المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في السرقات الأدبية ...... أحمد البغدادي



fadel
05-03-2005, 06:38 AM
أحمد البغدادي

* أستاذ في جامعة الكويت

انفضح بعض الكتاب المحسوبين على التيار الديني بسرقتهم بعض المقالات وإعادة كتابتها في مقالاتهم, والذي فضح هذا الفعل اللاأخلاقي خبير الحاسوب الأستاذ »بدر الكويت« جعل الله ذلك في ميزان حسناته, لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس, لكن ما فضحه الأخ بدر الكويت ليس جديداً في تراث العرب المسلمين, فالسرقات الادبية مما اشتهر به العرب, ويكفيك دليلاً كتاب »المنصف للسارق والمسروق منه في إظهار سرقات أبي الطيب المتنبي« الذي ألفه الحسن بن وكيع, والذي يقع في جزءين ضخمين, وقد قام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بطباعته عام ,1984 وقد تم تأليف الكتاب عام 385 ه¯ تقريباً, وللحق, كان ابن وكيع مغاليا ومتطرفاً في تتبع هفوات المتنبي الشعرية متهماً إياه بسرقة كل ما كتبه من بديع شعر بشكل مباشر أو غير مباشر, وهو أمر لا يخلو من غلو,

وقد رد ابن جني صديق المتنبي على هذا الكتاب, ولم نعلم أن أبا الطيب المتنبي قد أخذ ابن وكيع الى النيابة العامة, ولعل أجمل ما في الكتاب »الجزء الأول« مقدمته الجزلة حول موضوع السرقات الادبية التي عدها ابن وكيع مما لابد منه في الادب, وهو ما ينطبق على بقية مجالات العلوم النظرية, ولكن بأوجه مختلفة, لكن السرقة فعل مذموم كما ورد على لسان الشاعر طرفة بن العبد حين قال:

ولا أغير على الأشعار أسرقها
عنها غنيت وشر الناس من سرقا

فالسرقة مذمومة, وأشد ذماً وانتقاصاً اذا ما جاءت من مدعي الديانة. وللعلم, ليس في السرقة الادبية حد ولا قطع, لأنه مما لا يعرفه الشرع كسرقة وفقاً للمعايير الفقهية, كما لم يعرف العرب في حياتهم شيئاً اسمه الملكية الفكرية التي يتقيد بها العالم اليوم, وهو جزء من عقلية الغزو, ولكن من ناحية فكرية, لذلك قال ابن وكيع في كتابه »من العيارة حسن الاستعارة« وقول الفرزدق الشاعر في وقته »نحن معاشر الشعراء, أسرق من الصاغة« وهو لا شك قول غير موفق على اطلاقه, فمن الشعراء والصاغة ممن لا يسرق, لكن هل من الممكن إنكار حقيقة توارد الخواطر على الأذهان,

والناس من شعراء وغيرهم يتداولون عملة الفكر في الموضوعات الحياتية ذاتها? لا شك ان عدم التأثر الفكري أمر معدوم, لكن هذا يختلف عن السرقة الكاملة عيانا, كما فعل قاضي النساء ابن الفرا بسرقته كتاب الأحكام السلطانية والولايات الدينية الذي وضعه الماوردي, دون ان يكلف نفسه حتى شكر الماوردي, وما ذلك إلا بسبب العداء بين الحنابلة (ابن الفرا) والشافعية (الماوردي) الذي كان سائداً بينهما في القرن الرابع والخامس الهجري, لكن العالم لا يعرف بل ولا يعترف بكتاب »ابو الحسن الماوردي« كمؤلف اصيل للاحكام السلطانية. ولم يمتنع ابن الفرا رغم علمه بالشرع بعدم جواز مثل هذا الفعل الشنيع عن الاقدام عليه!
لماذا نعجب إذن اذا حدث مثل هذا في عصرنا الحديث?! لكن نسي هؤلاء ان هناك اختراعاً اسمه الانترنت!!

ومن أشهر الشعراء السراق - الشاعر الشهيد البحتري الذي اتهمه الشاعر ابن الرومي علناً في قوله:

قبحاً لأشياء يأتي البحتري بها
من شعره الغث بعد الكد والتعب
.... ....
شعر يغير عليه باسلا بطلا
وينشد الناس إياه على رتب

وذكر انه سرق ستمئة بيت شعر, منها اربعمئة بيت لأبي تمام, وللكاتب احمد بن ابي طاهر كتاب في سرقات البحتري من أبي تمام!!
هؤلاء الشعراء الكبار سرقوا - كما يتهمهم البعض - مئات الأبيات الشعرية, فماذا يعني سرقة بعض الفقرات من مقالات?!