yasmeen
04-28-2005, 12:20 PM
لندن: فيصل عباس
http://www.asharqalawsat.com/2005/04/22/images/hassad.294950.jpg
هناك شخصية واحدة تتفوق على «بابا نويل» كأشهر شخصية خيالية لدى 90% من الأطفال الأميركيين، كما تشير الدراسات. ليس «سوبرمان» كما قد يتصور البعض، بل هو «رونالد ماكدونالدز»، المهرج الدائم الابتسام، والمرتبطة صورته بسلسلة مطاعم «ماكدونالدز» للوجبات السريعة، التي احتفلت الأسبوع الماضي بيوبيلها الذهبي.
اليوبيل الذهبي لـ«ماكدونالدز» كان ذهبيا بحق، بعد أن استطاعت السلسلة التوسع إلى أكثر من 30 ألف مطعم في نحو 120 بلدا، وتمكن شعارها الشهير (وهو قوسان ذهبيان على شكل حرف M) من أن يصبح خلال 50 عاماً فقط، أكثر شهرة من الصليب في كثير من البلدان، وفق ما جاء في كتاب «فاست فود نايشن» للصحافي الحائز جوائز عدة، ايريك سكلوسر. إلا أن سكلوسر، الذي استند إلى دراسات تسويقية موثقة، لم يكن يقصد مدح الانتشار الهائل لسلسلة المطاعم في كتابه الذي يحمل العنوان الفرعي «الجانب المظلم للوجبة الأميركية التقليدية»، وإنما كان من أوائل من دقوا «جرس الإنذار» في مطلع الألفية الجديدة محذرا من الخطر الكامن بين شقي «الهامبرغر» وثقافة الـ«فاست فود» التي غزت العالم وأدت إلى مشاكل صحية، من بينها السمنة في عدد من البلدان، إضافة إلى الكثير من المظاهر الثقافية والاجتماعية الجديدة.
ومع انتشار الاهتمام بالرشاقة والصحة لدى الجيل الجديد، تزايدت الاتهامات إلي «ماكدونالدز» وعدد آخر من أشهر الأسماء في عالم الوجبات السريعة، وذلك بتهم مختلفة تشمل التسبب في مشاكل صحية جادة، والتعمد في استهداف الأطفال، غير المدركين، تسويقياً، حتى أن المهرج «رونالد ماكدونالدز»، كان قاب قوسين أو أدني من أن يُجبر على خلع زيه الأصفر الشهير ليرتدي زي المساجين التقليدي المخطط بالأسود والأبيض.
* كيف بدأت القصة؟
* في 15 أبريل (نيسان) 1955 افتتح بائع خلاطات الـ«ميلك شيك»، روي كروك، مطعمه الجديد في ديس بلانيس، بولاية ايلينوي الأميركية، وذلك شراكة مع الأخوين ديك وموريس ماكدونالدز، اللذين كانا افتتحا عددا من المطاعم التي تقدم الهامبرغر في سان بيرناردينو، بكاليفورنيا. كروك لم يكن مهتماً في السابق بقطاع المطاعم، فهو كان قد رهن منزله واستثمر مدخرات حياته كلها ليصبح الموزع الحصري لخلاط «ميلك شيك»، لكن ما لفته في مطاعم ماكدونالدز، هو ما أطلق عليه اسم «سبيدي سيستم» (النظام السريع)، والذي مكن من تقديم وجبات جيدة في وقت قياسي وبأبخس الأسعار (15 سنتا للهامبرغر، 10 سنتات للبطاطا، و20 سنتا لـ«ميلك شيك»).
آمن كروك بمفهوم «النظام السريع» لدرجة أنه بعد ذلك بـ6 سنوات، اشترى كل مطاعم الأخوين ماكدونالدز بـ2.7 مليون دولار، وأصبح يملك الحق في الاسم وبيعه بعد ذلك على طريقة الـ«فرانشيز»، الأمر الذي در عليه الملايين بعد ذلك بفترة قريبة. أما لماذا لم يطلق روي كروك اسمه على المطاعم، وأبقاها باسم الأخوين ماكدونالدز، فبحسب التقارير التي وردت في عيد المطاعم الخمسين، فإن كروك قال في السابق «إلى أي حد كنت سأصل في تسويق اسم مثل كروكز هامبرغر؟ كنت أحتاج اسما مثل ماكدونالدز». وبحسب التقارير ذاتها فإن مطاعم «ماكدونالدز» تطعم حالياً 48 مليون شخص حول العالم يومياً، فيما يشير سكلوسر في كتابه إلي أن الأميركيين باتوا ينفقون على الوجبات السريعة أكثر من التعليم العالي، وأجهزة الكومبيوتر الشخصي، أو حتى السيارات. وهم ينفقون في الواقع على الوجبات السريعة أكثر مما ينفقون على الأفلام والكتب والجرائد وأشرطة الفيديو والموسيقى المسجلة مجتمعة.
* النظام السريع
* كيف يمكن بيع الهمبرغر بـ15 سنتا وتحقيق ربح في نفس الوقت؟ الواقع أن الأخوين ماكدونالدز أحدثا ثورة في ابتكارهما للنظام السريع، وكما في كثير من الأمور، فإن أفضل النتائج يتم الوصول إليها بالتجربة والخطأ، ففي أواخر الأربعينات وبعد سنوات من العمل في قطاع المطاعم، بدأ الأخوان يتعبان من البحث المستمر عن موظفي التوصيل، وكذلك استبدال الصحون والزجاجات وأدوات الأكل، التي كانت إما تتلف أو تسرق من قبل رواد المطعم، ولكن عوضا عن بيع مطعمها كانت لدى الأخوين فكرة أخرى. في 1948 أغلق الأخوان مطعمهما ليعيدا افتتاحه بعد أشهر، ولكن بعد تعديلات جذرية، فقد تخلصا من نحو ثلثي مما كان موجودا على قائمة الطعام الأصلية، وتخلصا من كل ما يمكن أكله بالشوكة والسكين أو الملعقة، واكتفيا ببيع سندوشات الهامبرغر" والتشيز برغر. وتخلصا كذلك من الصحون والأكواب الزجاجية، وكان البديل الأكواب والصحون والأكياس الورقية، كما قسما مهام تحضير العمل إلى أجزاء صغيرة يقوم بكل جزء منها أحد أفراد الفريق، مثلا شخص يأخذ الطلب، وآخر يشوي الهامبرغر، وثالث يضع عليه الصلصلة الخاصة ويلفه، ورابع يقلي البطاطا. وكانت تلك أول مرة يتم فيها إتباع نظام الـfactory assembly line في مطبخ تجاري. كل السندويشات كانت تباع بشكل ومحتوى متشابه، وكان يجب أن تكون جميعها بنفس المذاق. وكان لروي كروك الفضل في تطوير هذا النظام وترسيخ الكثير من «القيم الماكدونالدزية»، سواء المعنوية، مثل التركيز على السرعة والجودة والنظافة، أو الملموسة مثل ابتكار شعار القوسين الذهبيين، ومن ثم أتت الكثير من الابتكارات من المستثمرين الذين اشتروا الـ"فرانشايز"، ولعل اشهر الابتكارات هي سندويش الـ"بيغ ماك" التي قدمها 1968 المستثمر جيم ديليغاتي، وأيضا الـ«هابي ميل» (الوجبة السعيدة) التي أبصرت النور 1979 .
* Mcdonaldization
* كان جورج رتزر، أستاذ علم الاجتماع في جامعة ماريلاند، أول من استخدم كلمةMcdonaldization ، وذلك 1983، وعلى الرغم من أن الكثير من الكتاب والمسؤولين يستعملونها ككلمة سياسية على أنها مرادفة للامبريالية الأميركية، إلا رتزر، الذي ابتكر الكلمة، لم يكن ذلك قصده على الإطلاق. فجورج رتزر استخدم هذه الكلمة للتعبير عن ما تبناه الشعب الأميركي من قيم ماكدونالدز، مثل العملية، المحاسبة، القدرة على التوقع والتحكم، فهو يعتبر أن سلسلة المطاعم هذه أثرت في المجتمع وتصرفات الناس.
وبحسب نظرة رترز، فإن الناس أصبحوا يطلبون خدمات بفعالية وسرعة «خدمة السيارة»، حيث تطلب طلبك من شباك المطعم وتحاسب وتحصل على طلبك وأنت في سيارتك، وهو ما يحصل عليه الناس حاليا عبر خدمة الصراف الآلي ATM البنكية المشابهة لمفهوم «خدمة السيارة». كذلك يقول رترز إن الناس يفضلون ألا يفاجئوا وأن يعلموا مسبقا على ماذا سيحصلون.
ومما لا شك فيه أن ماكدونالدز جاء في الوقت المناسب لمواكبة تغير نمط الحياة لدى الأميركيين خلال الخمسينات، الأمر الذي امتد في ما بعد إلى معظم أنحاء العالم، خصوصاً أن أوروبا كانت تعيد بناء نفسها بعد أن أنهكتها الحروب. وبالعودة إلى الخمسينات، ففي ذلك الوقت كان الأميركيون بدأوا يركبون المزيد من السيارات، وكان ماكدونالدز هناك لتلبية متطلبات أميركا أكثر ازدحاما وحركة، خصوصا بعد أن تزودت بالعجلات. بعد ذلك وفيما بدأ المزيد من النساء الأميركيات يذهبن للعمل، كان ماكدونالدز خيارا مريحا للأمهات، ومفرحاً للأطفال.
* بداية النهاية
* هناك قاعدة معروفة لجميع من درس أو عمل في الـ«بيزنس»، وهي أن لكل منتج دورة حياة تبدأ باطلاقه، فنموه، إلى أن يصل إلى القمة ليبدأ بعد ذلك رحلة الهبوط فالزوال. وحتى الآن بقيت «الوجبات السريعة» كمنتج صامدة، ولكن ثمة عوامل بدأت تزعزع استقرارها مؤخراً، لعل أبرزها هو الهاجس العالمي بالصحة والرشاقة. أما العامل الآخر، وهو ما يخص ماكدونالدز تحديدأً، فهو اعتبار هذا الاسم التجاري تحديداً رمزاً للولايات المتحدة.
أما في ما يخص حمى الـ«دايت» وهاجس الصحة، فيرى المحللون أكثر من سببا، منها زيادة الوعي بشكل عام بسبب تحسن مستوى التعليم في كثير من البلدان، واطلاع الناس بشكل أكبر على مختلف مصادر المعلومات، وسيطرة الجميلات الرشيقات على الإعلام، وزيادة المخاطر الصحية من الوجبات السريعة.
ومن المحطات اللافتة في هذا الانقلاب في المزاج العام، رفع المحامي سام هيرش قضية ضد ماكدونالدز نيابة عن مجموعة كبيرة من الأطفال البدناء، وقال المحامي في اتهامته إن سلسلة المطاعم هذه تسوق طعاما «غنيا بالدهون والملح والسكر والكوليسترول» للأطفال، وذلك إما «إهمالا أو بلا اكتراث أو هو عن قصد، وذلك من دون التحذير أن محتوى هذا الطعام له علاقة بالسمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والكوليسترول وبعض أنواع السرطان».
ومن المحطات اللافتة أيضاً كانت القصة الرئيسية لمجلة «فورتشن» يوم 21 يناير (كانون الثاني) 2003، والتي كان غلافها يحمل صورة أصبع حلوى يحترق داخل صحن إطفاء السجائر، وكان العنوان المجازي الرئيسي هو «هل السمنة هي التبغ الجديد؟».
أما بالنسبة للسياسة، فلطالما كانت مطاعم ماكدونالدز هدفا للتظاهرات التي تتراوح في أسبابها بين المعارضة للعولمة أو المعارضة للنظام الأميركي وصولا إلى الاعتداءات والتفجيرات، كما حدث في بعض البلدان العربية خلال السنوات الماضية.
يقول مدير السياسة الخارجية في «ذا سنتر فور يوروبيان ريفورم»، البريطاني مارك ليونارد، في كتابه «لماذا ستدير أوروبا القرن الـ21؟»، إن «معارضة العولمة هي ظاهرة تكاد تكون معارضة للأمركة حصريا، حتى داخل الولايات المتحدة نفسها.. فيما العولمة هي ظاهرة أوروبية أيضا». ويضيف ليونارد «توسع ماكدونالدز يثير حنق معارضي العولمة في كل مكان». وفي النهاية، فإن الزمن وحده هو ما سيحدد إن كان سيكتب لوجبات ماكدونالدز السريعة البقاء والاستمرار.
http://www.asharqalawsat.com/2005/04/22/images/hassad.294950.jpg
هناك شخصية واحدة تتفوق على «بابا نويل» كأشهر شخصية خيالية لدى 90% من الأطفال الأميركيين، كما تشير الدراسات. ليس «سوبرمان» كما قد يتصور البعض، بل هو «رونالد ماكدونالدز»، المهرج الدائم الابتسام، والمرتبطة صورته بسلسلة مطاعم «ماكدونالدز» للوجبات السريعة، التي احتفلت الأسبوع الماضي بيوبيلها الذهبي.
اليوبيل الذهبي لـ«ماكدونالدز» كان ذهبيا بحق، بعد أن استطاعت السلسلة التوسع إلى أكثر من 30 ألف مطعم في نحو 120 بلدا، وتمكن شعارها الشهير (وهو قوسان ذهبيان على شكل حرف M) من أن يصبح خلال 50 عاماً فقط، أكثر شهرة من الصليب في كثير من البلدان، وفق ما جاء في كتاب «فاست فود نايشن» للصحافي الحائز جوائز عدة، ايريك سكلوسر. إلا أن سكلوسر، الذي استند إلى دراسات تسويقية موثقة، لم يكن يقصد مدح الانتشار الهائل لسلسلة المطاعم في كتابه الذي يحمل العنوان الفرعي «الجانب المظلم للوجبة الأميركية التقليدية»، وإنما كان من أوائل من دقوا «جرس الإنذار» في مطلع الألفية الجديدة محذرا من الخطر الكامن بين شقي «الهامبرغر» وثقافة الـ«فاست فود» التي غزت العالم وأدت إلى مشاكل صحية، من بينها السمنة في عدد من البلدان، إضافة إلى الكثير من المظاهر الثقافية والاجتماعية الجديدة.
ومع انتشار الاهتمام بالرشاقة والصحة لدى الجيل الجديد، تزايدت الاتهامات إلي «ماكدونالدز» وعدد آخر من أشهر الأسماء في عالم الوجبات السريعة، وذلك بتهم مختلفة تشمل التسبب في مشاكل صحية جادة، والتعمد في استهداف الأطفال، غير المدركين، تسويقياً، حتى أن المهرج «رونالد ماكدونالدز»، كان قاب قوسين أو أدني من أن يُجبر على خلع زيه الأصفر الشهير ليرتدي زي المساجين التقليدي المخطط بالأسود والأبيض.
* كيف بدأت القصة؟
* في 15 أبريل (نيسان) 1955 افتتح بائع خلاطات الـ«ميلك شيك»، روي كروك، مطعمه الجديد في ديس بلانيس، بولاية ايلينوي الأميركية، وذلك شراكة مع الأخوين ديك وموريس ماكدونالدز، اللذين كانا افتتحا عددا من المطاعم التي تقدم الهامبرغر في سان بيرناردينو، بكاليفورنيا. كروك لم يكن مهتماً في السابق بقطاع المطاعم، فهو كان قد رهن منزله واستثمر مدخرات حياته كلها ليصبح الموزع الحصري لخلاط «ميلك شيك»، لكن ما لفته في مطاعم ماكدونالدز، هو ما أطلق عليه اسم «سبيدي سيستم» (النظام السريع)، والذي مكن من تقديم وجبات جيدة في وقت قياسي وبأبخس الأسعار (15 سنتا للهامبرغر، 10 سنتات للبطاطا، و20 سنتا لـ«ميلك شيك»).
آمن كروك بمفهوم «النظام السريع» لدرجة أنه بعد ذلك بـ6 سنوات، اشترى كل مطاعم الأخوين ماكدونالدز بـ2.7 مليون دولار، وأصبح يملك الحق في الاسم وبيعه بعد ذلك على طريقة الـ«فرانشيز»، الأمر الذي در عليه الملايين بعد ذلك بفترة قريبة. أما لماذا لم يطلق روي كروك اسمه على المطاعم، وأبقاها باسم الأخوين ماكدونالدز، فبحسب التقارير التي وردت في عيد المطاعم الخمسين، فإن كروك قال في السابق «إلى أي حد كنت سأصل في تسويق اسم مثل كروكز هامبرغر؟ كنت أحتاج اسما مثل ماكدونالدز». وبحسب التقارير ذاتها فإن مطاعم «ماكدونالدز» تطعم حالياً 48 مليون شخص حول العالم يومياً، فيما يشير سكلوسر في كتابه إلي أن الأميركيين باتوا ينفقون على الوجبات السريعة أكثر من التعليم العالي، وأجهزة الكومبيوتر الشخصي، أو حتى السيارات. وهم ينفقون في الواقع على الوجبات السريعة أكثر مما ينفقون على الأفلام والكتب والجرائد وأشرطة الفيديو والموسيقى المسجلة مجتمعة.
* النظام السريع
* كيف يمكن بيع الهمبرغر بـ15 سنتا وتحقيق ربح في نفس الوقت؟ الواقع أن الأخوين ماكدونالدز أحدثا ثورة في ابتكارهما للنظام السريع، وكما في كثير من الأمور، فإن أفضل النتائج يتم الوصول إليها بالتجربة والخطأ، ففي أواخر الأربعينات وبعد سنوات من العمل في قطاع المطاعم، بدأ الأخوان يتعبان من البحث المستمر عن موظفي التوصيل، وكذلك استبدال الصحون والزجاجات وأدوات الأكل، التي كانت إما تتلف أو تسرق من قبل رواد المطعم، ولكن عوضا عن بيع مطعمها كانت لدى الأخوين فكرة أخرى. في 1948 أغلق الأخوان مطعمهما ليعيدا افتتاحه بعد أشهر، ولكن بعد تعديلات جذرية، فقد تخلصا من نحو ثلثي مما كان موجودا على قائمة الطعام الأصلية، وتخلصا من كل ما يمكن أكله بالشوكة والسكين أو الملعقة، واكتفيا ببيع سندوشات الهامبرغر" والتشيز برغر. وتخلصا كذلك من الصحون والأكواب الزجاجية، وكان البديل الأكواب والصحون والأكياس الورقية، كما قسما مهام تحضير العمل إلى أجزاء صغيرة يقوم بكل جزء منها أحد أفراد الفريق، مثلا شخص يأخذ الطلب، وآخر يشوي الهامبرغر، وثالث يضع عليه الصلصلة الخاصة ويلفه، ورابع يقلي البطاطا. وكانت تلك أول مرة يتم فيها إتباع نظام الـfactory assembly line في مطبخ تجاري. كل السندويشات كانت تباع بشكل ومحتوى متشابه، وكان يجب أن تكون جميعها بنفس المذاق. وكان لروي كروك الفضل في تطوير هذا النظام وترسيخ الكثير من «القيم الماكدونالدزية»، سواء المعنوية، مثل التركيز على السرعة والجودة والنظافة، أو الملموسة مثل ابتكار شعار القوسين الذهبيين، ومن ثم أتت الكثير من الابتكارات من المستثمرين الذين اشتروا الـ"فرانشايز"، ولعل اشهر الابتكارات هي سندويش الـ"بيغ ماك" التي قدمها 1968 المستثمر جيم ديليغاتي، وأيضا الـ«هابي ميل» (الوجبة السعيدة) التي أبصرت النور 1979 .
* Mcdonaldization
* كان جورج رتزر، أستاذ علم الاجتماع في جامعة ماريلاند، أول من استخدم كلمةMcdonaldization ، وذلك 1983، وعلى الرغم من أن الكثير من الكتاب والمسؤولين يستعملونها ككلمة سياسية على أنها مرادفة للامبريالية الأميركية، إلا رتزر، الذي ابتكر الكلمة، لم يكن ذلك قصده على الإطلاق. فجورج رتزر استخدم هذه الكلمة للتعبير عن ما تبناه الشعب الأميركي من قيم ماكدونالدز، مثل العملية، المحاسبة، القدرة على التوقع والتحكم، فهو يعتبر أن سلسلة المطاعم هذه أثرت في المجتمع وتصرفات الناس.
وبحسب نظرة رترز، فإن الناس أصبحوا يطلبون خدمات بفعالية وسرعة «خدمة السيارة»، حيث تطلب طلبك من شباك المطعم وتحاسب وتحصل على طلبك وأنت في سيارتك، وهو ما يحصل عليه الناس حاليا عبر خدمة الصراف الآلي ATM البنكية المشابهة لمفهوم «خدمة السيارة». كذلك يقول رترز إن الناس يفضلون ألا يفاجئوا وأن يعلموا مسبقا على ماذا سيحصلون.
ومما لا شك فيه أن ماكدونالدز جاء في الوقت المناسب لمواكبة تغير نمط الحياة لدى الأميركيين خلال الخمسينات، الأمر الذي امتد في ما بعد إلى معظم أنحاء العالم، خصوصاً أن أوروبا كانت تعيد بناء نفسها بعد أن أنهكتها الحروب. وبالعودة إلى الخمسينات، ففي ذلك الوقت كان الأميركيون بدأوا يركبون المزيد من السيارات، وكان ماكدونالدز هناك لتلبية متطلبات أميركا أكثر ازدحاما وحركة، خصوصا بعد أن تزودت بالعجلات. بعد ذلك وفيما بدأ المزيد من النساء الأميركيات يذهبن للعمل، كان ماكدونالدز خيارا مريحا للأمهات، ومفرحاً للأطفال.
* بداية النهاية
* هناك قاعدة معروفة لجميع من درس أو عمل في الـ«بيزنس»، وهي أن لكل منتج دورة حياة تبدأ باطلاقه، فنموه، إلى أن يصل إلى القمة ليبدأ بعد ذلك رحلة الهبوط فالزوال. وحتى الآن بقيت «الوجبات السريعة» كمنتج صامدة، ولكن ثمة عوامل بدأت تزعزع استقرارها مؤخراً، لعل أبرزها هو الهاجس العالمي بالصحة والرشاقة. أما العامل الآخر، وهو ما يخص ماكدونالدز تحديدأً، فهو اعتبار هذا الاسم التجاري تحديداً رمزاً للولايات المتحدة.
أما في ما يخص حمى الـ«دايت» وهاجس الصحة، فيرى المحللون أكثر من سببا، منها زيادة الوعي بشكل عام بسبب تحسن مستوى التعليم في كثير من البلدان، واطلاع الناس بشكل أكبر على مختلف مصادر المعلومات، وسيطرة الجميلات الرشيقات على الإعلام، وزيادة المخاطر الصحية من الوجبات السريعة.
ومن المحطات اللافتة في هذا الانقلاب في المزاج العام، رفع المحامي سام هيرش قضية ضد ماكدونالدز نيابة عن مجموعة كبيرة من الأطفال البدناء، وقال المحامي في اتهامته إن سلسلة المطاعم هذه تسوق طعاما «غنيا بالدهون والملح والسكر والكوليسترول» للأطفال، وذلك إما «إهمالا أو بلا اكتراث أو هو عن قصد، وذلك من دون التحذير أن محتوى هذا الطعام له علاقة بالسمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والكوليسترول وبعض أنواع السرطان».
ومن المحطات اللافتة أيضاً كانت القصة الرئيسية لمجلة «فورتشن» يوم 21 يناير (كانون الثاني) 2003، والتي كان غلافها يحمل صورة أصبع حلوى يحترق داخل صحن إطفاء السجائر، وكان العنوان المجازي الرئيسي هو «هل السمنة هي التبغ الجديد؟».
أما بالنسبة للسياسة، فلطالما كانت مطاعم ماكدونالدز هدفا للتظاهرات التي تتراوح في أسبابها بين المعارضة للعولمة أو المعارضة للنظام الأميركي وصولا إلى الاعتداءات والتفجيرات، كما حدث في بعض البلدان العربية خلال السنوات الماضية.
يقول مدير السياسة الخارجية في «ذا سنتر فور يوروبيان ريفورم»، البريطاني مارك ليونارد، في كتابه «لماذا ستدير أوروبا القرن الـ21؟»، إن «معارضة العولمة هي ظاهرة تكاد تكون معارضة للأمركة حصريا، حتى داخل الولايات المتحدة نفسها.. فيما العولمة هي ظاهرة أوروبية أيضا». ويضيف ليونارد «توسع ماكدونالدز يثير حنق معارضي العولمة في كل مكان». وفي النهاية، فإن الزمن وحده هو ما سيحدد إن كان سيكتب لوجبات ماكدونالدز السريعة البقاء والاستمرار.