المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حرب استنزاف إيرانية في اليمن ترهق السعودية ....بقلم نجاح محمد علي -



كوثر
12-20-2015, 05:13 AM
https://pbs.twimg.com/profile_images/648639130692358144/v_i-b9AK_bigger.jpg


نجاح محمد علي - القدس العربي

DECEMBER 19, 2015

عندما اندلعت حرب اليمن لإنهاء «النفوذ الايراني»، كان واضحاً منذ البداية أن إيران ستجر السعودية إلى حرب استنزاف، تخرج منها السعودية خاسرة، وتربح إيران.

تلك كانت الرؤية الأولى لايران الرسمية، وعبر عنها القائد العسكري يد الله جواني المعروف بأنه من كبار المنظرين السياسيين للحرس الثوري، وأول من حذر من «الثورة المخملية» التي كانت الذريعة في قمع الإصلاحيين بعد انتخابات الرئاسة العام 2009.

وبعد مرور نحو تسعة شهور على هذه الحرب المستعرة على أكثر من صعيد، رغم إيحاءات التوقف التي تطلقها مفاوضات جنيف «القلقة»، وعدم ثبوت أي تورط إيراني مباشرعلى الأرض في اليمن، تشعر إيران بالرضا، وتنشر في أدبيات مؤسستها الرسمية الاذاعة والتلفزيون برامج حوارية عن «مبادراتها» السلمية لوقف الحرب وتقول إن صورتها رغم كل ما قيل عنها، لم تخرج عن كونها «داعية سلام» بينما خصمها في هذه الحرب المملكة العربية السعودية وهي قبلة المسلمين وبلاد الحرمين، قائدة تحالف يشن الحرب على دولة مسلمة جارة هي اليمن التي قال عنها النبي محمد حين قدم وفد منها يبايعونه على الاسلام: «الله أكبر الله أكبر جاء نصر الله و جاء فتح الله وجاء أهل اليمن»، فقال بعض الصحابة: «وما أهل اليمن ؟!» فقال صلى الله عليه وسلم: «قوم نقية قلوبهم ولينة طباعهم… الإيمان يمان والحكمة يمانية هم مني و أنا منهم».
وساطة

بتلك العبارات المستوحاة من التأريخ يستهل الجنرال يد الله جواني وهو أيضا مستشار ممثل الولي الفقيه في الحرس الثوري، نشرة محدودة التداول وضعها بعد حادثة إسقاط تركيا المقاتلة الروسية سو24 وتوتر العلاقات بين موسكو وانقرة، ويرى «أن إيران ينبغي عليها التحرك نحو تخفيف حدة التوتر بين الأتراك والروس، وإيجاد وساطة».

ومع أن يد الله جواني انتقد السياسة التركية في المنطقة خصوصا في سوريا والعراق، وقال إن لأنقرة دورا سلبيا في دعم الإرهابيين في سوريا والعراق، إلا أنه أشار إلى أن تركيا رفضت الدخول في التحالف الذي يشن الحرب على اليمن، وفضلت التنسيق مع إيران، وأن أزمة إسقاط المقاتلة الروسية، تمنح إيران مساحة أكبر لتظهر كداعية سلام، ووسيط مقبول بين الطرفين.

واشار يد الله جواني، إلى ما سماه «أفول دور الولايات المتحدة في المنطقة»، وأن واشنطن تركت للرياض هامشاً كبيراً تتحرك وفقه في اليمن وسوريا والعراق، وأنها متورطة أيضاً في تحريض تركيا على روسيا» وأكد أن ظهور إيران كوسيط يسحب البساط من واشنطن، التي يبدو أنها ترغب في «إنهاء الأزمة في سوريا وفق القراءة الروسية والإيرانية بالتخلي عن شرط رحيل الأسد». وتحاول إيران بحسب يد الله جواني إقناع تركيا بأن نفوذ الغرب في المنطقة انتهى، خصوصا بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا، واحتمال تمدده الى العراق وحتى ليبيا، وأن التعاون الاقليمي بين طهران وأنقرة كفيل بإيجاد توازن سياسي يدعم العلاقات التجارية والاقتصادية المرشحة للازدياد بعد رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي.

ويتفق جميع محللي الحرس الثوري السياسيين مع هذا الرأي، وكأنهم يطبقون ما جاء في نشرة يد الله جواني حرفياً، ويقولون «يجب أن لا تؤثر الأزمة بين تركيا وروسيا على التطورات الجارية في اليمن فضلاً عن سوريا، وأن على الطرفين حل مشاكلهما خارج المنطقة، وأن إيران تعمل على تطبيع العلاقات بين موسكو وأنقرة بشرط أن يتخلى الرئيس التركي أردوغان عن كبريائه ويعتذر لبوتين عن إسقاط المقاتلة الروسية».

وبالإضافة الى استنزاف السعودية، وكسب تركيا التي يسعى الإيرانيون الى تطوير العلاقات معها «تجاريا واقتصادياً» بعد رفع العقوبات لتؤثر بذلك على دورها السياسي في المنطقة لصالح رؤيتها في سوريا واليمن والعراق ولبنان، تخطط طهران من خلال الاستفادة من إطالة أمد الحرب في اليمن الى تفكيك التحالف الموجود في حرب اليمن – كما يقول جواني في النشرة محدودة التداول.

وفي هذا السياق وبينما تتحرك طهران أيضا عبر وسطاء غربيين ساهموا الى جانب سلطنة عُمان في التوصل الى الاتفاق النووي الايراني مع الغرب، تسعى الى الترويج لفكرة أن حرب اليمن ذات كلفة باهضة، ولن تنتهي بهزيمة الحوثيين وحلفائهم خصوصاً الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وهي إشارات لمن يعنيه الأمر في المنطقة، عززها الصاروخ الذي استهدف مؤخرا مقر قيادة التحالف في باب المندب وحجم ونوعية الخسائر البشرية فيه قبيل انطلاق محادثات السلام في جنيف.

وتؤكد المعطيات على الأرض أيضا وجود خطة تدعمها روسيا، تقضي بتمدد الحوثيين وحلفائهم داخل مدن سعودية حدودية، دون الاعلان عن ذلك كي لا يثير ذلك «المسلمين» الذين تقنعهم الرياض بأنها بلاد الحرمين، وأن تكلفة الحرب ليست محصورة ببعدها المالي والبشري، وتتعداها الى التفاوض بنفس اسلوب ايران أي «دبلوماسية القوة».

انسحاب مشرف

تقول مصادر إيرانية إن وزير الخارجية محمد جواد ظريف أبلغ نظيره السعودي عادل الجبيرالذي كان قد أعلن إيران «دولة إسلامية لها تأريخ وحضارة»، ودخل معها في مفاوضات لتطبيع العلاقات، وعرّف له السفير السعودي السابق في موسكو علي حسن جعفر إلى طهران كسفير للمملكة العربية السعودية خلفا للسفير السابق عبد الرحمن غرمان الشهري، أن بامكان السعودية أن تنسحب من اليمن إنسحابا مشرفا يقنع الأمير محمد بن سلمان الذي تتهمه طهران بأنه وراء حرب اليمن لأسباب داخلية، بأن الحرب في اليمن لو طالت عشرات السنين، فلن تكلف الخزانة الايرانية ريالاً واحداً، بينما العكس صحيح إذ أن استمرار الحرب يعني استنزافاً مباشراً للأموال والجنود والطاقات السعودية.
ويبدو أن الحرب على تنظيم الدولة الاسلامية «داعش»، والتنسيق الروسي الفرنسي الذي سيدفع الى تنسيق غربي واسع مع روسيا وبالتالي مع جبهتها التي تضم إيران والعراق وسوريا وحزب الله في لبنان، سيدفعان القيادة السعودية إلى التفكير ملياً بإيقاف حرب اليمن، إلا إذا استمر التجاذب داخل السعودية نفسها.
المصلحة الإيرانية
تشير كل المعطيات التأريخية وعلى الأرض، إلى أن إيران غير معنية كثيراً بتحولات اليمن إلا في إطار ما تملكه من نفوذ «الثورة الاسلامية» المعنوي، لكنها تستخدم هذا النفوذ ورقة في صراعها الاقليمي مع السعودية في ملفات أخرى.

وبدا واضحا عندما أعلن استبدال «عاصفة الحزم» الى «إعادة الأمل» أن اليمن كان يتجه آنذاك منذ نيسان أبريل نحو السلام الإقليمي بتوقف الحرب عليها من الخارج، عندما تم التفاهم بوساطة عمانية وبرعاية أمريكية مباشرة، على أن تترك إيران اليمن للسعودية ـ وهي ليست فيه ـ مقابل أن تترك السعودية العراق لإيران ـ وهي متورطة فيه بشكل أو بآخر.

وكان يفترض أن تتوقف الحرب وتشرع الدول التي شاركت في التحالف خصوصا السعودية باعادة بناء اليمن، لكن شيئا ما حدث أعاد الامور الى المربع الأول، ومنها بالطبع تمدد الحوثيين في عدن، بما يؤكد أنهم حلفاء إيران لكنهم ليسوا أدوات لها أو عملاء، بعكس ما يظن الكثيرون. وما لا يدركه الكثيرون أن إيران لا تضع بيضها كله في سلة واحدة، وهي لا تراهن فقط في اليمن على الحوثيين وعموم الشيعة الزيديين الذين يختلفون معها في العقيدة الى حد أن علماء قم يعتبرونهم «سنّة»، وتبني شبكة علاقاتها مع غيرهم من النافذين في الأزمة اليمنية، كما هو الحال في فلسطين وعلاقاتها مع حماس والجهاد المتضاربتين في الرؤى، وأيضا مع فتح والسلطة الفلسطينية.

ولا يخفى على أحد العلاقة المتينة التي تربط إيران بمحافظ عدن الجديد العميد عيدروس الزبيدي بعد مقتل السابق في عملية تبناها تنظيم الدولة الاسلامية .فبرغم الاتهامات من أهل الشمال له بأنه محرض عليهم ويدعو للانفصال، إلا أنه ظل صديقا دائما للايرانيين يكاد أن يكون ضيفا دائما عليهم وعلى وسائل إعلامهم الرسمية.

وحتى قبل إندلاع الأزمة اليمنية في سبتمبر من العام الماضي، كانت إيران تخطط لاقامة علاقات اقتصادية متميزة مع الجنوب من خلال إقامة منطقة حرة في عدن، تنفي من خلالها أي نية لها بتقسيم اليمن، وأن أطراف الحراك الجنوبي والحوثي وصالح لا يرغبون كما يقول الاعلام الايراني بتأجيج الصراع بين الشمال والجنوب، وأن إشعال حرب طاحنة بينهما سيكون مدخلاً لدول في الاقليم تريد تقسيم اليمن.

ويقول يد الله جواني في هذا السياق إنه من مصلحة إيران عدم الدفع باتجاه تقسيم اليمن شمالاً وجنوباً وشرقاً، وتحذير الدول الاقليمية من خطره عليهم خصوصا في شرق اليمن الغني بالثروات حيث ينشط تنظيم الدولة الاسلامية «داعش».

وينصح يد الله جواني بالاستمرار في الضغط على السعودية في اليمن، وتكرار نفس الاسلوب مع الغرب في مفاوضات النووي، عندما باعت إيران أمريكا والغرب «قنبلة نووية وهمية» صنعتها أمريكا والغرب وإسرائيل، وحصلت مقابلها على «الصفقة الكبرى» التي تخولها المشاركة كطرف فاعل في حل أزمات المنطقة ومنها أزمة اليمن.

ويرى عارفون أن الرياض تكرر اليوم نفس الخطأ الذي وقع فيه حزب الإصلاح في العام 2011 بدخولها في حرب غير مباشرة مع إيران في اليمن، لأن الكثير ممن يقبضون الأموال من السعودية يتحالفون مع إيران سراً وعلانية، مثلما دخل الإصلاح في مواجهة مع صالح ونظامه بتحالف أغلب من كانوا فيه إما من رجال صالح أو كانت انتهازيتهم تخدمه، وهم واهمون.

نجاح محمد علي

http://www.alquds.co.uk/?p=453434