المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تركيا تنزلق الى التعصب... لكنه ليس انزلاقاً بلا فرامل



خديجة
05-14-2005, 12:32 AM
مارك صايغ الحياة 2005/04/16

ماذا يجري اليوم في تركيا؟

منذ أقل من سنة بدت وريثة الامبراطورية العثمانية مثالاً للدول الاسلامية جمعاء: ديموقراطية، انفتاح، تحرر نساء، اقتصاد استطاع التغلب على أزمة خانقة، نجاحات فردية، أورَبة... حتى «حزب العدالة والتنمية» الاسلامي الحاكم بدا ظاهرة أميل للمجتمعات الاسلامية ولأحزاب وتجمعات اسلامية لم تستطع حتى الآن ايجاد مكان للديموقراطية والحريات في برامجها. كما نجح حزب العدالة في هذا المضمار وفي حملته لدخول الاتحاد الأوروبي، دون ان تقلق إسلاميته أوروبا، بما فيها دول الجوار المتنازع معها، كاليونان. لكن أموراً عدة جاءت تحبط تركيا وحزبها الحاكم، وتنزع عن أنقرة الصفات الحسنة، أكانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، التي كانت تميّزها عن سائر دول العالم الاسلامي.

فماذا جرى خلال اشهر قليلة كي تخسر تركيا مكانة كانت قد شيّدتها لنفسها طوال عقود عدة؟ رفض المجتمعات الأوروبية لها على عكس موقف الطاقم السياسي الأوروبي، والتحالف الكردي - الاميركي الذي ينعته الأتراك بأنه مؤامرة ضدهم، وفشل تسوية قضية قبرص، بعد رفض القبارصة اليونانيين توحيد الجزيرة مع شقها القبرصي التركي، وأخيراً عودة مسألة الاعتراف، أو عدمه، بحرب الإبادة ضد الأرمن، خصوصاً انه في هذه السنة تحل الذكرى التسعون للمجازر التي أدت الى مقتل مئات الألوف من الأرمن، وستغتنم كل القوى المعادية لتركيا، والمعادية على ا لأخص لدخول تركيا الاتحاد الأوروبي، القضية الأرمنية لتعيد فتح احد الملفات السوداء في التاريخين العثماني والتركي مما لم تهضمه بعد التي قامت على انقاض الامبراطورية.

تحديات كثيرة قد يصعب على الشعب التركي اليوم التصدي لها، كما يستحيل على حزب اسلامي ما زال يفتش عن خطه السياسي في زمن الأصوليات، ان يجد حلولاً لها، دون خسارة مؤيديه وجمهوره الانتخابي.

أول الغيث جاء من الاعلام الاميركي. مقالة صدرت في «وال ستريت جورنال» لروبرت بولوك أحدث دوياً في أوساط اسطنبول السياسية والثقافية. فالكاتب يتساءل عما جرى للعلاقات الاميركية - التركية بعد نصف قرن من التحالف لمجابهة الخطر السوفياتي، وبعد كل «الهدايا» التي قدمتها واشنطن لأنقرة من القبول بالحزب الاسلامس كحليف الى محاربة أخصام تركيا، كالتنظيمات الكردية المسلحة، وكذلك حث الدول الأوروبية على القبول بتركيا عضواً او رفض الاعتراف بـ«المحرقة» الأرمنية. لماذا هذا العداء اليوم للولايات المتحدة الذي تزكيه وسائل الاعلام التركية في كتاباتها. صحيفة «يني شافاك» الاسلامية اكدت ان مشايخ العراق أصدروا فتوى تحرّم أكل السمك من نهر الفرات لأن الاميركيين رموا عدداً هائلاً من الجثث فيه. كما لمحت مرات عدة الى استخدام جنود اميركيين لمواد كيماوية في حربهم ضد مدينة الفلوجة. والصحيفة ذاتها تكلمت عن تشريح اميركي لجثث العراقيين لبيع أعضائهم في السوق الاميركية، وعن تواجد آلاف الجنود الاسرائيليين الى جانب الاميركيين في العراق. والمنطق الاتهامي نفسه عبرت عنه أيضاً صحيفة «حرية» القومية العلمانية التي اتهمت واشنطن باحتلال اندونيسيا باسم المساعدة الانسانية بعد مأساة التسونامي. أما صحيفة «صباح» اليمينية فألمحت الى الديانة اليهودية لسفير اميركا في انقرة. ومن بين الكتب الأكثر مبيعاً في تركيا اليوم نجد« بروتوكولات حكماء صهيون» وكتابين أدبيين يدوران حول حرب خرافية بين تركيا و... أميركا.

عداء للولايات المتحدة، وعداء لليهود بعد ان كانت تركيا الملاذ التاريخي للجالية اليهودية كما استطاعت، حتى اليوم، المحافظة على اكبر الجاليات عدداً في الدول الاسلامية، وحقد على المجتمعات الاوروبية، ورفض لفتح صفحات الماضي في ما يخص الأرمن والأكراد. وفوق هذا، هناك الذهول حيال التقارب الأميركي - الأوروبي الذي تلاعبت عليه مراراًَ انقرة زمن الاختلافات بين القارتين لتعتبره مؤخراً حلفاً جديداً موجهاً ضدها.

نقاط عديدة تظهر كم ان وضع انقرة متأزم حالياً. بيد ان المجتمع التركي لم ينجر تماماً وراء هذا الوضع الجديد الذي يجمع للمرة الاولى الاسلاميين المحافظين والقوميين الذين كانوا قد بنوا تنظيماتهم على العلمنة الأتاتوركية، وكذلك بقايا اليسار المتطرف المعادي للولايات المتحدة ولليبرالية.

وبعدما سارت المظاهرات لأن اطفالاً اكرادا اتُهموا بإحراق العلم التركي، ظهرت وتصاعدت اجواء ثقافية وصحافية تركية تندد بمخاطر تزايد التعصب القومي في تركيا والذي أدى مؤخراً الى محاولة حرق كتب الاديب التركي العالمي اورهان باموك، لأنه تكلم عن مقتل مليون أرمني وثلاثين ألف كردي في تركيا خلال القرن العشرين.

كذلك، في النقاش الذي يدور اليوم في الذكرى التسعين لابادة الأرمن، حيث تدرس الحكومة التركية سبل محاربة الافكار التي تصب في وجهة التبرير، أخذ عدد من الاقلام التركية في وسائل اعلام كـ«برغون» او حتى في صحيفة «مليات» يكتبون عن «إبادة الأرمن»، وعن ضرورة الاعتراف التركي بما جرى، عوضاً عن الكلام عن «مجازر مؤلمة» قام بها الطرفان الارمني والتركي. انها اصوات ما زالت في الأقلية، لكنها تثبت ان الانزلاق التركي ليس حتمياً.