المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 20 عاما غيرت وجه العالم ........ سمير عطا الله



سمير
05-08-2005, 06:50 AM
سمير عطا الله


عقد «المنتدى السياسي العالمي» لقاءه السنوي في مدينة تورينو الايطالية هذا العام تحت شعار «1985 ـ 2005 عشرون عاما غيرت العالم». ولم يكن هناك افضل او انسب من ميخائيل غورباتشوف لترؤس الدورة. وهذا يعيدني عشرين عاما الى الوراء، يوم شاهدت الزعيم السوفياتي في جنيف في قمته مع رونالد ريغان. وفي المؤتمر الصحفي المكتظ الذي عقده لم نكن نفهم شيئا من اللغة الروسية التي يتكلمها، لكننا ادركنا ان ثمة تغيرا قد حدث في الشرق: أناقته غير الحديدية او القاتمة وتقبله بابتسامة الاسئلة الامبريالية. وبدا رجلا متدفقا واسع المعرفة، فيما بدا رونالد ريغان الى جانبه متعثرا وبطيئا يردد جملا متوقعة او معروفة. ولم نكن ندرك يومها ان العالم بأجمعه سوف يتغير مع ميخائيل غورباتشوف. غير انه راح يتغير دون توقف.

وإذ بدأ في تطبيق «البريسترويكا» داخل الاتحاد السوفياتي ظهرت الناس فجأة في كل مكان تطالب بحرياتها. وأخذ الستار الحديدي ينهار. وراحت رموز الديكتاتورية تنهار في عواصم اوروبا الشرقية من تلقاء نفسها. وحيث رفضت ان تصدق الواقع الجديد، كما في رومانيا، ذهب رجال الكي.جي.بي يساعدون في ازاحة تشاوشسكو وامرأته هيلينا التي كانت تجمع الشهادات الجامعية من جامعة بوخارست ومعاطف الفرو من باريس.

اعطى غورباتشوف دول البلطيق حرياتها بعد نقاش لا ينسى في ساحات عواصمها. وحاول ان يحمي الاتحاد (الروسي فيما بعد) من مصير يوغوسلافيا التي فككها ديكتاتور احمق وفظ بفتح المقابر الجماعية في السهول وتحت الجسور. وخسر غورباتشوف معركة السلطة مع بوريس يلتسين الذي أمر فيما بعد بابادة الشيشان، كما فعل ستالين من قبل.

وفي العالم العربي أنهى غورباتشوف المرحلة التي كانت فيها موسكو فريقا محرضا وشريكا في الصراع او في القتال الأهلي والحدودي. وعندما ذهب طارق عزيز الى موسكو، بطريق ايران، ليطلب دعمها في احتلال الكويت، رأى في الكرملين منطقا جديدا: لا يمكن بعد اليوم تأييد دخول الدبابات الى أي مكان. لم يطعم الحديد الشعب السوفياتي خبزا. ودفع البلاد الى الانفجار. وحرمها عقودا من التطور والنمو. وسوف يشرف غورباتشوف بنفسه على اعقد وانجح عملية من نوعها في التاريخ: تفكيك القوة النووية الهائلة التي بدأ صدأها يقتل اهل روسيا قبل سواها، انطلاقا من ثقوب تشيرنوبيل التي وصل شعاعها الى مراعي تركيا.

المؤسف انه بعد غورباتشوف جاء بوريس يلتسن. ومعه غرقت روسيا في الفودكا والفساد والمافيا والسرقات الموصوفة. لكنها مرحلة لم تطل كثيرا. وقد بدأت موسكو وبطرسبرغ في استعادة شيء من الحياة الامبراطورية وعصور الفنون والانتاج والازدهار. ومرت معظم اوروبا الشرقية في البداية بمراحل من الفوضى، لكنها الآن تتمتع بالازدهار والاستقرار وتنافس الغرب في الصناعة والزراعة. تلك هي حكاية العقدين الماضيين اللذين بدآ مع وصول غورباتشوف الى السلطة في موسكو.

لقد دعم وصوله الى زعامة الحزب، رئيس المخابرات يوري اندروبوف، خلف بيريا الرهيب في هذا المنصب، لكن اندروبوف كان رجل مخابرات ذا قلب وعقل معا. وبقلبه وعقله ادرك ان البلد مقبل على تفجر مدمر. وادرك انه لا بد من الاصلاحات لتجنب الحروب الأهلية والانقلابات العسكرية. وقبل وفاته اقنع غلاة المتزمتين في الحزب بدعم «ميشا». وكان بين هؤلاء اندريه غروميكو الذي كان يوحي بأنه يكره الابتسام والسعادة والحرية. فلما وصل غورباتشوف وضع مذكرات مذهلة عن عشقه لعواصم الغرب. وحتى عن اعجاب السيدة غروميكو بالعواصم. هل تذكرون السيدة غروميكو؟ لقد كانت تشبه السيدة خروشوف. قبل ان تطل النسوة الروسيات من خلال رايسا غورباتشوف.