Osama
05-07-2005, 12:01 AM
الدور الغائب للإعلام يدفع محدودي الثقافة إلى تصديق المعلومات المسمومة
الرياض - حبيب عبدالله
لم يتم تصنيف التحريض على الطائفية أو العنصرية أو العنف على انه انتهاك للقوانين يستدعي العقاب. إنه ترك تركت انقسامات فكرية وعنصرية في الإنترنت وكان له أثره البالغ على المجتمع السعودي, لاقتحامه عقول الشباب بكل يسر ودون رقيب, واستطلعت "السياسة" آراء أربع من الشخصيات البارزة والفاعلة في مجال البحث المتعلقة بالقضايا الإلكترونية حول أثر التحريض الإلكتروني في وجود مساحة يستطيع الشاب أن يستقي منها المعلومة خاطئة كانت أو فكراً شاذاً أو دخيلة على المجتمع السعودي وأثر المواقع »الجهادية« التحريضية على تشكل الفكر لدى المراهقين ونشوء هذا الفكر رويداً رويداً حتى يصبح فكراً ثابتاً راسخاً لا يمكن أن يُغير في المستقبل بسهولة غياب وسائل الإعلام عن التوعية والتحذير من هذه المواقع التحريضية,, هل هو سبب في جعل المتلقي يؤمن بالمعلومة المنشورة على شبكة الإنترنت دون النظر في مصادرها?.. هل الطرح الفكري الموجود في الإنترنت يمكن أن ينتقل إلى الواقع وينقسم المجتمع على إثره إلى قسمين? وما السبب في التقاضي عن بعض المواقع التحريضية والتي تضم بعض الأسماء الجهادية والمعروفة والتي قد يؤدي الإعجاب بها وتتبع كتاباتها لمحاولة الإقتداء بها?..
أكد الباحث في استخدامات الإنترنت في مركز البحوث والدراسات في كلية الملك فهد الأمنية الدكتور فايز عبد الله الشهري خلال حديثة, إن أثر التحريض الإلكتروني عبر شبكة الإنترنت بات وبكل أسف واضحاً وقد ظهرت نتائجه بشكل ملموس في ما تكشف أثناء وبعد الأحداث الإرهابية التي روعت المسلمين في كثير من المدن العربية والإسلامية في السنوات القلائل الماضية, حيث كانت الإنترنت عبر خدماتها المختلفة وسيلة رئيسه في تقديم الدعم المعنوي والفكري الذي أسهم بشكل يثير الدهشة في تأجيج العواطف وتهييج الانفعالات لدى الشباب بالتركيز على عنصرين مهمين,
أولهما الخطاب الحماسي الذي وظفت فيه نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية بشكل موجه لخدمة خطاب تحريضي صاخب ساهم بشكل مؤثر في ترويج ثقافة العنف في أوساط كثير من الشباب, وثانيها, توظيف الأحداث الدولية والمظالم التي تقع على المسلمين وربطها بشكل متعسف مع بعض القرارات التي تتخذها الدول العربية والإسلامية مضطرة وفق مصالحها حيث تقوم بعض جماعات التحريض باستغلال انعدام الرقابة على محتوى الإنترنت وذلك بترويج خطاب عاطفي مركز وعنيف تصب مضامينه في ما يؤجج ثقافة التكفير والتشكيك في كل المؤسسات والرموز السياسية والدينية. والبديل المطروح مجموعة من المجاهيل لا تعرف إلا عبر الإنترنت.بل إن أحد ابرز منظري فكر التحريض الإلكتروني كتب أربعة كتب شهيرة ومثيرة وأصدر عددا من الفتاوى تحت اسم مستعار و الكارثة أن بعض الشباب تابعوا وتأثروا بأفكاره وكتبه وفتاواه حتى قبل أن يعرفوا حقيقة هذا الشخص وما هي مراجعه الفكرية ومن هم شيوخه وكيف توصل إلى أدلته وفتواه. والمشكلة هنا إن هناك من يعتقد إن كل ما يرى على شاشة الإنترنت هو صحيح وموثوق وهذا راجع في المقام الأول إلى عدم التوعية الفكرية للشاب بحيث لا تكون مواقع الإنترنت المجهولة مرجعاً له فيما يخص دينه وحياته ولا يمكن إغفال أهمية تعزيز الصلة وإعادة الدور والحيوية إلى المراجع الفكرية في المنزل والمدرسة والمسجد التي يبدو أنها فقدت الكثير من أدورها.
مواقع تحريضية
ويرى د.الشهري إن اثر هذه المواقع كبير خاصة بما تملكه من حيوية وسرعة استجابة للأحداث المختلفة ومعايشتها بشكل ذكي لهموم الناس ما أدى إلى زيادة الإقبال عليها خاصة في ظل تراجع تام للمواقع التي يفترض أن تقدم الفكر الصحيح والفهم الواعي لمشكلات العصر واحتياجات الشباب حيث يغلب على المواقع الرسمية الضعف الفني وفقر المحتوى وعدم الحيوية والتجديد بالشكل الذي يضمن جذب الشباب لهذه المواقع وتفاعلهم معها ولا يأتي ذلك إلا بالنزول إلى مجتمعات الشباب واستخدام لغتهم وانتهاج حيويتهم ووضع المفاهيم المرتبطة بالجهاز في سياقها وضوابطها الشرعية دون مزايدات أو تنازلات قد تصرف هؤلاء الشباب إلى الواقع التحريضية التي تدفع بالشباب إلى أتون المواجهة مع مجتمعهم دون وعي بالمشكلات التي قد تنجم من الانخراط في بعض المجموعات الفكرية التي لا ترى إلا العنف منهجاً وأسلوبا وحيداً للتغيير.
ويضيف: وسائل الإعلام إحدى مصادر التوعية ولكنها ليست وحدها المقصرة في مجال توعية الشباب للاستخدامات السلبية لشبكة الإنترنت. وإن وسائل الإعلام في الوقت الحاضر لم تعد كما كانت في السابق أدوات لتوجيه وتشكيل القيم كما يرغب المجتمع أو المؤسسات الرسمية بسبب طغيان مفهوم الربح والتسلية الإثارة على وظائف التثقيف والتوعية خاصة في ظل انتشار الإعلام الخاص الربحي على المستوى الوطني وظهور وسائل الإعلام الدولية القوية التأثير التي اخترقت الحدود السياسية والثقافية واجتذبت جماهير الشباب وصرفتها عن وسائل الإعلام المحلية وبالتالي قللت من جدوى رسائل التوعية التي تتضمنها وسائل الإعلام الوطنية.
ويبدي الشهري أسفه على إن بعض مواقع الإنترنت ومنتدياتها نمطت بعض المفاهيم السلبية في المجتمع وعززت الفكر الاقصائي الذي دفع بالكثيرين إلى التحزب في شلل فكرية لا تتحاور بل تتجادل وفق ثقافة التخوين والاستعداء والتشويه أحياناً مما جعل مظاهر الخلاف أوسع وأوضح من مساحة الاختلاف الإيجابي الضروري الذي يحتاجه المجتمع لإثراء البيئة الثقافية بالتنوع في الطرح الفكري اللازم لمناقشة القضايا الاجتماعية المختلفة بما يعزز ثقافة المشاركة المسؤولة لأبناء المجتمع فيما يخدم مصلحتهم لحاضرهم ومستقبلهم. ولكن مع هذا لابد من الاعتراف بأن شبكة الإنترنت لم تخترع هذه المظاهر السلبية ولم تأت مواقع الإنترنت بهذه الانقسامات الفكرية ضمن بنائها الفني, وكل هذه الأصوات الحادة هي من فعل الإنسان وهي انعكاس تفكيره ومنهجه في الحياة. ولعل فضيلة الإنترنت هنا أنها كشفت الواقع الفكري الكلي بكل عيوبه التي كانت متوارية ربما خلف ستار النفاق الاجتماعي, أو الخوف من سلطات المجتمع المختلفة وبالتالي ينبغي علينا- إن أردنا الحل- أن نبحث في الأسباب, ونعدل, ونصحح حتى نضمن نتائج اقل سلبيةً مما تظهره بكل أسف شاشة الإنترنت من عورات فكرية لا يمكن تجاهلها أو إنكار وجودها.
ويعتقد د.الشهري, انه في عالم الإنترنت خاصة والفضاء الإعلامي المفتوح بشكل عام يمكن القول أن الحجب والمنع والقمع الفكري أحد اضعف حلقات المواجهة خاصة في مجال مواجهة الفكر المخالف وذلك للأسباب عدة هي أنه طوال التاريخ لم تنجح كل أساليب الحجب والمصادرة في منع ظهور بعض الأفكار التي يراها المجتمع منحرفة عن الخط العام والتوجه الفكري لأفراده, والأفكار المخالفة غالباً ما تجد نوعاً من الجاذبية عند كثير من الناس خاصة حينما يكون الواقع ومآسيه وقودها الرئيسي, وحجب الفكر المخالف لا يتم إلا بتقوية الفكر البديل الذي لا يجد معه مروجو الفتنة والعنف على سبيل المثال طريقاً إلى عقول الشباب, وسياسة الحجب باتت تهمة ومصطلحا صعب التداول في لغة عصر المعلومات وتطور مفاهيم حرية التعبير والتفكير المحمية بقوانين ونظم دولية تعقد من مهمة مواجهة حتى الأفكار التي ثبت ضررها على المجتمع الإنساني عامة, ومن الناحية الفنية التقنية - بكل صراحة وهذا هو الأهم - يعد الحجب الفني لمواقع الإنترنت هدراً للوقت والمال والجهد لأنه في الحقيقة بلا معنى بسبب القدرة على تجاوز هذا الحجب بأساليب فنية متاحة للجميع.
حرية خرافية
من جانبه يرى المفكر الإسلامي الدكتور محسن العواجي إن الإنترنت كشفت مكامن الدوائر الفكرية عندما أتاحت هامشا من الحرية الخرافية للتعبير ليس عن الرأي فحسب بل عن مكامن النفوس ووساوسها وأمانيها, التي وجدت في مواقع الإنترنت ميدانا فسيحا للبوح بما يستحى المرء من قوله علانية, ويضيف من الطبيعي أن يكون للإشاعة أثر فعال طالما أن الشفافية غير متوافرة, ومن وجهة نظري يشكل التحريض الإلكتروني خطراً لا يستهان به لأنه يمارس سراً بلا حدود ولا قيود ولا حتى تأنيب ضمير نظراً لأنه بإمكان الكاتب أن يكتب أي شيء في جنح الظلام فيهرب دون أن يحسب حساب تبعات كلماته, كما هو حاله فيما لو أنه أعلنها بشخصيته الحقيقية أمام الملأ,
ولقد لعبت الإنترنت دورا أساسيا في التحريض على العنف في بلادنا وترويجه في وقت يجبن كل مؤيد له أن يكشف عن هويته ويعلن موقفه دون أن يهرب من عالمه وواقعه إلى التنكر والاختفاء ليس فقط عن مجتمعه بل حتى عن أهله وأولاده.
ويشير د.العواجي إلى انه طالما أن مواقع الإنترنت منبر وحيد وفعال للحركات التي تسمي نفسها جهادية, فلنستعد لمزيد من هذه المعاناة خاصة في غياب الوضوح في المواقف الرسمية والدينية من نوازل المرحلة, ولقد تفاقم هذا الأمر حتى أصبح هناك مواقع متخصصة بترويج العنف والاستخفاف بالحرمات والدماء يلجأ إليها المفسدون للتواصل ونشر بياناتهم, دون أن يكون هناك تحرك رسمي لمعالجتها شكل توجهاً خطيراً يدفع البعض إلى تتبع المقالات المجهولة التي تروى عطشهم من زاوية معينه وطالما أن هذه المواقع الحوارية تحوي كل ما يخطر ببال المرء فسيجد المندفعون غايتهم فيها, وبالتالي تتشكل لديهم صورة وهمية سرعان ما يصدقونها ومن ثم يرتبون عليها تحركات وتصرفات وسلوكيات مضرة لهم ولمجتمعهم, وهذه الظاهرة السلبية لا تتأتى لولا وجود مواقع حوارية فوضوية مفتوحة.
ويعتقد أن لوم وسائل الإعلام وحدها ليس حلا لهذه الإشكالية إذ أن هناك ارتباطات إقليمية ودولية يجب أن ينظر إليها عند تشخيص هذه الظاهرة, علما بأن وسائل الإعلام مهما كانت موضوعية فقد ترسخ عند البعض عدم حياديتها خاصة في دول العالم الثالث ولذا يرى البعض أن الحقيقة توجد حيث يغيب الإعلام الرسمي وتفتقد مع وجوده, وهذا الانطباع الذي ترسخ خلال عقود من الزمن يصعب التحرر منه في هذه المرحلة التي اختلطت فيها الأوراق عالميا وأصبحت الحدود الدولية وهمية من حيث المعلومة والشفافية التي تدفقت على الشعوب مباشرة عبر الأقمار الصناعية والإنترنت. ويضيف إن "الإنترنت مجال تنفيس وتخفيف الاحتقان الفكري وفي المواقع الحوارية الحرة لا أعتقد انه يمكن بناء فكر أو تصور اللهم إلا مجرد قراءة أمراض المجتمع على طبيعتها, أما المجتمع من الناحية الفكرية فهو منقسم بطبيعته ومن المحال تجانسه لكن المطلوب تحقيق الحد الأدنى من التقارب والانسجام الفكري".
ويؤكد د.العواجي أن من الواجب وضع ضوابط قانونية لجميع ما ينشر في الإنترنت كونها وسيلة إعلام مفتوحة ومؤثرة يمكن أن يمارس فيها جميع المخالفات الإعلامية كالتشهير والتحريض وتشويه السمعة والكذب والبهتان وأصبح لهذه المواقع جمهورها الخاص ولذا لابد من إيجاد آلية قانونية واضحة يمكن لأي شخص أن يدافع عن عرضه إذا ما تعرض لهجوم عبر مواقع الإنترنت وأن ادعاء أي صاحب موقع بأن حرية التعبير مكفولة حجة واهية بل يجب أن يتحمل كل صاحب موقع حواري مسئولية ما ينشر فيه طالما أننا نكتوي بنار هذه المواقع منفردين ومجتمعين.
العالم قرية
ومن جانبه يرى الباحث في استخدامات الإنترنت ومدير قسم الإحصاء والدراسات الجنائية في العاصمة المقدسة العقيد محمد عبد الله منشاوي, أن ثورة المعلومات والتكنولوجيا المتقدمة تمخضت عن وسائل اتصالات متطورة, جعلت العالم قرية إلكترونية مفتوحة للعموم, وألغت معها الحدود الجغرافية والسياسية للدول, والإنترنت ليس سيئاً في حد ذاته, بل هو سلاح ذو حدين, فيمكن أن يُسخر للخير والمنفعة, كما يمكن أن يستخدم للشر والمضرة. ويمكن النظر له كمهدد للأمن الاجتماعي وخاصة في المجتمعات المغلقة والشرقية, حيث أن تعرض مثل هذه المجتمعات لقيم وسلوكيات المجتمعات الأخرى قد تسبب تلوثاً ثقافياً يؤدي إلى تفسخ اجتماعي وانهيار في النظام الاجتماعي العام لهذه المجتمعات وكثيراً ما تنشر المواقع غير المرغوب فيها على شبكة الإنترنت,
ومن هذه المواقع ما يكون موجهاً ضد سياسة دولة ما, وهي تهدف في المقام الأول إلى تشويه صورة الدولة, وفي المواقع السياسية المعادية يتم غالباً تلفيق الأخبار والمعلومات, ولو زوراً وبهتاناً, أو حتى الاستناد إلى جزء يسير جداً من الحقيقة ومن ثم نسج الأخبار الملفقة حولها. وغالباً ما يعمد أصحاب تلك المواقع إلى إنشاء قاعدة بيانات بعناوين أشخاص يحصلون عليها من الشركات التي تبيع قواعد البيانات تلك, أو بطرق أخرى, ومن ثم يضيفون تلك العناون قسراً إلى قائمتهم البريدية ويبدؤون في إغراق تلك العناوين بمنشوراتهم, وهم عادة يلجؤون إلى هذه الطريقة رغبة منهم في تجاوز الحجب الذي قد يتعرضون له, ولإيصال أصواتهم لأكبر عدد ممكن من الناس, وتعتبر المواقع السياسية المعادية مخالفة نظامياً وجريمة جنائية, وقد ينظر البعض إلى إنشاء هذه المواقع باعتبارها ظاهرة حضارية تتمشى مع الديموقراطية والحرية الشخصية, وهذا غير صحيح فللديمقراطية والحرية الشخصية حدود يجب ألا تتجاوزها, وإلا أصبحت سوء أدب وبغياً.
ويضف المنشاوي هناك ولا شك طرق وأساليب يمكن معها التعبير عن الآراء الشخصية وصحتها الشرعية الإسلامية مثل الديمقراطية الوضعية, وحددتها عاداتنا وتقاليدنا المنبعثة من قيمنا العربية الأصلية في حين غفلت عنها قيم الدول الغربية, وأبسط هذه القواعد أن يكون النصح بالرفق واللين وبالكلمة الطيبة وليس بالشتم والقذف قال تعالى »أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن«, كما أن من الآداب أن يكون النقد أو النصيحة في السر لا في العلن. وهذه الآداب هي أبسط الآداب الواجب إتباعها مع العامة. فما بالك مع ولي الأمر الذي قرن الله طاعته بطاعة الله ورسوله, ولذلك فليس في إنشاء المواقع السياسية المعادية أي حرية رأي أو ديمقراطية, بل هي سوء أدب يعاقب عليه الشرع, وفي الحديث الشريف »انه ستكون هناك وهنات, فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة, وهي جمع, فاضربوه بالسيف, كائناً من كان« "وقد كانت القوانين الوضعية -وإلى عهد قريب- تعتبر الجريمة السياسية أشد خطراً من الجريمة العادية, بل كانت تعامل المجرم السياسي معاملة تتنافى مع أبسط قواعد العدالة, حيث تشدد عليه العقوبة وتصادر أمواله وتعاقب أهله بجريمته". وهناك مواقع المنظمات الإرهابية والتي استفادت كثيراً من التقدم التقني فأصبحت غير محددة لا بقيود الزمان ولا بقيود المكان, كما استغلت هذه العصابات الإرهابية الإمكانيات المتاحة في وسائل الإنترنت في تخطيط وتمرير المخططات الإجرامية, وتنفيذ وتوجيه العمليات الإجرامية بيسر وسهولة.
وأوضحت الدراسة الميدانية التي قام بها العقيد المنشاوي, والموسومة "جرائم الإنترنت في المجتمع السعودي" والتي شملت 750 ألف من مستخدمي الإنترنت في المملكة, بأن نسبة 4.2 في المئة من مجموع المشاركين في الدراسة سبق لهم ارتياد مواقع هذه المنظمات الإجرامية معظمهم من السعوديين, وأن ما نسبته 5.7 في المئة من هؤلاء كان هدفهم تنفيذ الأفكار الإجرامية التي تنشرها المواقع, أما ما نسبته 7.4 في المئة منهم فكان هدفهم الانضمام لتلك المنظمات الإجرامية.
كما تبين من الدراسة الميدانية أن مجموع من قام بإنشاء مواقع سياسية معادية هو ما نسبته 2.6 في المئة من مجموع المشاركين في الدراسة يمثل السعوديين منهم1.4 في المئة, كما تبين من الدراسة إن عدد المشتركين طوعاً في القوائم السياسية المعادية بلغت نسبتهم 13.6 في المئة يمثل السعوديين منهم نسبة 11 في المئة.
وتوصلت الدراسة إلى أن هناك عددا من القوائم السياسية المعادية تقوم بإشراك بعض المشتركين من مستخدمي شبكة الإنترنت قهراً وبدون إذنهم في القائمة البريدية لموقعهم, فبلغ نسبة من أُشرك قهراً 7.5 في المئة من مجموع المشتركين, يمثل السعوديين منهم 6 في المئة.
ويؤكد المنشاوي على مساهمة بعض المنتديات في نشر بيانات الإرهابيين إما تعاطفاً معهم وتبنياً لمنهجهم أو رغبة في سبق صحافي أو لإشهار موقعهم, كما تساهم الجرائد الإلكترونية في نشر الإشاعات حيث تستفيد من الانتشار السريع جداً واللاحدودي للإنترنت, فتلقف مثل هذه الصحف الأخبار دون تدقيق وتنشرها على موقعها على الإنترنت فيقرأها من يدخل الموقع أو من تبعث له على بريده, ويساهم غير العقلاء منهم في نشرها بطريقهم المعتاد, كما تساهم غرف التشات (الدردشة) في إقامة العلاقات المتطرفة شأنها في ذلك شأن أي من الخدمات الإلكترونية التي تقدمها شبكة الإنترنت, فالشبكة وكما أسلفت سلاح ذو حدين فإما أن تستخدم للخير أو للشر. والفيصل في هذه المواقع بصفة خاصة وفي استخدام الإنترنت بصفة عامة هو تحكيم العقل والشرع مع تفعيل الرقابة الذاتية فهي الأساس هنا وبدونها فقل على مستخدمي الإنترنت السلام.
إشكالية
ويقول أستاذ العلوم السياسية المشارك في كلية العلوم الإدارية في جامعة الملك سعود الدكتور طلال ضاحي إذا ما تجاوزت إشكالية تحديد مفهوم "العنصرية" وما يحيط به من غموض, ونرى أن السؤال الأهم هنا هو "ترى هل كانت الانقسامات الفكرية والعنصرية هي وليدة عصر الإنترنت?", الإجابة بكل بساطة "لا" فالانقسامات في الفكر العربي الحديث كانت موجودة قبل ذلك بكثير وإن كان هذا لا ينفي حقيقة أن الإنترنت قد ساعد رلى حد ما في حدتها من خلال طرحه لأسئلة أكثر حدة من خلال بعض الأسماء التي تكتب تحت أسماء مستعارة.
وبسؤاله عن أثر التحريض الإلكتروني في وجود مساحة يستطيع الشاب من خلالها استقاء أي معلومة خاطئة أو فكر شاذ على الشاب السعودي?..
أجاب, هذا السؤال يقودنا بالضرورة إلى الحديث عن مناهج التربية والتعليم والتي يفترض لها إن تشكل الحصن الثقافي والعقائدي للشاب وبالتالي فإثارة مثل هذا السؤال يعني الحديث عن قصور المناهج التعليمية في بلادنا التي لا نغالي كثيراً إن قلنا إنها "تلقينية" في المقام الأول وبالتالي فعملية التأثر واردة.
ويضيف: لا يمكن القول إن المواقع الجهادية تلعب دوراً مهماً في هذا الصدد إلا إذا كان هناك استعداد فكري للشخص المستهدف والناتج أساساً من ضعف ثقافته الدينية والسياسية, من هنا فلا غرو أن لعبت مثل هذه المواقع دورا خطيراً في ترسيخ الكثير من المفاهيم الخاطئة وبالذات لفئة المراهقين وإنصاف المتعلمين إلا من حمى الله.
ويرى أن الدور الغائب لوسائل الإعلام عن التوعية والتحذير من هذه المواقع التحريضية قد أسهم كثيراً في جعل المتلقي وبالذات محدودي الثقافة يؤمن بالمعلومات المنشورة عن شبكات الإنترنت دون النظر في مصادرها مما يستلزم بالضرورة تكثيف البرامج التوعوية والتحذيرية في هذا الصدد.
ويتساءل عن ما إذا كانا هناك انقسامات في المجتمع?.. ويقول, بكل بساطة "لا" فالمجتمع السعودي في أغلبيته يرتبط بروابط قوية (دينية, وثقافية, وحضارية) ما يجعل الحديث عن قضية الانقسام أمراً مبالغاً فيه. نعم هناك فئة صغيرة جداً خرجت عن القيم السائدة في المجتمع وعادت كل مكتسبات الوطن ولكن حجمها والعداء الشعبي لإعمالها تجعلنا نجزم بان مجتمعنا هو وحدة مترابطة بفضل الله ومنته. ولا يرى بإمكانية "حجب" تلك المواقع التحريضية تقنياً ويضيف "وهو ما أشك فيه حقيقة وبالذات في ظل المستجدات -شبه اليومية- في عالم الإنترنت وبالتالي فهمنا يجب أن يتجه إلى محاولة إيجاد القنوات الأكثر فاعلية والقادرة على تحصين شبابنا عقائدياً وفكرياً".
الرياض - حبيب عبدالله
لم يتم تصنيف التحريض على الطائفية أو العنصرية أو العنف على انه انتهاك للقوانين يستدعي العقاب. إنه ترك تركت انقسامات فكرية وعنصرية في الإنترنت وكان له أثره البالغ على المجتمع السعودي, لاقتحامه عقول الشباب بكل يسر ودون رقيب, واستطلعت "السياسة" آراء أربع من الشخصيات البارزة والفاعلة في مجال البحث المتعلقة بالقضايا الإلكترونية حول أثر التحريض الإلكتروني في وجود مساحة يستطيع الشاب أن يستقي منها المعلومة خاطئة كانت أو فكراً شاذاً أو دخيلة على المجتمع السعودي وأثر المواقع »الجهادية« التحريضية على تشكل الفكر لدى المراهقين ونشوء هذا الفكر رويداً رويداً حتى يصبح فكراً ثابتاً راسخاً لا يمكن أن يُغير في المستقبل بسهولة غياب وسائل الإعلام عن التوعية والتحذير من هذه المواقع التحريضية,, هل هو سبب في جعل المتلقي يؤمن بالمعلومة المنشورة على شبكة الإنترنت دون النظر في مصادرها?.. هل الطرح الفكري الموجود في الإنترنت يمكن أن ينتقل إلى الواقع وينقسم المجتمع على إثره إلى قسمين? وما السبب في التقاضي عن بعض المواقع التحريضية والتي تضم بعض الأسماء الجهادية والمعروفة والتي قد يؤدي الإعجاب بها وتتبع كتاباتها لمحاولة الإقتداء بها?..
أكد الباحث في استخدامات الإنترنت في مركز البحوث والدراسات في كلية الملك فهد الأمنية الدكتور فايز عبد الله الشهري خلال حديثة, إن أثر التحريض الإلكتروني عبر شبكة الإنترنت بات وبكل أسف واضحاً وقد ظهرت نتائجه بشكل ملموس في ما تكشف أثناء وبعد الأحداث الإرهابية التي روعت المسلمين في كثير من المدن العربية والإسلامية في السنوات القلائل الماضية, حيث كانت الإنترنت عبر خدماتها المختلفة وسيلة رئيسه في تقديم الدعم المعنوي والفكري الذي أسهم بشكل يثير الدهشة في تأجيج العواطف وتهييج الانفعالات لدى الشباب بالتركيز على عنصرين مهمين,
أولهما الخطاب الحماسي الذي وظفت فيه نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية بشكل موجه لخدمة خطاب تحريضي صاخب ساهم بشكل مؤثر في ترويج ثقافة العنف في أوساط كثير من الشباب, وثانيها, توظيف الأحداث الدولية والمظالم التي تقع على المسلمين وربطها بشكل متعسف مع بعض القرارات التي تتخذها الدول العربية والإسلامية مضطرة وفق مصالحها حيث تقوم بعض جماعات التحريض باستغلال انعدام الرقابة على محتوى الإنترنت وذلك بترويج خطاب عاطفي مركز وعنيف تصب مضامينه في ما يؤجج ثقافة التكفير والتشكيك في كل المؤسسات والرموز السياسية والدينية. والبديل المطروح مجموعة من المجاهيل لا تعرف إلا عبر الإنترنت.بل إن أحد ابرز منظري فكر التحريض الإلكتروني كتب أربعة كتب شهيرة ومثيرة وأصدر عددا من الفتاوى تحت اسم مستعار و الكارثة أن بعض الشباب تابعوا وتأثروا بأفكاره وكتبه وفتاواه حتى قبل أن يعرفوا حقيقة هذا الشخص وما هي مراجعه الفكرية ومن هم شيوخه وكيف توصل إلى أدلته وفتواه. والمشكلة هنا إن هناك من يعتقد إن كل ما يرى على شاشة الإنترنت هو صحيح وموثوق وهذا راجع في المقام الأول إلى عدم التوعية الفكرية للشاب بحيث لا تكون مواقع الإنترنت المجهولة مرجعاً له فيما يخص دينه وحياته ولا يمكن إغفال أهمية تعزيز الصلة وإعادة الدور والحيوية إلى المراجع الفكرية في المنزل والمدرسة والمسجد التي يبدو أنها فقدت الكثير من أدورها.
مواقع تحريضية
ويرى د.الشهري إن اثر هذه المواقع كبير خاصة بما تملكه من حيوية وسرعة استجابة للأحداث المختلفة ومعايشتها بشكل ذكي لهموم الناس ما أدى إلى زيادة الإقبال عليها خاصة في ظل تراجع تام للمواقع التي يفترض أن تقدم الفكر الصحيح والفهم الواعي لمشكلات العصر واحتياجات الشباب حيث يغلب على المواقع الرسمية الضعف الفني وفقر المحتوى وعدم الحيوية والتجديد بالشكل الذي يضمن جذب الشباب لهذه المواقع وتفاعلهم معها ولا يأتي ذلك إلا بالنزول إلى مجتمعات الشباب واستخدام لغتهم وانتهاج حيويتهم ووضع المفاهيم المرتبطة بالجهاز في سياقها وضوابطها الشرعية دون مزايدات أو تنازلات قد تصرف هؤلاء الشباب إلى الواقع التحريضية التي تدفع بالشباب إلى أتون المواجهة مع مجتمعهم دون وعي بالمشكلات التي قد تنجم من الانخراط في بعض المجموعات الفكرية التي لا ترى إلا العنف منهجاً وأسلوبا وحيداً للتغيير.
ويضيف: وسائل الإعلام إحدى مصادر التوعية ولكنها ليست وحدها المقصرة في مجال توعية الشباب للاستخدامات السلبية لشبكة الإنترنت. وإن وسائل الإعلام في الوقت الحاضر لم تعد كما كانت في السابق أدوات لتوجيه وتشكيل القيم كما يرغب المجتمع أو المؤسسات الرسمية بسبب طغيان مفهوم الربح والتسلية الإثارة على وظائف التثقيف والتوعية خاصة في ظل انتشار الإعلام الخاص الربحي على المستوى الوطني وظهور وسائل الإعلام الدولية القوية التأثير التي اخترقت الحدود السياسية والثقافية واجتذبت جماهير الشباب وصرفتها عن وسائل الإعلام المحلية وبالتالي قللت من جدوى رسائل التوعية التي تتضمنها وسائل الإعلام الوطنية.
ويبدي الشهري أسفه على إن بعض مواقع الإنترنت ومنتدياتها نمطت بعض المفاهيم السلبية في المجتمع وعززت الفكر الاقصائي الذي دفع بالكثيرين إلى التحزب في شلل فكرية لا تتحاور بل تتجادل وفق ثقافة التخوين والاستعداء والتشويه أحياناً مما جعل مظاهر الخلاف أوسع وأوضح من مساحة الاختلاف الإيجابي الضروري الذي يحتاجه المجتمع لإثراء البيئة الثقافية بالتنوع في الطرح الفكري اللازم لمناقشة القضايا الاجتماعية المختلفة بما يعزز ثقافة المشاركة المسؤولة لأبناء المجتمع فيما يخدم مصلحتهم لحاضرهم ومستقبلهم. ولكن مع هذا لابد من الاعتراف بأن شبكة الإنترنت لم تخترع هذه المظاهر السلبية ولم تأت مواقع الإنترنت بهذه الانقسامات الفكرية ضمن بنائها الفني, وكل هذه الأصوات الحادة هي من فعل الإنسان وهي انعكاس تفكيره ومنهجه في الحياة. ولعل فضيلة الإنترنت هنا أنها كشفت الواقع الفكري الكلي بكل عيوبه التي كانت متوارية ربما خلف ستار النفاق الاجتماعي, أو الخوف من سلطات المجتمع المختلفة وبالتالي ينبغي علينا- إن أردنا الحل- أن نبحث في الأسباب, ونعدل, ونصحح حتى نضمن نتائج اقل سلبيةً مما تظهره بكل أسف شاشة الإنترنت من عورات فكرية لا يمكن تجاهلها أو إنكار وجودها.
ويعتقد د.الشهري, انه في عالم الإنترنت خاصة والفضاء الإعلامي المفتوح بشكل عام يمكن القول أن الحجب والمنع والقمع الفكري أحد اضعف حلقات المواجهة خاصة في مجال مواجهة الفكر المخالف وذلك للأسباب عدة هي أنه طوال التاريخ لم تنجح كل أساليب الحجب والمصادرة في منع ظهور بعض الأفكار التي يراها المجتمع منحرفة عن الخط العام والتوجه الفكري لأفراده, والأفكار المخالفة غالباً ما تجد نوعاً من الجاذبية عند كثير من الناس خاصة حينما يكون الواقع ومآسيه وقودها الرئيسي, وحجب الفكر المخالف لا يتم إلا بتقوية الفكر البديل الذي لا يجد معه مروجو الفتنة والعنف على سبيل المثال طريقاً إلى عقول الشباب, وسياسة الحجب باتت تهمة ومصطلحا صعب التداول في لغة عصر المعلومات وتطور مفاهيم حرية التعبير والتفكير المحمية بقوانين ونظم دولية تعقد من مهمة مواجهة حتى الأفكار التي ثبت ضررها على المجتمع الإنساني عامة, ومن الناحية الفنية التقنية - بكل صراحة وهذا هو الأهم - يعد الحجب الفني لمواقع الإنترنت هدراً للوقت والمال والجهد لأنه في الحقيقة بلا معنى بسبب القدرة على تجاوز هذا الحجب بأساليب فنية متاحة للجميع.
حرية خرافية
من جانبه يرى المفكر الإسلامي الدكتور محسن العواجي إن الإنترنت كشفت مكامن الدوائر الفكرية عندما أتاحت هامشا من الحرية الخرافية للتعبير ليس عن الرأي فحسب بل عن مكامن النفوس ووساوسها وأمانيها, التي وجدت في مواقع الإنترنت ميدانا فسيحا للبوح بما يستحى المرء من قوله علانية, ويضيف من الطبيعي أن يكون للإشاعة أثر فعال طالما أن الشفافية غير متوافرة, ومن وجهة نظري يشكل التحريض الإلكتروني خطراً لا يستهان به لأنه يمارس سراً بلا حدود ولا قيود ولا حتى تأنيب ضمير نظراً لأنه بإمكان الكاتب أن يكتب أي شيء في جنح الظلام فيهرب دون أن يحسب حساب تبعات كلماته, كما هو حاله فيما لو أنه أعلنها بشخصيته الحقيقية أمام الملأ,
ولقد لعبت الإنترنت دورا أساسيا في التحريض على العنف في بلادنا وترويجه في وقت يجبن كل مؤيد له أن يكشف عن هويته ويعلن موقفه دون أن يهرب من عالمه وواقعه إلى التنكر والاختفاء ليس فقط عن مجتمعه بل حتى عن أهله وأولاده.
ويشير د.العواجي إلى انه طالما أن مواقع الإنترنت منبر وحيد وفعال للحركات التي تسمي نفسها جهادية, فلنستعد لمزيد من هذه المعاناة خاصة في غياب الوضوح في المواقف الرسمية والدينية من نوازل المرحلة, ولقد تفاقم هذا الأمر حتى أصبح هناك مواقع متخصصة بترويج العنف والاستخفاف بالحرمات والدماء يلجأ إليها المفسدون للتواصل ونشر بياناتهم, دون أن يكون هناك تحرك رسمي لمعالجتها شكل توجهاً خطيراً يدفع البعض إلى تتبع المقالات المجهولة التي تروى عطشهم من زاوية معينه وطالما أن هذه المواقع الحوارية تحوي كل ما يخطر ببال المرء فسيجد المندفعون غايتهم فيها, وبالتالي تتشكل لديهم صورة وهمية سرعان ما يصدقونها ومن ثم يرتبون عليها تحركات وتصرفات وسلوكيات مضرة لهم ولمجتمعهم, وهذه الظاهرة السلبية لا تتأتى لولا وجود مواقع حوارية فوضوية مفتوحة.
ويعتقد أن لوم وسائل الإعلام وحدها ليس حلا لهذه الإشكالية إذ أن هناك ارتباطات إقليمية ودولية يجب أن ينظر إليها عند تشخيص هذه الظاهرة, علما بأن وسائل الإعلام مهما كانت موضوعية فقد ترسخ عند البعض عدم حياديتها خاصة في دول العالم الثالث ولذا يرى البعض أن الحقيقة توجد حيث يغيب الإعلام الرسمي وتفتقد مع وجوده, وهذا الانطباع الذي ترسخ خلال عقود من الزمن يصعب التحرر منه في هذه المرحلة التي اختلطت فيها الأوراق عالميا وأصبحت الحدود الدولية وهمية من حيث المعلومة والشفافية التي تدفقت على الشعوب مباشرة عبر الأقمار الصناعية والإنترنت. ويضيف إن "الإنترنت مجال تنفيس وتخفيف الاحتقان الفكري وفي المواقع الحوارية الحرة لا أعتقد انه يمكن بناء فكر أو تصور اللهم إلا مجرد قراءة أمراض المجتمع على طبيعتها, أما المجتمع من الناحية الفكرية فهو منقسم بطبيعته ومن المحال تجانسه لكن المطلوب تحقيق الحد الأدنى من التقارب والانسجام الفكري".
ويؤكد د.العواجي أن من الواجب وضع ضوابط قانونية لجميع ما ينشر في الإنترنت كونها وسيلة إعلام مفتوحة ومؤثرة يمكن أن يمارس فيها جميع المخالفات الإعلامية كالتشهير والتحريض وتشويه السمعة والكذب والبهتان وأصبح لهذه المواقع جمهورها الخاص ولذا لابد من إيجاد آلية قانونية واضحة يمكن لأي شخص أن يدافع عن عرضه إذا ما تعرض لهجوم عبر مواقع الإنترنت وأن ادعاء أي صاحب موقع بأن حرية التعبير مكفولة حجة واهية بل يجب أن يتحمل كل صاحب موقع حواري مسئولية ما ينشر فيه طالما أننا نكتوي بنار هذه المواقع منفردين ومجتمعين.
العالم قرية
ومن جانبه يرى الباحث في استخدامات الإنترنت ومدير قسم الإحصاء والدراسات الجنائية في العاصمة المقدسة العقيد محمد عبد الله منشاوي, أن ثورة المعلومات والتكنولوجيا المتقدمة تمخضت عن وسائل اتصالات متطورة, جعلت العالم قرية إلكترونية مفتوحة للعموم, وألغت معها الحدود الجغرافية والسياسية للدول, والإنترنت ليس سيئاً في حد ذاته, بل هو سلاح ذو حدين, فيمكن أن يُسخر للخير والمنفعة, كما يمكن أن يستخدم للشر والمضرة. ويمكن النظر له كمهدد للأمن الاجتماعي وخاصة في المجتمعات المغلقة والشرقية, حيث أن تعرض مثل هذه المجتمعات لقيم وسلوكيات المجتمعات الأخرى قد تسبب تلوثاً ثقافياً يؤدي إلى تفسخ اجتماعي وانهيار في النظام الاجتماعي العام لهذه المجتمعات وكثيراً ما تنشر المواقع غير المرغوب فيها على شبكة الإنترنت,
ومن هذه المواقع ما يكون موجهاً ضد سياسة دولة ما, وهي تهدف في المقام الأول إلى تشويه صورة الدولة, وفي المواقع السياسية المعادية يتم غالباً تلفيق الأخبار والمعلومات, ولو زوراً وبهتاناً, أو حتى الاستناد إلى جزء يسير جداً من الحقيقة ومن ثم نسج الأخبار الملفقة حولها. وغالباً ما يعمد أصحاب تلك المواقع إلى إنشاء قاعدة بيانات بعناوين أشخاص يحصلون عليها من الشركات التي تبيع قواعد البيانات تلك, أو بطرق أخرى, ومن ثم يضيفون تلك العناون قسراً إلى قائمتهم البريدية ويبدؤون في إغراق تلك العناوين بمنشوراتهم, وهم عادة يلجؤون إلى هذه الطريقة رغبة منهم في تجاوز الحجب الذي قد يتعرضون له, ولإيصال أصواتهم لأكبر عدد ممكن من الناس, وتعتبر المواقع السياسية المعادية مخالفة نظامياً وجريمة جنائية, وقد ينظر البعض إلى إنشاء هذه المواقع باعتبارها ظاهرة حضارية تتمشى مع الديموقراطية والحرية الشخصية, وهذا غير صحيح فللديمقراطية والحرية الشخصية حدود يجب ألا تتجاوزها, وإلا أصبحت سوء أدب وبغياً.
ويضف المنشاوي هناك ولا شك طرق وأساليب يمكن معها التعبير عن الآراء الشخصية وصحتها الشرعية الإسلامية مثل الديمقراطية الوضعية, وحددتها عاداتنا وتقاليدنا المنبعثة من قيمنا العربية الأصلية في حين غفلت عنها قيم الدول الغربية, وأبسط هذه القواعد أن يكون النصح بالرفق واللين وبالكلمة الطيبة وليس بالشتم والقذف قال تعالى »أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن«, كما أن من الآداب أن يكون النقد أو النصيحة في السر لا في العلن. وهذه الآداب هي أبسط الآداب الواجب إتباعها مع العامة. فما بالك مع ولي الأمر الذي قرن الله طاعته بطاعة الله ورسوله, ولذلك فليس في إنشاء المواقع السياسية المعادية أي حرية رأي أو ديمقراطية, بل هي سوء أدب يعاقب عليه الشرع, وفي الحديث الشريف »انه ستكون هناك وهنات, فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة, وهي جمع, فاضربوه بالسيف, كائناً من كان« "وقد كانت القوانين الوضعية -وإلى عهد قريب- تعتبر الجريمة السياسية أشد خطراً من الجريمة العادية, بل كانت تعامل المجرم السياسي معاملة تتنافى مع أبسط قواعد العدالة, حيث تشدد عليه العقوبة وتصادر أمواله وتعاقب أهله بجريمته". وهناك مواقع المنظمات الإرهابية والتي استفادت كثيراً من التقدم التقني فأصبحت غير محددة لا بقيود الزمان ولا بقيود المكان, كما استغلت هذه العصابات الإرهابية الإمكانيات المتاحة في وسائل الإنترنت في تخطيط وتمرير المخططات الإجرامية, وتنفيذ وتوجيه العمليات الإجرامية بيسر وسهولة.
وأوضحت الدراسة الميدانية التي قام بها العقيد المنشاوي, والموسومة "جرائم الإنترنت في المجتمع السعودي" والتي شملت 750 ألف من مستخدمي الإنترنت في المملكة, بأن نسبة 4.2 في المئة من مجموع المشاركين في الدراسة سبق لهم ارتياد مواقع هذه المنظمات الإجرامية معظمهم من السعوديين, وأن ما نسبته 5.7 في المئة من هؤلاء كان هدفهم تنفيذ الأفكار الإجرامية التي تنشرها المواقع, أما ما نسبته 7.4 في المئة منهم فكان هدفهم الانضمام لتلك المنظمات الإجرامية.
كما تبين من الدراسة الميدانية أن مجموع من قام بإنشاء مواقع سياسية معادية هو ما نسبته 2.6 في المئة من مجموع المشاركين في الدراسة يمثل السعوديين منهم1.4 في المئة, كما تبين من الدراسة إن عدد المشتركين طوعاً في القوائم السياسية المعادية بلغت نسبتهم 13.6 في المئة يمثل السعوديين منهم نسبة 11 في المئة.
وتوصلت الدراسة إلى أن هناك عددا من القوائم السياسية المعادية تقوم بإشراك بعض المشتركين من مستخدمي شبكة الإنترنت قهراً وبدون إذنهم في القائمة البريدية لموقعهم, فبلغ نسبة من أُشرك قهراً 7.5 في المئة من مجموع المشتركين, يمثل السعوديين منهم 6 في المئة.
ويؤكد المنشاوي على مساهمة بعض المنتديات في نشر بيانات الإرهابيين إما تعاطفاً معهم وتبنياً لمنهجهم أو رغبة في سبق صحافي أو لإشهار موقعهم, كما تساهم الجرائد الإلكترونية في نشر الإشاعات حيث تستفيد من الانتشار السريع جداً واللاحدودي للإنترنت, فتلقف مثل هذه الصحف الأخبار دون تدقيق وتنشرها على موقعها على الإنترنت فيقرأها من يدخل الموقع أو من تبعث له على بريده, ويساهم غير العقلاء منهم في نشرها بطريقهم المعتاد, كما تساهم غرف التشات (الدردشة) في إقامة العلاقات المتطرفة شأنها في ذلك شأن أي من الخدمات الإلكترونية التي تقدمها شبكة الإنترنت, فالشبكة وكما أسلفت سلاح ذو حدين فإما أن تستخدم للخير أو للشر. والفيصل في هذه المواقع بصفة خاصة وفي استخدام الإنترنت بصفة عامة هو تحكيم العقل والشرع مع تفعيل الرقابة الذاتية فهي الأساس هنا وبدونها فقل على مستخدمي الإنترنت السلام.
إشكالية
ويقول أستاذ العلوم السياسية المشارك في كلية العلوم الإدارية في جامعة الملك سعود الدكتور طلال ضاحي إذا ما تجاوزت إشكالية تحديد مفهوم "العنصرية" وما يحيط به من غموض, ونرى أن السؤال الأهم هنا هو "ترى هل كانت الانقسامات الفكرية والعنصرية هي وليدة عصر الإنترنت?", الإجابة بكل بساطة "لا" فالانقسامات في الفكر العربي الحديث كانت موجودة قبل ذلك بكثير وإن كان هذا لا ينفي حقيقة أن الإنترنت قد ساعد رلى حد ما في حدتها من خلال طرحه لأسئلة أكثر حدة من خلال بعض الأسماء التي تكتب تحت أسماء مستعارة.
وبسؤاله عن أثر التحريض الإلكتروني في وجود مساحة يستطيع الشاب من خلالها استقاء أي معلومة خاطئة أو فكر شاذ على الشاب السعودي?..
أجاب, هذا السؤال يقودنا بالضرورة إلى الحديث عن مناهج التربية والتعليم والتي يفترض لها إن تشكل الحصن الثقافي والعقائدي للشاب وبالتالي فإثارة مثل هذا السؤال يعني الحديث عن قصور المناهج التعليمية في بلادنا التي لا نغالي كثيراً إن قلنا إنها "تلقينية" في المقام الأول وبالتالي فعملية التأثر واردة.
ويضيف: لا يمكن القول إن المواقع الجهادية تلعب دوراً مهماً في هذا الصدد إلا إذا كان هناك استعداد فكري للشخص المستهدف والناتج أساساً من ضعف ثقافته الدينية والسياسية, من هنا فلا غرو أن لعبت مثل هذه المواقع دورا خطيراً في ترسيخ الكثير من المفاهيم الخاطئة وبالذات لفئة المراهقين وإنصاف المتعلمين إلا من حمى الله.
ويرى أن الدور الغائب لوسائل الإعلام عن التوعية والتحذير من هذه المواقع التحريضية قد أسهم كثيراً في جعل المتلقي وبالذات محدودي الثقافة يؤمن بالمعلومات المنشورة عن شبكات الإنترنت دون النظر في مصادرها مما يستلزم بالضرورة تكثيف البرامج التوعوية والتحذيرية في هذا الصدد.
ويتساءل عن ما إذا كانا هناك انقسامات في المجتمع?.. ويقول, بكل بساطة "لا" فالمجتمع السعودي في أغلبيته يرتبط بروابط قوية (دينية, وثقافية, وحضارية) ما يجعل الحديث عن قضية الانقسام أمراً مبالغاً فيه. نعم هناك فئة صغيرة جداً خرجت عن القيم السائدة في المجتمع وعادت كل مكتسبات الوطن ولكن حجمها والعداء الشعبي لإعمالها تجعلنا نجزم بان مجتمعنا هو وحدة مترابطة بفضل الله ومنته. ولا يرى بإمكانية "حجب" تلك المواقع التحريضية تقنياً ويضيف "وهو ما أشك فيه حقيقة وبالذات في ظل المستجدات -شبه اليومية- في عالم الإنترنت وبالتالي فهمنا يجب أن يتجه إلى محاولة إيجاد القنوات الأكثر فاعلية والقادرة على تحصين شبابنا عقائدياً وفكرياً".