المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل ستعود الحياة لقيصرية الاحساء التأريخية؟



على
05-17-2005, 07:35 AM
علي آل غراش من الدمام

الخسائر نحو مليار ريال


http://www.elaph.com/elaphweb/Resources/images/Reports/2005/5/thumbnails/T_c0bca53d-167f-4c8b-baa7-7b6ba59f81e3.GIF


القيصرية اسم سوق من اشهر وأقدم الأسواق في الخليج شيد قبل أكثر من 140 عاما في مدينة الهفوف شرق السعودية مساحتها تقدر نحو 15 ألف متر مربع، وتحتوي على نحو 340 محل تجاري يعرض فيها جميع أصناف البضائع تحت سقف واحد في بناء معماري مميز وفريد مطلي باللون الأبيض، ويرتادها الكثير من أبناء الأحساء والمناطق الأخرى ودول الخليج وخاصة من قطر والإمارات والكويت.

القصيرية تعرضت في منتصف عام 2002 م لحريق كبير جعلها جثة محترقة مشوهة.. اضطر المسؤولون لدفن معالمها الجميلة لتبقى ذكرى من الماضي، وبعد أربع سنوات من وقوع الحادث وقع وزير البلدية والقروية بالسعودية الأمير متعب بن عبدالعزيز 7/8/2005م عقدا بقيمة 15 مليون ريال لإعادة بنائها كما كانت بنفس المواصفات والمواد المستخدمة سابقا والطراز التقليدي القديم مع مراعاة كافة وسائل الأمن والسلامة.

هل ستعود القيصرية كما كانت؟

هل فكرة البناء بالمواد القديمة التقليدية عملية؟

لماذا لا يتم بنائه بشكل عصري واستغلال موقعه المميز؟

هل سيتم التعويض عن الخسائر؟


القيصرية غالية
ولم تكن القيصرية مجرد سوق قديم بل أنها معلم وارث تاريخي وتراثي وعمراني وسياحي واقتصادي ووجداني فهي قلب المنطقة النابض بالحركة والنشاط والتجارة، وروح الأحساء الخضراء، واسم يعيش في قلوب أبناء الأحساء وفي عقل كل زائر عبر من تحت جذوعها.
فهي رئة لكل من يريد تنفس عبق الماضي واستنشاق التراث والحنين لتاريخ الجزيرة والخليج، فبالرغم من عمرها الطويل كانت مصدر خير وعطاء وقدرة فائقة على منافسة المجمعات التجارية الحديثة، لإصرار الناس على أحيائها والتسوق من محلاتها من قبل جميع الشرائح الاجتماعية، فهي اقرب ما تكون إلى متحف أو سوق تراثي ينبض بالحياة والحيوية والواقعية، ولهذا فان صورتها راسخة في الأذهان ومحبتها متمركزة في القلوب، لأنها عزيزة على الجميع.



قيمة كبيرة
سوق القيصرية له مكانة كبيرة عند الأحسائيين لا يقل أهمية وقيمة عن سوق الحميدية في دمشق أو البازار في طهران عند أهل الشام وطهران بالرغم من صغر حجمه والقيصرية عبارة عن مبني طيني مطلي بمادة الجص البيضاء اللون يقع في أهم شارع في وسط مدينة الهفوف بالقرب من قصر إبراهيم التاريخي والإمارة وهو مجمع لمجموعة من المحلات الصغيرة الحجم كمجموعات يفصلها ممرات ضيقة مغطاة بالجذوع وحصيرة سعف النخيل ومواد طينية تساهم في حماية الأسقف من تسرب المياه والوقاية من الحرارة العالية، وهو ينقسم إلى عدة أقسام منها قسم الأثاث وقسم العطور والساعات وقسم الأحذية وقسم الشرقيات والصناعات النحاسية والفخار وقسم المشالح والعبايات النسائية وقسم الصرافين وقسم الحواويج "العطارين" وقسم سوق البدو وقسم الملابس وقسم المواد الغذائية والمكسرات فمحلاته المتراصة الصغيرة الحجم تتكدس فيها جميع أنواع البضائع التي يحتاج إليه المتسوق، وغالبا ما تكون ممراته الضيقة مزدحمة بالمتسوقين من رجال ونساء كبار وصغار ومن أبناء الدول المجاورة ومن جميع الجنسيات، إذ تجذبهم رائحة التراث الأصيل والعطور الشرقية بمجرد الاقتراب منه.


أيدي وطنية
ومما يميز سوق القيصرية أن معظم العاملين فيه سعوديون من أبناء المنطقة واغلبهم ورثوا المحلات ابن عن أب عن جد وهناك عوائل محددة تخصصات بالعمل في السوق في مجال معين، وهم يجيدون فن التعامل وكسب الزبائن بفضل ما يملكونه من خبرة طويلة وسمعة جيدة، والباعة يتكونون من رجال كهول يضيفون الطابع التراثي على السوق ومن الشباب المتحمس ومن الصغار رجال المستقبل، وكذلك من النساء اللاتي يمارسن التجارة من خلال بعض البسطات لبيع الطواقي وبعض المشغولات اليدوية التراثية والبخور والملابس التي هي بكل فخر صناعة محلية أحسائية.

ذكريات لا تنسى
لكل فرد من أبناء الأحساء وخاصة الهفوف وزورها لهم حكايات ومواقف وذكريات مع القيصرية إذ أنهم مرتبطون بها برباط الولاء والتقدير والتواصل معها في جميع المناسبات المفرحة والحزينة، والوطنية والدينية وخاصة في شهر رمضان المبارك أو العيد إذ لا تكتمل الفرحة بالمناسبة إلا بالتسوق من القيصرية وقضاء ليلة العيد بالتجول في ممراته المزدحمة وشراء جميع الاحتياجات من ملابس وأحذية وعطور وساعات ومشالح وعبايات نسائية و سيوف والألعاب النارية.

شرارة معتدية
هذا الصرح التراثي والتجاري الذي يمتد تاريخه نحو 140 عاما تعرض في فجر يوم الخميس الموافق 18/10/2001م لحادث مؤسف وحزين لمحبي الأحساء وتراث الجزيرة وعاشقي سوق القيصرية التاريخي عندما طارت شرارة إرهابية معتدية في احد محلات السوق الشمالية لتشعل حريقا هائلا لم ترحم شيخوخته ودوره ولم تراعي شعور عاشقه إذ التهمت بشراسة أسقفته الخشبية و تهاوت الجذوع العتيقة على بضائع المحلات التي بعضها لا تقدر بثمن للقيمة التراثية النادرة، وتحرق معها مئات الملايين من الريالات، والقلوب العاشقة.

حزن وبكاء
عندما انتشر خبر اشتعال النار المعتدية في القيصرية وارتفاع لهيب النار الغاضبة وانتشار الدخان الأسود في السماء استيقظ النائمون رجال ونساء
سوق القيصرية بعد الحريق
أطفال وشباب، وفي حالة أستنفار قصوى توجه الأغلبية للموقع في الساعات المبكرة للاطمئنان على حال المحبوبة التراثية التي تسكن في قلب كل أحسائي، الذين شعروا بان النار تشتعل في أجسادهم لا في جسد محبوبتهم التي لم تستطع مقاومتها في هذا السن وبعد هذا العطاء، ولهذا ليس بغريب أن يكون بعض الشباب أكثر حرصا على إخماد الحريق من رجال الدفاع المدني من خلال المشاركة المستميتة بل كان هناك من يرمي بنفسه في محاولة يائسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أموال أو بضائع أو ملفات أو ذكريات عزيزة ومهمة لم يمهله القدر والقضاء من تنفيذ ما يريد، الكل كان يبكي وينتحب خلف اللثام الغترة، وهناك من أغرقت عيناه بالدموع التي رفضت الاعتراف بما تراه وبموت الحبيبة، ولقد كان الحزن والبكاء اللغة المشتركة بين أصحاب المحلات وأهل المنطقة وبين كل من يتردد عليها من الجنسين.



خسائر بالملايين
الخسائر المادية المباشرة للحادث تعد بمئات الملايين ووصلت الآن نحو المليار لتراكم الديون والعمولات حول حجم الخسارة المادية يقول حسن الشيخ "روائي": القيصرية تمثل الشريان الاقتصادي للاحساء...، وبسبب الحريق فان الآلاف من الأحسائيين العاملين خسروا ثورتهم، ورجعوا إلى نقطة البداية، ويعيشون الفقر من جديد، وان البعض منهم دبت فيه الأمراض والأحزان على فقد المال.

أما عبدالله القطان "صاحب محل" فيقول: إن مجموعة من أفراد عائلة القطان تعمل في السوق منذ عشرات السنين ولديهم عدة محلات في جميع المجالات، وان قيمة الخسائر للبضائع التي احترقت فقط بخلاف الديكور وشراء للعائلة تقدر بعشرات الملايين ريال، ولقد أصبح العديد من أبناء العائلة الذين يملكون محلات في اشهر سوق في المنطقة بدون عمل ويبحثون عن حل لسداد الديون التي تراكمت عليهم.

وتحدث احد الشباب من عائلة الحدب: اشتريت محلا في سوق القيصرية بنحو مليون ريال قبل الحريق بفترة قصيرة، وان قيمة ما خسرته في المحل تقدر بنحو 40 مليون ريال، ومما ساهم في مضاعفة الخسائر لأصحاب المحلات أن الحادث وقع في شهر شعبان الشهر الذي يسبق شهر رمضان الكريم والعيد الذي يعتبر الموسم الرئيسي للبيع حيث ان جميع المحلات قد تهيات واشترت جميع البضائع.

أحرقت قلوبنا
وقال محمد الحداد: إن الحريق تسبب في خسائر فادحة لأصحاب المتاجر إذ إن البعض عليه ديون وكمبيالات، ولقد اضطر البعض لبيع سيارته والبعض الأخر رهن منزله لتسديد بعض الالتزامات المادية، وتقول أم سعد "بائعة": لقد حرقت النار قلوبنا قبل أن تحرق بضائعنا ونخسر ما نملكه وتشردنا، مضيفة: أني أصبحت بدون عمل أو دخل بعدما فقدت الموقع الذي اعرض فيه بضاعتي في القيصرية وزبائني.

التقليدي والعصري
بعدما تحولت القيصرية إلى بقايا اطلال ارتفعت الأصوات مطالبة بضرورة إعادة بنائها بأسرع وقت ولكن حدث اختلاف في وجهات النظر حول طريقة إعادتها فالبعض أصر على إعادة بناءها بنفس التخطيط والطراز المعماري السابق واستعمال المواد التقليدية في المظهر الخارجي، وذلك من اجل المحافظة على حجم النسب الخاصة والممتلكات.
والبعض رأى انه ينبغي إعادة بناء القيصرية بتصميم جديد يناسب روح العصر والحضارة التي تعيشها المنطقة من تطور.

تراث وتاريخ
ومن الذين أصروا على إعادة بناء القيصرية بنفس الطريقة والتصميم السابق المهندس عبدالله الشايب"باحث ومتخصص في التراث" الذي أكد قائلا: إني أويد بل أطالب بضرورة إعادة بناء القيصرية على الأسلوب والتصميم السابق لما يمثله من قيمة عمرانية وتراثية وتاريخية ومعلم مهم للاحساء الأحسائيين والخليجين، واني اشكر المسؤولين في البلد على الموافقة على ذلك. وحول إمكانية توفر المواد والأيدي العاملة لإعادة بنائها بالطريقة السابقة قال الشايب: المواد موجودة في المنطقة وليس هناك مشكلة في الأيدي العاملة والاهم من ذلك وجود المشرف والمراقب والمتاعب لعملية البناء، واني مطمئن من ذلك في ظل وجود مهندسين مخلصين في البلدية على مستوى راقي من المهنية والمعرفة، ويرى الشايب بان المبلغ المخصص (15 مليون ريال) لإعادة بناء القيصرية معقول وكافي.

روح العصر
بينما يرى محمد السعد أن منطقة الأحساء بحاجة إلى التغيير والتطوير وانه ينبغي على المسؤولين في المنطقة النظر للمستقبل وعدم النظر للخلف، وان القيصرية لا تمثل أكثر من سوق تراثي مهم وعزيز على أبناء الوطن تعرض للسقوط وهذا لايعني الإصرار على بنائه بنفس الطريقة السابقة التي لا تناسب هذا العصر وانه من الأفضل استغلال هذا الموقع وهذه المساحة لبناء مجمع تجاري حضاري بشكل مناسب يحتوي على مواقف تفك من شدة الازدحام ويكون معلما حضاريا للاحساء.

المهم البناء
أهالي الأحساء يتألمون بمشاهدة اطلال المعلم التراثي والسياحي البارز الذين عاشوا في ظل شموخه ونشاطه ينتظرون بآمال كبيرة إعادة بنائه، وأصحاب المحلات لازالوا يرفعون من أصواتهم التي بحت من الشكوى مطالبين بسرعة إعادة بناء السوق الجديد كما وعدت الجهات المعنية، والتمكن من العودة لمحلاتهم وممارسة عملهم خاصة أن اغلب تجار السوق لحقت بهم خسائر تقدر بملايين الريالات.