JABER
05-05-2005, 07:41 AM
(1 ـ 2)
يشير بعض المتابعين للشأن السياسي والثقافي إلى أن وصف «السلفي» عادة ما يطلق على أتباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب ممن يتبنون أفكاره والذين يوصفون بالسلفيين أو الوهابيين، إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون إشارة دقيقة، ذلك أن الوصف لا يشمل فقط أتباع الشيخ انطلاقا مما يحمله من إرث عقائدي واجتماعي والذي ساهم من خلاله في بناء الدولة السعودية. فوصف «السلفي» بالرغم من أنه يشمل السلفيين والوهابيين ـ إن صح التعبير عنهم ـ إلا أنه لا يقف عند ذلك الحد بل يتعداهم إلى غيرهم من الجماعات الإسلامية، وإن كنا أكثر دقة فقد يتعداهم إلى غالبية الجماعات الإسلامية.
وحسب تعبير المفكر الإيراني مصطفى ملكيان فإن «السلفي» هو الذي يتبنى الأفكار والمشاعر والأفعال الموروثة الراسخة والتي يعتبرها البعض مقنعة بل وفوق السؤال والمناقشة وتنتقل من جيل إلى جيل عن طريق التأسي بالسلف.
فهذا الوصف هو إشارة صريحة إلى أنه لا يشمل فقط أتباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب بل يشمل أيضا الكثير من الجماعات الإسلامية حتى تلك التي تسعى لإثبات أنها غير سلفية. أي أن الجماعات الأخرى المنعوتة بأنها غير سلفية هي في الواقع تستند في فكرها وثقافتها إلى التأسي بالسلف وإلى اعتبار أفكارها فوق السؤال والمناقشة، في حين أن السلفيين لا يختلفون عنهم إلا في تبنيهم لمواقف متشددة. فالاثنان ينهجان منهجا فكريا واحدا لكنهما يختلفان في تفسير ما صدر عن السلف مما يجعلهما يسيران في اتجاهين أحدهما متشدد والآخر معتدل، والتشدد هو ما جعل وصف السلفيين يطلق على بعض الجماعات ولا يطلق على أخرى، في حين أن الاثنين يندرجان تحت وصف «السلفي». كما أن وصف السلفيين هو أقرب إلى المدلول السياسي منه إلى المعرفي والثقافي، لذا بات تداوله الكبير في الأوساط السياسية وغير السياسية كتعبير عن الجماعات الدينية المتشددة.
ويشرح ملكيان معنى «السلفية» بوصفها تعاليم ومبادئ المدافعين عن قبول التراث واتباعه ومن يرون التراث أوثق وأجدر بالاعتماد من الأفكار والمشاعر والأفعال المتأتية عن التجارب والتفكير الشخصي.
وهذا بالطبع أمر ينطبق على معظم الجماعات الدينية أيضا لا السلفيين فقط. فهي عادة ما تردد بأن الدين الاسلامي هو منهج حياة متكامل، أي أنها ترى بأن ما جاء من تعاليم وتشريعات دينية هي صالحة لكل زمان ومكان وبالتالي هي أوثق وأجدر بالاعتماد، رغم أن تلك الجماعات تختلف بين بعضها البعض حول تفسير تلك التعاليم، حيث هي أقرب إلى التاريخ وإلى طريقة حياة الأولين بالنسبة لفهم السلفيين لها، فيما تشملها بعض التغييرات النسبية بالنسبة لفهم غير السلفيين لها.
ويفرق ملكيان بين لفظ «السلفي» ولفظ «ذو نزعة سلفية». ويقول بأن «السلفي» هو الشخص الذي يتأسى بالأسلاف عن غير وعي في أفكاره ومشاعره وأفعاله، ويعتبر السلف الذين يقلدهم فوق مستوى المناقشة. أما الشخص «ذو النزعة السلفية» فهو الذي يتأسى بالأسلاف على نحو واع، أي لو استنتج بفضل أدلة رصينة أو بفعل تفكيره وتأملاته الشخصية أن التأسي بالماضين أرجح من التوكؤ على التجارب والأفكار الشخصية وراح على أثر هذا الاستنتاج يقلد السلف عن وعي وإرادة وقصد مسبق فإنه لن يكون سلفيا وحسب وإنما هو صاحب نزعة سلفية.
ويؤكد ملكيان بأن حياة السلفي مماثلة تماما لحياة صاحب النزعة السلفية لكن بينهما فارقا مهما، وهو أن السلفي يعيش بأسلوب تقليدي لمجرد أنه لا يعرف أسلوبا سواه، أي أن الأسلوب الوحيد الذي يعرفه هو هذا الأسلوب الذي ورثه عن الأسلاف، أما صاحب النزعة السلفية فيعمل بأسلوب تقليدي للحياة، لأنه خبر أساليب الحياة الأخرى ووجد أنها غير وافية، أو أنها لا تخلو من العيوب والثغرات بنفس درجة الأسلوب التقليدي. فالسلفي يلتزم بأسلوب الحياة التقليدي لجهله بالأساليب الأخرى، بينما الثاني يلتزم به على الرغم من علمه بالأساليب الأخرى.
ويشير ملكيان إلى أن أخطر نقد يوجه لأسلوب التفكير والحياة التقليدي أنه تعبدي يطالب بالتسليم والتقليد، لذلك فهو فرار من الاستدلال بل ومناهض للاستدلال. وعلى هذا الأساس فإن التعبد ليس سوى قمع الشعور بالتطلع والفضول وتعطيل الحركة العقلانية.
فالمتعبد، بالنسبة لملكيان، ينحر مواهبه المتسائلة الباحثة عن الدليل حينما يكون حيال موجود مقدس وكلام فوق النقاش. ويستند في رأيه هذا الى أساس أن العقلانية والحرية عنصران رئيسيان من العناصر المكونة للإنسانية وبالتالي فإن التعبد والتسليم والتقليد، هي مقولات تتنافى على المستوى النظري مع العقلانية وعلى المستوى العملي مع الحرية، وينبغي أن تنحدر إلى أدنى درجاتها الممكنة، لكن أسلوب التفكير والحياة التقليدي على العكس من ذلك له قابلية أكيدة على توسيع وتعميق مديات التعبد والتسليم والتقليد.
فالجماعات الإسلامية بمن فيها تلك السلفية عادة ما تشدد على ضرورة تقليد المسلمين للفقهاء والمراجع والمفسرين الذين ينشطون في مجال تفسير ما جاء على لسان السلف، باعتبار أن التقليد هو الوسيلة الأبرز لمنع السؤال من تجاوز حدود التفسير السلفي للكلام المقدس، وبقاء ذلك الكلام فوق النقاش. لذا أي حركة باتجاه الحرية والعقلانية هي حركة ضد التدين السلفي القائم على التسليم والتقليد.
ويضيف ملكيان بأنه حينما تتوقف حركة العقلانية الحرة، سيوافق الإنسان على الكثير من الآراء والنظريات، أو يعارضها من دون أي دليل أو برهان (عقلي). وهذا التأييد أو المعارضة المفتقرة للدليل تمهد الأرضية لرذيلتين ذهنيتين: الأولى هي التعصب، والثانية هي الحكم المسبق. وحينما يسمح الإنسان لنفسه أن يؤمن بكلام من دون دليل أو برهان، يكون قد عرض نفسه لمخاطر الخرافات. ويستدل ملكيان في ذلك بكلام الفيلسوف الهندوسي راما كريشنا: «احترام المراجع الدينية وتقديسها يتعارض والبحث الحر وهو ما يحول الدين نفسه إلى خرافة». ويقول ملكيان بأنه ما من إنسان تقليدي يرى مضامين تراثه الذي يؤمن به خرافات، لكن يرى أمثالها في تراث الآخرين خرافات وترهات، ويضيف: وماذا عسى أن تكون النتائج غير هذه حينما يكون الرفض والقبول بلا أية أدلة؟.
وهذا ما يفسر إلغاء الجماعات الإسلامية لبعضها البعض وللجماعات الأخرى غير الدينية، حيث إن اعتقادها المستند إلى الرؤى الضيقة القائمة على التأسي بالسلف (سلفها هي وليس سلف غيرها)، وتجاهلها لتلك المعتمدة على الدليل والبرهان العقلي، يجعلها تتعصب لرأيها وتلغي الرأي المختلف معها (الديني وغير الديني). لذا كان طبيعيا سماع تهم موجهة من قبل جماعة دينية إلى أخرى بأن رؤاها تعتبر خارج إطار الدين أو أنها من جملة الخرافات، سواء ارتبطت تلك الرؤى بقضايا حقوقية كقضية حقوق المرأة أو بقضايا دينية كقضية الطقوس والشعائر.
f_ssultann@kwtanweer.com
يشير بعض المتابعين للشأن السياسي والثقافي إلى أن وصف «السلفي» عادة ما يطلق على أتباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب ممن يتبنون أفكاره والذين يوصفون بالسلفيين أو الوهابيين، إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون إشارة دقيقة، ذلك أن الوصف لا يشمل فقط أتباع الشيخ انطلاقا مما يحمله من إرث عقائدي واجتماعي والذي ساهم من خلاله في بناء الدولة السعودية. فوصف «السلفي» بالرغم من أنه يشمل السلفيين والوهابيين ـ إن صح التعبير عنهم ـ إلا أنه لا يقف عند ذلك الحد بل يتعداهم إلى غيرهم من الجماعات الإسلامية، وإن كنا أكثر دقة فقد يتعداهم إلى غالبية الجماعات الإسلامية.
وحسب تعبير المفكر الإيراني مصطفى ملكيان فإن «السلفي» هو الذي يتبنى الأفكار والمشاعر والأفعال الموروثة الراسخة والتي يعتبرها البعض مقنعة بل وفوق السؤال والمناقشة وتنتقل من جيل إلى جيل عن طريق التأسي بالسلف.
فهذا الوصف هو إشارة صريحة إلى أنه لا يشمل فقط أتباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب بل يشمل أيضا الكثير من الجماعات الإسلامية حتى تلك التي تسعى لإثبات أنها غير سلفية. أي أن الجماعات الأخرى المنعوتة بأنها غير سلفية هي في الواقع تستند في فكرها وثقافتها إلى التأسي بالسلف وإلى اعتبار أفكارها فوق السؤال والمناقشة، في حين أن السلفيين لا يختلفون عنهم إلا في تبنيهم لمواقف متشددة. فالاثنان ينهجان منهجا فكريا واحدا لكنهما يختلفان في تفسير ما صدر عن السلف مما يجعلهما يسيران في اتجاهين أحدهما متشدد والآخر معتدل، والتشدد هو ما جعل وصف السلفيين يطلق على بعض الجماعات ولا يطلق على أخرى، في حين أن الاثنين يندرجان تحت وصف «السلفي». كما أن وصف السلفيين هو أقرب إلى المدلول السياسي منه إلى المعرفي والثقافي، لذا بات تداوله الكبير في الأوساط السياسية وغير السياسية كتعبير عن الجماعات الدينية المتشددة.
ويشرح ملكيان معنى «السلفية» بوصفها تعاليم ومبادئ المدافعين عن قبول التراث واتباعه ومن يرون التراث أوثق وأجدر بالاعتماد من الأفكار والمشاعر والأفعال المتأتية عن التجارب والتفكير الشخصي.
وهذا بالطبع أمر ينطبق على معظم الجماعات الدينية أيضا لا السلفيين فقط. فهي عادة ما تردد بأن الدين الاسلامي هو منهج حياة متكامل، أي أنها ترى بأن ما جاء من تعاليم وتشريعات دينية هي صالحة لكل زمان ومكان وبالتالي هي أوثق وأجدر بالاعتماد، رغم أن تلك الجماعات تختلف بين بعضها البعض حول تفسير تلك التعاليم، حيث هي أقرب إلى التاريخ وإلى طريقة حياة الأولين بالنسبة لفهم السلفيين لها، فيما تشملها بعض التغييرات النسبية بالنسبة لفهم غير السلفيين لها.
ويفرق ملكيان بين لفظ «السلفي» ولفظ «ذو نزعة سلفية». ويقول بأن «السلفي» هو الشخص الذي يتأسى بالأسلاف عن غير وعي في أفكاره ومشاعره وأفعاله، ويعتبر السلف الذين يقلدهم فوق مستوى المناقشة. أما الشخص «ذو النزعة السلفية» فهو الذي يتأسى بالأسلاف على نحو واع، أي لو استنتج بفضل أدلة رصينة أو بفعل تفكيره وتأملاته الشخصية أن التأسي بالماضين أرجح من التوكؤ على التجارب والأفكار الشخصية وراح على أثر هذا الاستنتاج يقلد السلف عن وعي وإرادة وقصد مسبق فإنه لن يكون سلفيا وحسب وإنما هو صاحب نزعة سلفية.
ويؤكد ملكيان بأن حياة السلفي مماثلة تماما لحياة صاحب النزعة السلفية لكن بينهما فارقا مهما، وهو أن السلفي يعيش بأسلوب تقليدي لمجرد أنه لا يعرف أسلوبا سواه، أي أن الأسلوب الوحيد الذي يعرفه هو هذا الأسلوب الذي ورثه عن الأسلاف، أما صاحب النزعة السلفية فيعمل بأسلوب تقليدي للحياة، لأنه خبر أساليب الحياة الأخرى ووجد أنها غير وافية، أو أنها لا تخلو من العيوب والثغرات بنفس درجة الأسلوب التقليدي. فالسلفي يلتزم بأسلوب الحياة التقليدي لجهله بالأساليب الأخرى، بينما الثاني يلتزم به على الرغم من علمه بالأساليب الأخرى.
ويشير ملكيان إلى أن أخطر نقد يوجه لأسلوب التفكير والحياة التقليدي أنه تعبدي يطالب بالتسليم والتقليد، لذلك فهو فرار من الاستدلال بل ومناهض للاستدلال. وعلى هذا الأساس فإن التعبد ليس سوى قمع الشعور بالتطلع والفضول وتعطيل الحركة العقلانية.
فالمتعبد، بالنسبة لملكيان، ينحر مواهبه المتسائلة الباحثة عن الدليل حينما يكون حيال موجود مقدس وكلام فوق النقاش. ويستند في رأيه هذا الى أساس أن العقلانية والحرية عنصران رئيسيان من العناصر المكونة للإنسانية وبالتالي فإن التعبد والتسليم والتقليد، هي مقولات تتنافى على المستوى النظري مع العقلانية وعلى المستوى العملي مع الحرية، وينبغي أن تنحدر إلى أدنى درجاتها الممكنة، لكن أسلوب التفكير والحياة التقليدي على العكس من ذلك له قابلية أكيدة على توسيع وتعميق مديات التعبد والتسليم والتقليد.
فالجماعات الإسلامية بمن فيها تلك السلفية عادة ما تشدد على ضرورة تقليد المسلمين للفقهاء والمراجع والمفسرين الذين ينشطون في مجال تفسير ما جاء على لسان السلف، باعتبار أن التقليد هو الوسيلة الأبرز لمنع السؤال من تجاوز حدود التفسير السلفي للكلام المقدس، وبقاء ذلك الكلام فوق النقاش. لذا أي حركة باتجاه الحرية والعقلانية هي حركة ضد التدين السلفي القائم على التسليم والتقليد.
ويضيف ملكيان بأنه حينما تتوقف حركة العقلانية الحرة، سيوافق الإنسان على الكثير من الآراء والنظريات، أو يعارضها من دون أي دليل أو برهان (عقلي). وهذا التأييد أو المعارضة المفتقرة للدليل تمهد الأرضية لرذيلتين ذهنيتين: الأولى هي التعصب، والثانية هي الحكم المسبق. وحينما يسمح الإنسان لنفسه أن يؤمن بكلام من دون دليل أو برهان، يكون قد عرض نفسه لمخاطر الخرافات. ويستدل ملكيان في ذلك بكلام الفيلسوف الهندوسي راما كريشنا: «احترام المراجع الدينية وتقديسها يتعارض والبحث الحر وهو ما يحول الدين نفسه إلى خرافة». ويقول ملكيان بأنه ما من إنسان تقليدي يرى مضامين تراثه الذي يؤمن به خرافات، لكن يرى أمثالها في تراث الآخرين خرافات وترهات، ويضيف: وماذا عسى أن تكون النتائج غير هذه حينما يكون الرفض والقبول بلا أية أدلة؟.
وهذا ما يفسر إلغاء الجماعات الإسلامية لبعضها البعض وللجماعات الأخرى غير الدينية، حيث إن اعتقادها المستند إلى الرؤى الضيقة القائمة على التأسي بالسلف (سلفها هي وليس سلف غيرها)، وتجاهلها لتلك المعتمدة على الدليل والبرهان العقلي، يجعلها تتعصب لرأيها وتلغي الرأي المختلف معها (الديني وغير الديني). لذا كان طبيعيا سماع تهم موجهة من قبل جماعة دينية إلى أخرى بأن رؤاها تعتبر خارج إطار الدين أو أنها من جملة الخرافات، سواء ارتبطت تلك الرؤى بقضايا حقوقية كقضية حقوق المرأة أو بقضايا دينية كقضية الطقوس والشعائر.
f_ssultann@kwtanweer.com