على
05-13-2005, 09:25 PM
آجرى الحوار: جاسم عباس
الرعيل الأول من رجالات الكويت تخضرموا فترتي ما قبل النفط وما بعده، فقاسوا مر الفترتين وذاقوا حلاوتهما، عملوا وجاهدوا وتدرجوا إلى أن حققوا الطموح أو بعضا منه، ومهما اختلفت مهنهم وظروفهم، الا أن قاسما مشتركا يجمعهم هو الحنين إلى الأيام الخوالي، الى الكويت القديمة، كويت الخير والبركة والحياة الاجتماعية المتآلفة الغنية، «القبس» شاركت عدداً من هؤلاء الأفاضل في هذه الاستكانة
في مستهل لقائنا مع السيد حسين علي حسن الدشتي قال: «كلمة الدشتي تعني الصحراء والأرض المنبسطة، وأنا من مواليد 1924، وأتذكر زيارة الملك عبدالعزيز آل سعود الثانية إلى الكويت كان عمري 6 سنوات، وكان ملكا على المملكة العربية السعودية في 23 ديسمبر 1932.
وقال العم أبو علي: من الأمور التي حدثت في أواخر العشرينات من القرن الماضي أن قامت مجموعة من أهل فريج «العاقول» منهم جدي الحاج حسن، ووالدي علي، وملا رضا، وعلي شنبه بالتعاون مع الشيخ سلمان الحمود، بزراعة القمح في أبرق خيطان، لما تتمتع به الأرض هناك من مميزات جيدة، وكانت الكميات كبيرة جدا، وأحضروا العدة اللازمة آنذاك من إيران، وكان القمح المنتج من الكويت (خيطان) ممتازا وكان يتم نقله الى السيف «الفرضة» لبيعه، ولو استمرت هذه المنطقة واهتم بها، لكانت الكويت من الدول المصدرة للقمح.
وقال: مما أتذكره أن شركة هندية قامت بنصب معداتها لتحلية ماء البحر في أواخر العشرينات بالقرب من السفارة البريطانية من ناحية الجنوب الشرقي، وكان والدي حارسا طوال اليوم لهذا الموقع، ولكن الشركة فشلت ولم تستمر فرحلت.
سكنا قصر خزعل
وتابع: جدي كان مسؤولا عن التموين وإدارة قصر الشيخ خزعل مرداو، وكان يسكن فيه في حي الشرق بالقرب من قصر دسمان، والمرحوم إسماعيل والد كل من سلمان وخليل كان معه في القصر وهو المسؤول عن مشتريات المواد الغذائية، فكانت «خانم خديجة» زوجة الشيخ خزعل تعد كل يوم قائمة بالحاجيات المطلوبة للقصر، وفي القصر كانت والدة الخانم، وخضير وشاوي وهما من أهل البصرة.
واضاف العم أبو علي: عشنا في القصر معهم، وكانت العلاقة مميزة بين الشيخ مبارك وخزعل، لما له من السلطة التامة على المحمرة والقصبة، فبنى له قصرا بجانب قصره في دسمان، وأفسح له المجال في بناء قصر آخر مما يدل على قوة العلاقة والاتحاد بين الاثنين، وكان الشيخ خزعل يتردد على الكويت، فقام بفتح ديوان له في القصر القديم الذي تحول فيما بعد الى المتحف الوطني، اشتراه الشيخ عبدالله الجابر الصباح، أما الآخر فاشتراه يوسف احمد الغانم بـ80 ألف روبية.
واضاف: أتذكر القصر قبل 70 سنة، كان سقفه من الخشب ومخطوطا عليه أشعار باللغة الفارسية، وأخيرا أقيمت له وجبة عشاء في طهران في منزل «زاهدي» فاختطفوه، وقالت والدتي: في عام 1925 أدار القصر الخان «بهارد» من البصرة وسبب اعتقاله انه اشترى أسهما من شركة B.P للتنقيب عن النفط.
بعد ذلك خرجنا من القصر واشترى جدي أرضا في فريج العاقول بـ30 روبية، وأتذكر الفريج فيه شجيرات شائكة يصل ارتفاعها إلى حوالي القدم، وتعرف بـ«شوكة الجمل» تكثر في فصل الصيف وترعاها الإبل، وعندما تيبس تستعمل وقودا، والآن هو الذي تتقاطع فيه شوارع أحمد الجابر، وجابر المبارك وخالد بن الوليد في الشرق.
الدراسة.. العمل
وتحدث عن الدراسة عند الملا رضا وسيد حسين الطبطبائي.. ثم تعلمت الانكليزية عند الشيرازي الذي فتح فيما بعد محلا للتصوير. وقال العم أبو علي: وفي عام 1945 عملت مترجما في شركة النفط مع الأميركان في الدوب، (والدوبة هي من سفينة التفريغ تصنع من الحديد تنقل البضائع من المراكز الراسية في عرض البحر وتفرغها في الميناء)، واللقطة تزكية، وكان معي في الترجمة الحاج حسين الصراف، كان الباص ينقلنا من عند مجسد ابن الرومي في الساعة الثالثة فجراً الى الشويخ والشركة طلبت من الاستاذ أحمد صانع السفن الكويتية ان يغطي أعلى الدوب بالخشب حتى تتلاصق فتكون كالجسر للعبور الى الجهة الثانية لنقل الأسلحة الى روسيا، فكانت الكويت مصنعاً للأبوام والأبواب، ونقل الأسلحة أيام الحرب العالمية الثانية.
واتذكر كان راتبي 2 روبية كل يوم، حتى وفرت 300 روبية وبدأت اعمل بالصرافة بواسطة صندوق زجاجي صغير وآخر النهار أضعه أمانة بما فيه عند الحاج علي الحوقل، كان عنده محل في شارع الجديد، وأعطيه كل شهر 4 روبيات، وكنا نعتمد في الصرافة على الحجاج القادمين من ايران والعراق، وكانوا يتجمعون في الشامية لوجود الآبار فيها، كنت ابدل التومان بالريال، كنت اجلس على «الدچة» (عتبة مبنية من الطين تعرف بالمصطبة) وعادة الكويتي يبنيها في مدخل الباب، واتذكر قال لي احد الحجاج الايرانيين نحن الآن في عام 1320 ايراني، والآن انا اتحدث معك يا جاسم في 1383 شهر إسفند، ومن هذا الصندوق وفقنا الله تعالى بفتح محل في الموقع نفسه لبيع السجائر منها: أبو جمل وسجائر بلايرز، وابو الولد، وكابتن، وبدأت استورد من اميركا سجائر دومينو حتى حصلت على الوكالة، كنا نصدر الى ايران والعراق، ونستورد منهما غازي وتركي، وهما، وانتنو، وبعد ثورة 23 يوليو عام 1952 في مصر منعونا من الاستيراد من الغرب توجهنا الى الأردن، كان سعر العلبة 12 آنة.. واكثر الطلب كان على سجائر «أبو الولد» الانكليزية، بعد ذلك سلمت المحل لأخي حسن، وقال: بدأت استورد اطارات السيارات وحصلت على ماركة «فولدا» الألمانية حتى عام 1982 ثم توقفت.
أزمة المناخ
وقال العم حسين: الطمع من أسباب الأزمة، ولم نسمع من الأولين ما قالوا عنه «اياك والطمع، فإنه الفقر الحاضر»، ومن أسباب المناخ وثوق الناس واعتمادهم على غيرهم، والمفروض من الانسان ان يطمع من الله سبحانه، ولكن الحمد لله على ما حصل، وأنا أعطيت أحد التجار في سوق المناخ 15 مليون دينار خسر وخسرنا معه وأهلك الكثيرون، فكان التلاعب والغش والايدي الخفية لعبت في السوق، ولكن نحمد الله أولا وأخيرا، وهذا أنا آكل وأنام وعندي بيت واولادي الصلحاء هم الذخر والذخيرة.
عصير برحي
ويضيف: الزراعة في حياتي، واللون الأخضر بهجة في نفسي الحرث وتقليب الأرض بعد صلاة الفجر رياضة امارسها في العطل ايضا وفي اي وقت فراغ اعمل من 10 - 12 ساعة، عندي نخيل لله الحمد اجني ثمارها، اختار الحبات الكبيرة الناضجة، واضعها في الخلاطة بعد اخراج النواة والتنظيف اعصرها اعتبرها العصرة الاولى، فأحصل على عصير لذيذ لا مثيل له، عصير برحي للقوة والطاقة، وفضلات العصرة الاولى اضيف إليها ماء وأعصرها ثانية يكون «عصير برحي» من الدرجة الثانية، اما العقلات الاخيرة فهي سماد تحت النخل، ومن افضل الاسمدة.
وقال: عندي من بركة الله تعالى اشجار الليمون والرمان البصراوي الاخضر، الذي كنا نأكله ونفارقه في فصل الصيف، كنا نسمي حبات الرمان قديما «الحمراء اللؤلؤية» يصنع منها الدبس، وقشورها تغلي ويشرب ماؤها لحالات الاسهال ولها مفعول قوي في طرد الديدان، وشجرة الرمان مباركة فقشورها كانت تستخدم في التخضيب بالحناء ودباغة الجلود، وكل انواع الحمضيات التي تزرع في حوض البحر المتوسط انا زرعتها عندي في البيت ونجحت.
وفي موسم الانتاج أوزع على الاصدقاء عصير برحي أو يختار البرحي بالعثق، وتمر الزهدي على نوعين: زهدي البصرة وزهدي النجف، وهذا النوع يحبه الهنود والبنغال، وأقوم بتوزيعه عليهم.
التصوير.. البر
وقال أبو علي: انا من عشاق البر منذ الصغر كنا نذهب الى منطقة «السدر الأربعة» وهي شمال قصر الشيخ خزعل، وتعرف هذه الشجرة بالزيزفون وثمرها «كنار» وهو البنق، كانت المرأة قديما تغسل شعرها بورق السدر عوضا عن الصابون، وفيه فوائد كثيرة.
فكانت الكشتة (رحلة البر) للراحة والاستجمام، وكنا نبقى اياما نستمتع بجمال الطبيعة، كانت الأرض خضراء، والأزهار تغطيها بمساحات شاسعة كأنك في حديقة مزروعة، وكنا نسير على الاقدام الى الدمنة من الشرق (العاقول) كانت تمثل البيئة البرية بجمالها الأخضر، والبحرية لغناها بالاسماك، وكنا نكشت في أم الرمم شمال جون الكويت، أرضها خصبة، وفيها اماكن لتجمع الأمطار، سهل غني بأزهار النوير التي كانت تكسو هذه الأرض وكنا نشم الروائح الجميلة.
وقال: للأسف الآن السيارات والباجيات دمرت الأخضر وحتى اليابس.
اما التصوير فمن هواياتي المحببة تصويرا وتاريخا، نعم هناك أنواع من الكاميرات من دينارين الى مئات الدنانير، وأنا بدأت بكاميرا سهلة التشغيل، وصورت فيها اصدقائي منذ الصغر حتى تطورت وصورت ابنائي وأحفادي، والتصوير هو العلم والفن والذكرى، وأول آلة للتصوير عرفت عندنا في الكويت كانت في عهد الشيخ مبارك الصباح، والدليل على ذلك ان كل الصور التي التقطت في الكويت وأطلعنا عليها كانت في عهده وبعده، ويقال ان أول من ادخلها كان الكابتن شكسبير معتمد بريطاني في الكويت سنة 1909 وكان يتجول في المنطقة ويلتقط الصور التذكارية، وأنا عندي صور لا تعد ولا تحصى، ولكن البائد صدام حرق الرطب واليابس، واعز صورة عندي للشيخ الأمير الراحل عبدالله السالم الصباح في جزيرة فيلكا وهو يأكل الرقي (البطيخ الصيفي ذو القشرة الخضراء)، والبطيخ هو الشمام الاصفر، وكان من أحسن انواع البطخ لحلاوته وطيب رائحته، صورة ما زالت معلقة في ديوانيتي، وانصح الشباب بالتوجه الى الهوايات المحببة لهم وتنميتها والابتعاد عن الجدل والخصام، وضياع العمر في المقاهي مع الشيشة، الهواية تثقف وتحسن الاخلاق، وتكون لديك المعرفة والصداقة الحميمة، ومن الهواية تحصل على الخير والزينة والخزينة، وحياة مع اخوانك كلها المحبة والتضامن.
الأولون كانوا
وتحدث عن مواقع في حياته وما لامسها والفرق بين تلك الاحداث قديما والآن الحاضر فقال: كان قديما النائب يمثل الكويت في البرلمان، والآن لا نسمع الا الصراخ، وكل يوم يسحبون وزيرا ويحاسبونه حسابا عسيرا، الاولون اسسوا قواعد الديموقراطية واحترموا المواثيق بينهم وبين ناخبيهم، الا يعلمون «ان من قتل معاهدا لن يرى رائحة الجنة» اين العهد بالوفاء؟ اين الورع بالامانة؟ الديموقراطية اساس للحريات، وقامت لحماية العدل وضد مظاهر الفوضى، ولكن راح العدل مع الواسطات التي يقومون بها على حساب الآخرين، وانا وقفت مع ابني باسل ايام الانتخابات 2003، وحتى الشباب تغيروا «أول وين والآن وين» دخل بين أولادنا اناس لا امانة لهم.
وقال: الديوانية الاولية كانت على وزن صاحبها وروادها، الآن اي شخص جاء وفتح غرفة قال: انا عندي ديوانية، واطلب من الله ان يأخذ بأيدي اولادنا، الى ما فيه الخير للكويت والامة الاسلامية.
واضاف: الصديق ايام زمان كان في الدين، نعم في هذه الاخوة وهي اعلى مراتبها واعظمها واكبرها، رباط اجتماعي، قوي الصلة بأخيه ويبغض ما يبغضه، كانت علاقات صادقة بيننا، ومن الطفولة وانا مع الحاج حسين الصراف وغيره، والى الآن تربطنا المحبة في الله والوطن وخير الناس، كنا اخوة الحي، الآن وللأسف تغيرت الصداقة لمصلحة ما، وتنفك مع نهايتها.
والأمانة كانت لغرس الرحمة في النفوس، كانت الكلمة طيبة وبعدها عمل نافع، الأمانة الكويتية خلقت مجتمعاً فيه السعادة والحياة المستقرة، كنا مع الكويت في عزها وسيادتها، الجار الأولي القديم كان يتحسس آلام جاره، ويحزن ويصرف مشكلاته واحتياجاته، ويقوم بدوره في تحقيقها، وإذا مر عليك القديم يسمعك كلمة طيبة يعتبرها واجبة عليه، والكويتي كان يغيث الملهوف، ويكرم اليتيم، وحتى العاطس يقول له: «رحمك الله»، ورغم صعوبة العيش وبؤس الحياة، كانت الأمانة والأمان غاية الجميع، الكل كان يريد ان يضع لبنة في المجتمع لتساند الأخرى وتقيم معها البناء، وحتى الزكاة كانت في حدود الكويت، الآن الشعارات براقة ومليئة، ولكنها خارجة عن حب الوطن. المال كان لإغاثة الملهوف والجوعان، الآن هو في خدمة الشيطان.
وقال العم ابوعلي بألم وحزن: هذا الخفود والحسود الذي دمر العباد والبلاد صدام الذي لو ذكرت اسمه أغضبك، قتل من قتل ومنهم ابن اختي الشهيد احمد قبازرد. أنا اقول فداء للكويت، أين الأمان مع الجار؟ كل شيء تغير، ذهبت البصرة عام 1950 كانت مثالاً للمدن العالمية من الزراعة خاصة النخيل، والمطاعم المتناثرة على الشط والشوارع المرصوفة، والمقاهي العامرة حتى الفجر، أين هي الآن بعد ان ظلمها الطاغوت؟
مبرة آل دشتي
وتحدث عن المبرة التي أقامها مع الدكتور منصور غلوم وهي للإحسان وإظهار المساعدة، وكما توجد الكلمة في اللغة، «البري»: الكلمة الطيبة من البر، والمبرات هي العطية، وهي من الضروريات لخدمة المجتمع والمساكين وغير القادرين على الزواج والعلاج، والمبرات الكويتية ليست غريبة عليهم، موجودة منذ عشرات السنين في دمائهم.
وختم العم حسين الدشتي قوله: المبرة بناء للمجتمع، وهي الفهم السليم والوعي العميق لدين الله، وهي تكرس العلاقة السامية الرحيمة بين الإنسان والإنسان، واتمنى ان تكثر منها لأنها الفهم السليم العميق الشامل لخدمة المجتمع والأمة.
الرعيل الأول من رجالات الكويت تخضرموا فترتي ما قبل النفط وما بعده، فقاسوا مر الفترتين وذاقوا حلاوتهما، عملوا وجاهدوا وتدرجوا إلى أن حققوا الطموح أو بعضا منه، ومهما اختلفت مهنهم وظروفهم، الا أن قاسما مشتركا يجمعهم هو الحنين إلى الأيام الخوالي، الى الكويت القديمة، كويت الخير والبركة والحياة الاجتماعية المتآلفة الغنية، «القبس» شاركت عدداً من هؤلاء الأفاضل في هذه الاستكانة
في مستهل لقائنا مع السيد حسين علي حسن الدشتي قال: «كلمة الدشتي تعني الصحراء والأرض المنبسطة، وأنا من مواليد 1924، وأتذكر زيارة الملك عبدالعزيز آل سعود الثانية إلى الكويت كان عمري 6 سنوات، وكان ملكا على المملكة العربية السعودية في 23 ديسمبر 1932.
وقال العم أبو علي: من الأمور التي حدثت في أواخر العشرينات من القرن الماضي أن قامت مجموعة من أهل فريج «العاقول» منهم جدي الحاج حسن، ووالدي علي، وملا رضا، وعلي شنبه بالتعاون مع الشيخ سلمان الحمود، بزراعة القمح في أبرق خيطان، لما تتمتع به الأرض هناك من مميزات جيدة، وكانت الكميات كبيرة جدا، وأحضروا العدة اللازمة آنذاك من إيران، وكان القمح المنتج من الكويت (خيطان) ممتازا وكان يتم نقله الى السيف «الفرضة» لبيعه، ولو استمرت هذه المنطقة واهتم بها، لكانت الكويت من الدول المصدرة للقمح.
وقال: مما أتذكره أن شركة هندية قامت بنصب معداتها لتحلية ماء البحر في أواخر العشرينات بالقرب من السفارة البريطانية من ناحية الجنوب الشرقي، وكان والدي حارسا طوال اليوم لهذا الموقع، ولكن الشركة فشلت ولم تستمر فرحلت.
سكنا قصر خزعل
وتابع: جدي كان مسؤولا عن التموين وإدارة قصر الشيخ خزعل مرداو، وكان يسكن فيه في حي الشرق بالقرب من قصر دسمان، والمرحوم إسماعيل والد كل من سلمان وخليل كان معه في القصر وهو المسؤول عن مشتريات المواد الغذائية، فكانت «خانم خديجة» زوجة الشيخ خزعل تعد كل يوم قائمة بالحاجيات المطلوبة للقصر، وفي القصر كانت والدة الخانم، وخضير وشاوي وهما من أهل البصرة.
واضاف العم أبو علي: عشنا في القصر معهم، وكانت العلاقة مميزة بين الشيخ مبارك وخزعل، لما له من السلطة التامة على المحمرة والقصبة، فبنى له قصرا بجانب قصره في دسمان، وأفسح له المجال في بناء قصر آخر مما يدل على قوة العلاقة والاتحاد بين الاثنين، وكان الشيخ خزعل يتردد على الكويت، فقام بفتح ديوان له في القصر القديم الذي تحول فيما بعد الى المتحف الوطني، اشتراه الشيخ عبدالله الجابر الصباح، أما الآخر فاشتراه يوسف احمد الغانم بـ80 ألف روبية.
واضاف: أتذكر القصر قبل 70 سنة، كان سقفه من الخشب ومخطوطا عليه أشعار باللغة الفارسية، وأخيرا أقيمت له وجبة عشاء في طهران في منزل «زاهدي» فاختطفوه، وقالت والدتي: في عام 1925 أدار القصر الخان «بهارد» من البصرة وسبب اعتقاله انه اشترى أسهما من شركة B.P للتنقيب عن النفط.
بعد ذلك خرجنا من القصر واشترى جدي أرضا في فريج العاقول بـ30 روبية، وأتذكر الفريج فيه شجيرات شائكة يصل ارتفاعها إلى حوالي القدم، وتعرف بـ«شوكة الجمل» تكثر في فصل الصيف وترعاها الإبل، وعندما تيبس تستعمل وقودا، والآن هو الذي تتقاطع فيه شوارع أحمد الجابر، وجابر المبارك وخالد بن الوليد في الشرق.
الدراسة.. العمل
وتحدث عن الدراسة عند الملا رضا وسيد حسين الطبطبائي.. ثم تعلمت الانكليزية عند الشيرازي الذي فتح فيما بعد محلا للتصوير. وقال العم أبو علي: وفي عام 1945 عملت مترجما في شركة النفط مع الأميركان في الدوب، (والدوبة هي من سفينة التفريغ تصنع من الحديد تنقل البضائع من المراكز الراسية في عرض البحر وتفرغها في الميناء)، واللقطة تزكية، وكان معي في الترجمة الحاج حسين الصراف، كان الباص ينقلنا من عند مجسد ابن الرومي في الساعة الثالثة فجراً الى الشويخ والشركة طلبت من الاستاذ أحمد صانع السفن الكويتية ان يغطي أعلى الدوب بالخشب حتى تتلاصق فتكون كالجسر للعبور الى الجهة الثانية لنقل الأسلحة الى روسيا، فكانت الكويت مصنعاً للأبوام والأبواب، ونقل الأسلحة أيام الحرب العالمية الثانية.
واتذكر كان راتبي 2 روبية كل يوم، حتى وفرت 300 روبية وبدأت اعمل بالصرافة بواسطة صندوق زجاجي صغير وآخر النهار أضعه أمانة بما فيه عند الحاج علي الحوقل، كان عنده محل في شارع الجديد، وأعطيه كل شهر 4 روبيات، وكنا نعتمد في الصرافة على الحجاج القادمين من ايران والعراق، وكانوا يتجمعون في الشامية لوجود الآبار فيها، كنت ابدل التومان بالريال، كنت اجلس على «الدچة» (عتبة مبنية من الطين تعرف بالمصطبة) وعادة الكويتي يبنيها في مدخل الباب، واتذكر قال لي احد الحجاج الايرانيين نحن الآن في عام 1320 ايراني، والآن انا اتحدث معك يا جاسم في 1383 شهر إسفند، ومن هذا الصندوق وفقنا الله تعالى بفتح محل في الموقع نفسه لبيع السجائر منها: أبو جمل وسجائر بلايرز، وابو الولد، وكابتن، وبدأت استورد من اميركا سجائر دومينو حتى حصلت على الوكالة، كنا نصدر الى ايران والعراق، ونستورد منهما غازي وتركي، وهما، وانتنو، وبعد ثورة 23 يوليو عام 1952 في مصر منعونا من الاستيراد من الغرب توجهنا الى الأردن، كان سعر العلبة 12 آنة.. واكثر الطلب كان على سجائر «أبو الولد» الانكليزية، بعد ذلك سلمت المحل لأخي حسن، وقال: بدأت استورد اطارات السيارات وحصلت على ماركة «فولدا» الألمانية حتى عام 1982 ثم توقفت.
أزمة المناخ
وقال العم حسين: الطمع من أسباب الأزمة، ولم نسمع من الأولين ما قالوا عنه «اياك والطمع، فإنه الفقر الحاضر»، ومن أسباب المناخ وثوق الناس واعتمادهم على غيرهم، والمفروض من الانسان ان يطمع من الله سبحانه، ولكن الحمد لله على ما حصل، وأنا أعطيت أحد التجار في سوق المناخ 15 مليون دينار خسر وخسرنا معه وأهلك الكثيرون، فكان التلاعب والغش والايدي الخفية لعبت في السوق، ولكن نحمد الله أولا وأخيرا، وهذا أنا آكل وأنام وعندي بيت واولادي الصلحاء هم الذخر والذخيرة.
عصير برحي
ويضيف: الزراعة في حياتي، واللون الأخضر بهجة في نفسي الحرث وتقليب الأرض بعد صلاة الفجر رياضة امارسها في العطل ايضا وفي اي وقت فراغ اعمل من 10 - 12 ساعة، عندي نخيل لله الحمد اجني ثمارها، اختار الحبات الكبيرة الناضجة، واضعها في الخلاطة بعد اخراج النواة والتنظيف اعصرها اعتبرها العصرة الاولى، فأحصل على عصير لذيذ لا مثيل له، عصير برحي للقوة والطاقة، وفضلات العصرة الاولى اضيف إليها ماء وأعصرها ثانية يكون «عصير برحي» من الدرجة الثانية، اما العقلات الاخيرة فهي سماد تحت النخل، ومن افضل الاسمدة.
وقال: عندي من بركة الله تعالى اشجار الليمون والرمان البصراوي الاخضر، الذي كنا نأكله ونفارقه في فصل الصيف، كنا نسمي حبات الرمان قديما «الحمراء اللؤلؤية» يصنع منها الدبس، وقشورها تغلي ويشرب ماؤها لحالات الاسهال ولها مفعول قوي في طرد الديدان، وشجرة الرمان مباركة فقشورها كانت تستخدم في التخضيب بالحناء ودباغة الجلود، وكل انواع الحمضيات التي تزرع في حوض البحر المتوسط انا زرعتها عندي في البيت ونجحت.
وفي موسم الانتاج أوزع على الاصدقاء عصير برحي أو يختار البرحي بالعثق، وتمر الزهدي على نوعين: زهدي البصرة وزهدي النجف، وهذا النوع يحبه الهنود والبنغال، وأقوم بتوزيعه عليهم.
التصوير.. البر
وقال أبو علي: انا من عشاق البر منذ الصغر كنا نذهب الى منطقة «السدر الأربعة» وهي شمال قصر الشيخ خزعل، وتعرف هذه الشجرة بالزيزفون وثمرها «كنار» وهو البنق، كانت المرأة قديما تغسل شعرها بورق السدر عوضا عن الصابون، وفيه فوائد كثيرة.
فكانت الكشتة (رحلة البر) للراحة والاستجمام، وكنا نبقى اياما نستمتع بجمال الطبيعة، كانت الأرض خضراء، والأزهار تغطيها بمساحات شاسعة كأنك في حديقة مزروعة، وكنا نسير على الاقدام الى الدمنة من الشرق (العاقول) كانت تمثل البيئة البرية بجمالها الأخضر، والبحرية لغناها بالاسماك، وكنا نكشت في أم الرمم شمال جون الكويت، أرضها خصبة، وفيها اماكن لتجمع الأمطار، سهل غني بأزهار النوير التي كانت تكسو هذه الأرض وكنا نشم الروائح الجميلة.
وقال: للأسف الآن السيارات والباجيات دمرت الأخضر وحتى اليابس.
اما التصوير فمن هواياتي المحببة تصويرا وتاريخا، نعم هناك أنواع من الكاميرات من دينارين الى مئات الدنانير، وأنا بدأت بكاميرا سهلة التشغيل، وصورت فيها اصدقائي منذ الصغر حتى تطورت وصورت ابنائي وأحفادي، والتصوير هو العلم والفن والذكرى، وأول آلة للتصوير عرفت عندنا في الكويت كانت في عهد الشيخ مبارك الصباح، والدليل على ذلك ان كل الصور التي التقطت في الكويت وأطلعنا عليها كانت في عهده وبعده، ويقال ان أول من ادخلها كان الكابتن شكسبير معتمد بريطاني في الكويت سنة 1909 وكان يتجول في المنطقة ويلتقط الصور التذكارية، وأنا عندي صور لا تعد ولا تحصى، ولكن البائد صدام حرق الرطب واليابس، واعز صورة عندي للشيخ الأمير الراحل عبدالله السالم الصباح في جزيرة فيلكا وهو يأكل الرقي (البطيخ الصيفي ذو القشرة الخضراء)، والبطيخ هو الشمام الاصفر، وكان من أحسن انواع البطخ لحلاوته وطيب رائحته، صورة ما زالت معلقة في ديوانيتي، وانصح الشباب بالتوجه الى الهوايات المحببة لهم وتنميتها والابتعاد عن الجدل والخصام، وضياع العمر في المقاهي مع الشيشة، الهواية تثقف وتحسن الاخلاق، وتكون لديك المعرفة والصداقة الحميمة، ومن الهواية تحصل على الخير والزينة والخزينة، وحياة مع اخوانك كلها المحبة والتضامن.
الأولون كانوا
وتحدث عن مواقع في حياته وما لامسها والفرق بين تلك الاحداث قديما والآن الحاضر فقال: كان قديما النائب يمثل الكويت في البرلمان، والآن لا نسمع الا الصراخ، وكل يوم يسحبون وزيرا ويحاسبونه حسابا عسيرا، الاولون اسسوا قواعد الديموقراطية واحترموا المواثيق بينهم وبين ناخبيهم، الا يعلمون «ان من قتل معاهدا لن يرى رائحة الجنة» اين العهد بالوفاء؟ اين الورع بالامانة؟ الديموقراطية اساس للحريات، وقامت لحماية العدل وضد مظاهر الفوضى، ولكن راح العدل مع الواسطات التي يقومون بها على حساب الآخرين، وانا وقفت مع ابني باسل ايام الانتخابات 2003، وحتى الشباب تغيروا «أول وين والآن وين» دخل بين أولادنا اناس لا امانة لهم.
وقال: الديوانية الاولية كانت على وزن صاحبها وروادها، الآن اي شخص جاء وفتح غرفة قال: انا عندي ديوانية، واطلب من الله ان يأخذ بأيدي اولادنا، الى ما فيه الخير للكويت والامة الاسلامية.
واضاف: الصديق ايام زمان كان في الدين، نعم في هذه الاخوة وهي اعلى مراتبها واعظمها واكبرها، رباط اجتماعي، قوي الصلة بأخيه ويبغض ما يبغضه، كانت علاقات صادقة بيننا، ومن الطفولة وانا مع الحاج حسين الصراف وغيره، والى الآن تربطنا المحبة في الله والوطن وخير الناس، كنا اخوة الحي، الآن وللأسف تغيرت الصداقة لمصلحة ما، وتنفك مع نهايتها.
والأمانة كانت لغرس الرحمة في النفوس، كانت الكلمة طيبة وبعدها عمل نافع، الأمانة الكويتية خلقت مجتمعاً فيه السعادة والحياة المستقرة، كنا مع الكويت في عزها وسيادتها، الجار الأولي القديم كان يتحسس آلام جاره، ويحزن ويصرف مشكلاته واحتياجاته، ويقوم بدوره في تحقيقها، وإذا مر عليك القديم يسمعك كلمة طيبة يعتبرها واجبة عليه، والكويتي كان يغيث الملهوف، ويكرم اليتيم، وحتى العاطس يقول له: «رحمك الله»، ورغم صعوبة العيش وبؤس الحياة، كانت الأمانة والأمان غاية الجميع، الكل كان يريد ان يضع لبنة في المجتمع لتساند الأخرى وتقيم معها البناء، وحتى الزكاة كانت في حدود الكويت، الآن الشعارات براقة ومليئة، ولكنها خارجة عن حب الوطن. المال كان لإغاثة الملهوف والجوعان، الآن هو في خدمة الشيطان.
وقال العم ابوعلي بألم وحزن: هذا الخفود والحسود الذي دمر العباد والبلاد صدام الذي لو ذكرت اسمه أغضبك، قتل من قتل ومنهم ابن اختي الشهيد احمد قبازرد. أنا اقول فداء للكويت، أين الأمان مع الجار؟ كل شيء تغير، ذهبت البصرة عام 1950 كانت مثالاً للمدن العالمية من الزراعة خاصة النخيل، والمطاعم المتناثرة على الشط والشوارع المرصوفة، والمقاهي العامرة حتى الفجر، أين هي الآن بعد ان ظلمها الطاغوت؟
مبرة آل دشتي
وتحدث عن المبرة التي أقامها مع الدكتور منصور غلوم وهي للإحسان وإظهار المساعدة، وكما توجد الكلمة في اللغة، «البري»: الكلمة الطيبة من البر، والمبرات هي العطية، وهي من الضروريات لخدمة المجتمع والمساكين وغير القادرين على الزواج والعلاج، والمبرات الكويتية ليست غريبة عليهم، موجودة منذ عشرات السنين في دمائهم.
وختم العم حسين الدشتي قوله: المبرة بناء للمجتمع، وهي الفهم السليم والوعي العميق لدين الله، وهي تكرس العلاقة السامية الرحيمة بين الإنسان والإنسان، واتمنى ان تكثر منها لأنها الفهم السليم العميق الشامل لخدمة المجتمع والأمة.