المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إنها "لعنة اليمن" والأيام بيننا .... بقلم عبد الباري عطوان



الراي السديد
06-13-2016, 09:08 AM
2016/06/08

عبد الباري عطوان* - راي اليوم


وكالة انباء “رويترز″ تحرج السعودية وتكشف عن تهديدها للامم المتحدة بإصدار فتاوى اسلامية ضدها ووقف الدعم المالي لمنظماتها بما فيها “الاونروا” اذا لم تحذف اسمها من قائمة قتلة الاطفال السوداء.. هل هذا التهديد مبرر؟ وما هي تبعاته واخطاره؟

لم نكن ننوي مطلقا العودة الى هذا الموضع مرة اخرى، ولكن تأكيدات وكالة انباء “رويترز″ العالمية في برقية لها اليوم (الاربعاء)، ان المملكة العربية السعودية حشدت وزراء خارجية دول التحالف العربي الذي تقوده الى جانب نظرائهم من دول اعضاء في منظمة التعاون الاسلامي للاتصال بالامين العام للامم المتحدة بان كي مون لتهديده بكل الطرق، المباشرة وغير المباشرة، بأعمال انتقامية في حال استمراره في ادراج المملكة وحلفائها في حرب اليمن على القائمة السوداء التي تضم الدول التي تقتل الاطفال وتشوههم، هذه التأكيدات حتمت علينا هذه العودة.

- عبدالباري عطوان: الرسالة وصلت !

والاهم من ذلك ان المملكة هددت بوقف جميع المساعدات المالية التي تقدمها الى المنظمات التابعة للامم المتحدة، ومن بينها منظمة “الاونروا”، التي ترعى شؤون اللاجئين الفلسطينيين، باعتبارها رابع دولة الاكثر تبرعا لها، حيث قدمت مئة مليون دولار في العام الماضي، علاوة على عقد اجتماع لعلماء مسلمين، واصدار فتوى ضد الامم المتحدة باعتبارها معادية للاسلام، الامر الذي وصفه دبلوماسي اممي لوكالة “رويترز″ بانه احد ابشع انواع الابتزاز، مما يدين هؤلاء العلماء، ويؤكد ان فتاواهم تصدر حسب الطلب.

***

“عاصفة الحزم” السعودية قتلت بصواريخها وقذائفها اكثر من 500 طفل يمني، و1168 قاصرا، علاوة على ستة آلاف آخرين، حسب احصاءات الامم المتحدة نفسها، وحذف اسم السعودية وحلفائها من القائمة السوداء لا يمكن ان يحجب هذه الحقيقة، او يقلل من فداحة المصاب اليمني بجوانبه كافة.

لا نختلف مطلقا مع كل الآراء التي تتهم الامم المتحدة بالفساد، وخضوعها لهيمنة الولايات المتحدة الامريكية، وتواطؤها الكامل مع الحصار، ومن ثم الحرب، التي شنتها الولايات المتحدة، بغطاء اممي، التي ادت الى مقتل مليون طفل عراقي، وبعد ذلك اعطاء الغطاء الشرعي لحلف “الناتو” لقصف ليبيا، وقتل اكثر من 30 الفا من ابنائها، وتحويلها الى دولة فاشلة، ولكن ما نختلف فيه مع المملكة والدول العربية والاسلامية التي “هرعت” لدعمها، والضغط على الامين العام للامم المتحدة لرفع اسمها من القائمة السوداء، انها صمتت، بل شجعت، الحصار الامريكي الظالم على العراق الذي استمر 13 عاما، وانتهى بإسقاط النظام العراقي الذي حارب ايران ثماني سنوات لحماية المملكة العربية السعودية ودول الخليج من ثورتها الاسلامية.

نعم.. الامم المتحدة رفضت، وبضغط امريكي اسرائيلي ادراج دولة الاحتلال الاسرائيلي من القائمة السوداء نفسها العام الماضي بسبب قتلها اطفالا في قطاع غزة، ولكن هذه الخطوة تدين السعودية وحلفاءها، لانهم طالما يملكون كل هذه “العضلات” المالية والسياسية لماذا لم ينتصروا لاطفال غزة والعراق، ويجبروا المنظمة الدولية على تصحيح خطيئتها هذه في حقهم، ووضع اسرائيل على القائمة السوداء؟

قتل البشر، سواء كانوا صغارا او كبارا، في اليمن او سورية، او العراق، او ليبيا، او فلسطين المحتلة، وايا كان القاتل، هو ارهاب وجريمة كبرى يجب ان تعاقب الدول والجماعات التي تقدم عليها سواء كانت مسلمة او غير مسلمة دون اي تمييز.

السعودية قد تكون نجحت وحلفاؤها في ازالة اسمها من القائمة السوداء، ولو مؤقتا، ولكن الضرر الذي لحق بها مزدوج، فقد بات العالم بأسره، وبسبب هذا الارتباك الذي لحق بالمنظمة الدولية من جراء تراجعها، يعرف جيدا انها ارتكبت جرائم في حق اطفال اليمن وبلدهم اولا، والحقت هذه الضجة الاعلامية التي ما زالت في بدايتها ضررا اكبر لها، وصورتها بصورة الدولة التي تمارس الترهيب والابتزاز ضد منظمة دولية وامينها العام ثانيا.

***

لا نضيف جديدا عندما نقول، ان كل هذه المصائب التي تتوالى على المملكة العربية السعودية وحلفائها الذين ورطتهم معها، تأتي بسبب “عاصفة الحزم” التي قصفت، وتقصف، طائراتها شعب فقير معدم منذ عام وثلاثة اشهر على الاقل، دون هوادة او رحمة.

كما نتمنى لو ان حكومة المملكة العربية السعودية استخدمت امكانياتها العسكرية واسلحتها المادية الضخمة في خدمة القضايا العربية العادلة، وعلى رأسها قضية فلسطين، ودعمت خطط التنمية في الدول العربية الفقيرة لتوفير لقمة العيش للعاطلين عن العمل فيها، وهم بعشرات الملايين، ومن بينهم اكثر من ثلاثة ملايين سعودي، وجيشت علماءها وكل نظرائهم في الدول الاسلامية لتحرير المقدسات العربية والاسلامية من الاحتلال الاسرائيلي، لا لحذف اسمها فقط من قائمة قتلة الاطفال السوداء.

انها، وباختصار شديد، “لعنة اليمن” التي ستظل تطاردها لعقود قادمة.. والايام بيننا.

* "رأي اليوم"