أمير الدهاء
11-29-2015, 12:34 AM
http://www.alqabas.com.kw/Temp/Authors/9160ca3d-51e8-47cc-a9d6-6195d2a1be04_author.jpg
أحمد الصراف - القبس
نشر في : 29/11/2015
بسبب مفاهيم تراثية معينة، يصعب على البعض إدراك معنى الحياة، وغالبا ما نكتشف المعنى عند إصابتنا بمرض خطير، أو عندما نصبح قريبين من الموت.
الحياة، كما يقول المفكر الكندي غابي خلف، ما هي إلا ومضة من السعادة. فنحن نستميت لكي نكبر، لاعتقادنا أن تحررنا من وصية والدينا سيجعلنا سعداء.
وننتظر الساعة التي ننتهي فيها من الدراسة لاعتقادنا أنها في ذلك نهاية همومنا. ونحب لأننا نعتقد أن في الحب والزواج والإنجاب منتهى السعادة.
ونتوهم أن السعادة ستأتي مع تحقيق المال أو الحصول على الترقية، أو أن السعادة في شراء سيارة أو في الحصول على خاتم ألماس. وبعد سنوات عمل طويلة ننتظر لحظة التقاعد لاعتقادنا أننا سنسعد بقضائها، من دون عمل.
وهكذا تمضي بنا الحياة، ونكتشف أننا قمنا باداء اشياء كثيرة، ولكننا نسينا أن نكون سعداء، فالسعادة محطة، بل رحلة عمر مستمرة وحالة نفسية، كما هي حق من حقوق الإنسان التي انفرد الدستور الأميركي بالنص عليها، إضافة إلى الحقوق الأخرى كالحرية وحق التنقل والقول والحق في الكرامة والعمل، ولكن ماذا عن السعادة؟ وما قيمة الحياة، وإن طال العمر بنا، وتعاظمت ثرواتنا وكثر نسلنا، إن لم نعش سعداء؟
يقول الراحل ستيف جوبز الذي كان يمتلك المليارات والشهرة: لقد بلغت قمة النجاح، وكنت في عيون الآخرين مثالا يحتذى، ولكن، وبخلاف ما حققته من شهرة وثراء في عملي، فإنني قليلا ما عرفت مذاق السعادة. وفي هذه اللحظة التي أرقد فيها على فراش الموت، مسترجعا شريط حياتي، أجد أن النجاح والثراء، اللذين كانا مصدر فخري، كانا في الحقيقة أشياء باهتة في وجه الموت المحتم الذي ينتظرني الآن. ففي ظلام غرفة المستشفى لا أجد ما أفعله غير متابعة ما يصدر عن الأجهزة من حولي من إشارات خضراء، وأستمع لما يصدر عنها من اصوات، وأشعر معها بأنفاس إله الموت، وهو يقترب مني قليلا قليلا.
لقد اكتشفت الآن أنه كان علي، عندما حققت ما يكفي من ثراء ونجاح، أن ألتفت الى أمور الحياة الأخرى التي لا علاقة لها بتحقيق المال، أمور قد تكون أكثر أهمية كإقامة علاقات إنسانية جميلة مع الآخر، واهتمام أكثر بالفنون، وبتحقيق أحلام كانت تراودني كثيرا وانا صغير.
لقد منحنا الحواس لكي نشعر بالحب في قلوبنا وقلوب الآخرين، وليس ذلك السراب الذي يأتي مع الثراء، ولا الوهم الذي يصحبه عادة، وما أمتلكه اليوم هو حصتي من الذكريات التي جاءت مع الحب، وهذا هو الثراء الحقيقي الذي سيتبعني الى نهايتي ويعطيني القوة على الاستمرار ومقاومة الأوجاع، فبإمكان الحب الترحال لآلاف الأميال، فالحياة ليس لها حدود.
ويتساءل جوبز، مؤسس شركة أبل، ومخترع غالبية منتجاتها: ما هو أغلى فراش في العالم؟ إنه فراش المرض! فانت تستطيع ان توظف من يقود مركبتك، ومن يزيد ثروتك، ولكنك لا تستطيع ان تستأجر من يتحمل الآلام عنك. فالأشياء المادية تستعاد إن فقدت، ولكن الحياة لا تستعاد، إن فقدت.
عش سعيدا، ومت سعيدا، فليس هناك ما يستحق تعذيب النفس من أجله.
أحمد الصراف
habibi.enta1@gmail.com
www.kalamanas.com
http://www.alqabas.com.kw/Articles.aspx?ArticleID=1112294&isauthor=1
أحمد الصراف - القبس
نشر في : 29/11/2015
بسبب مفاهيم تراثية معينة، يصعب على البعض إدراك معنى الحياة، وغالبا ما نكتشف المعنى عند إصابتنا بمرض خطير، أو عندما نصبح قريبين من الموت.
الحياة، كما يقول المفكر الكندي غابي خلف، ما هي إلا ومضة من السعادة. فنحن نستميت لكي نكبر، لاعتقادنا أن تحررنا من وصية والدينا سيجعلنا سعداء.
وننتظر الساعة التي ننتهي فيها من الدراسة لاعتقادنا أنها في ذلك نهاية همومنا. ونحب لأننا نعتقد أن في الحب والزواج والإنجاب منتهى السعادة.
ونتوهم أن السعادة ستأتي مع تحقيق المال أو الحصول على الترقية، أو أن السعادة في شراء سيارة أو في الحصول على خاتم ألماس. وبعد سنوات عمل طويلة ننتظر لحظة التقاعد لاعتقادنا أننا سنسعد بقضائها، من دون عمل.
وهكذا تمضي بنا الحياة، ونكتشف أننا قمنا باداء اشياء كثيرة، ولكننا نسينا أن نكون سعداء، فالسعادة محطة، بل رحلة عمر مستمرة وحالة نفسية، كما هي حق من حقوق الإنسان التي انفرد الدستور الأميركي بالنص عليها، إضافة إلى الحقوق الأخرى كالحرية وحق التنقل والقول والحق في الكرامة والعمل، ولكن ماذا عن السعادة؟ وما قيمة الحياة، وإن طال العمر بنا، وتعاظمت ثرواتنا وكثر نسلنا، إن لم نعش سعداء؟
يقول الراحل ستيف جوبز الذي كان يمتلك المليارات والشهرة: لقد بلغت قمة النجاح، وكنت في عيون الآخرين مثالا يحتذى، ولكن، وبخلاف ما حققته من شهرة وثراء في عملي، فإنني قليلا ما عرفت مذاق السعادة. وفي هذه اللحظة التي أرقد فيها على فراش الموت، مسترجعا شريط حياتي، أجد أن النجاح والثراء، اللذين كانا مصدر فخري، كانا في الحقيقة أشياء باهتة في وجه الموت المحتم الذي ينتظرني الآن. ففي ظلام غرفة المستشفى لا أجد ما أفعله غير متابعة ما يصدر عن الأجهزة من حولي من إشارات خضراء، وأستمع لما يصدر عنها من اصوات، وأشعر معها بأنفاس إله الموت، وهو يقترب مني قليلا قليلا.
لقد اكتشفت الآن أنه كان علي، عندما حققت ما يكفي من ثراء ونجاح، أن ألتفت الى أمور الحياة الأخرى التي لا علاقة لها بتحقيق المال، أمور قد تكون أكثر أهمية كإقامة علاقات إنسانية جميلة مع الآخر، واهتمام أكثر بالفنون، وبتحقيق أحلام كانت تراودني كثيرا وانا صغير.
لقد منحنا الحواس لكي نشعر بالحب في قلوبنا وقلوب الآخرين، وليس ذلك السراب الذي يأتي مع الثراء، ولا الوهم الذي يصحبه عادة، وما أمتلكه اليوم هو حصتي من الذكريات التي جاءت مع الحب، وهذا هو الثراء الحقيقي الذي سيتبعني الى نهايتي ويعطيني القوة على الاستمرار ومقاومة الأوجاع، فبإمكان الحب الترحال لآلاف الأميال، فالحياة ليس لها حدود.
ويتساءل جوبز، مؤسس شركة أبل، ومخترع غالبية منتجاتها: ما هو أغلى فراش في العالم؟ إنه فراش المرض! فانت تستطيع ان توظف من يقود مركبتك، ومن يزيد ثروتك، ولكنك لا تستطيع ان تستأجر من يتحمل الآلام عنك. فالأشياء المادية تستعاد إن فقدت، ولكن الحياة لا تستعاد، إن فقدت.
عش سعيدا، ومت سعيدا، فليس هناك ما يستحق تعذيب النفس من أجله.
أحمد الصراف
habibi.enta1@gmail.com
www.kalamanas.com
http://www.alqabas.com.kw/Articles.aspx?ArticleID=1112294&isauthor=1