على
05-18-2005, 06:29 AM
أنيس منصور
لم اكن رأيت محكمة في حياتي ـ الا في الافلام. وفي يوم اتصل بي وزير الداخلية النبوي اسماعيل وقال لي: ارجوك تحضر الجلسة المقبلة لأن القاضي زعلان جدا.. ففي كل مرة يذهب محاميك ويعتذر للقاضي بأنك مشغول مع الرئيس السادات وأنك وأنك..
ولم أكن اعرف ان هناك قضية ولا ان المحامي يذهب ليعتذر. فذهبت وفوجئت بأن القاضي يجلس في غرفة صغيرة.. وصافحت القاضي وجلست ووضعت ساقا على ساق وانتظرت فنجان القهوة. وجاء المحامي وتكلم وشكر القاضي. ونهضت وصافحته وخرجت لأجد المحامي قد ذهب لونه تماما وقال لي: يا افندم حضرتك غلطت كثيرا: أولا صافحت القاضي وثانيا جلست من غير اذن وثالثا وضعت ساقا على ساق ورابعا صافحته..
ولم اكن اعرف ان هذه الغرفة الصغيرة هي المحكمة. وكتبت مقالا اعتذر للقاضي عما بدر مني. فلم أكن اعرف ان هذه هي المحكمة. وكان القاضي شابا لطيفا فتقبل مني هذا العذر!
المرة الثانية لجأ احد رجال الأمن الى القضاء بدعوى اني شتمته وأهنته. اما المحامي الذي يترافع عني فهو الوزير د. جمال العطيفي. المحكمة اسمها محكمة الجنايات، ومحامي الخصم هو صديقي وزميلي الوزير عبد المنعم الصاوي. وسمعته يقول: يا حضرات المستشارين وفجأة وجدت د. العطيفي يضربني على ساقي بعنف ولم افهم لماذا. وانتهت المرافعة وامام المحكمة سألته قال لي: انت وضعت يدك في جيبك وهذا لا يليق. وفي استطاعة القاضي ان يحبسك.
فقد حدث قبل ذلك ان وقف في مكاني هذا العضو المنتدب لمؤسسة الاهرام. فأدخله القاضي القفص وحكم عليه بالسجن اياما.. واتصل د. العطيفي بمكتب الرئيس جمال بعد الناصر، الذي اتصل بمكتب وزير العدل للإفراج عن د. فؤاد ابراهيم!
أما المرة الثالثة فهي انني ذهبت مبكرا الي محاكمة قتلة الرئيس السادات. وكانت المحكمة خالية تماما الا من المتهمين كلهم. ونظرت اليهم وفي سذاجة منقطعة النظير عرفت واحدا منهم وسألته: انت مؤلف كتاب (الفريضة الغائبة)؟ فقال: نعم. قلت: الكتاب مليء بالأخطاء الإملائية الى جانب انه مطبوع طبعا سيئا جدا!
ونسيت تماما ان هذا الذي اتحدث اليه من الممكن ان يصدر حكم باعدامه. وتدخل في المناقشة آخرون لا اعرف منهم احدا ولا تزال المقاعد خالية تماما.. وفجأة جاء مصورو الصحف ووكالات الانباء.. وخلع المتهمون ملابسهم فظهرت على ظهورهم هتافات معادية للسادات ومبارك.. وانقلبوا جميعا يهتفون ضدي واقل الشتائم: الخونة.. الكلاب.. المرتزقة..
مصيبة كبرى هذا الذي حدث. نسيت ان هذه محكمة. وان هؤلاء متهمون وان هؤلاء في حالة نفسية مروعة. وان هناك دما.. اراقوه وان دما آخر سوف يراق.. وصدرت الأوامر بإخلاء القاعة من الصحافيين ومندوبي التلفزيون ووكالات الانباء ولا تزال الهتافات تتعالى والملابس تتطاير ومعها الشتائم.. وندمت وكان جهلي هو السبب.. ويومها تحدثت مع الرئيس مبارك وسألني مستنكرا: وانت ايه اللي جعلك تذهب إلى المحكمة!
وكان الجهل وسوء التقدير!
أما الذي لا انساه ولا استطيع ان احكيه مرة اخرى فهو انني أخطأت طريقي الى الشارع.. ومشيت في طريق طويل.. وفجأة سمعت ابوابا تدق بعضها بعضا.. واذا بي امام من ارتدى ملابس الاعدام ومعصوب العينين ومريض كليل يدعو الله ان يجعل دمه في عنق الرئيس عبد الناصر.. لقد كان العالم الجليل المحكوم عليه بالاعدام: سيد قطب! وانا من المعجبين به وبآرائه وقضاياه النقدية الفلسفية.. والله يعلم كيف امضيت الليالي الطويلة القلق والأرق حتى اهرب من هذه الصورة البشعة التي رأيتها ـ على الرغم مني ـ بعد ذلك!
لم اكن رأيت محكمة في حياتي ـ الا في الافلام. وفي يوم اتصل بي وزير الداخلية النبوي اسماعيل وقال لي: ارجوك تحضر الجلسة المقبلة لأن القاضي زعلان جدا.. ففي كل مرة يذهب محاميك ويعتذر للقاضي بأنك مشغول مع الرئيس السادات وأنك وأنك..
ولم أكن اعرف ان هناك قضية ولا ان المحامي يذهب ليعتذر. فذهبت وفوجئت بأن القاضي يجلس في غرفة صغيرة.. وصافحت القاضي وجلست ووضعت ساقا على ساق وانتظرت فنجان القهوة. وجاء المحامي وتكلم وشكر القاضي. ونهضت وصافحته وخرجت لأجد المحامي قد ذهب لونه تماما وقال لي: يا افندم حضرتك غلطت كثيرا: أولا صافحت القاضي وثانيا جلست من غير اذن وثالثا وضعت ساقا على ساق ورابعا صافحته..
ولم اكن اعرف ان هذه الغرفة الصغيرة هي المحكمة. وكتبت مقالا اعتذر للقاضي عما بدر مني. فلم أكن اعرف ان هذه هي المحكمة. وكان القاضي شابا لطيفا فتقبل مني هذا العذر!
المرة الثانية لجأ احد رجال الأمن الى القضاء بدعوى اني شتمته وأهنته. اما المحامي الذي يترافع عني فهو الوزير د. جمال العطيفي. المحكمة اسمها محكمة الجنايات، ومحامي الخصم هو صديقي وزميلي الوزير عبد المنعم الصاوي. وسمعته يقول: يا حضرات المستشارين وفجأة وجدت د. العطيفي يضربني على ساقي بعنف ولم افهم لماذا. وانتهت المرافعة وامام المحكمة سألته قال لي: انت وضعت يدك في جيبك وهذا لا يليق. وفي استطاعة القاضي ان يحبسك.
فقد حدث قبل ذلك ان وقف في مكاني هذا العضو المنتدب لمؤسسة الاهرام. فأدخله القاضي القفص وحكم عليه بالسجن اياما.. واتصل د. العطيفي بمكتب الرئيس جمال بعد الناصر، الذي اتصل بمكتب وزير العدل للإفراج عن د. فؤاد ابراهيم!
أما المرة الثالثة فهي انني ذهبت مبكرا الي محاكمة قتلة الرئيس السادات. وكانت المحكمة خالية تماما الا من المتهمين كلهم. ونظرت اليهم وفي سذاجة منقطعة النظير عرفت واحدا منهم وسألته: انت مؤلف كتاب (الفريضة الغائبة)؟ فقال: نعم. قلت: الكتاب مليء بالأخطاء الإملائية الى جانب انه مطبوع طبعا سيئا جدا!
ونسيت تماما ان هذا الذي اتحدث اليه من الممكن ان يصدر حكم باعدامه. وتدخل في المناقشة آخرون لا اعرف منهم احدا ولا تزال المقاعد خالية تماما.. وفجأة جاء مصورو الصحف ووكالات الانباء.. وخلع المتهمون ملابسهم فظهرت على ظهورهم هتافات معادية للسادات ومبارك.. وانقلبوا جميعا يهتفون ضدي واقل الشتائم: الخونة.. الكلاب.. المرتزقة..
مصيبة كبرى هذا الذي حدث. نسيت ان هذه محكمة. وان هؤلاء متهمون وان هؤلاء في حالة نفسية مروعة. وان هناك دما.. اراقوه وان دما آخر سوف يراق.. وصدرت الأوامر بإخلاء القاعة من الصحافيين ومندوبي التلفزيون ووكالات الانباء ولا تزال الهتافات تتعالى والملابس تتطاير ومعها الشتائم.. وندمت وكان جهلي هو السبب.. ويومها تحدثت مع الرئيس مبارك وسألني مستنكرا: وانت ايه اللي جعلك تذهب إلى المحكمة!
وكان الجهل وسوء التقدير!
أما الذي لا انساه ولا استطيع ان احكيه مرة اخرى فهو انني أخطأت طريقي الى الشارع.. ومشيت في طريق طويل.. وفجأة سمعت ابوابا تدق بعضها بعضا.. واذا بي امام من ارتدى ملابس الاعدام ومعصوب العينين ومريض كليل يدعو الله ان يجعل دمه في عنق الرئيس عبد الناصر.. لقد كان العالم الجليل المحكوم عليه بالاعدام: سيد قطب! وانا من المعجبين به وبآرائه وقضاياه النقدية الفلسفية.. والله يعلم كيف امضيت الليالي الطويلة القلق والأرق حتى اهرب من هذه الصورة البشعة التي رأيتها ـ على الرغم مني ـ بعد ذلك!