2005ليلى
12-05-2016, 06:54 AM
05-12-2016
http://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1480869185270926600/1480869354000/1280x960.jpg
تعتبر شركات الإنترنت الأميركية الصين أرض الهزيمة المعنوية، ويأمل كثيرون أن تنجح شركات التكنولوجيا الغربية في تخفيف سيطرة الصين على المعلومات، لكنها على العكس شاركت طوعاً في الجهود الرامية إلى قمع حرية الرأي والتعبير. على سبيل المثال، قدمت «ياهو» للسلطات الصينية معلومات عن ناشطين مؤيدين للديمقراطية، فأدخلوا السجن. كذلك عمدت «مايكروسوفت» إلى إقفال مدونة الناشط البارز في مجال حرية الإعلام مايكل أنتي. أما «غوغل»، فمنعت البحث عن نتائج تُعتبر حساسة سياسياً في الصين. وفي عام 2006، وقفت الشركات الثلاث أمام الكونغرس واتهمها رئيس لجنة فرعية بـ«التعاون البشع» مع الحكومة الصينية. فضلاً عن ذلك، عمدت «غوغل» إلى إيقاف محرك البحث الصيني في هذا البلد عام 2010، متذمرة علناً من الرقابة والأمن عبر شبكة الإنترنت. ماذا عن «فيسبوك»؟
حُظر «فيسبوك» في الصين منذ عام 2009. أما خدمته لتشاطر الصور، «إنستغرام»، فمُنعت عام 2014. لطالما اعتقدتُ أن من الكارثي أو المستحيل أن تغامر مواقع التواصل الاجتماعي بدخول الصين بمفردها. وما زال خبراء صينيون متمسكين بهذا الاعتقاد. لكن إطلاق «فيسبوك» في الصين بات اليوم أمراً محتملاً. ألمح مؤسس «فيسبوك» ومديره التنفيذي مارك زوكربيرغ لبكين أنه يودّ دخول البلد مهما كلّف الثمن. ويصرّ مَن يعرفون الشركة جيداً أن هذا ما سيحدث فعلاً.
كان تيم سباراباني أول مدير للسياسة العامة في «فيسبوك» ويتبوأ راهناً منصب مدير شركة SPQR Strategies الاستشارية، يذكر في هذا الشأن: «لا يُعتبر أهم سؤال هل يحدث هذا الأمر بل متى؟». صحيح أن شركة «فيسبوك» رفضت الإدلاء بأي تصريح لهذا المقال، إلا أن زوكربيرغ أعلن السنة الماضية: «لا يمكنك أن تخوض مهمة ربط الناس كلهم حول العالم وتتجاهل أكبر دولة فيه».
بعد مرور نحو عقد على دخول «غوغل» المرجو إنما المشؤوم إلى الصين، تعتبر شركات الإنترنت الأميركية السوق الصينية أكثر جاذبية وتمنُّعاً في الوقت عينه. ارتفع عدد مستخدمي الإنترنت الصينيين إلى نحو 700 مليون. ويمثّل هؤلاء مورداً قيّماً لم يُستغَل بالنسبة إلى الشركات الأميركية التي تواجه في وطنها أسواقاً مشبعةً تخوض فيها منافسة شرسة. لكن محاولات الحزب الشيوعي ضبط المعلومات ازدادت حدة أيضاً. بالإضافة إلى «جدار النار العظيم» الذي يحول دون ولوج مواقع الإنترنت الأجنبية، تتولى فيالق من المراقبين البشر، كثيرون منهم موظفون في شركات الإنترنت، مراقبة المدونات المحلية والشبكات الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، على هذه الشركة الأميركية أن تنافس عمالقة الإنترنت الصينيين. على سبيل المثال، يحظى WeChat، تطبيق الرسائل من عملاق الإنترنت Tencent، بمئات ملايين المستخدمين.
يعتقد زوكربيرغ أن الصين تستحق العناء، حتى لو عنى ذلك التخلي عن بعض «القيم الغربية». في مطلع هذه السنة، سافر إلى بكين وعقد اجتماعاً رفيع المستوى مع المسؤول عن الدعاية الصينية ليو يونشان. أفادت وسائل الإعلام الحكومية الصينية بأن مؤسس «فيسبوك» أثنى على التقدّم الذي أحرزه الإنترنت الصيني وتعهّد بالعمل مع الحكومة لإنتاج مساحة أفضل عليه. كذلك شدّد ليو على مفهوم إدارة الإنترنت «بخصائص صينية». ويعني ذلك بوضوح أن النسخة الصينية من «فيسبوك» ستخضع للرقابة بالتأكيد. وشكّلت زيارة هذه السنة خطوة إضافية لمتابعة هذه المسألة.
في عام 2014، استضاف زوكربيرغ وزير إدارة الإنترنت الصيني لو وي في مكاتب «فيسبوك». كان كتاب الرئيس تشي جينبينغ The Governance of China (حوكمة الصين) على مكتب زوكربيرغ. لكن محاولة التقرب هذه لم تخلُ من لحظات غريبة. على سبيل المثال، عندما نشر زوكربيرغ صورة لنفسه وهو يهرول بفرح وسط ضباب التلوث في ساحة تيانانمين هذه السنة، تعرّض للسخرية على وسائل التواصل الصينية. إلا أن تشينغ لي، مدير مركز جون ل. ثورنتون في الصين التابع لمؤسسة بروكينغز، يؤكد أنه أقدم عموماً على الخطوات المناسبة. ويضيف: «يولي القادة الصينيون أهمية كبيرة للعلاقات الشخصية. ويعتقدون أن مارك زوكربيرغ صديق للصين. إنه شخص ناجح يتعامل مع الصين بتودد، فضلاً عن أن زوجته صينية ويجيد اللغة الصينية. ماذا تريدون أكثر من ذلك؟».
في خدمتك
على «فيسبوك» أن يتخطى أولاً شكوك بكين بأن شركات الإنترنت الأميركية ربما تقوّض حكم الحزب الشيوعي. ولم تعُد تقارير وسائل الإعلام التي وصفت الربيع العربي بـ«ثورة فيسبوك» بالفائدة على هذه الشركة. كذلك عزّزت الوثائق التي سربها عميل الاستخبارات السابق إدوارد سنودن شكوك الصين بأن شركات التكنولوجيا الأميركية تملك «أبواباً خلفية» تستعين بها الحكومة الأميركية في عملية المراقبة.
لكن احتمال أن يساعد «فيسبوك» الشركات الصينية في الانطلاق عالمياً قد يدفع بكين إلى اعتبار الشركة أصولاً إيجابية صافية. صحيح أن هذه الشركة تبيع اليوم إعلانات لشركات صينية تُعرَض خارج البلد، إلا أن إطلاق النسخة الصينية من «فيسبوك» ربما يعزّز الروابط بين الشركات الصينية وبين المستهلكين في الخارج.
علاوة على ذلك، يحدّ واقع أن الصين تتمتّع بشركات كبيرة تملك وسائل تواصل اجتماعية راسخة من قلق الحكومة بشأن «فيسبوك». ولكن لا داعي لأن يطيح الأخير بـWeChat كي ينجح. يكفي أن يحظى بجزء صغير نسبياً من سوق الإنترنت الضخمة في الصين كي يحقق عائدات كبيرة. وعلى هذه الشركة أن تتميز بتقديم جسر إلى العالم الأوسع. يذكر تشانغ من مؤسسة بروكينغز: «لا يستطيع WeChat المنافسة في هذا المجال. ففيسبوك اسم عالمي، في حين أن WeChat اسم صيني».
ربما تقدّم شركة «غوغل» حججاً مماثلة. رغم إيقاف محرك البحث الصيني التابع لها عام 2010، ما زالت الشركة تبيع إعلانات في الصين. يقول لوكمان تسوي، بروفسور مساعد في جامعة هونغ كونغ الصينية والرئيس السابق لحرية التعبير في غوغل لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ: «إذا كنت تملك شركة صينية وترغب في بلوغ جمهور عالمي، فلا شك في أنك ستعتبر غوغل خياراً جيداً».
في شهر يونيو الماضي، أعلن مدير «غوغل» التنفيذي سوندرا بيتشاي أنه يرغب في عودة الشركة إلى البلد بالشكل الصحيح. وذكر أيضاً خلال خطابه في مؤتمر Code (الشفرة): «نريد دخول الصين لنقدّم خدماتنا للمستخدمين الصينيين». وأضاف تسوي أن ثمة «إشاعات» عن دخول Play Store التابع لغوغل إلى الصين (رفضت الشركة التعليق على هذه المسألة). يلقى نظام تشغيل الهواتف المحمولة من نوع «أندرويد» التابع لغوغل رواجاً كبيراً في الصين. لكن قدرة الشركة على جني العائدات من هذا الوضع محدودة لأن Play Store ليس متوافراً.
لكن تاريخ «غوغل» المضطرب مع بكين يمثّل عقبة كبيرة. يشير كايزر كيو، المدير السابق للاتصالات الدولية في محرك البحث الصيني Baidu والمقدّم الحالي لمدونات Sinica الصوتية في الشركة الإعلامية الناشئة SupChina التي تصبّ اهتمامها كله على الصين: «تفتقر هذه الشركة إلى ثقة السلطات الصينية». في المقابل، يعتقد كيو، وهو صاحب رأي محترم في مسائل الإنترنت الصينية، أن فرص «فيسبوك» في الصين تبدو واعدة. ويتابع موضحاً: «من المرجح أن يبدأ فيسبوك بتقديم عدد من خدماته البارزة السنة المقبلة. تحظى هذه الشركة بعلاقات مع مسؤولين صينيين رفيعي الشأن. ولا يمكننا تجاهل هذه الإشارات».
المواجهة
إذا حصل موقع «فيسبوك» على الضوء الأخضر من بكين، يبقى السؤال الشائك: ما الظروف التي سترافق هذه الموافقة؟ هل يُضطر إلى العمل مع شريك صيني؟ وهل تفرض الحكومة عليه تخزين البيانات داخل الصين، ما يسهّل على السلطات ولوجها؟
نلاحظ اليوم بعض التحديات التقنية. يريد «فيسبوك» ربط الجميع في شبكة عالمية، إلا أن المستخدمين الصينيين سيحظون بتجارب مختلفة عما يتوافر لأصدقائهم في دول أخرى. لكن سباراباني، مدير السياسة السابق في «فيسبوك»، يشير إلى أن إنجاز مهمة مماثلة ليس بالأمر الصعب. ويؤكد: «يمكنك حصر أي مسألة في منطقة جغرافية محددة». على سبيل المثال، يبدّل «فيسبوك» أحياناً ما يستطيع الناس في مناطق مختلفة حول العالم مشاهدته. في عام 2015، عمدت هذه الشركة إلى منع المستخدمين في فرنسا وحدها من مشاهدة صور ضحايا الاعتداءات الإرهابية. وفي السنة عينها، حُجبت صورة ولد يبول على العلم الهندي عن الهند. وبعد تلقي طلب من لجنة الميسر البريطانية، حظر «فيسبوك» على المستخدمين في المملكة المتحدة ولوج مجموعات تروج للقمار.
لكن فرض رقابة مستمرة على الناشطين الموالين للديمقراطية في الصين سيثير جدلاً كبيراً. أدى انفتاح زوكربيرغ على الصين أخيراً إلى دق ناقوس الخطر، إذ أثارت زيارته الأخيرة لبكين تغريدات حملت «التاغ» #suckerberg (المتملق زوكربيرغ). لكنه لا يأبه لذلك كله على ما يبدو. فلو كان قلقاً حقاً حيال اتهامه بالتقرب من الصين، لما طلب على الأرجح من الرئيس تشي جينبينغ أن يمنح طفله اسماً صينياً (رفض تشي هذا الطلب) أو لما تعامل بلطف واضح وعلني مع رئيس حملته الدعائية.
يهوى زوكربيرغ أن يردّد أن «فيسبوك» يسعى «إلى جعل العالم أكثر انفتاحاً وتواصلاً». وتشكّل الصين جزءاً مهماً من هذه الخطة. لكن «غوغل» قدّمت حججاً مشابهة عندما دخلت الصين عام 2006: من الأفضل الانتشار في الصين بدل البقاء خارجها. ولا ضرر في مواجهة قليل من المنافسة، حتى لو اضطررتَ إلى تقديم بعض التضحيات، مثل المشاركة في الرقابة الصينية.
هل يصدق الأميركيون هذه الحجة؟ كلا على الأرجح. ولا شك في أن الصحافيين سينشرون مقالات ساخرة ولاذعة. كذلك سيطلق الناشطون ومستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي العنان لانتقاداتهم، حتى إن المسؤولين الأميركيين قد يعربون عن قلقهم. لكن الناس سيواصلون رغم ذلك استعمال «فيسبوك».
http://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1480869185270926600/1480869354000/1280x960.jpg
تعتبر شركات الإنترنت الأميركية الصين أرض الهزيمة المعنوية، ويأمل كثيرون أن تنجح شركات التكنولوجيا الغربية في تخفيف سيطرة الصين على المعلومات، لكنها على العكس شاركت طوعاً في الجهود الرامية إلى قمع حرية الرأي والتعبير. على سبيل المثال، قدمت «ياهو» للسلطات الصينية معلومات عن ناشطين مؤيدين للديمقراطية، فأدخلوا السجن. كذلك عمدت «مايكروسوفت» إلى إقفال مدونة الناشط البارز في مجال حرية الإعلام مايكل أنتي. أما «غوغل»، فمنعت البحث عن نتائج تُعتبر حساسة سياسياً في الصين. وفي عام 2006، وقفت الشركات الثلاث أمام الكونغرس واتهمها رئيس لجنة فرعية بـ«التعاون البشع» مع الحكومة الصينية. فضلاً عن ذلك، عمدت «غوغل» إلى إيقاف محرك البحث الصيني في هذا البلد عام 2010، متذمرة علناً من الرقابة والأمن عبر شبكة الإنترنت. ماذا عن «فيسبوك»؟
حُظر «فيسبوك» في الصين منذ عام 2009. أما خدمته لتشاطر الصور، «إنستغرام»، فمُنعت عام 2014. لطالما اعتقدتُ أن من الكارثي أو المستحيل أن تغامر مواقع التواصل الاجتماعي بدخول الصين بمفردها. وما زال خبراء صينيون متمسكين بهذا الاعتقاد. لكن إطلاق «فيسبوك» في الصين بات اليوم أمراً محتملاً. ألمح مؤسس «فيسبوك» ومديره التنفيذي مارك زوكربيرغ لبكين أنه يودّ دخول البلد مهما كلّف الثمن. ويصرّ مَن يعرفون الشركة جيداً أن هذا ما سيحدث فعلاً.
كان تيم سباراباني أول مدير للسياسة العامة في «فيسبوك» ويتبوأ راهناً منصب مدير شركة SPQR Strategies الاستشارية، يذكر في هذا الشأن: «لا يُعتبر أهم سؤال هل يحدث هذا الأمر بل متى؟». صحيح أن شركة «فيسبوك» رفضت الإدلاء بأي تصريح لهذا المقال، إلا أن زوكربيرغ أعلن السنة الماضية: «لا يمكنك أن تخوض مهمة ربط الناس كلهم حول العالم وتتجاهل أكبر دولة فيه».
بعد مرور نحو عقد على دخول «غوغل» المرجو إنما المشؤوم إلى الصين، تعتبر شركات الإنترنت الأميركية السوق الصينية أكثر جاذبية وتمنُّعاً في الوقت عينه. ارتفع عدد مستخدمي الإنترنت الصينيين إلى نحو 700 مليون. ويمثّل هؤلاء مورداً قيّماً لم يُستغَل بالنسبة إلى الشركات الأميركية التي تواجه في وطنها أسواقاً مشبعةً تخوض فيها منافسة شرسة. لكن محاولات الحزب الشيوعي ضبط المعلومات ازدادت حدة أيضاً. بالإضافة إلى «جدار النار العظيم» الذي يحول دون ولوج مواقع الإنترنت الأجنبية، تتولى فيالق من المراقبين البشر، كثيرون منهم موظفون في شركات الإنترنت، مراقبة المدونات المحلية والشبكات الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، على هذه الشركة الأميركية أن تنافس عمالقة الإنترنت الصينيين. على سبيل المثال، يحظى WeChat، تطبيق الرسائل من عملاق الإنترنت Tencent، بمئات ملايين المستخدمين.
يعتقد زوكربيرغ أن الصين تستحق العناء، حتى لو عنى ذلك التخلي عن بعض «القيم الغربية». في مطلع هذه السنة، سافر إلى بكين وعقد اجتماعاً رفيع المستوى مع المسؤول عن الدعاية الصينية ليو يونشان. أفادت وسائل الإعلام الحكومية الصينية بأن مؤسس «فيسبوك» أثنى على التقدّم الذي أحرزه الإنترنت الصيني وتعهّد بالعمل مع الحكومة لإنتاج مساحة أفضل عليه. كذلك شدّد ليو على مفهوم إدارة الإنترنت «بخصائص صينية». ويعني ذلك بوضوح أن النسخة الصينية من «فيسبوك» ستخضع للرقابة بالتأكيد. وشكّلت زيارة هذه السنة خطوة إضافية لمتابعة هذه المسألة.
في عام 2014، استضاف زوكربيرغ وزير إدارة الإنترنت الصيني لو وي في مكاتب «فيسبوك». كان كتاب الرئيس تشي جينبينغ The Governance of China (حوكمة الصين) على مكتب زوكربيرغ. لكن محاولة التقرب هذه لم تخلُ من لحظات غريبة. على سبيل المثال، عندما نشر زوكربيرغ صورة لنفسه وهو يهرول بفرح وسط ضباب التلوث في ساحة تيانانمين هذه السنة، تعرّض للسخرية على وسائل التواصل الصينية. إلا أن تشينغ لي، مدير مركز جون ل. ثورنتون في الصين التابع لمؤسسة بروكينغز، يؤكد أنه أقدم عموماً على الخطوات المناسبة. ويضيف: «يولي القادة الصينيون أهمية كبيرة للعلاقات الشخصية. ويعتقدون أن مارك زوكربيرغ صديق للصين. إنه شخص ناجح يتعامل مع الصين بتودد، فضلاً عن أن زوجته صينية ويجيد اللغة الصينية. ماذا تريدون أكثر من ذلك؟».
في خدمتك
على «فيسبوك» أن يتخطى أولاً شكوك بكين بأن شركات الإنترنت الأميركية ربما تقوّض حكم الحزب الشيوعي. ولم تعُد تقارير وسائل الإعلام التي وصفت الربيع العربي بـ«ثورة فيسبوك» بالفائدة على هذه الشركة. كذلك عزّزت الوثائق التي سربها عميل الاستخبارات السابق إدوارد سنودن شكوك الصين بأن شركات التكنولوجيا الأميركية تملك «أبواباً خلفية» تستعين بها الحكومة الأميركية في عملية المراقبة.
لكن احتمال أن يساعد «فيسبوك» الشركات الصينية في الانطلاق عالمياً قد يدفع بكين إلى اعتبار الشركة أصولاً إيجابية صافية. صحيح أن هذه الشركة تبيع اليوم إعلانات لشركات صينية تُعرَض خارج البلد، إلا أن إطلاق النسخة الصينية من «فيسبوك» ربما يعزّز الروابط بين الشركات الصينية وبين المستهلكين في الخارج.
علاوة على ذلك، يحدّ واقع أن الصين تتمتّع بشركات كبيرة تملك وسائل تواصل اجتماعية راسخة من قلق الحكومة بشأن «فيسبوك». ولكن لا داعي لأن يطيح الأخير بـWeChat كي ينجح. يكفي أن يحظى بجزء صغير نسبياً من سوق الإنترنت الضخمة في الصين كي يحقق عائدات كبيرة. وعلى هذه الشركة أن تتميز بتقديم جسر إلى العالم الأوسع. يذكر تشانغ من مؤسسة بروكينغز: «لا يستطيع WeChat المنافسة في هذا المجال. ففيسبوك اسم عالمي، في حين أن WeChat اسم صيني».
ربما تقدّم شركة «غوغل» حججاً مماثلة. رغم إيقاف محرك البحث الصيني التابع لها عام 2010، ما زالت الشركة تبيع إعلانات في الصين. يقول لوكمان تسوي، بروفسور مساعد في جامعة هونغ كونغ الصينية والرئيس السابق لحرية التعبير في غوغل لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ: «إذا كنت تملك شركة صينية وترغب في بلوغ جمهور عالمي، فلا شك في أنك ستعتبر غوغل خياراً جيداً».
في شهر يونيو الماضي، أعلن مدير «غوغل» التنفيذي سوندرا بيتشاي أنه يرغب في عودة الشركة إلى البلد بالشكل الصحيح. وذكر أيضاً خلال خطابه في مؤتمر Code (الشفرة): «نريد دخول الصين لنقدّم خدماتنا للمستخدمين الصينيين». وأضاف تسوي أن ثمة «إشاعات» عن دخول Play Store التابع لغوغل إلى الصين (رفضت الشركة التعليق على هذه المسألة). يلقى نظام تشغيل الهواتف المحمولة من نوع «أندرويد» التابع لغوغل رواجاً كبيراً في الصين. لكن قدرة الشركة على جني العائدات من هذا الوضع محدودة لأن Play Store ليس متوافراً.
لكن تاريخ «غوغل» المضطرب مع بكين يمثّل عقبة كبيرة. يشير كايزر كيو، المدير السابق للاتصالات الدولية في محرك البحث الصيني Baidu والمقدّم الحالي لمدونات Sinica الصوتية في الشركة الإعلامية الناشئة SupChina التي تصبّ اهتمامها كله على الصين: «تفتقر هذه الشركة إلى ثقة السلطات الصينية». في المقابل، يعتقد كيو، وهو صاحب رأي محترم في مسائل الإنترنت الصينية، أن فرص «فيسبوك» في الصين تبدو واعدة. ويتابع موضحاً: «من المرجح أن يبدأ فيسبوك بتقديم عدد من خدماته البارزة السنة المقبلة. تحظى هذه الشركة بعلاقات مع مسؤولين صينيين رفيعي الشأن. ولا يمكننا تجاهل هذه الإشارات».
المواجهة
إذا حصل موقع «فيسبوك» على الضوء الأخضر من بكين، يبقى السؤال الشائك: ما الظروف التي سترافق هذه الموافقة؟ هل يُضطر إلى العمل مع شريك صيني؟ وهل تفرض الحكومة عليه تخزين البيانات داخل الصين، ما يسهّل على السلطات ولوجها؟
نلاحظ اليوم بعض التحديات التقنية. يريد «فيسبوك» ربط الجميع في شبكة عالمية، إلا أن المستخدمين الصينيين سيحظون بتجارب مختلفة عما يتوافر لأصدقائهم في دول أخرى. لكن سباراباني، مدير السياسة السابق في «فيسبوك»، يشير إلى أن إنجاز مهمة مماثلة ليس بالأمر الصعب. ويؤكد: «يمكنك حصر أي مسألة في منطقة جغرافية محددة». على سبيل المثال، يبدّل «فيسبوك» أحياناً ما يستطيع الناس في مناطق مختلفة حول العالم مشاهدته. في عام 2015، عمدت هذه الشركة إلى منع المستخدمين في فرنسا وحدها من مشاهدة صور ضحايا الاعتداءات الإرهابية. وفي السنة عينها، حُجبت صورة ولد يبول على العلم الهندي عن الهند. وبعد تلقي طلب من لجنة الميسر البريطانية، حظر «فيسبوك» على المستخدمين في المملكة المتحدة ولوج مجموعات تروج للقمار.
لكن فرض رقابة مستمرة على الناشطين الموالين للديمقراطية في الصين سيثير جدلاً كبيراً. أدى انفتاح زوكربيرغ على الصين أخيراً إلى دق ناقوس الخطر، إذ أثارت زيارته الأخيرة لبكين تغريدات حملت «التاغ» #suckerberg (المتملق زوكربيرغ). لكنه لا يأبه لذلك كله على ما يبدو. فلو كان قلقاً حقاً حيال اتهامه بالتقرب من الصين، لما طلب على الأرجح من الرئيس تشي جينبينغ أن يمنح طفله اسماً صينياً (رفض تشي هذا الطلب) أو لما تعامل بلطف واضح وعلني مع رئيس حملته الدعائية.
يهوى زوكربيرغ أن يردّد أن «فيسبوك» يسعى «إلى جعل العالم أكثر انفتاحاً وتواصلاً». وتشكّل الصين جزءاً مهماً من هذه الخطة. لكن «غوغل» قدّمت حججاً مشابهة عندما دخلت الصين عام 2006: من الأفضل الانتشار في الصين بدل البقاء خارجها. ولا ضرر في مواجهة قليل من المنافسة، حتى لو اضطررتَ إلى تقديم بعض التضحيات، مثل المشاركة في الرقابة الصينية.
هل يصدق الأميركيون هذه الحجة؟ كلا على الأرجح. ولا شك في أن الصحافيين سينشرون مقالات ساخرة ولاذعة. كذلك سيطلق الناشطون ومستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي العنان لانتقاداتهم، حتى إن المسؤولين الأميركيين قد يعربون عن قلقهم. لكن الناس سيواصلون رغم ذلك استعمال «فيسبوك».