هو المؤسسة المسيطرة الوحيدة. فهو الذي يحدد وعلى نحو مطلق ، ما هو حق ، وهو الذي يسهر على ان يأخذ الجميع بما رأه حقاً بلا قيد او شرط: وما كان مسموحاً لا بتوجيه النقد اليه ولا باتخاذ موقف مختلف، لا بل ما كان مسموحاً حتى باتخاذ موقف محايد. وطالما كان الحزب يمنع تأسيس اي جناح فأنه ومن حيث المبدأ حرم أي تباين في الآراء وهكذا كان الحزب يتهم كل ناقد بمعاداة الطبقة العاملة مدعياً ان نقده ينطوي على تناقض اساسي- وبالتالي ما كان الحزب يرى انه بحاجة لان يشغل نفسه بهذا الناقد بل دأب على محاربته والقضاء، ان لم يكن عليه شخصياً ، فعلى شخصيته على ادنى تقدير.
وهكذا تعين ان يجابه عدو الطبقة العاملة باستمرار بالحذر واليقظة الثوريتين، وان يفضح ويكشف ضماناً لبقاء الحزب طاهراً نقياً منه وممن كان على شاكلته، واذا ما صادف وان تسلل الاعداء الى صفوفه بصفتهم الشخصية او بأفكارهم فيتحتم تطهير الحزب منهم تطهيراً جذرياً. وينطبق هذا عل اتحاد الكتاب ايضاً لا بل ينطبق على هذا الاتحاد على وجه الخصوص، فاتحاد الكتاب يضم عادة افراداً مؤهلين أكثر من غيرهم ، لا لان يفكروا تفكيراً حراً فحسب، بل لان يفكروا تفكيراً مختلفاً ايضاً :
اعني الفئة المثقفة . ومن هنا فلا عجب في ان يكون اتحاد الكتاب في ما يسمى بالبلدان الاشتراكية مؤسسة تتقصى مــا يــدور بخلـد الكتاب وتراقب عطائهم الفني اكثر من كونه مؤسسه مهنية فقط، ففي المجال الفني والادبي :ان من ممكناً ان تتخذ، على نحــو مستتــر ولكــن فعــال، موافــق مخالفــة للمعايير المحــددة مــن قبــل الدولة وكانــت الفعالية التي تتسم بها هذه المواقف تقض مضاجــع اجهزة امن الدولة عن حق. ومن هنا ايضاً فقد التعيين على الحزب ان يسلط الاضواء باستمرار على الفن والادب ايضاً وان يستثمر النقاش والحوار لتطهير الاتحاد والبلوغ به الى المستوى الذي يتماشى مع اقرانه البيروقراطية القائدة للحزب.
” ان حملات التطهير جزء من الهيمنة الجزب الشاملة ليس الا، فهنالك اكثر من سبيل لان يفرض الحزب “دوري القيادي ” على كل كاتب وعلى المجمل الانتاج الادبي ايضاً وهكذا كانت قيادة الحزب الشيوعي الالماني (الملتجئة الى موسكو، المترجم) ممثلة بالفلتر البرشت ، الرجل المهمين على مقدرات الحزب والمنفرد بتوجيهه، لا تحشر نفسها في النقاش حول التعبيرية في الفن والادب فحسب بل كانت تراقب من خلال تقصيها ما يدور في الاجتماعــات والمحادثــات والتقاريـر، عـمل الكتـاب ايضـاً”.
http://www.newsabah.com/wp/newspaper/104205