المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القراءة الغائبة لما يحدث في العراق



لمياء
05-11-2005, 10:45 AM
جيم هوغلاند


تتسارع خطى القوات الاميركية في العراق الى إحداث تحول في الشرق الاوسط قبل ان يحدث الشرق الاوسط تحولا وسط هذه القوات. ومن هنا فالسمة الاخلاقية لقوة القتال الاميركية هناك، وبالتالي الشعب الاميركي، ستجري صياغتها الى حد ما من خلال ما يحدث في العراق.

تقول تجارب التاريخ ان الاشياء تقف في غير مصلحة المساعي والجهود الاميركية في منطقة معروفة بالاذعان للقوى الغازية في بداية الأمر، قبل التحول الى العمل ضدها وإضعافها، وطردها بمرور الزمن. التاريخ يسجل النتائج فقط، لكنه لا يحددها، اذ ان هذا امر متروك للقدر.

تناوبت على كل من افغانستان والعراق منذ 11 سبتمبر (ايلول) 2001 قوات اميركية، يقدر قوامها بحوالي مليون جندي وضابط، طبقا لإحصائيات وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون). إلا ان قياس الفارق بينما انجز في افغانستان، وما انجز في العراق، امر ليس سهلا بأي حال، بسبب ازدياد الهجمات الارهابية في كلا البلدين. بل ان المسألة الأكثر صعوبة تكمن في قياس الفارق في الأثر على الثقافات العربية والكردية والافغانية.

كثيرون من الجيل الذي انتمي له حصلوا على المعرفة المباشرة بالثقافات الأجنبية والبلدان الخارجية من خلال الخدمة العسكرية في اوروبا او آسيا، خلال حقبة الحرب الباردة. وفيما تعلم الجنود الاميركيون اساسيات اللغة الألمانية في مدرسة ليلية او ناد محلي، تعلم الألمان بعض الشيء عن الاميركيين من خلال وجودهم هناك. ويمكن القول ان الزمن (والخطر السوفياتي) عملا على تهدئة النزاعات الثقافية في اوروبا واليابان.

إلا ان النظرة الاميركية الى الاراضي الأجنبية والتدخل الاميركي في الخارج، تكونت في ظل النظرة الحادة الى منطقة الشرق الأوسط بواسطة الرئيس بوش وإدارته. ولذا، فإن الإبقاء على فعالية ونشاط الوجود العسكري الاميركي في غالبية الأراضي العراقية، سيكون اكثر صعوبة مقارنة بالوجود العسكري الاميركي في اوروبا واليابان.

سيكون ذلك صحيحا اذا لم تكن هناك نية من جانب القادة السياسيين والعسكريين للولايات المتحدة لقبول المسؤولية عن الأخطاء التي وقعت، وحتى الجرائم التي ارتكبت بواسطة قوات الاستطلاع. فما حدث في محاكمة المجندة ليندي انجلاند حول التهم ذات الصلة بالانتهاكات التي حدثت في سجن ابو غريب، تعتبر بمثابة تذكير بمحاولة تفادي للمشاكل التي ساعدوا في وقوعها ليدفع ثمنها آخرون.

وفي المقابل، فهناك مشكلة اخرى يمثلها فتح التحقيق الجنائي في اختفاء 7.2 مليون دولار من مساعدات التعمير الاميركية. وهذا المبلغ، بالاضافة الى 89.4 مليون دولار مساعدات لم يتم التعامل معها بالطريقة المناسبة، كانت ضمن تقرير للمفتش العام لاعادة التعمير في العراق. كما كشف المدققون في البنتاغون بعض العقود التي تثير الشكوك واساءة استخدام الاموال، والتي ربما تشمل مئات الملايين من الدولارات.

والى ذلك فسياقات الأحداث تقول ان الحروب، والفترات التي تعقبها، تؤدي الى ضغوط في غاية الشدة، جنبا الى جنب مع إثارة فرص يمكن لها أن تثير افضل وأسوأ ما في الغريزة البشرية. وحملة العراق ليست مختلفة ولا يمكن لها أن تكون استثناء، لأنها تجذب، مثلها مثل النزاعات الماضية، التيارات المعاصرة للمجتمعات التي تتعامل معها.

وبالتالي، فإن الجرائم والتجاوزات في سجن ابو غريب، تكشفان عن رغبات استعراضية وغيرها من السلوكيات الجنسية المنحرفة، التي سهلتها التقنيات الرقمية والرغبة في الشهرة المحدودة. وحتى الرفض المثير للجدل لمحاولات ليندي انجلاند في الاعتراف بالذنب، يمكن اعتباره «كأنه يحدث فقط في اميركا».

ولكن، وفي المقابل أيضا، ففشل البيت الابيض والبنتاغون في تحمل اية مسؤولية على مستويات عالية، بخصوص الظروف الفوضوية والضغوط التي سمحت او شجعت على الاساءة للسجناء، وغيرها من السلوكيات السيئة والسرقات في العراق، خلقت مجتمعة مشاكلها الجديدة الخاصة بها. فمراقبة المستويات العالية في السلوكيات والمحاسبة، تمكن الادارة من تبرير مطالبة القوات الأميركية في الخارج بنفس الشيء.

لقد اشار البيت الابيض في بعض الاوقات الى ان الاهداف النبيلة لجهوده في «الحفاظ على المسيرة» في الشرق الاوسط، يمكن لها أن تتحرر من أي تساؤلات بخصوص وسائلها واخطائها هناك.

ولكن الشواهد تقول ان هذا المنطق خاطئ، مثلما يخطئ النقاد الذين يقولون ان كل تصرف اميركي في العراق اليوم، هو تصرف غير اخلاقي وملوث، لان بوش «يكذب» او بسبب تأييده لاسرائيل. وشاهد القول هنا ان الاغلبية العظمى من الاميركيين في العراق اليوم، يؤدون واجبات حيوية في ظروف خطرة، لمساعدة المواطنين العراقيين على التخلص من مخالب الوحوش المتطلعة للسلطة، فيما يعمل الاميركيون في بيئة لا تقف حليفا مع قوة اجنبية. ومن هنا يجب عدم التطلع الى مغادرة بغداد فقط، ولكن الاسراع لتنفيذ ذلك عن طريق تحويل السلطة للعراقيين، الذين يجب عليهم، في النهاية، حل مشاكلهم بانفسهم.