مجاهدون
05-12-2005, 06:49 AM
http://www.asharqalawsat.com/2005/05/12/images/books.298753.jpg
الرباط ـ عمر عبد السلام
لعب المذهب الشيعي الإسماعيلي أدوارا متميزة في التاريخ الإسلامي خاصة في شمال أفريقيا، إلا أن الغموض ما زال يلف بعض جوانبه رغم ما قامت به المدرسة الاستشراقية من دراسات هامة في هذا الصدد. ويعزى هذا الغموض إلى الطابع السري الذي ميز بداية الدعوة الإسماعيلية من جهة، وإلى طمس تراثها الفكري من قبل مذاهب أخرى معادية لفكر الإسماعيليين من جهة ثانية.
وتحاول الدكتورة بوبة مجاني، الكاتبة الجزائرية، وأستاذة التاريخ بجامعة قسنطينة، إعادة النسق التاريخي وترميم الحلقات المفقودة من تاريخ المذهب الإسماعيلي، وتفاصيل الدولة الفاطمية أثناء تكونها في بلاد المغرب، وذلك في مؤلفها الجديد بعنوان (المذهب الإسماعيلي وفلسفته في بلاد المغرب)، والذي صدر حديثا عن منشورات الزمن المغربية، ضمن سلسلة (قضايا تاريخية). وأشار الباحث المغربي إبراهيم القادري بوتشيش، في مقدمة الكتاب، الى أن الكاتبة الجزائرية تروم فك ألغاز الحضور الشيعي الإسماعيلي ببلاد المغرب من خلال مقاربة اعتمدت على فهم العلاقة الجدلية بين الجهاز الدعوي والتنظيم الإداري، مما ساهم في إعادة تقويم للنشاط الدعوي الإسماعيلي وإدراك عميق للخريطة المذهبية في بلاد المغرب العربي.
ودراسة الباحثة الجزائرية تسعى إلى الكشف عن الفلسفة التي حكمت بها الخلافة الفاطمية بلاد المغرب، وكيف تعاملت مع مجتمعه من أجل إقامة خلافة إسماعيلية في العراق بعد إسقاط الخلافة العباسية انطلاقا من شمال أفريقيا، وليس لأنهم فشلوا في السيطرة على المغرب الأقصى فاختاروا العودة الى المشرق كما ورد في بعض كتب التاريخ ودراسات حديثة استهواها البحث في المذهب الإسماعيلي بسبب سرية المذهب. ولكن هذا الاهتمام انصب وانصرف إلى المرحلة المشرقية من حياة المذهب، في حين أن المرحلة المغربية لا تزال تحتاج إلى جهود الباحثين لكشف خباياها رغم أن الكثير من المهتمين يرون أن المرحلة المغربية كانت مجرد مرحلة انتقالية لم تضف شيئا إلى المذهب الإسماعيلي وفكره، وذلك لطابعه العسكري وقصر المدة التي قضاها الفاطميون في بلاد المغرب (لم تتجاوز ستة وستين عاما).
وترى الباحثة الجزائرية أن الهدف الاستراتيجي للدولة الفاطمية في نشر نطاق الدولة في شمال أفريقيا، أدى إلى صعوبة في السيطرة على سكانها بسبب غياب رجال ذوي كفاءات وتسلط مجموعة من الفاسدين إداريا على المناصب في الدولة، بالإضافة إلى سياسة الشدة والتعصب التي سار عليها خلفاء فاطميون مثل المهدي، ساهمت في إضعاف مذهب الإسماعيليين ودولتهم الفاطمية في شمال أفريقيا. وحين فشلت الدعوة الإسماعيلية في فرض نفوذها في المراكز الإدارية الحيوية، اتجهت بنشاطها نحو المناطق الريفية الأقل تحضرا، ولهذا اختيرت منطقة (كتامة) الجبلية الريفية مجالا لبذر المبادئ الشيعية الداعية إلى إقامة إمامة إسماعيلية وعرفت هذه المرحلة بالمغربية. وهنا برز الدور اليهودي في دولة الفاطميين، حيث أسندت إليهم وظائف إدارية مهمة، وتنامي دورهم وامتد نفوذهم حتى في عهد الدولة الفاطمية في مصر. ولكن الدولة الفاطمية في آخر أيامها في المغرب أرخت سدولا وغموضا على الدور الذي كان يلعبه اليهود في أركانها.
ويمكن القول إن النتيجة التي يمكن الخروج بها من هذه الدراسة للباحثة الجزائرية بوبة مجاني. هي أن نظرة بعض المهتمين بتاريخ الخلافة الفاطمية في مرحلتها المغربية، هو تاريخ عسكري صرف، ورسخت هذه النظرة حتى أضحت هي الحقيقة التي لا محيد عنها، ولكن هذه المرحلة التي بدأت سنة 909 ميلادية، ترى الباحثة الجزائرية أنها أنتجت فكرا ثريا، وقفت من خلاله في وجه المعارضة السنية الخارجية على حد سواء. وقد نجحت الدولة الفاطمية في أن تحكم مجتمعا متعدد الانتماءات المذهبية والقبلية رغم سعة النطاق الجغرافي، وبهذا حكم الفاطميون بلاد المغرب، ونجحوا في الانتقال إلى المشرق، وهو الهدف الأسمى للمذهب الإسماعيلي الذي يبطل الرأي الشائع بأن فشل الفاطميين في حكم بلاد المغرب هو الذي أجبرهم على الانتقال إلى المشرق.
الرباط ـ عمر عبد السلام
لعب المذهب الشيعي الإسماعيلي أدوارا متميزة في التاريخ الإسلامي خاصة في شمال أفريقيا، إلا أن الغموض ما زال يلف بعض جوانبه رغم ما قامت به المدرسة الاستشراقية من دراسات هامة في هذا الصدد. ويعزى هذا الغموض إلى الطابع السري الذي ميز بداية الدعوة الإسماعيلية من جهة، وإلى طمس تراثها الفكري من قبل مذاهب أخرى معادية لفكر الإسماعيليين من جهة ثانية.
وتحاول الدكتورة بوبة مجاني، الكاتبة الجزائرية، وأستاذة التاريخ بجامعة قسنطينة، إعادة النسق التاريخي وترميم الحلقات المفقودة من تاريخ المذهب الإسماعيلي، وتفاصيل الدولة الفاطمية أثناء تكونها في بلاد المغرب، وذلك في مؤلفها الجديد بعنوان (المذهب الإسماعيلي وفلسفته في بلاد المغرب)، والذي صدر حديثا عن منشورات الزمن المغربية، ضمن سلسلة (قضايا تاريخية). وأشار الباحث المغربي إبراهيم القادري بوتشيش، في مقدمة الكتاب، الى أن الكاتبة الجزائرية تروم فك ألغاز الحضور الشيعي الإسماعيلي ببلاد المغرب من خلال مقاربة اعتمدت على فهم العلاقة الجدلية بين الجهاز الدعوي والتنظيم الإداري، مما ساهم في إعادة تقويم للنشاط الدعوي الإسماعيلي وإدراك عميق للخريطة المذهبية في بلاد المغرب العربي.
ودراسة الباحثة الجزائرية تسعى إلى الكشف عن الفلسفة التي حكمت بها الخلافة الفاطمية بلاد المغرب، وكيف تعاملت مع مجتمعه من أجل إقامة خلافة إسماعيلية في العراق بعد إسقاط الخلافة العباسية انطلاقا من شمال أفريقيا، وليس لأنهم فشلوا في السيطرة على المغرب الأقصى فاختاروا العودة الى المشرق كما ورد في بعض كتب التاريخ ودراسات حديثة استهواها البحث في المذهب الإسماعيلي بسبب سرية المذهب. ولكن هذا الاهتمام انصب وانصرف إلى المرحلة المشرقية من حياة المذهب، في حين أن المرحلة المغربية لا تزال تحتاج إلى جهود الباحثين لكشف خباياها رغم أن الكثير من المهتمين يرون أن المرحلة المغربية كانت مجرد مرحلة انتقالية لم تضف شيئا إلى المذهب الإسماعيلي وفكره، وذلك لطابعه العسكري وقصر المدة التي قضاها الفاطميون في بلاد المغرب (لم تتجاوز ستة وستين عاما).
وترى الباحثة الجزائرية أن الهدف الاستراتيجي للدولة الفاطمية في نشر نطاق الدولة في شمال أفريقيا، أدى إلى صعوبة في السيطرة على سكانها بسبب غياب رجال ذوي كفاءات وتسلط مجموعة من الفاسدين إداريا على المناصب في الدولة، بالإضافة إلى سياسة الشدة والتعصب التي سار عليها خلفاء فاطميون مثل المهدي، ساهمت في إضعاف مذهب الإسماعيليين ودولتهم الفاطمية في شمال أفريقيا. وحين فشلت الدعوة الإسماعيلية في فرض نفوذها في المراكز الإدارية الحيوية، اتجهت بنشاطها نحو المناطق الريفية الأقل تحضرا، ولهذا اختيرت منطقة (كتامة) الجبلية الريفية مجالا لبذر المبادئ الشيعية الداعية إلى إقامة إمامة إسماعيلية وعرفت هذه المرحلة بالمغربية. وهنا برز الدور اليهودي في دولة الفاطميين، حيث أسندت إليهم وظائف إدارية مهمة، وتنامي دورهم وامتد نفوذهم حتى في عهد الدولة الفاطمية في مصر. ولكن الدولة الفاطمية في آخر أيامها في المغرب أرخت سدولا وغموضا على الدور الذي كان يلعبه اليهود في أركانها.
ويمكن القول إن النتيجة التي يمكن الخروج بها من هذه الدراسة للباحثة الجزائرية بوبة مجاني. هي أن نظرة بعض المهتمين بتاريخ الخلافة الفاطمية في مرحلتها المغربية، هو تاريخ عسكري صرف، ورسخت هذه النظرة حتى أضحت هي الحقيقة التي لا محيد عنها، ولكن هذه المرحلة التي بدأت سنة 909 ميلادية، ترى الباحثة الجزائرية أنها أنتجت فكرا ثريا، وقفت من خلاله في وجه المعارضة السنية الخارجية على حد سواء. وقد نجحت الدولة الفاطمية في أن تحكم مجتمعا متعدد الانتماءات المذهبية والقبلية رغم سعة النطاق الجغرافي، وبهذا حكم الفاطميون بلاد المغرب، ونجحوا في الانتقال إلى المشرق، وهو الهدف الأسمى للمذهب الإسماعيلي الذي يبطل الرأي الشائع بأن فشل الفاطميين في حكم بلاد المغرب هو الذي أجبرهم على الانتقال إلى المشرق.