المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مع التبريزي في آرائه وفتاواه (6 ) الجزء الثاني من مناقشة مسالة شهادة الزهراء(ع)



سيد مرحوم
06-07-2003, 02:18 PM
----------------------------------------------------------------------


« مسـألـة » :

قلنا أن ظهور الرواية التي استند إليها الشيخ التبريزي من أنّ الزهراء ـ سلام الله عليها وروحي فداء لذكرها ـ صدِّيقة شهيدة هو نفس ظهور كلمات : شهد ، شهيد ، شهداء ومشتقاتها التي استعملها القرآن الكريم كما في : «الصِّدِّيقين والشهداء» بمعنى الحاضرين الشاهدين على الأعمال ، لا المقتولين ، كما صرّح بذلك العلاّمة الطباطبائي في ميزانه .

وعلى أساس فهمه الخاص ـ غير الموافق للعلاّمة الطباطبائي وغيره من المفسِّرين ـ أفتى الشيخ التبريزي بضلال كل مَن خالفه في الفهم .

وإذا أردنا الذهاب مع الشيخ التبريزي والإيمان بصحّة مدّعاه في الرواية المذكورة ، فلنا أن نسأل : هل يجوز فقهياً الاستناد إلى رواية ، مع صحّة سندها ، في إثبات قضية ، والحكم بإضلال مَن خالفها ؟

فنقول : لا يمكن ذلك بحسب القواعد الأُصولية والفقهية المشهورة بين الفقهاء . وذلك لما يلي :

أوّلاً : لأنّ المعروف بين الفقهاء هو عدم حجّية خبر الواحد ـ الرواية غير المتواترة وغير المقترنة بدلائل تفيد القطع ـ فهم لا يرون حجّيتها إلاّ في الأحكام الشرعية من قبيل الصلاة والصيام ، لا في مطلق الأُمور .

ويؤكد العلاّمة الطباطبائي ذلك ولذا لا يرى حجّية خبر الواحد ـ الروايات غير المتواترة وغير القطعية ـ في تفسير القرآن وقضايا التاريخ وقصص الأنبياء ، قال (قده) : «لا حجّية لروايات التفسير إذا كانت آحاداً إلاّ ما وافق منها مضامين الآيات على ما بيّن في فنّ الأُصول ، فإنّ الحجّية الشرعية تدور مدار الآثار الشرعية المترتبة فتنحصر في الأحكام الشرعية .وأمّا ما وراءها كالروايات الواردة في القصص والتفسير الخالي عن الحكم الشرعي فلا حجّية شرعية فيها ، وإنّما الملاك فيها موافقتها للكتاب حتى لو كانت صحيحة السند ، وإن لم توافق الكتاب فلا قيمة لها في سوق الاعتبار» (الميزان / ج 9 / ص 218) .

وقال في موضع آخر : «إنّ الآحاد من الروايات لا تكون حجّة عندنا إلاّ إذا كانت محفوفة بالقرائن المفيدة للعلم . القطع أعنى الوثوق التام الشخصي سواء كانت في أُصول الدين أو التاريخ أو الفضائل أو غيرها إلاّ في الفقه فإنّ الوثوق النوعي كاف في حجّية الرواية . كل ذلك بعد عدم مخالفة الكتاب والتفصيل موكل إلى فنّ الأُصول» (الميزان / ج 8 / ص 43) .

وحتى مع ثبوت حجّية خبر الواحد ـ الروايات ـ في الفقه ، فإنّها تترتب عليها آثار الحجّية ، ولكنها لا تفيد العلم القطعي اليقيني ، بل هي تفيد الظن المعتبر ، وذلك لأنّ الرواية المروية عن طريق الآحاد ، والتي لا تفيد القطع بالتواتر والقرائن ، يمكن أن تتسرب إليها أعراض الأخطاء البشرية من الخطأ والنسيان وغيره ، وربّما كانت الرواية من باب النقل بالمعنى ، كما هو معروف ، فهي حتى إن ترتبت عليها آثار الحجّية وترتبت عليها آثار العمل بها من الحرمة والوج وب والإباحة ، إلاّ أ نّه لا يمكن القطع والجزم والعلم بموجبها والقول أن هذه الرواية هي حكم الله الواقعي ، وإنّما يعمل بها من باب الوظيفة الشرعية وعلى أساس أنّها حكم الله الظاهري المنكشف لنا ، لا حكم الله الواقعي القطعي . فدليلها على أي حال ظنّي ، «فخبر الواحد لا يفيد العلم» كما يقول الأُصوليون .

فكيف حكم الشيخ التبريزي ما حكم على الناس بموجب دليل ظنّي لا يفيد العلم واليقين ؟

ثانياً : أن ظهور الرواية في المعنى المراد ـ القتل ـ ظنّي أيضاً إن لم يكن منتفياً كما أثبتنا . وعلى فرض صحّة هذه الظهور ودلالته فكيف يرتب الشيخ التبريزي آثاراً وأحكاماً قطعية خطيرة كاتهام الغير بالضلال وهتك حرمة المؤمنين على أساس دليل ظنّي الظهور والدلالة ؟

ثالثاً : قد يقال بأن لدى الشيخ التبريزي أدلّة وقرائن أُخرى ـ ذكرها في إحدى إجاباته في الانترنيت ـ إلاّ أن جميع ما ذكره من دلائل ، كانت كلها ظنّية محتملة ، وأقواها الرواية المذكورة التي احتجّ بها أكثر من مرّة ، واستند إليها لوحدها في بعض أجوبته .

والدلائل الأخرى غير صريحة بوقوع القتل .

أمّا مسألة الظلامة ، فهي أمر متسالم ، في مسألة فدك وغيرها ، وفي خطبة أمير المؤمنين (ع) إشارة إلى ذلك ولكن هذه الخطبة وغيرها لا تصرِّح بالموضوع مثار البحث ولا تشير إليه ، كما إن إخفاء دفنها (ع) لا يدل على التفصيل الذي يذهب إليه الشيخ التبريزي ، وإنّما يدل على عدم رضاها على القوم . ولا نريد نفي المسألة ـ كسر الضلع ـ أو إثباتها ، ولكن نريد القول أنّ الاستناد إلى هذا الدليل في اتهام الآخرين ممّن توافقوا في قبول هذه الأدلة بالضلال واه وغير تام&nb sp;.

أمّا استناد الشيخ التبريزي إلى روايات دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري ، فإن صاحب الكتاب لم يوثّق من قبل علماء الرجال ، ولا يمكن الاستناد إلى رواياته فهي ضعيفة سنداً .

رابعاً : والشيخ بنفسه لا يستطيع الجزم والقسم بالله العليّ العظيم على صحّة مدّعاه وأن ما ذكر مفصلاً قد وقع ، ولذا غالب إجاباته بهذا الشأن أنهاها بكلمتي : والله العالم ، وهما كلمتان يستعملها الفقهاء عادة عند موارد الاحتياط وعدم القطع بالفتوى .

فهل يقسم الشيخ بالله العليّ العظيم على وقوع كل ما ذكر بالتفصيل المذكور ؟

أمّا وقوع الظلم بصورة إجمالية فهو محل اتفاق ولم يدع أحد نكرانه .

خامساً : ما قول الشيخ في فقهاء كبار سابقين توقفوا في وقوع الحادثة كما تروى ؟ منهم :

1 ـ شيخ الطائفة الشيخ المفيد (رض) ، كما في الإرشاد ، فإنّه تردّد في الموضوع ، كما هو في باب : عدد أولاد أمير المؤمنين (ع) فإنّه نسب وجود المحسن إلى قول بعض الشيعة بذلك ولم يتبناه ، فراجع .

2 ـ المرحوم المرجع الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، قال (ره) : «ولكن قضيّة الزهراء (ع) ولطم خدّها مما لا يكاد يقبله وجداني ويتقبّله عقلي ويقنع به مشاعري ... » وجاء بأدلة اقتنع هو بها .

3 ـ المرحوم الآية السيِّد محسن الأمين لم يذكر الحادثة في أعيانه .

فهل يحكم عليهم بالضلال ـ والعياذ بالله ـ أم أ نّهم معذورون لأ نّهم مجتهدون ماتوا ولا يزاحمون أحداً في مرجعيته ؟!!

سادساً : إنّ الأدلة التي ذكرها الشيخ التبريزي على أساس أن هذه المسألة من مسائل الاعتقاد معظمها أدلة ضعيفة وبعضها استحسانات وترجيحات ، ومجمل استدلاله على أي حال يعد دليلاً عقلياً ، في الوقت الذي قامت الأدلة الشرعية على لزوم حفظ وحدة المسلمين وحرمة هتك حرمة المؤمن ، والدليل الشرعي مقدم على العقلي ، كما قرره علماء الأُصول .

وبذلك يحرم هتك حرمة المؤمنين ويجب حفظ وحدتهم ولا يجوز تجاوز ذلك استناداً إلى دليل عقلي ، سواء كان الدليل تاماً أم غير تام .

والنتيجة : أنّ المسألة مما لا طريق لنا إلى إثباتها ، وكذلك نفيها فهي مسألة تاريخية مختلف عليها ، فلكل نظره ، ونحترم كلاً لرأيه سواء مَن اعتقدوا بها أو مَن تردّد فيها وتوقف .

ولا يحكم بضلال هؤلاء ولا بطلان هؤلاء ، وليس الجدل في أصل الواقعة ووقوعها ، وإنّما النقاش في أ نّه لا يجوز أن ترتب آثار خطيرة من هتك حرمة المؤمنين وبث الفرقة بينهم واتهام بعضهم بالضلال وغيره بناء على أدلة ظنّية قد تكون صحيحة وقد لا تكون ، ولكل رأيه فيها ، والمسألة لا تتعلق بأصول الاعتقاد كما هو واضح وبيِّن ، فلا ملازمة بين نفي واقعة تاريخية ، والاعتقاد بالإمامة التي لها أدلتها المستقلة عن التاريخ ، فالمسائل الاعتقادية لها بحوثها الخاصة ف ي علم الكلام ، فتبحث فيها الأدلة العقلية أو الأدلة النقلية (التعبدية) ودلالاتها ولوازمها ، أمّا التاريخ فله علمه وفنونه المتعلقة به وأدوات الإثبات الخاصة به ، وله اختصاصيوه الذين لا يشترط فيهم الفقاهة كما لا يشترط في الفقيه أن يكون مؤرخاً .






---------------------------------------------
---------------------------------------------
----------------------------------------------
هذا موضوع قيم للاستاذ / حسن احمد علي حول اراء وفتاوي التبريزي التضليلية في سماحة اية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (دام ظله) ومن ايده من العلماء والمؤمنين حفظهم الله تعالى0
--------------------------------------------
الموضوع القادم انشاء الله سيكون ( مع الشيخ التبريزي في آرائه وفتاواه / مناقشة المنهج الذي قامت عليه الفتاوي التضليلية (7)) فترقبوه
-------------------------------------------
الموضوع سلسلة في حلقات مترابطة لذلك من الافضل التواصل معه وقرائته بكل اجزائه00
الحلقة الاولى : هل نقد المراجع بموضوعية تقييم مشروع او تسقيط ممنوع؟
http://www.manaar.com/vb/showthread.php?t=408
الحلقة الثانية : الشيخ التبريزي واركان الاعتقاد المبتدعة
[http://www.manaar.com/vb/showthread.php?t=419
الحلقة الثالثة : مع الشيخ التبريزي في ارائه وفتاواه ( اسس الولاية والاعتقاد)
http://www.manaar.com/vb/showthread.php?t=437
الحلقة الرابعة : مع الشيخ التبريزي في آرائه وفتاواه / بدعة التكفير على اساس التاريخ
http://www.manaar.com/vb/showthread.php?t=463
الحلقة الخامسة : مع الشيخ التبريزي في آرائه وفتاواه (5) شهادة الزهراء (ع) و دليله في ادانة مخالفيه
http://www.manaar.com/vb/showthread.php?t=481
----------------------------------------------------------------------]

دشتى
06-10-2003, 01:34 PM
كلام جميل يا أخ سيد مرحوم ، وبحث روائى وتاريخى ولغوى رائع ، ياليت تبعث بنسخة منه إلى مكتب التبريزى شخصيا أو عبر بريده الألكترونى لننظر ما يكون جوابه !