المهدى
05-19-2005, 07:17 AM
سمير عطا الله
شعرت نحو تونس والتونسيين بود شديد منذ سنوات طويلة، مع أنني لم اذهب الى تونس إلا قبل عام واحد. وقد تأكدت مشاعري. وكنت أود تونس لأسباب متباعدة ومعقدة ورمزية. فقد عرفنا صغارا انها بلد أبو القاسم الشابي. ثم قرأنا عنها بلاد القيروان. ثم بلاد اشهر «ابنين» في بلاد المغرب: ابن رشد وابن خلدون.
وتونس الحديثة التي افقنا عليها كانت في وقت واحد بلاد المناضلين والمسالمين. احتضنت الثورة الجزائرية وثوارها. وقاد الحبيب بورقيبة حركة النضال ضد فرنسا. وتنقل في المنافي وفي السجون. ولكن بعدما انجز الاستقلال فعل ما فعله نهرو من قبل. قرر ان ينقل عن المستعمر السابق افضل ما لديه. وخصوصا العلم.
ولم يستطع ان يحقق الرفاه والغنى والثروات لتونس الخضراء لكنه خاض أهم وأعمق وأهم حرب ضد الأمية. وحاول بكل ما أوتي أن يحرر شعبه. وما يناقش الآن عن حقوق المرأة وصورتها، منحه بورقيبة إياها قبل نصف قرن. وبقيت تونس في ظله نسبيا بلا فساد وبلا رشاوى وبلا اهتراء.
وحاول أن يبحر بها بعيدا عن زلازل المنطقة وهيوبها. من الثورات الثقافية في الجماهيرية العظمى الى مذابح الجزائر. ومن الوحدات الفورية التي كان يطلبها القذافي الى «الوحدة الطوعية» التي كان يهدد بها هواري بومدين من خلف صمته الطويل. ورأى بورقيبة في مصر الناصرية بادئ الأمر حليفا طبيعيا لكنه أفاق ذات يوم على «صوت العرب» يمنحه الألقاب التي اسبغها على جميع الخصوم: خائن. رجعي. عميل.
منحرف. وأضاف الى كل ذلك لقبا جسمانيا عندما تبين له ان رئيس تونس قصير القامة، فلقبه بالقزم. لكن مجلة «الاكسبرس» الفرنسية قالت عندما كتبت سيرته انه «مثل جميع عظام التاريخ، قصير القامة». وكان في ذهنها طبعا نابوليون وتاليران. وسوف يقول عبد العزيز بوتفليقة عن نفسه لدى وصوله الى الرئاسة «أنا أطول من نابوليون بثلاث سنتميترات». وقد ذهب من لبنان الى الأزهر الشيخ عبد الله العلايلي والدكتور سهيل ادريس ونقيب الصحافة الأستاذ محمد البعلبكي. وجميعهم من طول واحد. وكان البعلبكي يقول: أعطت فرنسا نابوليونا واحدا وأعطى لبنان ثلاثة.
شعر بعضنا بالضيق عندما جاء بورقيبة لزيارة لبنان قادما من اريحا حيث قال للزعماء الفلسطينيين: كونوا شجعانا. اقبلوا قرار التقسيم اليوم وإلا أضعنا كل ما تبقى من فلسطين ونحن نهتف. وقامت الدنيا عليه. وكان قد مرّ في القاهرة والتقى عبد الناصر وأبلغه بما سيقول في أريحا. فقال له عبد الناصر: اذهب وقل. اما أنا فالجماهير لا تسمح لي بذلك. ثم انقلب عليه. وعندما وصل الى بيروت كانت الصحف الناصرية تلتهب بالحملات عليه. وكان في عداد وفده مسؤول من عائلة «العكروت»، وهي كلمة تعني في لبنان مسبة بعكس ما هي في تونس. وهكذا خرجت الصحف الناصرية تقول بالعنوان العريض «بورقيبة يصل ومعه العكروت».
وكان في الوفد ايضا الدكتور محمد مزالي مدير الاذاعة والتلفزيون. وكان عليه ان يقدم زملاءه الى المسؤولين اللبنانيين. وعندما وصل الى «العكروت» توقف فجأة وقال: قدم نفسك! أنا لا أعرفك.
التقيت الدكتور محمد مزالي الصيف الماضي في قرطبة. والتقيته قبل اسابيع في الكويت عند المضيف نفسه، عبد العزيز البابطين، صاحب اوسع مؤسسة تعليمية ادبية في العالم العربي. واعتقد ان حجم الأعمال التربوية والأدبية التي يقوم بها ابو سعود، تعادل أعمال وزارة تربية او ثقافة. او الاثنتين معا.
كنت في الماضي ألتقي الدكتور مزالي في مطارات اوروبا، غالبا في الاتجاه المعاكس. لكن ما بين قرطبة والكويت تسنى لي ان اطرح اسئلة كثيرة. وعدت الى كل ما كان يخطر في بالي منذ سنوات لأستوضح. وفوق ذلك كانت الهدية الأثمن مذكرات مزالي الصادرة حديثا في باريس تحت عنوان «رئيس وزراء بورقيبة يشهد». نحو 700 صفحة من الشهادات الموثقة.
إلى اللقاء.
شعرت نحو تونس والتونسيين بود شديد منذ سنوات طويلة، مع أنني لم اذهب الى تونس إلا قبل عام واحد. وقد تأكدت مشاعري. وكنت أود تونس لأسباب متباعدة ومعقدة ورمزية. فقد عرفنا صغارا انها بلد أبو القاسم الشابي. ثم قرأنا عنها بلاد القيروان. ثم بلاد اشهر «ابنين» في بلاد المغرب: ابن رشد وابن خلدون.
وتونس الحديثة التي افقنا عليها كانت في وقت واحد بلاد المناضلين والمسالمين. احتضنت الثورة الجزائرية وثوارها. وقاد الحبيب بورقيبة حركة النضال ضد فرنسا. وتنقل في المنافي وفي السجون. ولكن بعدما انجز الاستقلال فعل ما فعله نهرو من قبل. قرر ان ينقل عن المستعمر السابق افضل ما لديه. وخصوصا العلم.
ولم يستطع ان يحقق الرفاه والغنى والثروات لتونس الخضراء لكنه خاض أهم وأعمق وأهم حرب ضد الأمية. وحاول بكل ما أوتي أن يحرر شعبه. وما يناقش الآن عن حقوق المرأة وصورتها، منحه بورقيبة إياها قبل نصف قرن. وبقيت تونس في ظله نسبيا بلا فساد وبلا رشاوى وبلا اهتراء.
وحاول أن يبحر بها بعيدا عن زلازل المنطقة وهيوبها. من الثورات الثقافية في الجماهيرية العظمى الى مذابح الجزائر. ومن الوحدات الفورية التي كان يطلبها القذافي الى «الوحدة الطوعية» التي كان يهدد بها هواري بومدين من خلف صمته الطويل. ورأى بورقيبة في مصر الناصرية بادئ الأمر حليفا طبيعيا لكنه أفاق ذات يوم على «صوت العرب» يمنحه الألقاب التي اسبغها على جميع الخصوم: خائن. رجعي. عميل.
منحرف. وأضاف الى كل ذلك لقبا جسمانيا عندما تبين له ان رئيس تونس قصير القامة، فلقبه بالقزم. لكن مجلة «الاكسبرس» الفرنسية قالت عندما كتبت سيرته انه «مثل جميع عظام التاريخ، قصير القامة». وكان في ذهنها طبعا نابوليون وتاليران. وسوف يقول عبد العزيز بوتفليقة عن نفسه لدى وصوله الى الرئاسة «أنا أطول من نابوليون بثلاث سنتميترات». وقد ذهب من لبنان الى الأزهر الشيخ عبد الله العلايلي والدكتور سهيل ادريس ونقيب الصحافة الأستاذ محمد البعلبكي. وجميعهم من طول واحد. وكان البعلبكي يقول: أعطت فرنسا نابوليونا واحدا وأعطى لبنان ثلاثة.
شعر بعضنا بالضيق عندما جاء بورقيبة لزيارة لبنان قادما من اريحا حيث قال للزعماء الفلسطينيين: كونوا شجعانا. اقبلوا قرار التقسيم اليوم وإلا أضعنا كل ما تبقى من فلسطين ونحن نهتف. وقامت الدنيا عليه. وكان قد مرّ في القاهرة والتقى عبد الناصر وأبلغه بما سيقول في أريحا. فقال له عبد الناصر: اذهب وقل. اما أنا فالجماهير لا تسمح لي بذلك. ثم انقلب عليه. وعندما وصل الى بيروت كانت الصحف الناصرية تلتهب بالحملات عليه. وكان في عداد وفده مسؤول من عائلة «العكروت»، وهي كلمة تعني في لبنان مسبة بعكس ما هي في تونس. وهكذا خرجت الصحف الناصرية تقول بالعنوان العريض «بورقيبة يصل ومعه العكروت».
وكان في الوفد ايضا الدكتور محمد مزالي مدير الاذاعة والتلفزيون. وكان عليه ان يقدم زملاءه الى المسؤولين اللبنانيين. وعندما وصل الى «العكروت» توقف فجأة وقال: قدم نفسك! أنا لا أعرفك.
التقيت الدكتور محمد مزالي الصيف الماضي في قرطبة. والتقيته قبل اسابيع في الكويت عند المضيف نفسه، عبد العزيز البابطين، صاحب اوسع مؤسسة تعليمية ادبية في العالم العربي. واعتقد ان حجم الأعمال التربوية والأدبية التي يقوم بها ابو سعود، تعادل أعمال وزارة تربية او ثقافة. او الاثنتين معا.
كنت في الماضي ألتقي الدكتور مزالي في مطارات اوروبا، غالبا في الاتجاه المعاكس. لكن ما بين قرطبة والكويت تسنى لي ان اطرح اسئلة كثيرة. وعدت الى كل ما كان يخطر في بالي منذ سنوات لأستوضح. وفوق ذلك كانت الهدية الأثمن مذكرات مزالي الصادرة حديثا في باريس تحت عنوان «رئيس وزراء بورقيبة يشهد». نحو 700 صفحة من الشهادات الموثقة.
إلى اللقاء.