سمير
05-13-2005, 12:19 AM
الجنود العرب في الجيش الاسرائيلي كبش أسود أم لحم للمدافع؟!
آمال شحادة
جريدة الوسط 2004/12/21
اثر مقتل خمسة منهم في النفق المفخخ, تثار قضيتهم من جديد. فماذا يفعل الجنود العرب في الجيش الاسرائيلي! لماذا يتطوعون للخدمة مجانا؟ هل هم مقتنعون بما يفعلون؟ وهل ما يفعلونه هو مجرد تنفيذ اوامر؟ ما هو انتماؤهم؟ وما هي المهمات المنوطة بهم؟ هل يثق بهم الجيش الاسرائيلي- فعلا؟ كيف يعاملهم؟
عندما اجتمع رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون, قبل ايام, مع وزير دفاعه, شاؤول موفاز, ومجموعة من كبار قادة الجيش والاستخبارات للبحث في سبل الرد على الفلسطينيين بعد تفجير النفق تحت الموقع العسكري في رفح, فوجئ بمشكلة غير متوقعة: ففي احدى القرى العربية في اسرائيل, التي قتل احد ابنائها الجندي في العملية, لم يجدوا شيخاً مسلماً يقيم صلاة الميت في المسجد على روح الجندي. وطلب رئيس الاستخبارات من رئيس الحكومة ان يأمر بحل هذه المشكلة مرة والى الابد: "فليس من المعقول ان يكون هناك حوالي 400 امام مسجد في اسرائيل, يقبضون مرتباتهم من الدولة العبرية, من دون ان يكون أحد منهم مستعد لاقامة الصلاة على الميت, فقط لأنه جندي", قال.
عندها تحمس قائد المنطقة الجنوبية, فروى ان عائلتي اثنين من الجنود رفضتا ان تتم جنازة عسكرية لولديهما وطلبا عدم لفّ النعش بالعلم الاسرائيلي. فيما قامت العائلة الرابعة بلف النعش بحرام يغطي العلم الاسرائيلي. وشكا آخر من ان العرب في اسرائيل من فلسطينيي 48 يقاطعون عادة جنازات الجنود العرب في الجيش الاسرائيلي, ولا يزورون بيوت العزاء, الا من العائلة القريبة جداً.
وكالعادة, في مثل هذه الحالات, انشغل كثيرون بموضوع خدمة العرب في الجيش الاسرائيلي, داخل اسرائيل وخارجها فكيف يمكن للعرب, ابناء الشعب الفلسطيني, ان يخدموا في الجيش الاسرائيلي الذي يحتل ارض شعبهم ويمارس كل هذه الجرائم القمعية. ليس هذا فحسب, بل انهم يقفون في خط الهجوم الاول. وحسبما سنرى لاحقاً, فإنهم يمارسون بشائع ضد ابناء شعبهم تفوق بشائع الجنود الاسرائيليون في احيان كثيرة.
أجل. فما هي قصة هؤلاء الجنود؟ من هم؟ وما هي دوافعهم؟ والى اين يريدون الوصول؟ هل هم مجرد مرتزقة؟ ام انهم يؤمنون بما يفعلون؟ وما هو هدف اسرائيل من تجنيدهم؟ وكيف تعاملهم؟ وهل تثق بهم فعلاً؟
شيء من التاريخ
منذ ان قامت اسرائيل (سنة 1948), وحتى قبل ذلك عندما كانت تعمل باسم الوكالة اليهودية وبضع عصابات عسكرية تابعة لها او متمردة عليها, كان هناك عرب يتعاونون معها ضد شعبهم.
نتيجة هذا التعاون, مثل كل تعاون مماثل, لم تعد عليهم بالخير. ففي أحسن الاحوال تم إبقاء المتعاونين في وطنهم ولم يشردوهم الى الخارج. ولكن حتى هذا البقاء, ما فتئ ان تحول الى كابوساً في مراحل عدة. اذ تم نهب اراضيهم لمصلحة اليهود. ومورست ضدهم سياسة تمييز عنصري بشعة. ولا يزالون يعانون من الاضطهاد.
ولذلك, فإن اسرائيل لم تثق بهم في يوم من الايام. وظلت وما زالت تخشى ان ينتقموا منها في يوم من الايام. وفي بداية نشوئها لم تقم بتجنيدهم في الجيش. ولم تسند اليهم اية خدمة عسكرية. واخذت منهم بعض الشبان فقط من الخبراء في قص الاثر وفي الخدمات الشرطوية.
والمعروف ان القادة الاسرائيليين احتاروا في حينه ماذا يفعلون بالعرب الذين بقوا (150 الف فلسطيني), ومعظمهم لم يكونوا عملاء بالطبع. وقد فكروا في ترحيلهم ليلحقوا بأهلهم المشردين. وفي سبيل دفعهم الى ذلك هدم الجيش الاسرائيلي 482 قرية فلسطينية عن بكرة ابيها, حتى لا يبقى لمعظهم مكان يعودون اليه. ولكن الاسرائيليين, وازاء الضغوط الدولية, اضطروا لتقبلهم بشكل موقت, على امل ان تحين الفرصة لترحيلهم من جديد.
بيد ان هناك من راح يفكر بطريقة اخرى. فقالوا ان العرب الباقين هم أقلية ضئيلة وضعيفة ولا حول لها ولا قوة. فالأمة العربية نسيت هذه الأقلية ووضعتها في اطار الشبهات. والافضل ان تستوعبهم اسرائيل في صفوفها. من هنا جاءت الفكرة لتجنيد الشبان العرب في الجيش. وبعد نقاشات طويلة ودراسات متشعبة, توصلوا الى قناعة بأن تكون الخدمة اجبارية فقط لأبناء الطائفة العربية الدرزية. واما بقية العرب, من المسلمين والمسيحيين, فتقرر ان يفتح المجال لهم ان يتطوعوا للخدمة بشكل اختياري.
لكن التطوع كان محدوداً للغاية. ففي البداية اقتصر على شبان بعض القبائل البدوية في الشمال (الجليل) وفي الجنوب (النقب), ونفر قليل من بقية العرب. وكانت وراء كل واحد منهم, دوافع محددة للاقدام على هذه الخطوة:
- هناك من قالوا انهم بوصفهم مواطنين في دولة اسرائيل ينبغي ان يكونوا مخلصين لها. والخدمة في الجيش هي قمة الاخلاص.
- والبعض اخذ الخدمة العسكرية بالوراثة من الوالد.
- البعض اعتبر الزي العسكري والسلاح والنفوذ بمثابة مظاهر قوة, مهمة في المجتمع العربي الداخلي: اذا كان من عائلة صغيرة مستضعفة في بلدة توجد فيها صراعات عائلية, اذا كان من طائفة أقلية تخضع لعسف الطائفة الاكبر, اذا كان يريد ان يظهر على قدم المساواة مع اليهود في بلدة مختلطة.
- الغالبية رأت في الجيش خشبة خلاص اقتصادية. فالخدمة تطوعية لمدة سنيتن ونصف السنة. وفي نصفة السنة الاخيرة يصبح الأجرة حوالي 1100 - 1200 دولار شهرياً. وبعد انتهاء الخدمة توجد امكانية لأخذ المتطوع الى الخدمة الدائمة في الجيش النظامي او في الشرطة او حرس الحدود براتب تدريجي يبدأ من 1200 دولار. ولكن هذه الامكانية محدودة جداً. فالجيش غير معني بفتح ابوابه امام الوف الجنود العرب. ويحرص على اكثرية ساحقة دائماً لليهود ( اكثر من 96 في المئة) .
- هناك الكثير من الوظائف التي المخصصة لموظفين او عمال ممن يشترط فيهم الخدمة في الجيش مثل: شركة الكهرباء, والمصانع العسكرية او شبه العسكرية وفروع الالكترونيكا والحراسة وشركة القطارات وغيرها.
المواجهة القومية
من اليوم الاول للخدمة العسكرية في الجيش الاسرائيلي يفهم الجندي العربي انه سيدخل في مواجهة مع "عدو" ـ هو ابن شعبه وامته العربية. ويمكن ان يكون هذا "العدو" ابن عائلته ايضاً, المشردة في الطرف الآخر من الحدود. وعليه ان يكون "محصناً" ضد المشاركة الوطنية والقومية. والا فإنه سيخون القَسَم للجيش الاسرائيلي.
في البداية كانت قيادة الجيش تأخذ في الاعتبار هذه المشكلة, فلا ترسل الجنود العرب الى خطوط النار. لكنها الآن فقدت هذا الاحساس. ولم تترك جبهة قتال إلا وأرسلت اليها جنوداً عرباً, من لبنان الى قطاع غزة وحتى الضفة الغربية. وفي المقابل, شعر هؤلاء الجنود بأنهم تحت مجهر الشك دائماً, لذلك حاولوا في كل يوم وكل معركة ان يثبتوا اخلاصهم, فكانوا ملكيين اكثر من الملك.
وفي الوقت نفسه, كانوا يعانون من تناقض آخر. فالجندي العربي, كان يخدم في الجيش ويعرض حياته للخطر "من اجل الدولة", فيعود الى بلده مرة في الاسبوع او الاسبوعين ليجد "الدولة" تهمله وتهمل بلده. فسياسة التمييز العنصري الاسرائيلية جعلت البلدات العربية في اسرائيل مجرد فنادق بائسة, بلا اماكن عمل (الصناعة لليهود بالاساس) وبلا ارض للزراعة (معظم الاراضي صودرت) وبلا خدمات اساسية. لا بل ان البلدات التي خرج منها اكثر الجنود (البلدات الدرزية والبدوية) عانت من سياسة التمييز العنصري اكثر من البلدات التي قاومت التجنيد وقاومت السياسة الحكومية. ومع تنامي الوعي الوطني في البلدات العربية اصبح الجندي العربي منبوذاً في قريته وبين اهله. فيقاطعه معظم اصدقائه. وحتى اذا توفي, قلما يجد من يسير في جنازته.
العرب في الجيش
لا يُعرف بالضبط عدد العرب في الجيش الاسرائيلي. لكنه يقدر ببضعة آلاف قليلة (4 - 5 آلاف). معظمهم موزعون على الوحدات العسكرية العامة, باستثناء كتيبة واحدة للعرب, تسمى "الدورية الصحراوية" وقوامها حوالي 800 جندي, 70 منهم نظاميون والباقون متطوعون (مسلمين ومسيحيين. الدروز منتشرون في مختلف الوحدات).
ولقد انعكس التمييز العنصري ضد العرب عموماً في الجيش, من ناحية المناصب والرواتب. فقط في السنوات الاخيرة بدات تمارس المساواة تجاه بعض الجنود والضباط العرب (الدروز بالاساس) في بعض الوحدات العسكرية. واصبح هناك عضو عربي, للمرة الاولى في رئاسة اركان الجيش (الجنرال يوسف مشلب, رئيس دائرة التنسيق بين الحكومة والاراضي الفلسطينية المحتلة) وقائد اول لحرس الحدود, الجنرال حسين فارس, وقائد سلاح المظليين عماد فارس. لكن هذه المساواة لم تتغلغل الى داخل القواعد العسكرية, خصوصاً فيما يتعلق بالجنود العرب من غير الدروز: "نحن جيدون لأن نكون عبيداً في الجيش لدى اليهود. اما ان نكون قادة ويكون تحت مسؤوليتنا يهود, فهذا محظور", يقول المقدم رائد, الذي تجاوز دوره ضباط وطلب ان يخدم في احدى الوحدات المشهورة. فأرسلوه الى "الدورية الصحراوية".
الوحدة العربية
جنود ''الوحدة العربية'' في خط النار الاول.
الوحدة العربية في الجيش الاسرائيلي تعتبر حديثة العهد.فقد تأسست سنة 1987, على أبوات الانتفاضة الفلسطينية الاولى. مؤسسها الجنرال متان فلنائي أراد ان يجلعها وحدة مستقلة لمراقبة الحدود المصرية - الاسرائيلية البرية من البحر المتوسط حتى البحر الاحمر. وقد عيّنوا لها قائداً يهودياً طول الوقت, وعدداً من المساعدين اليهود العرب (لأول مرة سيكون لها قائد عربي في مطلع العام المقبل).
في الانتفاضة الاولى حصلت احتكاكات بين الفلسطينيين والوحدة العربية, لكنها كانت نسبياً بسيطة. واما في الانتفاضة الاخيرة فقد وضعت هذه الوحدة في خط النار الاول امام الفلسطينيين. اذ تم تسليمها الشريط الحدودي بين قطاع غزة الفلسطيني وبين سيناء المصرية. وكلفت بمهمات تعتبر جرائم حرب بكل المقاييس: هدم المئات من البيوت الفلسطينية, اقتلاع الوف الاشجار وتدمير المزروعات, والمواجهة مع المواطنين قتلاً وجرحاً واعتقالاً واهانة واذلالاً. وقام افرادها بهذه المهمات بالروح نفسها لتعاليم الجيش الاسرائيلي, بل زادوا من عندهم ما يثبت انهم مخلصون اكثر من اليهود.
وبقيت افعال هذه الوحدة سراً من اسرار الجيش لفترة طويلة. ولكن, وبشكل مفاجئ, بدأت تتسرب معلومات تفيد بأنها ارتكبت جرائم بشعة, وان افرادها, جنوداً وضباطاً, متورطون في مخالفات حتى ضد الجيش. والسبب في كشف هذه المعلومات يكمن في الخلافات الشخصية والعائلية التي تنتاب افراد هذه الوحدة. فعلى سبيل المثال هناك 35 جندياً من عشيرة الهزيل في النقب وعدد مماثل من قبيلة الهيب في الشمال ومجموعة اخرى من عائلة الزيادنة في مدينة رهط وهكذا. وقادت الخلافات والصراعات بين هذه الاطراف, الى الوشاية ببعضهم البعض. فوصلت المعلومات الى جهات تناضل من اجل "طهارة السلاح" في الجيش و"طهارة الحكم" عموماً في اسرائيل. فحملتها هذه الى قيادة الجيش. لكن هذه القيادة حاولت لفلفة الموضوع واخفاء الحقائق وطمس التحقيق. وفقط عندما تورط احد الضباط بقتل مواطن بريطاني, بدأت تتكشف الجرائم لتصل الى جهاز القضاء. واليوم تطرح في المحاكم قضايا ضد افراد عديدين من هذه الوحدة منها:
- في مطلع تشرين الاول (اكتوبر) 2003 اعتقل 11 جندياً وضابطاً من الوحدة ثم بدأت محاكمتهم وادينوا بتهمة استعمال المخدرات داخل معسكرات الجيش.
- في 16 تشرين الاول 2003 قام أحد الضباط العرب في الوحدة المذكورة بقتل المتطوع البريطاني توم هورندل الذي يعمل في احدى المنظمات الدولية التضامنية في قطاع غزة. قتله بدم بارد من دون ان يقدم على اي خطأ او مخالفة.
- في نهاية الشهر نفسه تم قتل مواطن فلسطيني برئ, غير مسلح, ايضاً, بدم بارد. وتبين في التحقيق ان جنديين اثنين راهنا على قتله بالتسيلة. فقد تحدى أحدهم الآخر ان كان يستطيع ان يقتله برصاصة واحدة في راسه. فقبل الجندي الاخير التحدي. وقتل الرجل, وهو اب لاربعة اولاد.
- بعد شهرين تم الكشف عن فضيحة اخرى تتعلق بالمخدرات, هذه المرة ضبطوا مع مجموعة من الضباط والجنود 65 كيلوغراماً من الهيرويين يقدر ثمنها بمليونين وربع المليون دولار.
- بعد فترة ضبطت مجموعة اخرى تتاجر بالسلاح والمخدرات. وتبين ان أفرادها سرقوا الاسلحة الخفيفة والمتوسطة من مخازن الجيش وباعوها بآلاف الدولارات الى رجالات العالم السفلي في اسرائيل.
- وفي العام الماضي تم الكشف عن مجموعتين قام افرادهما ببيع "حزب الله" اللبناني خرائط ومعلومات عسكرية مهمة في مقابل الحصول على المخدرات.
ويدافع افراد هذه الوحدة عن انفسهم في وجه هذه الهجمة بوسائل اعلامية وقضائية وبتصريحات او شهادات في المحاكم, وتتلخص مواقفهم في الآتي:
< لم نعمل شيئاً خارقاً. كل ما عملنا يُمارس ضد الفلسطينيين في وحدات اخرى وأكثر من ذلك. ولكن, لأننا عرب, يكتبون عنا ويثيرون زوبعة ضدنا ويقدموننا الى المحاكمة. ولو كنا يهوداً, لما كان احد يهتم بنا وبما نفعل.
< الوضع الذي نعيشه في المواقع العسكرية في قطاع غزة لا يطاق. فنحن تحت القصف والعمليات الفلسطينية التي تتم يومياً ولا تهدأ. وقد فقدنا عدداً من زملائنا (قتل لهم 6 جنود وجرح 20 شخصاً, وذلك قبل عملية النفق التي قتل فيها 5 جنود عرب وجرح 13 آخرون).
< الظروف التي نخدم فيها غير انسانية, ولم يوضع فيها جنود يهود في يوم من الايام. فالوحدات اليهودية لا تخدم في مكان واحد اكثر من 3-4 اشهر, ثم يتم نقلها الى مكان أهدأ, حتى يرتاح الجنود من الضغط. بينما نحن قابعون في المواقع نفسها منذ أربع سنوات .في بعض الاحيان نخدم 20 ساعة متواصلة في اليوم من دون ان يحضر شخص لاستبدالنا. ويمر على الجندي شهر من دون ان يخرج الى عطلة.
هذا الغضب , يتحول ضد الفلسطينيين في الطرف الآخر من المتراس. فما لا يستطيعون قوله للمسؤولين اليهود في الجيش, تحول الى طاقة عداء للفلسطينيين, أبناء شعبهم وجلدتهم. لذلك يتصرفون بهذه الهمجية والقسوة. وقد سبق ان هددهم الفلسطينيون بانتقام كبير.
آمال شحادة
جريدة الوسط 2004/12/21
اثر مقتل خمسة منهم في النفق المفخخ, تثار قضيتهم من جديد. فماذا يفعل الجنود العرب في الجيش الاسرائيلي! لماذا يتطوعون للخدمة مجانا؟ هل هم مقتنعون بما يفعلون؟ وهل ما يفعلونه هو مجرد تنفيذ اوامر؟ ما هو انتماؤهم؟ وما هي المهمات المنوطة بهم؟ هل يثق بهم الجيش الاسرائيلي- فعلا؟ كيف يعاملهم؟
عندما اجتمع رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون, قبل ايام, مع وزير دفاعه, شاؤول موفاز, ومجموعة من كبار قادة الجيش والاستخبارات للبحث في سبل الرد على الفلسطينيين بعد تفجير النفق تحت الموقع العسكري في رفح, فوجئ بمشكلة غير متوقعة: ففي احدى القرى العربية في اسرائيل, التي قتل احد ابنائها الجندي في العملية, لم يجدوا شيخاً مسلماً يقيم صلاة الميت في المسجد على روح الجندي. وطلب رئيس الاستخبارات من رئيس الحكومة ان يأمر بحل هذه المشكلة مرة والى الابد: "فليس من المعقول ان يكون هناك حوالي 400 امام مسجد في اسرائيل, يقبضون مرتباتهم من الدولة العبرية, من دون ان يكون أحد منهم مستعد لاقامة الصلاة على الميت, فقط لأنه جندي", قال.
عندها تحمس قائد المنطقة الجنوبية, فروى ان عائلتي اثنين من الجنود رفضتا ان تتم جنازة عسكرية لولديهما وطلبا عدم لفّ النعش بالعلم الاسرائيلي. فيما قامت العائلة الرابعة بلف النعش بحرام يغطي العلم الاسرائيلي. وشكا آخر من ان العرب في اسرائيل من فلسطينيي 48 يقاطعون عادة جنازات الجنود العرب في الجيش الاسرائيلي, ولا يزورون بيوت العزاء, الا من العائلة القريبة جداً.
وكالعادة, في مثل هذه الحالات, انشغل كثيرون بموضوع خدمة العرب في الجيش الاسرائيلي, داخل اسرائيل وخارجها فكيف يمكن للعرب, ابناء الشعب الفلسطيني, ان يخدموا في الجيش الاسرائيلي الذي يحتل ارض شعبهم ويمارس كل هذه الجرائم القمعية. ليس هذا فحسب, بل انهم يقفون في خط الهجوم الاول. وحسبما سنرى لاحقاً, فإنهم يمارسون بشائع ضد ابناء شعبهم تفوق بشائع الجنود الاسرائيليون في احيان كثيرة.
أجل. فما هي قصة هؤلاء الجنود؟ من هم؟ وما هي دوافعهم؟ والى اين يريدون الوصول؟ هل هم مجرد مرتزقة؟ ام انهم يؤمنون بما يفعلون؟ وما هو هدف اسرائيل من تجنيدهم؟ وكيف تعاملهم؟ وهل تثق بهم فعلاً؟
شيء من التاريخ
منذ ان قامت اسرائيل (سنة 1948), وحتى قبل ذلك عندما كانت تعمل باسم الوكالة اليهودية وبضع عصابات عسكرية تابعة لها او متمردة عليها, كان هناك عرب يتعاونون معها ضد شعبهم.
نتيجة هذا التعاون, مثل كل تعاون مماثل, لم تعد عليهم بالخير. ففي أحسن الاحوال تم إبقاء المتعاونين في وطنهم ولم يشردوهم الى الخارج. ولكن حتى هذا البقاء, ما فتئ ان تحول الى كابوساً في مراحل عدة. اذ تم نهب اراضيهم لمصلحة اليهود. ومورست ضدهم سياسة تمييز عنصري بشعة. ولا يزالون يعانون من الاضطهاد.
ولذلك, فإن اسرائيل لم تثق بهم في يوم من الايام. وظلت وما زالت تخشى ان ينتقموا منها في يوم من الايام. وفي بداية نشوئها لم تقم بتجنيدهم في الجيش. ولم تسند اليهم اية خدمة عسكرية. واخذت منهم بعض الشبان فقط من الخبراء في قص الاثر وفي الخدمات الشرطوية.
والمعروف ان القادة الاسرائيليين احتاروا في حينه ماذا يفعلون بالعرب الذين بقوا (150 الف فلسطيني), ومعظمهم لم يكونوا عملاء بالطبع. وقد فكروا في ترحيلهم ليلحقوا بأهلهم المشردين. وفي سبيل دفعهم الى ذلك هدم الجيش الاسرائيلي 482 قرية فلسطينية عن بكرة ابيها, حتى لا يبقى لمعظهم مكان يعودون اليه. ولكن الاسرائيليين, وازاء الضغوط الدولية, اضطروا لتقبلهم بشكل موقت, على امل ان تحين الفرصة لترحيلهم من جديد.
بيد ان هناك من راح يفكر بطريقة اخرى. فقالوا ان العرب الباقين هم أقلية ضئيلة وضعيفة ولا حول لها ولا قوة. فالأمة العربية نسيت هذه الأقلية ووضعتها في اطار الشبهات. والافضل ان تستوعبهم اسرائيل في صفوفها. من هنا جاءت الفكرة لتجنيد الشبان العرب في الجيش. وبعد نقاشات طويلة ودراسات متشعبة, توصلوا الى قناعة بأن تكون الخدمة اجبارية فقط لأبناء الطائفة العربية الدرزية. واما بقية العرب, من المسلمين والمسيحيين, فتقرر ان يفتح المجال لهم ان يتطوعوا للخدمة بشكل اختياري.
لكن التطوع كان محدوداً للغاية. ففي البداية اقتصر على شبان بعض القبائل البدوية في الشمال (الجليل) وفي الجنوب (النقب), ونفر قليل من بقية العرب. وكانت وراء كل واحد منهم, دوافع محددة للاقدام على هذه الخطوة:
- هناك من قالوا انهم بوصفهم مواطنين في دولة اسرائيل ينبغي ان يكونوا مخلصين لها. والخدمة في الجيش هي قمة الاخلاص.
- والبعض اخذ الخدمة العسكرية بالوراثة من الوالد.
- البعض اعتبر الزي العسكري والسلاح والنفوذ بمثابة مظاهر قوة, مهمة في المجتمع العربي الداخلي: اذا كان من عائلة صغيرة مستضعفة في بلدة توجد فيها صراعات عائلية, اذا كان من طائفة أقلية تخضع لعسف الطائفة الاكبر, اذا كان يريد ان يظهر على قدم المساواة مع اليهود في بلدة مختلطة.
- الغالبية رأت في الجيش خشبة خلاص اقتصادية. فالخدمة تطوعية لمدة سنيتن ونصف السنة. وفي نصفة السنة الاخيرة يصبح الأجرة حوالي 1100 - 1200 دولار شهرياً. وبعد انتهاء الخدمة توجد امكانية لأخذ المتطوع الى الخدمة الدائمة في الجيش النظامي او في الشرطة او حرس الحدود براتب تدريجي يبدأ من 1200 دولار. ولكن هذه الامكانية محدودة جداً. فالجيش غير معني بفتح ابوابه امام الوف الجنود العرب. ويحرص على اكثرية ساحقة دائماً لليهود ( اكثر من 96 في المئة) .
- هناك الكثير من الوظائف التي المخصصة لموظفين او عمال ممن يشترط فيهم الخدمة في الجيش مثل: شركة الكهرباء, والمصانع العسكرية او شبه العسكرية وفروع الالكترونيكا والحراسة وشركة القطارات وغيرها.
المواجهة القومية
من اليوم الاول للخدمة العسكرية في الجيش الاسرائيلي يفهم الجندي العربي انه سيدخل في مواجهة مع "عدو" ـ هو ابن شعبه وامته العربية. ويمكن ان يكون هذا "العدو" ابن عائلته ايضاً, المشردة في الطرف الآخر من الحدود. وعليه ان يكون "محصناً" ضد المشاركة الوطنية والقومية. والا فإنه سيخون القَسَم للجيش الاسرائيلي.
في البداية كانت قيادة الجيش تأخذ في الاعتبار هذه المشكلة, فلا ترسل الجنود العرب الى خطوط النار. لكنها الآن فقدت هذا الاحساس. ولم تترك جبهة قتال إلا وأرسلت اليها جنوداً عرباً, من لبنان الى قطاع غزة وحتى الضفة الغربية. وفي المقابل, شعر هؤلاء الجنود بأنهم تحت مجهر الشك دائماً, لذلك حاولوا في كل يوم وكل معركة ان يثبتوا اخلاصهم, فكانوا ملكيين اكثر من الملك.
وفي الوقت نفسه, كانوا يعانون من تناقض آخر. فالجندي العربي, كان يخدم في الجيش ويعرض حياته للخطر "من اجل الدولة", فيعود الى بلده مرة في الاسبوع او الاسبوعين ليجد "الدولة" تهمله وتهمل بلده. فسياسة التمييز العنصري الاسرائيلية جعلت البلدات العربية في اسرائيل مجرد فنادق بائسة, بلا اماكن عمل (الصناعة لليهود بالاساس) وبلا ارض للزراعة (معظم الاراضي صودرت) وبلا خدمات اساسية. لا بل ان البلدات التي خرج منها اكثر الجنود (البلدات الدرزية والبدوية) عانت من سياسة التمييز العنصري اكثر من البلدات التي قاومت التجنيد وقاومت السياسة الحكومية. ومع تنامي الوعي الوطني في البلدات العربية اصبح الجندي العربي منبوذاً في قريته وبين اهله. فيقاطعه معظم اصدقائه. وحتى اذا توفي, قلما يجد من يسير في جنازته.
العرب في الجيش
لا يُعرف بالضبط عدد العرب في الجيش الاسرائيلي. لكنه يقدر ببضعة آلاف قليلة (4 - 5 آلاف). معظمهم موزعون على الوحدات العسكرية العامة, باستثناء كتيبة واحدة للعرب, تسمى "الدورية الصحراوية" وقوامها حوالي 800 جندي, 70 منهم نظاميون والباقون متطوعون (مسلمين ومسيحيين. الدروز منتشرون في مختلف الوحدات).
ولقد انعكس التمييز العنصري ضد العرب عموماً في الجيش, من ناحية المناصب والرواتب. فقط في السنوات الاخيرة بدات تمارس المساواة تجاه بعض الجنود والضباط العرب (الدروز بالاساس) في بعض الوحدات العسكرية. واصبح هناك عضو عربي, للمرة الاولى في رئاسة اركان الجيش (الجنرال يوسف مشلب, رئيس دائرة التنسيق بين الحكومة والاراضي الفلسطينية المحتلة) وقائد اول لحرس الحدود, الجنرال حسين فارس, وقائد سلاح المظليين عماد فارس. لكن هذه المساواة لم تتغلغل الى داخل القواعد العسكرية, خصوصاً فيما يتعلق بالجنود العرب من غير الدروز: "نحن جيدون لأن نكون عبيداً في الجيش لدى اليهود. اما ان نكون قادة ويكون تحت مسؤوليتنا يهود, فهذا محظور", يقول المقدم رائد, الذي تجاوز دوره ضباط وطلب ان يخدم في احدى الوحدات المشهورة. فأرسلوه الى "الدورية الصحراوية".
الوحدة العربية
جنود ''الوحدة العربية'' في خط النار الاول.
الوحدة العربية في الجيش الاسرائيلي تعتبر حديثة العهد.فقد تأسست سنة 1987, على أبوات الانتفاضة الفلسطينية الاولى. مؤسسها الجنرال متان فلنائي أراد ان يجلعها وحدة مستقلة لمراقبة الحدود المصرية - الاسرائيلية البرية من البحر المتوسط حتى البحر الاحمر. وقد عيّنوا لها قائداً يهودياً طول الوقت, وعدداً من المساعدين اليهود العرب (لأول مرة سيكون لها قائد عربي في مطلع العام المقبل).
في الانتفاضة الاولى حصلت احتكاكات بين الفلسطينيين والوحدة العربية, لكنها كانت نسبياً بسيطة. واما في الانتفاضة الاخيرة فقد وضعت هذه الوحدة في خط النار الاول امام الفلسطينيين. اذ تم تسليمها الشريط الحدودي بين قطاع غزة الفلسطيني وبين سيناء المصرية. وكلفت بمهمات تعتبر جرائم حرب بكل المقاييس: هدم المئات من البيوت الفلسطينية, اقتلاع الوف الاشجار وتدمير المزروعات, والمواجهة مع المواطنين قتلاً وجرحاً واعتقالاً واهانة واذلالاً. وقام افرادها بهذه المهمات بالروح نفسها لتعاليم الجيش الاسرائيلي, بل زادوا من عندهم ما يثبت انهم مخلصون اكثر من اليهود.
وبقيت افعال هذه الوحدة سراً من اسرار الجيش لفترة طويلة. ولكن, وبشكل مفاجئ, بدأت تتسرب معلومات تفيد بأنها ارتكبت جرائم بشعة, وان افرادها, جنوداً وضباطاً, متورطون في مخالفات حتى ضد الجيش. والسبب في كشف هذه المعلومات يكمن في الخلافات الشخصية والعائلية التي تنتاب افراد هذه الوحدة. فعلى سبيل المثال هناك 35 جندياً من عشيرة الهزيل في النقب وعدد مماثل من قبيلة الهيب في الشمال ومجموعة اخرى من عائلة الزيادنة في مدينة رهط وهكذا. وقادت الخلافات والصراعات بين هذه الاطراف, الى الوشاية ببعضهم البعض. فوصلت المعلومات الى جهات تناضل من اجل "طهارة السلاح" في الجيش و"طهارة الحكم" عموماً في اسرائيل. فحملتها هذه الى قيادة الجيش. لكن هذه القيادة حاولت لفلفة الموضوع واخفاء الحقائق وطمس التحقيق. وفقط عندما تورط احد الضباط بقتل مواطن بريطاني, بدأت تتكشف الجرائم لتصل الى جهاز القضاء. واليوم تطرح في المحاكم قضايا ضد افراد عديدين من هذه الوحدة منها:
- في مطلع تشرين الاول (اكتوبر) 2003 اعتقل 11 جندياً وضابطاً من الوحدة ثم بدأت محاكمتهم وادينوا بتهمة استعمال المخدرات داخل معسكرات الجيش.
- في 16 تشرين الاول 2003 قام أحد الضباط العرب في الوحدة المذكورة بقتل المتطوع البريطاني توم هورندل الذي يعمل في احدى المنظمات الدولية التضامنية في قطاع غزة. قتله بدم بارد من دون ان يقدم على اي خطأ او مخالفة.
- في نهاية الشهر نفسه تم قتل مواطن فلسطيني برئ, غير مسلح, ايضاً, بدم بارد. وتبين في التحقيق ان جنديين اثنين راهنا على قتله بالتسيلة. فقد تحدى أحدهم الآخر ان كان يستطيع ان يقتله برصاصة واحدة في راسه. فقبل الجندي الاخير التحدي. وقتل الرجل, وهو اب لاربعة اولاد.
- بعد شهرين تم الكشف عن فضيحة اخرى تتعلق بالمخدرات, هذه المرة ضبطوا مع مجموعة من الضباط والجنود 65 كيلوغراماً من الهيرويين يقدر ثمنها بمليونين وربع المليون دولار.
- بعد فترة ضبطت مجموعة اخرى تتاجر بالسلاح والمخدرات. وتبين ان أفرادها سرقوا الاسلحة الخفيفة والمتوسطة من مخازن الجيش وباعوها بآلاف الدولارات الى رجالات العالم السفلي في اسرائيل.
- وفي العام الماضي تم الكشف عن مجموعتين قام افرادهما ببيع "حزب الله" اللبناني خرائط ومعلومات عسكرية مهمة في مقابل الحصول على المخدرات.
ويدافع افراد هذه الوحدة عن انفسهم في وجه هذه الهجمة بوسائل اعلامية وقضائية وبتصريحات او شهادات في المحاكم, وتتلخص مواقفهم في الآتي:
< لم نعمل شيئاً خارقاً. كل ما عملنا يُمارس ضد الفلسطينيين في وحدات اخرى وأكثر من ذلك. ولكن, لأننا عرب, يكتبون عنا ويثيرون زوبعة ضدنا ويقدموننا الى المحاكمة. ولو كنا يهوداً, لما كان احد يهتم بنا وبما نفعل.
< الوضع الذي نعيشه في المواقع العسكرية في قطاع غزة لا يطاق. فنحن تحت القصف والعمليات الفلسطينية التي تتم يومياً ولا تهدأ. وقد فقدنا عدداً من زملائنا (قتل لهم 6 جنود وجرح 20 شخصاً, وذلك قبل عملية النفق التي قتل فيها 5 جنود عرب وجرح 13 آخرون).
< الظروف التي نخدم فيها غير انسانية, ولم يوضع فيها جنود يهود في يوم من الايام. فالوحدات اليهودية لا تخدم في مكان واحد اكثر من 3-4 اشهر, ثم يتم نقلها الى مكان أهدأ, حتى يرتاح الجنود من الضغط. بينما نحن قابعون في المواقع نفسها منذ أربع سنوات .في بعض الاحيان نخدم 20 ساعة متواصلة في اليوم من دون ان يحضر شخص لاستبدالنا. ويمر على الجندي شهر من دون ان يخرج الى عطلة.
هذا الغضب , يتحول ضد الفلسطينيين في الطرف الآخر من المتراس. فما لا يستطيعون قوله للمسؤولين اليهود في الجيش, تحول الى طاقة عداء للفلسطينيين, أبناء شعبهم وجلدتهم. لذلك يتصرفون بهذه الهمجية والقسوة. وقد سبق ان هددهم الفلسطينيون بانتقام كبير.