المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : والله فوضى ....... بدرية البشر



على
05-18-2005, 06:40 AM
بدرية البشر

دخل رجل إلى البنك ليصرف راتبه فوجد طابورا طويلا من المراجعين من الجنسيات الآسيوية والعربية الشقيقة، فتجاوزهم مباشرة للصندوق. نظر الموظف للرجل السعودي وقال له: صف في الطابور، نظر الرجل للطابور وقال: تريدني أن أصف وراء كل هؤلاء.

فقال له الموظف: نعم

رد الرجل: والله فوضى!

الفوضى التي يقصدها صاحبنا لها أوجه متعددة، لكنني سأهتم بجانب كرهنا أو كره بعضنا للطوابير، ولا أقصد هنا الكره العاطفي بل الفعلي، بمعني أن بعضنا السعودي يحاول قدر ما أستطاع أن يقفز على الطابور، فإن رأي أمامه طفلا أو امرأة أو هنديا تجاوزهم على اعتبار أنهم الفئة الأضعف. لا زلت أذكر هذا الطفل الشقي الذي تجاوزني في الملاهي وأنا أقص تذكرة، فطلبت منه أن يلتزم بالصف. فرد علي برد يشبه رد الكبار: «كله واحد»، قلت له مادام إنه كل واحد أرجع وراء، ضحك، وتجاهلني، ولا أشك أنه سيعود لوالده الذي علمه أن «يسقط» بمعني يتجاوز الآخرين ليسأله عن رد في الحالة التي مر بها، ولن يعدم والده وسيلة يعلم فيها إبنه كيف يتذاكي ويلهف حق الآخر مادام انه ممكن.

في الرياض لا تحتمل كثير من السيارات الوقوف أمام إشارات المرور الحمراء، فما أن تصبح خضراء حتى تسمع زغاريد الأبواق، وربما الاحتجاجات.

معظم الناس تسرع سرعة جنونية، ولو سألت كل واحد منهم عن هدفه لقال إما أنه يتمشى أو ذاهب لشرب القهوة عند صديق، كل ما ركبت مع زوجي وجدته يسرع سرعة توقف القلب وتقضي على كل بهجة للطريق، لا تسأل الله منها إلا السلامة، فأسأله: إلى أين نذهب قال: نتمشى.

ولو زارنا ضيف من كوكب آخر لظن أننا قوم مستعجلون لأن قائمة مهماتنا لا تحصى ولا تعد، بل لظن أننا قوم نحترم الوقت، نخاف أن نهدر دقيقة منه في طريق لا يستحق التأني، بل يستحق المخاطرة بالأرواح (روحك وروح الآخر).

ولظن أننا قوم نحافظ بالدقيقة وبالثانية على مواعيدنا وارتباطاتنا، لكنك وبمراجعة بسيطة ستكتشف أن سبب التأخير في الدوائر الحكومية والمؤسسات هم هؤلاء المسرعون، وأنك لو دعوت أحد من هؤلاء للغداء لجاءك آخر واحد ولو سألته عن السبب لقال: يا أخي ما عندي وقت.

في عالم مدينة ملاهي «الديزني» يصطف الناس ساعة ونصف أحيانا ليركبوا لعبة مدتها ثلاث دقائق، لكنهم يقفون من دون أن يتجاوز أحدهم رفيقه، ودون أن يتذاكى عليه بالقول: «عندي ظرف»، ورغم طوابير الانتظار الطويلة والمملة لا تزال «مدينة ملاهي ديزني» الأعلى في معدل الزيارات سياحيا، والمفاجئ أن السعوديين الذين تشاهدهم هناك تجدهم يتحلون بمهارة احترام الطوابير، حين يجدون نظاما صارما يردعهم فهم مثل كل خلق الله لديهم ميزة القدرة على النظام لكنهم يفتقدون الحس الذي يرشدهم، ولا يجعل الأمر عندهم «كله واحد!».

badreiah@asharqalawsat.com