قبازرد
03-18-2016, 10:24 AM
http://assafir.com/Medias/Photos//2016/550x355/73f50efc-e8df-40be-99df-382cf1d51c5d.jpg
مئير داغان (أ ف ب)
حلمي موسى
نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2016-03-18
أعلنت إسرائيل أمس وفاة الجنرال مئير داغان الذي كان آخر مناصبه قيادة جهاز «الموساد» لحوالي عشر سنوات حفلت بمواجهة المشروع النووي الإيراني. وقد تقلب داغان في مناصب قيادية عدة في الجيش الإسرائيلي، وفي هيئة مكافحة الإرهاب في رئاسة الحكومة، قبل أن يصل إلى رئاسة الموساد. وكثيراً ما رأى معلقون في داغان شخصية هجومية ومتطرفة، إلا أن سنواته الأخيرة قضاها في عرض رؤية أكثر عقلانية في ظل صدام متصاعد مع قيادة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو التي أعلن مراراً فقدانه الثقة فيها.
وقد توفي داغان عن عمر بلغ 71 عاماً بعدما اجتاز قبل عامين عملية جراحية لزرع كبد. وداغان ولد في العام 1945 في أوكرانيا والتحق بالجيش الإسرائيلي إلى أن تسرح منه برتبة جنرال، قبل أن يستدعيه صديقه آرييل شارون للعمل كمستشار لمكافحة الإرهاب. ولم تكن حياة داغان في الجيش الإسرائيلي سهلة، إذ عانى من تضارب المواقف بشأنه. فقد رأى البعض فيه شخصية وحشية في تعامله مع العرب، خصوصاً في فترة الفدائيين في قطاع غزة في السبعينيات، وبعدها أثناء قيادته وحدة استخبارية في لبنان في الثمانينيات.
وتحفظ الأساطير العسكرية الإسرائيلية عن داغان أنه كان يتصرف بطريقة من يحمل الخنجر بين أسنانه ويستسهل القتل والتفجير. وقد أصيب أثناء خدمته العسكرية بجراح بليغة ظلت تؤثر على حركته حتى مماته، وأسهمت في منع تعيينه قائداً للجبهة الجنوبية وتسريع تسريحه من الجيش. وظل وهو في الجيش، موضع خلاف واستقطاب بين تيارات مختلفة، لكن ذوي الميل المتطرف كانوا يميلون إليه.
ويرى معلقون أن دوافع شخصية لعبت دوراً كبيراً في تبلور شخصية داغان العدوانية أثناء خدمته العسكرية. فقد كان يطمح إلى الالتحاق بوحدة النخبة، «سييرت متكال»، لكنه جوبه بالرفض، ما دفعه للالتحاق بلواء المظليين. غير أن رفض قبوله في «سييرت متكال» قاده طوال الوقت إلى محاولة تمييز نفسه عبر مواقف مغامرة سُجلت في التراث العسكري على أنها جرأة منقطعة النظير. وفي هذا الصدد، يكتب أمير أورن في «هآرتس» أن «رفض سييرت متكال قبوله في العام 1963 كان أحد أبرز الدوافع التي حفزته وجعلته ضابطاً كثير الألاعيب وميالاً للخداع». وأشار إلى أن ذلك جعله ضابطاً ومقاتلاً «رائعاً في عمليات معقدة»، لكنه أبداً لم ينضم لما كان يعتبر النخبة التي تتطور داخل الجيش.
وخدم داغان مع شارون حينما كان الأخير قائداً للجبهة الجنوبية، وتولى حينها قيادة وحدة مستعربين تلاحق وتقتل الفدائيين في غزة في السبعينيات. وفي حرب تشرين، خدم أيضاً ضمن وحدة كوماندوس تحت إمرة شارون على جبهة قناة السويس. ولكن شهرته الدموية نالها على وجه الخصوص في لبنان، عندما تولى قيادة الشريط الحدودي الذي أقامته إسرائيل بين عملية الليطاني وحرب 1982. وبشراكة مع رئيس الأركان حينها رفائيل إيتان، نفذ الكثير من العمليات التفجيرية ضد المدنيين في أنحاء لبنان.
وفي كل حال، فإن داغان نال التقدير والاعتراف فقط بعد أن تولى رئاسة «الموساد» وبقي فيه لأكثر من تسع سنوات. وتكمن أهمية داغان على هذا الصعيد بكونه وصل للموساد في ظل أزمة قيادة، وأعاد الاعتبار للجهاز من الوجهة العملياتية. لكن الدور المحفوظ له في الذاكرة الأمنية الإسرائيلية أنه قاد الموساد إلى التكيف مع متطلبات القرن الحادي والعشرين.
ولأسباب مختلفة، فإن من قدم داغان للحلبة السياسية الإسرائيلية كان آرييل شارون الذي اختاره رئيساً لحملته الانتخابية. وبعد فوز شارون برئاسة الحكومة، عمد إلى تعيينه مستشاراً لشؤون الإرهاب في رئاسة الحكومة. وما إن توفرت الفرصة وشغر منصب رئيس الموساد، حتى تم تعيينه في ظل انتقادات واسعة.
وخدم رئيساً للموساد في عهود كل من شارون وإيهود أولمرت ونتنياهو. وخلال هذه الخدمة، علا نجمه بين الجمهور الإسرائيلي بعد استعادة الموساد هيبته جراء الكثير من العمليات السرية التي نسبت له في مناطق مختلفة في العالم، وخصوصاً في إيران. وتنسب للموساد عمليات اغتيال ما لا يقل عن خمسة من علماء الذرة الإيرانيين واغتيال الشهيد عماد مغنية وتخريب برامج تفعيل حواسيب أجهزة الطرد المركزي الإيرانية.
وركز داغان في خدمته على محاولة منع إيران من امتلاك سلاح نووي، وكانت مهمته المركزية إفشال مشروعها النووي. ولعب داغان برئاسته الموساد دوراً مركزياً في تدمير إسرائيل لما اعتبرته مفاعلاً نووياً سورياً أقيم بالتعاون مع كوريا الشمالية في العام 2007. وبرغم كل ما يشاع عن التقدير لداغان في إعادة بناء الموساد، هناك من ينسب له ما يوصف بالتحجر في الأداء العملياتي، والذي قاد إلى الفشل الكبير للموساد في قضية اغتيال الشهيد محمود المبحوح في دبي. ويعتبر معلقون بقاء داغان أكثر من ولايتين في رئاسة الموساد سبباً أساسياً في نشوء هذا التحجر.
من الوجهة السياسية، كثيراً ما اعتُبر داغان صاحب مواقف متطرفة، ولذلك التحق بـ «الليكود». ولكن خلال عمله في الموساد وبعد انتهاء ولايته، صار يبدي مواقف أكثر اعتدالاً. ولذلك صار يعرض رأياً يقترب من رأي اليسار الإسرائيلي بشأن التسوية مع الفلسطينيين، وأظهر عداءً لتطرف كل من نتنياهو وزعيم البيت اليهودي نفتالي بينت.
وكان آخر مواقفه تحذير الجمهور الإسرائيلي من مثل هذه القيادة التي لا تحاول استغلال اللحظة والتقدم نحو تسوية سياسية. وكان بين الأشد صخباً في مناهضة الداعين لشن عملية عسكرية ضد إيران بدعوى إفشال مشروعها النووي. ولهذا السبب، تعرض لحملات وانتقادات شديدة من جانب اليمين، ومع ذلك رثى داغان في موته كل أطياف السياسة في إسرائيل، معتبرين أنه كان «بطلاً من أبطال إسرائيل».
http://assafir.com/Article/1/482102/SameChannel
مئير داغان (أ ف ب)
حلمي موسى
نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2016-03-18
أعلنت إسرائيل أمس وفاة الجنرال مئير داغان الذي كان آخر مناصبه قيادة جهاز «الموساد» لحوالي عشر سنوات حفلت بمواجهة المشروع النووي الإيراني. وقد تقلب داغان في مناصب قيادية عدة في الجيش الإسرائيلي، وفي هيئة مكافحة الإرهاب في رئاسة الحكومة، قبل أن يصل إلى رئاسة الموساد. وكثيراً ما رأى معلقون في داغان شخصية هجومية ومتطرفة، إلا أن سنواته الأخيرة قضاها في عرض رؤية أكثر عقلانية في ظل صدام متصاعد مع قيادة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو التي أعلن مراراً فقدانه الثقة فيها.
وقد توفي داغان عن عمر بلغ 71 عاماً بعدما اجتاز قبل عامين عملية جراحية لزرع كبد. وداغان ولد في العام 1945 في أوكرانيا والتحق بالجيش الإسرائيلي إلى أن تسرح منه برتبة جنرال، قبل أن يستدعيه صديقه آرييل شارون للعمل كمستشار لمكافحة الإرهاب. ولم تكن حياة داغان في الجيش الإسرائيلي سهلة، إذ عانى من تضارب المواقف بشأنه. فقد رأى البعض فيه شخصية وحشية في تعامله مع العرب، خصوصاً في فترة الفدائيين في قطاع غزة في السبعينيات، وبعدها أثناء قيادته وحدة استخبارية في لبنان في الثمانينيات.
وتحفظ الأساطير العسكرية الإسرائيلية عن داغان أنه كان يتصرف بطريقة من يحمل الخنجر بين أسنانه ويستسهل القتل والتفجير. وقد أصيب أثناء خدمته العسكرية بجراح بليغة ظلت تؤثر على حركته حتى مماته، وأسهمت في منع تعيينه قائداً للجبهة الجنوبية وتسريع تسريحه من الجيش. وظل وهو في الجيش، موضع خلاف واستقطاب بين تيارات مختلفة، لكن ذوي الميل المتطرف كانوا يميلون إليه.
ويرى معلقون أن دوافع شخصية لعبت دوراً كبيراً في تبلور شخصية داغان العدوانية أثناء خدمته العسكرية. فقد كان يطمح إلى الالتحاق بوحدة النخبة، «سييرت متكال»، لكنه جوبه بالرفض، ما دفعه للالتحاق بلواء المظليين. غير أن رفض قبوله في «سييرت متكال» قاده طوال الوقت إلى محاولة تمييز نفسه عبر مواقف مغامرة سُجلت في التراث العسكري على أنها جرأة منقطعة النظير. وفي هذا الصدد، يكتب أمير أورن في «هآرتس» أن «رفض سييرت متكال قبوله في العام 1963 كان أحد أبرز الدوافع التي حفزته وجعلته ضابطاً كثير الألاعيب وميالاً للخداع». وأشار إلى أن ذلك جعله ضابطاً ومقاتلاً «رائعاً في عمليات معقدة»، لكنه أبداً لم ينضم لما كان يعتبر النخبة التي تتطور داخل الجيش.
وخدم داغان مع شارون حينما كان الأخير قائداً للجبهة الجنوبية، وتولى حينها قيادة وحدة مستعربين تلاحق وتقتل الفدائيين في غزة في السبعينيات. وفي حرب تشرين، خدم أيضاً ضمن وحدة كوماندوس تحت إمرة شارون على جبهة قناة السويس. ولكن شهرته الدموية نالها على وجه الخصوص في لبنان، عندما تولى قيادة الشريط الحدودي الذي أقامته إسرائيل بين عملية الليطاني وحرب 1982. وبشراكة مع رئيس الأركان حينها رفائيل إيتان، نفذ الكثير من العمليات التفجيرية ضد المدنيين في أنحاء لبنان.
وفي كل حال، فإن داغان نال التقدير والاعتراف فقط بعد أن تولى رئاسة «الموساد» وبقي فيه لأكثر من تسع سنوات. وتكمن أهمية داغان على هذا الصعيد بكونه وصل للموساد في ظل أزمة قيادة، وأعاد الاعتبار للجهاز من الوجهة العملياتية. لكن الدور المحفوظ له في الذاكرة الأمنية الإسرائيلية أنه قاد الموساد إلى التكيف مع متطلبات القرن الحادي والعشرين.
ولأسباب مختلفة، فإن من قدم داغان للحلبة السياسية الإسرائيلية كان آرييل شارون الذي اختاره رئيساً لحملته الانتخابية. وبعد فوز شارون برئاسة الحكومة، عمد إلى تعيينه مستشاراً لشؤون الإرهاب في رئاسة الحكومة. وما إن توفرت الفرصة وشغر منصب رئيس الموساد، حتى تم تعيينه في ظل انتقادات واسعة.
وخدم رئيساً للموساد في عهود كل من شارون وإيهود أولمرت ونتنياهو. وخلال هذه الخدمة، علا نجمه بين الجمهور الإسرائيلي بعد استعادة الموساد هيبته جراء الكثير من العمليات السرية التي نسبت له في مناطق مختلفة في العالم، وخصوصاً في إيران. وتنسب للموساد عمليات اغتيال ما لا يقل عن خمسة من علماء الذرة الإيرانيين واغتيال الشهيد عماد مغنية وتخريب برامج تفعيل حواسيب أجهزة الطرد المركزي الإيرانية.
وركز داغان في خدمته على محاولة منع إيران من امتلاك سلاح نووي، وكانت مهمته المركزية إفشال مشروعها النووي. ولعب داغان برئاسته الموساد دوراً مركزياً في تدمير إسرائيل لما اعتبرته مفاعلاً نووياً سورياً أقيم بالتعاون مع كوريا الشمالية في العام 2007. وبرغم كل ما يشاع عن التقدير لداغان في إعادة بناء الموساد، هناك من ينسب له ما يوصف بالتحجر في الأداء العملياتي، والذي قاد إلى الفشل الكبير للموساد في قضية اغتيال الشهيد محمود المبحوح في دبي. ويعتبر معلقون بقاء داغان أكثر من ولايتين في رئاسة الموساد سبباً أساسياً في نشوء هذا التحجر.
من الوجهة السياسية، كثيراً ما اعتُبر داغان صاحب مواقف متطرفة، ولذلك التحق بـ «الليكود». ولكن خلال عمله في الموساد وبعد انتهاء ولايته، صار يبدي مواقف أكثر اعتدالاً. ولذلك صار يعرض رأياً يقترب من رأي اليسار الإسرائيلي بشأن التسوية مع الفلسطينيين، وأظهر عداءً لتطرف كل من نتنياهو وزعيم البيت اليهودي نفتالي بينت.
وكان آخر مواقفه تحذير الجمهور الإسرائيلي من مثل هذه القيادة التي لا تحاول استغلال اللحظة والتقدم نحو تسوية سياسية. وكان بين الأشد صخباً في مناهضة الداعين لشن عملية عسكرية ضد إيران بدعوى إفشال مشروعها النووي. ولهذا السبب، تعرض لحملات وانتقادات شديدة من جانب اليمين، ومع ذلك رثى داغان في موته كل أطياف السياسة في إسرائيل، معتبرين أنه كان «بطلاً من أبطال إسرائيل».
http://assafir.com/Article/1/482102/SameChannel