صحن
10-30-2016, 02:57 PM
محمد صالح الفتيح - السفير
بتاريخ 2016-10-29
https://assafir.com/Medias/Photos//2016/550x355/ba097b40-188d-4ad8-a285-39354b3a3d7c.jpg
أسبوعان منذ أن انطلقت المعركة التي طال انتظارها، معركة طرد تنظيم «داعش» من الموصل. ستستمر المعركة لأسابيع طويلة مقبلة، ولكن التنظيم سيخسر الموصل بالتأكيد، كما خسر مواقعه الأخرى في العراق وسوريا. وبخسارة التنظيم للموصل، واقتراب معركتي الباب والرقة، معاقل التنظيم في سوريا، لا بد من التساؤل عن مستقبل التنظيم وخياراته في مرحلة ما بعد نكبته الثالثة.
أسس أبو مصعب الزرقاوي جماعته في غرب أفغانستان في العام 1999، التي بدأت العمل في العراق تحت مسمى «جماعة التوحيد والجهاد» في العام 2003. وفي العام التالي أعلن بيعته لتنظيم «القاعدة»، لتتحول «جماعة التوحيد والجهاد» إلى فرع «القاعدة في بلاد الرافدين». وبعد عامين آخرين بات هذا الفرع جزءاً من «مجلس شورى المجاهدين»، الذي ضم جماعات مسلحة سنية عدة تعمل في العراق. وبعد ذلك بأشهر قليلة تم الإعلان عن «دولة العراق الإسلامية»، بقيادة أبو عمر البغدادي. يومها تعهد أبو حمزة المهاجر، خليفة الزرقاوي، لأبو عمر بأن يضع تحت إمرته جيش «القاعدة» المكوّن من اثني عشر ألف فرد. هذا الرقم هو واحد من أرقام كثيرة تكشف حجم التمدد الذي أنجزه هذا التنظيم. لكن ولادة ما عُرف بصحوات الأنبار، التي ضمت أكثر من 60000 مقاتل من أبناء العشائر، وقرار الولايات المتحدة بزيادة وجودها العسكري في العراق مطلع العام 2007، زاد من الضغوط على التنظيم، وأوقع فيه سلسلة من الهزائم العسكرية حرمته من العديد من معاقله، وقتلت الكثير من قادته، وعلى رأسهم أمير التنظيم أبو عمر البغدادي ووزير حربه أبو حمزة المهاجر. فأُجبر الباقون على الانكفاء نحو الصحراء القاحلة في غرب العراق، ولا سيما منطقة وادي حوران. كانت تلك النكبة الأولى للتنظيم. قاد تفجر الخلافات بين الصحوات والحكومة العراقية، وتراجع الأخيرة عن وعودها بتأمين وظائف دائمة لمقاتلي الصحوات،
والخلافات السياسية عموماً في العراق في العام 2010، إلى انهيار المنظومة التي تصدت للدواعش الأوائل. ومع تفاقم الخلافات السياسية، خصوصاً في العام 2010، باتت الأرضية مهيأةً لخروج الدواعش من صحراء الأنبار. وبينما سارت تحضيرات هؤلاء ببطء في العراق، كانت جهود رفاقهم في سوريا تسير سيراً أكثر سهولة بكثير، حيث سيطرت «جبهة النصرة» على مساحات واسعة، منها معظم مساحة محافظة الرقة في آذار 2013. فخرج أبو بكر البغدادي، في نيسان 2013، ليعلن عن «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، لتكون هذه هي ذروة الصعود الثاني لهذا التنظيم، ولتكون أيضاً بداية النكبة الثانية. إذ إن التقدم في العراق لم يجرِ بالسهولة التي كانت متوقعة، وبدأت الحرب بين تنظيم «داعش» وباقي الفصائل الإسلامية في سوريا. وإذا كان العام 2010 هو ذروة النكبة الأولى، فإن ذروة النكبة الثانية كانت في مطلع العام 2014، حيث بدأت «جبهة النصرة» وفصائل إسلامية أخرى، في الثالث من كانون الثاني 2014، هجوماً عنيفاً على مواقع «داعش» أخرجه من مناطق مهمة في شمال ووسط سوريا. لم ينجح التنظيم في العراق في اختراق الرمادي، التي وإن كانت حينها خارج سيطرة الحكومة العراقية، إلا أنها قاومت بنجاح محاولة «داعش» السيطرة عليها. في تلك المرحلة، ربيع العام 2014، اقتصرت سيطرة التنظيم على مدينة الرقة وشمال ريف محافظة دير الزور، من دون سيطرة موازية في العراق.
لكن نكبة تنظيم «داعش» لم تدم طويلاً، فانشغال خصومه بملفاتٍ أخرى، وتفجر الخلافات في ما بينهم، سواء في سوريا أو العراق، سمح للتنظيم بالنهوض مرةً أخرى، وبشكلٍ صاروخيٍّ غير مسبوق. وربما ساعد في هذا الصعود أن بعض الأطراف مهدت الطريق لتنظيم «داعش» نكايةً بخصومها. وصلت مسيرة «داعش» ذروتها منتصف العام 2015 عندما سيطر على مدينتي الرمادي العراقية وتدمر السورية. وهذه المرة أيضاً لم تكن نكبة التنظيم بعيدةً.
دفع التدخل العسكري الروسي، نهاية أيلول 2015، الولايات المتحدة إلى مراجعة استراتيجيتها في سوريا، وفي شهر تشرين الأول تم الإعلان عن جملة من القرارات الأميركية.
بينها قرار وقف تدريب قوة معارضة سورية معتدلة والانتقال إلى تدريب الفصائل الموجودة على الأرض («قوات سوريا الديموقراطية»)، وإعلان الرئيس الأميركي في 26 تشرين الأول عما عُرف باستراتيجية تسريع هزيمة تنظيم «داعش» التي شملت نشر جنود أميركيين على الأراضي السورية، وأخيراً دفع الجيش التركي إلى دخول الأراضي السورية. كان لهذه القرارات الأثر الأكبر في دحر «داعش»، خصوصاً في سوريا.
ولكن لا يخفى أن الدافع الرئيسي خلف التحرك الأميركي المحموم هو التصدي للوجود الروسي في سوريا، وهذا ما يفسر بناء قوات عسكرية أميركية عدة على الأراضي السورية، بينها مطاران عاملان على الأقل. الإشارة إلى الدوافع الأميركية لا تهدف إلى النيل من الولايات المتحدة بقدر ما تهدف إلى الإشارة إلى أن تنظيم «داعش» يمكن أن يستفيد، مرةً ثالثةً أو رابعةً، من التباين في أجندات خصومه.
فـ «قوات سوريا الديموقراطية»، التي يشكل الأكراد غالبية قوتها الضاربة، انطلقوا لدحر «داعش» من المناطق التي تربط بين الكانتونات الكردية الثلاثة، في القامشلي وعين العرب وعفرين، للتمهيد لقيام الفدرالية، وبالتالي لا مصلحة لهم بدحر «داعش» من الرقة أو دير الزور، لا سيما في أعقاب الخسائر الفادحة التي تكبدوها في منبج، وفشلهم في انتزاع أي دعم غربي لمشروع الفيدرالية في سوريا.
أما الأتراك فقد دخلوا الأراضي السورية بعدنا ماطلوا الأميركيين طويلاً، تحديداً لكي يمنعوا الأكراد من ربط هذه الكانتونات، ولهذا اختاروا منطقة التوغل الحالية في شمال محافظة حلب بين جرابلس وعفرين. أما الإعلان التركي عن المشاركة في معركة طرد «داعش» من مدينة الرقة السورية فيخدم هذا الهدف تماماً. فالطريقان الوحيدان أمام الجيش التركي نحو الرقة هما، عملياً، إما من منطقة التوغل الحالية نحو منبج ثم عبور الفرات شرقاً نحو الرقة، أو اختراق الأراضي السورية عند تل أبيض ثم الاتجاه جنوباً نحو الرقة.
أما الولايات المتحدة فتستفيد من حالة التسابق التركية الكردية للتعاون معها، فتنشر قواتها وقواعدها داخل الأراضي السورية في ظل وجود هؤلاء الذين باتت وظيفتهم عملياً التحول لرأس حربة أميركي. ولكن من له مصلحة، حالياً، في طرد تنظيم «داعش» من باقي المناطق السورية، تحديداً دير الزور، وريفي حمص وحماه، والقلمون الشرقي؟
حتى الآن، وربما حتى نهاية العام القادم، لا مصلحة لأي من هؤلاء اللاعبين بالتحرك نحو دير الزور أو الأجزاء الجنوبية لمحافظة الرقة والأجزاء الشرقية لمحافظتي حمص وحماه، خصوصاً إذا لم يكن هناك من يسابقهم للتوجه نحو تلك المناطق. تنظيم «داعش» يدرك التباين في أجندات خصومه ولهذا اختار، بحسب ما يتوفر من معلومات، نقل كوادره من الموصل إلى الشرق السوري، خصوصاً ريف محافظة دير الزور. غالباً سيترك التنظيم الكثير من كوادره العراقية كخلايا نائمة تنتظر اللحظة المناسبة لتعاود التحرك، وهذا حصل كثيراً في السابق ولا سيما في مدينة الموصل ومحيطها. أما الأجانب، وهم يعدون بالآلاف، فلا سبيل أمامهم للعودة إلى بلادهم، والوجهة الحتمية هي الانسحاب من الموصل وباقي العراق ومن الرقة والباب نحو الشرق السوري.
سيكرر هؤلاء ما فعله التنظيم في أعقاب نكبتيه الأولى والثانية، التوقف عن القتال بأساليب الجيوش النظامية، والانتقال لممارسة حرب العصابات والإرهاب، وموجات التفجيرات بالسيارات المفخخة.
والأهم هو أن التنظيم سينتظر انشغال خصومه بأجندات أخرى أو تفجر الخلافات فيما بينهم، وهذا ليس بالمستبعد. فالولايات المتحدة ستنشغل غالباً بالتركيز على وسط وغرب سوريا لمواجهة النفوذ الروسي هناك. كما أنه من المستبعد أن تستمر حالة الهدنة الهشة بين الأكراد والأتراك في الشمال السوري، لا سيما إذا ما أصبح للجيش التركي وجود في كل من الممرين الفاصلين بين الكانتونات الكردية الثلاثة.
شيء مشابه يمكن أن يحصل في العراق أيضاً، ولا سيما وسط حالة التنافس التي ظهرت بوضوح مؤخراً بين الأكراد والأتراك والإيرانيين. كما يجب أن نترقب ما سيحصل في العراق في المدن التي سيطرد منها تنظيم «داعش»، لا سيما وسط ما يتداول عن نية لطرد عائلات أنصار «داعش»، وهم يعدون بالآلاف، سواء نتيجةً لتقاليد «الجلوة» العشائرية، أو نتيجةً لقرارات تصدرها السلطات العراقية. فقد أصدرت محافظة صلاح الدين قراراً بترحيل عوائل تنظيم «داعش» إلى خارج المحافظة لمدة عشر سنوات. لا شك بأن العقاب الجماعي الواسع أبعد ما يكون عن وأد تنظيم «داعش».
لكل هذه الأسباب من المستبعد أن نرى نهايةً قريبةً لتنظيم «داعش»، وربما يغير التنظيم اسمه أو رايته أو ينسحب بعض أفراده وكوادره لينضموا إلى فصائل أخرى. ومن المفيد أن نذكر هنا أن «داعش» ليس سوى واحد من جماعات سلفية كثيرة تسعى لتطبيق رؤيتها الخاصة للحكم الإسلامي. والاختلاف بين هذه الجماعات حول الخلافة الإسلامية، هي خلافات حول التوقيت المناسب أكثر منها خلافاتٍ حول صحة الهدف. ومع استمرار الرهان الإقليمي على دعم الجماعات الإسلامية، سواء لاستخدامها ضد الخصوم، أو للاعتقاد بأنها حليفٌ محتمل ـ إذا ما هداها الله ـ فإن الصراع في المنطقة مرشح للاستمرار لسنوات عديدة مقبلة.
https://assafir.com/Article/217/515782
بتاريخ 2016-10-29
https://assafir.com/Medias/Photos//2016/550x355/ba097b40-188d-4ad8-a285-39354b3a3d7c.jpg
أسبوعان منذ أن انطلقت المعركة التي طال انتظارها، معركة طرد تنظيم «داعش» من الموصل. ستستمر المعركة لأسابيع طويلة مقبلة، ولكن التنظيم سيخسر الموصل بالتأكيد، كما خسر مواقعه الأخرى في العراق وسوريا. وبخسارة التنظيم للموصل، واقتراب معركتي الباب والرقة، معاقل التنظيم في سوريا، لا بد من التساؤل عن مستقبل التنظيم وخياراته في مرحلة ما بعد نكبته الثالثة.
أسس أبو مصعب الزرقاوي جماعته في غرب أفغانستان في العام 1999، التي بدأت العمل في العراق تحت مسمى «جماعة التوحيد والجهاد» في العام 2003. وفي العام التالي أعلن بيعته لتنظيم «القاعدة»، لتتحول «جماعة التوحيد والجهاد» إلى فرع «القاعدة في بلاد الرافدين». وبعد عامين آخرين بات هذا الفرع جزءاً من «مجلس شورى المجاهدين»، الذي ضم جماعات مسلحة سنية عدة تعمل في العراق. وبعد ذلك بأشهر قليلة تم الإعلان عن «دولة العراق الإسلامية»، بقيادة أبو عمر البغدادي. يومها تعهد أبو حمزة المهاجر، خليفة الزرقاوي، لأبو عمر بأن يضع تحت إمرته جيش «القاعدة» المكوّن من اثني عشر ألف فرد. هذا الرقم هو واحد من أرقام كثيرة تكشف حجم التمدد الذي أنجزه هذا التنظيم. لكن ولادة ما عُرف بصحوات الأنبار، التي ضمت أكثر من 60000 مقاتل من أبناء العشائر، وقرار الولايات المتحدة بزيادة وجودها العسكري في العراق مطلع العام 2007، زاد من الضغوط على التنظيم، وأوقع فيه سلسلة من الهزائم العسكرية حرمته من العديد من معاقله، وقتلت الكثير من قادته، وعلى رأسهم أمير التنظيم أبو عمر البغدادي ووزير حربه أبو حمزة المهاجر. فأُجبر الباقون على الانكفاء نحو الصحراء القاحلة في غرب العراق، ولا سيما منطقة وادي حوران. كانت تلك النكبة الأولى للتنظيم. قاد تفجر الخلافات بين الصحوات والحكومة العراقية، وتراجع الأخيرة عن وعودها بتأمين وظائف دائمة لمقاتلي الصحوات،
والخلافات السياسية عموماً في العراق في العام 2010، إلى انهيار المنظومة التي تصدت للدواعش الأوائل. ومع تفاقم الخلافات السياسية، خصوصاً في العام 2010، باتت الأرضية مهيأةً لخروج الدواعش من صحراء الأنبار. وبينما سارت تحضيرات هؤلاء ببطء في العراق، كانت جهود رفاقهم في سوريا تسير سيراً أكثر سهولة بكثير، حيث سيطرت «جبهة النصرة» على مساحات واسعة، منها معظم مساحة محافظة الرقة في آذار 2013. فخرج أبو بكر البغدادي، في نيسان 2013، ليعلن عن «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، لتكون هذه هي ذروة الصعود الثاني لهذا التنظيم، ولتكون أيضاً بداية النكبة الثانية. إذ إن التقدم في العراق لم يجرِ بالسهولة التي كانت متوقعة، وبدأت الحرب بين تنظيم «داعش» وباقي الفصائل الإسلامية في سوريا. وإذا كان العام 2010 هو ذروة النكبة الأولى، فإن ذروة النكبة الثانية كانت في مطلع العام 2014، حيث بدأت «جبهة النصرة» وفصائل إسلامية أخرى، في الثالث من كانون الثاني 2014، هجوماً عنيفاً على مواقع «داعش» أخرجه من مناطق مهمة في شمال ووسط سوريا. لم ينجح التنظيم في العراق في اختراق الرمادي، التي وإن كانت حينها خارج سيطرة الحكومة العراقية، إلا أنها قاومت بنجاح محاولة «داعش» السيطرة عليها. في تلك المرحلة، ربيع العام 2014، اقتصرت سيطرة التنظيم على مدينة الرقة وشمال ريف محافظة دير الزور، من دون سيطرة موازية في العراق.
لكن نكبة تنظيم «داعش» لم تدم طويلاً، فانشغال خصومه بملفاتٍ أخرى، وتفجر الخلافات في ما بينهم، سواء في سوريا أو العراق، سمح للتنظيم بالنهوض مرةً أخرى، وبشكلٍ صاروخيٍّ غير مسبوق. وربما ساعد في هذا الصعود أن بعض الأطراف مهدت الطريق لتنظيم «داعش» نكايةً بخصومها. وصلت مسيرة «داعش» ذروتها منتصف العام 2015 عندما سيطر على مدينتي الرمادي العراقية وتدمر السورية. وهذه المرة أيضاً لم تكن نكبة التنظيم بعيدةً.
دفع التدخل العسكري الروسي، نهاية أيلول 2015، الولايات المتحدة إلى مراجعة استراتيجيتها في سوريا، وفي شهر تشرين الأول تم الإعلان عن جملة من القرارات الأميركية.
بينها قرار وقف تدريب قوة معارضة سورية معتدلة والانتقال إلى تدريب الفصائل الموجودة على الأرض («قوات سوريا الديموقراطية»)، وإعلان الرئيس الأميركي في 26 تشرين الأول عما عُرف باستراتيجية تسريع هزيمة تنظيم «داعش» التي شملت نشر جنود أميركيين على الأراضي السورية، وأخيراً دفع الجيش التركي إلى دخول الأراضي السورية. كان لهذه القرارات الأثر الأكبر في دحر «داعش»، خصوصاً في سوريا.
ولكن لا يخفى أن الدافع الرئيسي خلف التحرك الأميركي المحموم هو التصدي للوجود الروسي في سوريا، وهذا ما يفسر بناء قوات عسكرية أميركية عدة على الأراضي السورية، بينها مطاران عاملان على الأقل. الإشارة إلى الدوافع الأميركية لا تهدف إلى النيل من الولايات المتحدة بقدر ما تهدف إلى الإشارة إلى أن تنظيم «داعش» يمكن أن يستفيد، مرةً ثالثةً أو رابعةً، من التباين في أجندات خصومه.
فـ «قوات سوريا الديموقراطية»، التي يشكل الأكراد غالبية قوتها الضاربة، انطلقوا لدحر «داعش» من المناطق التي تربط بين الكانتونات الكردية الثلاثة، في القامشلي وعين العرب وعفرين، للتمهيد لقيام الفدرالية، وبالتالي لا مصلحة لهم بدحر «داعش» من الرقة أو دير الزور، لا سيما في أعقاب الخسائر الفادحة التي تكبدوها في منبج، وفشلهم في انتزاع أي دعم غربي لمشروع الفيدرالية في سوريا.
أما الأتراك فقد دخلوا الأراضي السورية بعدنا ماطلوا الأميركيين طويلاً، تحديداً لكي يمنعوا الأكراد من ربط هذه الكانتونات، ولهذا اختاروا منطقة التوغل الحالية في شمال محافظة حلب بين جرابلس وعفرين. أما الإعلان التركي عن المشاركة في معركة طرد «داعش» من مدينة الرقة السورية فيخدم هذا الهدف تماماً. فالطريقان الوحيدان أمام الجيش التركي نحو الرقة هما، عملياً، إما من منطقة التوغل الحالية نحو منبج ثم عبور الفرات شرقاً نحو الرقة، أو اختراق الأراضي السورية عند تل أبيض ثم الاتجاه جنوباً نحو الرقة.
أما الولايات المتحدة فتستفيد من حالة التسابق التركية الكردية للتعاون معها، فتنشر قواتها وقواعدها داخل الأراضي السورية في ظل وجود هؤلاء الذين باتت وظيفتهم عملياً التحول لرأس حربة أميركي. ولكن من له مصلحة، حالياً، في طرد تنظيم «داعش» من باقي المناطق السورية، تحديداً دير الزور، وريفي حمص وحماه، والقلمون الشرقي؟
حتى الآن، وربما حتى نهاية العام القادم، لا مصلحة لأي من هؤلاء اللاعبين بالتحرك نحو دير الزور أو الأجزاء الجنوبية لمحافظة الرقة والأجزاء الشرقية لمحافظتي حمص وحماه، خصوصاً إذا لم يكن هناك من يسابقهم للتوجه نحو تلك المناطق. تنظيم «داعش» يدرك التباين في أجندات خصومه ولهذا اختار، بحسب ما يتوفر من معلومات، نقل كوادره من الموصل إلى الشرق السوري، خصوصاً ريف محافظة دير الزور. غالباً سيترك التنظيم الكثير من كوادره العراقية كخلايا نائمة تنتظر اللحظة المناسبة لتعاود التحرك، وهذا حصل كثيراً في السابق ولا سيما في مدينة الموصل ومحيطها. أما الأجانب، وهم يعدون بالآلاف، فلا سبيل أمامهم للعودة إلى بلادهم، والوجهة الحتمية هي الانسحاب من الموصل وباقي العراق ومن الرقة والباب نحو الشرق السوري.
سيكرر هؤلاء ما فعله التنظيم في أعقاب نكبتيه الأولى والثانية، التوقف عن القتال بأساليب الجيوش النظامية، والانتقال لممارسة حرب العصابات والإرهاب، وموجات التفجيرات بالسيارات المفخخة.
والأهم هو أن التنظيم سينتظر انشغال خصومه بأجندات أخرى أو تفجر الخلافات فيما بينهم، وهذا ليس بالمستبعد. فالولايات المتحدة ستنشغل غالباً بالتركيز على وسط وغرب سوريا لمواجهة النفوذ الروسي هناك. كما أنه من المستبعد أن تستمر حالة الهدنة الهشة بين الأكراد والأتراك في الشمال السوري، لا سيما إذا ما أصبح للجيش التركي وجود في كل من الممرين الفاصلين بين الكانتونات الكردية الثلاثة.
شيء مشابه يمكن أن يحصل في العراق أيضاً، ولا سيما وسط حالة التنافس التي ظهرت بوضوح مؤخراً بين الأكراد والأتراك والإيرانيين. كما يجب أن نترقب ما سيحصل في العراق في المدن التي سيطرد منها تنظيم «داعش»، لا سيما وسط ما يتداول عن نية لطرد عائلات أنصار «داعش»، وهم يعدون بالآلاف، سواء نتيجةً لتقاليد «الجلوة» العشائرية، أو نتيجةً لقرارات تصدرها السلطات العراقية. فقد أصدرت محافظة صلاح الدين قراراً بترحيل عوائل تنظيم «داعش» إلى خارج المحافظة لمدة عشر سنوات. لا شك بأن العقاب الجماعي الواسع أبعد ما يكون عن وأد تنظيم «داعش».
لكل هذه الأسباب من المستبعد أن نرى نهايةً قريبةً لتنظيم «داعش»، وربما يغير التنظيم اسمه أو رايته أو ينسحب بعض أفراده وكوادره لينضموا إلى فصائل أخرى. ومن المفيد أن نذكر هنا أن «داعش» ليس سوى واحد من جماعات سلفية كثيرة تسعى لتطبيق رؤيتها الخاصة للحكم الإسلامي. والاختلاف بين هذه الجماعات حول الخلافة الإسلامية، هي خلافات حول التوقيت المناسب أكثر منها خلافاتٍ حول صحة الهدف. ومع استمرار الرهان الإقليمي على دعم الجماعات الإسلامية، سواء لاستخدامها ضد الخصوم، أو للاعتقاد بأنها حليفٌ محتمل ـ إذا ما هداها الله ـ فإن الصراع في المنطقة مرشح للاستمرار لسنوات عديدة مقبلة.
https://assafir.com/Article/217/515782