المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موجبات العزة عند الله موالاة المؤمنين 15-5-2005



عباس علي العكري
05-14-2005, 08:35 PM
لا ريب أن من موجبات العزة عند الله موالاة المؤمنين ، ومن موجبات الذلة عنده موالاة الكافرين . ولقد ذم الباري سبحانه وتعالى المنافقين وتوعدهم بالعذاب الأليم على هذا التصرف بقوله : " بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما ، الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، أيبتغون عندهم العزة ، فان العزة لله جميعا " . ولذلك لا يجوز للفرد المسلم أو المؤمن أن يذل نفسه بالارتباط مع غير المؤمنين ، وكذلك لا يجوز للجماعة المؤمنة أن تذل نفسها بهذا النوع من الارتباط بالكافرين من باب اولى . لأن هذا الارتباط ان كان بقصد طلب العزة بهم فان الله تعالى قد أوضح لنا بأن ذلك موجب للذلة وللعذاب الأليم . فعلى مستوى الفرد ، لا يجوز للمؤمن أن يعرض نفسه للذل ، وقد روي عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال : " ان الله فوض الى المؤمن أمره كله ، ولم يفوض اليه أن يكون ذليلا . أما تسمع الله يقول عزوجل : " ولله العزة .. " فالمؤمن يكون عزيزا ، ولا يكون ذليلا ، فان المؤمن أعز من الجبل . ان الجبل يستقل منه بالمعاول ، والمؤمن لا يستقل من دينه شيء ".


ولكن كيف يذل المؤمن نفسه ؟

يجيبنا على هذا السؤال الامام أبوعبدالله عليه السلام حينما سأله الراوي عن قوله لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه ، " قلت : بم يذل نفسه ؟ قال : لا يدخل فيما يعتذر منه " .

وفي رده على السؤال نفسه ، في مناسبة أخرى ، قال :" أن يدخل فيما يعتذر عنه ، أو يتعرض لما لا يطيق " . ومعنى ذلك أن المؤمن لا يصح له الدخول في أمر يؤدي به الى الاعتذارعنه ، أو يعجز عن انجازه بسبب ضعف موقفه ، فان ذلك سيحمله على الاعتذار ، وموقف الاعتذار بالنسبة للمؤمن موقف ذل ، ولذلك كان عليه أن يتجنب هذا الموقف بالاقتصار على ما أمره الله به بعيدا عن الرغبات النفسية ، والتأييدات البالونية ، التي سرعان ما ينفذ هواؤها ، ويتلاشى وجودها . قال الامام الباقر عليه السلام : " بئس العبد عبد له طمع يقوده ، وبئس العبد عبد له رغبة تذله ، وقال الامام علي في وصيته لابنه الامام الحسن عليهما السلام :" أكرم نفسك عن كل دنيئة ، وان ساقتك الى الرغائب ، فانك لن تجد ما تبذله عن نفسك عوضا " .


هذا على المستوى الفردي . وأما على المستوى الاجتماعي ، فلا يجوز لأي فرد أو جماعة أن تتخذ من المواقف أو التصرفات ما يؤدي بالمؤمنين الى الضعف والاذلال ، فلا يجوز لهم أن يتركوا التقوى ، ففي تركها ذلة للمؤمنين ، كما لا يجوز للجماعة ارتكاب موجبات الذل كمولاة الكافرين ، والاعتداء على الآخرين . قال تعالى – في مقام تصوير هذه الحالة ، التي يحذر جماعة المؤمنين منها ، لما تؤدي بهم الى الذلة – " يا أيها الذين آمنوا ، لا تتخذوا بطانة من دونكم ، لا يألونكم خبالا ، ودوا ما عنتم ، قد بدت البغضاء من أفواههم ، وما تخفي صدورهم أكبر . قد بينا لكم الآيات ، ان كنتم تعقلون . ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم – والشواهد عندي على ذلك كثيرة ، ولكن لايسع المقام لتعدادها _ وتؤمنون بالكتاب كله ، واذا لقوكم ، قالوا : آمنا، واذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيض . قل موتوا بغيضكم ، ان الله عليم بذات الصدور . ان تمسسكم حسنة تسؤهم ، وان تصبكم سيئة يفرحوا بها " .


هذه هي حقيقة البطانة التي من دون المؤمنين . ولا يفرح بالوضع الذي آلت اليه أمورنا ، الا عدو لنا وللاسلام وللوطن ، أو جاهل لا يعرف شيئا مما يدور حوله من الفتن .

اعملوا على توفير العزة لأنفسكم ولمجتمعكم . ولكن السؤال هو بأي شيء ؟

هل هو بمجرد الكلام ؟ لا يكون ذلك الا باتباع أهل البيت عليهم السلام ، الذين عرفوكم كيف يكون العز ، فقد وجهوكم الى جملة من الأمور أسوق بعضها لكم مستخرجة من بعض أقوالهم في مناسبات مختلفة :

العز أن تذلوا للحق اذا لزمكم ، وتكفوا الأذى عن غيركم ، وتتركوا القال والقيل عنكم ، وتلتزموا الصدق في أقوالكم ، والانصاف لمن خالفكم ، وقطع الطمع عما في أيدي غيركم ، والتذلل لخالقكم .

ففي ذلك تكون لكم العزة ، لا في غيره .

ولا يمنعكم أيها الاخوان طلب العزة من الصفح عمن ظلمكم من اخوانكم المؤمنين ، واعطاء من حرمكم ، وصلة من قطعكم منهم ، فان ذلك من توجيهات نبيكم وأئمتكم ، الذين أمركم الله بتلقي توجيهاتهم بالتسليم ، وبختم أعمالكم الصالحة بالصلاة عليهم ، فهي لديه سبحانه شرط القبول ، ومصدر الخير العميم .