المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القاصرات بين شبح العنوسة ومخالب الترمل



مقاوم
05-19-2005, 01:07 AM
سمية درويش


شبح الزواج المبكر يطارد القاصرات

سمية درويش من غزة: السائد في المجتمع الفلسطيني ولدي شريحة كبيرة من الأسر والأهالي أن سن الزواج المناسب للفتاة هو ما بين 18ـ22 عاما، إذا تخطت الفتاة هذا السن لظروف التعليم أو العمل أو رفض الأهل تزويجها لاعتبارات معينة، فان قطار الزواج قد فاتها، وأصبحت عانسا ولجهل الأهل وعدم وعيهم بمستقبل وسعادة ابنتهم وانقيادهم للعادات والتقاليد التي عفى عليها الزمن،وخوفا من كلام الناس يجبرونها بالإكراه بالزواج من أي شخص يتقدم لها حتى تتخلص منها ولا تعير أي اهتمام لو كان العريس المتقدم في سن والدها.
ولا تراعي تلك الأسر أحاسيس ومشاعر وسعادة الفتاة المغلوب على أمرها التي تضطر تحت هذه الضغوط إلى القبول بهذا الزواج الغير متكافئ، الذي لا يستمر طويلا في بعض الأحيان نتيجة الخلافات التي تنشأ بين الزوجين لان كلا منهما له تفكيره واحتياجاته التي تختلف عن الآخر، فيحدث الطلاق فتكون النتيجة النهائية التخلص من العنوسة إلى الطلاق وتعود المشكلة من جديد ليتم زواجها بفعل ضغط الأهل.


عريس لقطة
آيات أبو جياب الأخصائية الاجتماعية في مشروع دعم و تأهيل المرأة أقرت بوجود هذا الزواج في المجتمع الفلسطيني لكنه ليس ظاهرة ورأت أن دوافع هذا الزواج تنحصر في مجموعة من الأسباب تتمثل في الضغط الأسرى والوضع الاقتصادي الصعب والعادات والتقاليد السائدة موضحة أن بعض الأسر تصف العريس المتقدم لخطبة ابنتهم بعريس لقطة ولا تنظر إلى الفارق العمري له المهم انه سيسترها وسيسعدها ويشتري لها كل ما لذ وطاب وآخر ما توصلت له موضة الأزياء والذهب وفي نفس الوقت لا تأخذ هذه الأسرة رأي الفتاة التي لم يتجاوز عمرها العشرون عاما وبل يمارسون عليها الضغوط من اجل أن تقبل به وتوافق عليه و تضطر في النهاية إلى الزواج منه.

وتسترسل أبو جياب قائلة، الادهى من ذلك عندما تكون الفتاة التي تقدم لها العريس في فترة المراهقة والنضوج الفكري فسيحدث اختلاف في الآراء وسينتج عنه مشاكل من المحتمل أن تقضى إلى الطلاق بعد فترة قصيرة من الزواج وأيضا حرمان الفتاة من مواصلة تعليمها واقتصاره على مرحلة معينة يجعلها تفكر في ان العريس المتقدم هو مصباح علاء الدين السحري الذي سيخلصها من الضغوط.


زواج المصلحة
وترى أبو جياب أن الضائقة المالية والوضع الاقتصادي الصعب الذي تعانى منه الأسرة خاصة إذا كان عدد البنات فيها يصل إلى سبعة يجعلها تقبل بزواج ابتنها من عريس في سن والدها حتى تتريح من مصاريفها و همها وتضمن أن هذا الزواج سيعمل على مساعدتها ماديا إذا كان غنيا و الأمثلة كثيرة من هذا الزواج في مجتمعنا الفلسطيني ما سمته بالزواج المصلحة.
واعتبرت أبو جياب أن ما يقلق الأهل إذا تعدت ابنتها مرحلة الزواج السائد في مجتمعنا وهو في سن 18ـ22 عاما ولم يتقدم لها عريس فإنها تنظر أن قطار الزواج قد فاتها وأصبحت عانسة وأنها ترغب أن تتخلص منها بزواجها من أي عريس كبير في السن يتقدم لخطبتها.


اختلاف في التفكير
وتضيف أن المعاملة السيئة القاسية التي تتلقاها الفتاة من زوجة أبيها إذا كانت أمها متوفية أو مطلقة يجعلها تقبل بعريس كبير في السن لاعتقادها انه سيعاملها بصورة أفضل من معاملة الأهل،مشيرة إلى أن الاختلاف في المرحلة العمرية قد يترتب عليه اختلاف في التفكير والمشاعر و الطموح والحرمان العاطفي وينتهي بحدوث مشاكل وفجوة بينهما خاصة إذا اعتقد الزوج الكبير في السن أن الفتاة التي تزوجها هي فقط لإشباع الرغبة الجنسية لديه ولا يعير أي اهتمام إلى الجوانب الأخرى لديها.


عمل لا أخلاقي
ومن جانبه قال حسن النوراني دكتور في علم النفس،إن إرغام أحد على فعل ما وغصبا عنه، هو عمل لا أخلاقي ويجب الوقوف في وجهه، فالحرية مقدسة لكل فرد، وأعني الحرية التي يتحقق بها وجود الفرد تحققا ايجابيا جميلا.

وأضاف النوراني لـ"إيلاف"، ان تزويج قاصرة من رجل بالإكراه فعل مرفوض أخلاقيا وله نتائج قد تكون وخيمة في حالات عديدة، ولا أريد أن أقول أن مثل هذه النتائج تصحب كل حالات الزواج بالإكراه، فهناك زيجات تتم بالإرغام ولكنها تنجح فيما بعد، ويحوز فيها الزوجان على السعادة الزوجية المشتركة، بعد تجاوز مرحلة النفور التي تصاحب عملية الإكراه.
وتابع قائلا، قد نرضى بواقع نرفضه، فيمنحنا الرضا بما كنا نكره، مناخا بعيد صياغة وجداننا وعقلنا، فنقلب السلبيات إلى إيجابيات، ولا يعني ذلك، أنني أدافع عن الإكراه، فمثل هذا الدفاع يتناقض مع عقيدتي في الحرية التي أراها مقدسة ولا يجوز انتهاكها، مشيرا الى أن الحرية باعتبارها حقا مقدسا هي عرضة للانتهاكات خاصة في مجتمع منغلق مثل مجتمعاتنا العربية التي تحكمها ذكورة جائرة ضد الأنوثة.

ومن هذا الجور إرغام الفتيات عامة، والقاصرات منهن، على الزواج من رجل بالإكراه، مع نجاح بعض الزيجات التي تتم بالإكراه، فإن هناك زيجات إكراه تفشل أيضا، قد لا يكون الإكراه هو العامل المسئول وحده عن فشل الزيجات التي خضعت له.


مخاطر الانفصال
وأكد ابو علاء بان الإكراه قد يعود لأسباب اقتصادية ترغم الأهل على قبول تزويج بناتهم القاصرات لرجال ميسورين يملكون أن "يعوضوا" الزوجة القاصرة عن غياب التكافؤ العمري بين طرفي الزواج، وهذا إكراه غير مقبول أيضا، وقد يحمل في طياته مخاطر الانفصال وتعريض المطلقة لعواقب الطلاق الوخيمة بالنظر إلى الموقف الاجتماعي الضال تجاه المطلقات، كذلك يحمل زواج القاصرة من كبير السن، مخاطر قد تأتي من وفاة الزوج، بينما لا تزال زوجته في مقتبل عمرها، وقد يترك لها أعباء مسئولية عن أطفال ولدتهم، مما يقلل أمامها فرص الارتباط الزوجي مرة أخرى، وقد تتوفر لها فرصة زواج جديد، لكن هذا سيؤثر على أطفالها من زواجها السابق.

وأشار إلى ان الخوف من العنوسة سبب آخر يدفع الأهل لتزويج بناتهم من رجال غير مناسبين عمريا لهن، وهو خوف مشروع، والحقيقة أن زواج بنت ليس أمامها فرصة لزواج رجل يكافئها عمريا من رجل متقدم في السن، هو أفضل من عدم زواجها مطلقا.
وذكر النوراني أيضا نقطتين تمسان الموضوع، الأولى هي أن تراثنا الديني يقدم نموذجا لزواج رجل كبير السن (النبي محمد / قدوة المؤمنين) من فتاة قاصرة (عائشة) وهذا النموذج يمنح المدافعين عن حق الكبار في الزواج من فتيات صغيرات حجة "شرعية" لا يملك أحد من "المؤمنين" حق نقضها.
الثانية، أن المجتمع خال من مؤسسات تحمي القاصرات من إكراه الأهل لهن على الرضوخ لإرادة الأهل، وهذا يخلخل الأرضية التي تقف عليها الرافضات للاقتران برجال كبار السن، ويجبرهن على القبول بما يكرهن.


الظروف الاقتصادية
أما الدكتورة مريم أبو دقة أمينة سر الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية فترى أن ظروف الانتفاضة وحالة الفقر وعدم توفر فرص عمل وارتفاع المهور جعلت الشباب يعزفون عن الزواج ويتقدمون للزواج في سن متأخرة من فتيات لا يتجاوزن العشرون عاما.
وتضيف في الوقت نفسه نرى الأهل يعتبرون أن ابنتهم إذا تجاوزت هذا السن تكون عانسا ويرغبون في السترة عليها من أي شخص يتقدم لها لأنهم محكومين بالعادات والتقاليد والعرف السائد في المجتمع ولا ينظرون إلى رأى الفتاة ويجبرونها على الزواج منه.
وذكرت ابو دقة أن بعض الفتيات لديهن تفكيرا آخر يتمثل في أن بعض الشباب الذين يتقدمون للزواج لا يستطيعون فتح بيت وتحمل أعباء الأسرة نظرا لان مستواهم الاقتصادي منخفض والعكس أن كبار السن لديهم ثروة من المال ووضعهم الاقتصادي مرتفع ويؤهلهم لفتح البيت و لهذا يرغبن بالزواج منهم.


مشاكل نفسية
ومن جهتها تنظر الأخصائية النفسية هالة السراج أن هذا النوع من الزواج يولد عند الفتاة مشاكل نفسية كثيرة منها القلق وعدم الثقة بالنفس والاضطرابات النفسية في سلوكها وتعاملها مع الآخرين بالإضافة إلى الخوف والإحباط،موضحة أن عدم التوافق العمري والفكري والطبقي بين الزوجين يؤدى إلى تصاعد الخلافات الزوجية مما يحدث اضطرابات نفسية بينهما ستؤثر على تربية الأبناء.
وأضافت أن الزوجة تعتقد أن إنهاء الخلافات الزوجية ستكون في غاية الصعوبة ولهذا فان أمامها خياران أما الطلاق وما يترتب عنه أو الاستمرارية في هذا الوضع المضطرب وذكرت السراج أنها تقابلت مع فتيات يعانين من اضطرابات نفسية ويحتاجن إلى علاج بسبب هذا الزواج وما يترتب عنه.


التوافق العمري
الدكتورة وفاء فحجان نائب رئيس قسم الاجتماع بجامعة الأزهر، تقول أن الزواج الناجح لا بد أن يشتمل على التوافق في الفكر أو في السن أو الطبقة ولكن ما يحدث في مجتمعنا يشذ عن هذه القاعدة لأنه ما زال محكوما بالعادات والتقاليد، وتضيف ان السائد في هذا المجتمع بان الفتاة التي تتخطى سن 22 عاما تدق ناقوس الخطر لها الذين يقومون بتزويجها إلى ما هو اكبر منها سنا خوفا من فوات قطار الزواج وتدخل مرحلة العنوسة أو خوفا من السمعة السيئة.
وردت فحجان زيادة نسبة العنوسة بين النساء إلى جهل الأسرة وعدم وعيها وغلاء المهور والوضع الاقتصادي الصعب وسيطرة القيم و العادات،مؤكدة أن القيم المادية أصبحت تلف الدور الأساسي في تزويج الفتيات من كبار السن باعتبارهم طوق النجاة والفرسان الذين سيوفرون لهن حياة اقتصادية كريمة ولكن وكما هو معروف فان السعادة لا تقاس بالمال.

وضربت فحجان مثلا أن فتاة تحمل شهادة علمية أرغمت من الأهل على زواجها من رجل كبير في السن لا يحمل شهادة إعدادية تحت حجة وضعه الاقتصادي ممتاز وأيضا هناك أمثلة على شباب يحملون شهادات علمية لا يوافقون على الزواج من فتيات لا يتجاوزن أعمارهن الثلاثون عاما ويرغبون في الزواج من فتيات صغيرات في السن وغير متعلمات لاعتقادهم بان الزواج منهن يسبب لهم المشاكل والمتاعب وهذا مفهوم خاطئ.

وتؤكد أن ما بنى على باطل فهو باطل ومثل هذا الزواج لا يعمر طويلا ومصيره الفشل ولو استمر سيولد مشاكل وخلافات،مشيرة الى أن بعض من كبار السن الذين تزوجوا من فتيات لم يطل زواجهم إلا سنين معدودة وتوفوا وتركوا ورائهم زوجات أرامل وأطفال أبرياء.
وأوضحت فحجان بان المرأة بدلا من أن تعانى قبل زواجها من العنوسة ستعانى بعد زواجها من الترمل وسينظر إليها الرجال كالذئاب البشرية و تنصح الأهل أن يفكروا بمصير ابنتهم قبل القدوم على هذه الخطوة اليائسة وتنصح أيضا المؤسسات النسوية أن تكثف من ورشات العمل التي تظهر خطورة هذا الزواج.