موالى
12-07-2015, 12:12 AM
http://www.alqabas.com.kw/Temp/Authors/6bab042f-7110-4b96-a428-de0d7eea87fb_author.jpg
نشر في : 07/12/2015
مساء الخميس (26 ديسمبر الماضي)، اتصل بي السفير مجدي الظفيري، سفير الكويت في طهران، ليبلغني بأن والدته، شقيقتي منيرة انتقلت إلى رحمة الله، كان ذلك بعد أن أخبرنا الدكتور المختص بأن حالتها صعبة، وأن الأعمار بيد الله، لكنه حذر من أنها في ظرف دقيق، كانت في حالة غيبوبة في مستشفى مبارك، وفي الوقت نفسه شقيقتي الأخرى سبيكة في مستشفى الصباح تعاني من ضيق التنفس، لأن رئتها ضعيفة جدا وحالتها أيضا صعبة.
كانت معاناة الأولى من مرض الكبد مؤلمة في تآكل المقاومة وانهيار المناعة، ولم تكن الثانية بحال أفضل، فقد كان الطبيب صريحا بأنها في حالة خطرة.
وتوفيت الأولى مساء الخميس، والثانية بعدها بأربع وعشرين ساعة.
ولأننا مؤمنون بإرادة الله وقضائه، ومدركون أن الحياة فانية، وأن من عاش مات، ومن مات فات، كان العزاء، على مدى خمسة أيام، أقل حزنا مما توقعت، فالمواساة من أهل الكويت، كبارا وشبابا وفتيانا، كان لها عظيم الأثر في التخفيف من آثار غياب شقيقتين في فترة واحدة، وكانت مشاركة سمو الأمير بحضوره مرتين، وتواجد كل المسؤولين، يتقدمهم صاحب السمو، وسمو ولي العهد، وكبار الشيوخ ورجال الدولة، أكبر سمات تراث الكويت في الترابط عند الشدة والتواجد عند الأحزان، والسعي لتأكيد الوحدة الوطنية التي تجسدها الفزعة التلقائية.
جاء المعزون مدفوعين بشعور تحالف الأحزان، فقد شعرت بأن لي حلفاء كثيرين يتواجدون في قاعة العزاء، في اصرار على أن الأحزان عابرة، وأن الحياة لا تتوقف عند أحد، وأن صوت المستقبل أقوى من أثقال الصدمة، وأن المستقبل أمل وقوة، وشعرت بأن بعد المسافات لا يشغل الأصدقاء عن تقديم العزاء بالتواصل المباشر، فقد حمل جهاز التلفون مشاعر صادقة من أخوة اتصلوا من مختلف بقاع العالم.
والحمد الله على ما أعطى وعلى ما أخذ، ويبقى الانسان عالماً خاصاً بذاته، له طبائعه بين العاصف والهادئ، وبين الصابر والغاضب، بين المرتاح والمضطرب، هكذا وجدت حالة أفراد العائلة الذين كانوا معي في العزاء، متأثرين لغياب والدتهم التي لم يعرفوا غيرها وتيتموا وهم صغار.
كان لأختي أحد عشر ولداً وبنتاً، في تلاحق دون شكوى، صار اثنان سفراء في الخارجية، والباقي يكافحون في التجارة والوظائف راضين وقانعين بالموجود، شاهدتهم يلتفون حول والدتهم عند شدة المرض، وفي العزاء مرددين مفردات الوفاء، لقد فقدوا والدهم صغاراً، فكانت الوالدة حضن الاستقرار في حياتهم، وكانت منبع الأمل لهم ومصدر الحياة، والأخرى تركت بنتا واحدة، فقد تعثر الزواج، فآثرت الحياة وحيدة مع ابنتها، تسافر كثيرا وتطرب للحياة، وتصر على أن تكون وسط الأحداث.
كل واحدة تقدم لوحة خاصة بها، أم الأولاد تفرح بكثرتهم، وأم البنت ترتاح من دونهم، أداعب الأولى من كثرة طلباتهم، فترد بإيمان، كل منا يولد حاملا نصيبه، هذه القناعة الراسخة هي المعين الأكبر في العزم على تدبير الحياة، لم يكن لأختي المال الذي يرضي أحد عشر انسانا، لكن كان لها فقط سعة صدر، ورضا بالموجود، وتفاؤل لا يضعف.
من هذا الواقع تفوق البعض من أولادها، وتميز البعض الآخر، وارتاح الآخرون راضين بالموجود.
ومع نهاية العزاء، تعود الحياة فارضة شروطها، فكل منا مشغول بقضاياه، وكل منا يرسم درب الغد، وكل منا يحلم بعالم خال من الأحزان.
كنت أذهب إلى كل عزاء تقريبا، وبعد تجربتي قررت أن أتواجد في كل مناسبة مهما كانت الظروف.
عالم الأحزان بواقعه صغير وقصير وساحته ضيقة، على عكس فضاء الدنيا الواسع والواعد بغد أفضل والدافع نحو أمل التغيير والمملوء بعجائب الأسرار.
عادات الكويت وتقاليدها في العزاء تسحب كثيرا من الأحزان وتدفع نحو الدنيا، وتعود بك إلى مشاغل الحياة، وتؤشر إلى أن وراء ذلك الجدار المحزن بهجة تحملها الأيام.
عبدالله بشارة
http://www.alqabas.com.kw/Articles.aspx?ArticleID=1116149&isauthor=1
نشر في : 07/12/2015
مساء الخميس (26 ديسمبر الماضي)، اتصل بي السفير مجدي الظفيري، سفير الكويت في طهران، ليبلغني بأن والدته، شقيقتي منيرة انتقلت إلى رحمة الله، كان ذلك بعد أن أخبرنا الدكتور المختص بأن حالتها صعبة، وأن الأعمار بيد الله، لكنه حذر من أنها في ظرف دقيق، كانت في حالة غيبوبة في مستشفى مبارك، وفي الوقت نفسه شقيقتي الأخرى سبيكة في مستشفى الصباح تعاني من ضيق التنفس، لأن رئتها ضعيفة جدا وحالتها أيضا صعبة.
كانت معاناة الأولى من مرض الكبد مؤلمة في تآكل المقاومة وانهيار المناعة، ولم تكن الثانية بحال أفضل، فقد كان الطبيب صريحا بأنها في حالة خطرة.
وتوفيت الأولى مساء الخميس، والثانية بعدها بأربع وعشرين ساعة.
ولأننا مؤمنون بإرادة الله وقضائه، ومدركون أن الحياة فانية، وأن من عاش مات، ومن مات فات، كان العزاء، على مدى خمسة أيام، أقل حزنا مما توقعت، فالمواساة من أهل الكويت، كبارا وشبابا وفتيانا، كان لها عظيم الأثر في التخفيف من آثار غياب شقيقتين في فترة واحدة، وكانت مشاركة سمو الأمير بحضوره مرتين، وتواجد كل المسؤولين، يتقدمهم صاحب السمو، وسمو ولي العهد، وكبار الشيوخ ورجال الدولة، أكبر سمات تراث الكويت في الترابط عند الشدة والتواجد عند الأحزان، والسعي لتأكيد الوحدة الوطنية التي تجسدها الفزعة التلقائية.
جاء المعزون مدفوعين بشعور تحالف الأحزان، فقد شعرت بأن لي حلفاء كثيرين يتواجدون في قاعة العزاء، في اصرار على أن الأحزان عابرة، وأن الحياة لا تتوقف عند أحد، وأن صوت المستقبل أقوى من أثقال الصدمة، وأن المستقبل أمل وقوة، وشعرت بأن بعد المسافات لا يشغل الأصدقاء عن تقديم العزاء بالتواصل المباشر، فقد حمل جهاز التلفون مشاعر صادقة من أخوة اتصلوا من مختلف بقاع العالم.
والحمد الله على ما أعطى وعلى ما أخذ، ويبقى الانسان عالماً خاصاً بذاته، له طبائعه بين العاصف والهادئ، وبين الصابر والغاضب، بين المرتاح والمضطرب، هكذا وجدت حالة أفراد العائلة الذين كانوا معي في العزاء، متأثرين لغياب والدتهم التي لم يعرفوا غيرها وتيتموا وهم صغار.
كان لأختي أحد عشر ولداً وبنتاً، في تلاحق دون شكوى، صار اثنان سفراء في الخارجية، والباقي يكافحون في التجارة والوظائف راضين وقانعين بالموجود، شاهدتهم يلتفون حول والدتهم عند شدة المرض، وفي العزاء مرددين مفردات الوفاء، لقد فقدوا والدهم صغاراً، فكانت الوالدة حضن الاستقرار في حياتهم، وكانت منبع الأمل لهم ومصدر الحياة، والأخرى تركت بنتا واحدة، فقد تعثر الزواج، فآثرت الحياة وحيدة مع ابنتها، تسافر كثيرا وتطرب للحياة، وتصر على أن تكون وسط الأحداث.
كل واحدة تقدم لوحة خاصة بها، أم الأولاد تفرح بكثرتهم، وأم البنت ترتاح من دونهم، أداعب الأولى من كثرة طلباتهم، فترد بإيمان، كل منا يولد حاملا نصيبه، هذه القناعة الراسخة هي المعين الأكبر في العزم على تدبير الحياة، لم يكن لأختي المال الذي يرضي أحد عشر انسانا، لكن كان لها فقط سعة صدر، ورضا بالموجود، وتفاؤل لا يضعف.
من هذا الواقع تفوق البعض من أولادها، وتميز البعض الآخر، وارتاح الآخرون راضين بالموجود.
ومع نهاية العزاء، تعود الحياة فارضة شروطها، فكل منا مشغول بقضاياه، وكل منا يرسم درب الغد، وكل منا يحلم بعالم خال من الأحزان.
كنت أذهب إلى كل عزاء تقريبا، وبعد تجربتي قررت أن أتواجد في كل مناسبة مهما كانت الظروف.
عالم الأحزان بواقعه صغير وقصير وساحته ضيقة، على عكس فضاء الدنيا الواسع والواعد بغد أفضل والدافع نحو أمل التغيير والمملوء بعجائب الأسرار.
عادات الكويت وتقاليدها في العزاء تسحب كثيرا من الأحزان وتدفع نحو الدنيا، وتعود بك إلى مشاغل الحياة، وتؤشر إلى أن وراء ذلك الجدار المحزن بهجة تحملها الأيام.
عبدالله بشارة
http://www.alqabas.com.kw/Articles.aspx?ArticleID=1116149&isauthor=1