المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ترويض الوحش الرأسمالي.. صعب جداً



جون
08-01-2015, 06:12 AM
الصين.. أحدث مثال

http://www.alqabas.com.kw/Temp/Pictures/2015/08/01/19992e6b-fa7b-4435-a9f1-a7f4e2edd207__Article_Thumb.jpg

لا تخلو الراسمالية من طفرات ثم ازمات وانهيارات.. ثم طفرات وهكذا دواليك!
نشر في : 01/08/2015

">الاقتصاد الرأسمالي لديه قدرة هائلة على انتشال الناس من الفقر. الا أنه يجد صعوبة في خلق مجتمع عادل، في الوقت الذي تمثل فيه دورات الطفرات والانهيارات، فضلا عن الأزمات المالية، سمات دائمة للنظام.

للوهلة الأولى، تبدو فقاعة سوق الأسهم، التي عاثت خرابا في بورصتي شنغهاي وشنتشن في الأسابيع الأخيرة، صينية على نحو فريد. فهي بعد كل شيء نتاج لعمل قامت به الدولة، الى حد كبير، بهدف اعادة رسملة الشركات المترنحة المملوكة للدولة بسعر رخيص، بفضل الارتفاع الكبير في أسعار الأسهم. بيد أن الصعوبة التي تواجهها بكين في دعم السوق منذ الانخفاض الأخير، تظهر حدود نموذج التسلط والتدخل للرأسمالية في الصين. فالفقاعة تظل فقاعة بغض النظر عن مكانها. وتبين أن ترويض وحش الرأسمالية أمر صعب وشائك في الصين، كما هو في الغرب.

جون بليندر

ترجمة وإعداد إيمان عطية وحسن عز الدين

توضح الصين على نطاق ملحمي الحقيقة الأساسية بشأن النظام الرأسمالي، الذي اعتمدته في عام 1978 تحت قيادة دنغ شياو بينغ. فهو نظام لديه قدرة هائلة على انتشال الناس من الفقر، لكن مقابل ثمن لا يتعلق فقط بميل رأس المال الى اضطهاد، وظلم العاملين الممتهنة انسانيتهم في المراحل الأولى من التصنيع، ولا بقسوة التدمير الخلاق والدورات المضطربة التي ميزت النظام منذ الثورة الصناعية حتى الأزمة المالية الكبيرة لعام 2008، ولا حتى بارتفاع مستويات التباين وعدم المساواة، التي صاحبت الرأسمالية في العقود الأخيرة، لاسيما في البلدان الناطقة باللغة الانكليزية وفي الصين.
فهناك سؤال أكثر جوهرية يتعلق بالشرعية، وبالدور المركزي للدافع المالي، أو باختصار الجشع، في تحفيز وقيادة النمو الاقتصادي. وكما يقال، فان عالم الاقتصاد جون ماينارد كينز أشار الى أن «الرأسمالية هي الاعتقاد المدهش بأن أسوأ الدوافع عند أسوأ الرجال تعمل، بطريقة أو بأخرى، لتحقيق أفضل النتائج في أفضل العوالم الممكنة».

هذا القلق بشأن الطابع الأخلاقي للمال يعود على الأقل الى أفلاطون وأرسطو. ففي كتاب «القوانين» لأفلاطون، اتهم المتحدث الرئيسي الأعمال بأنها «تولد في نفوس الرجال أساليب وطرقا مخادعة وغير شريفة». كما كان أرسطو غاضبا أيضا من التجارة، التي يعتبرها وضيعة وتميل الى تقويض الالتزام المدني. بعد ذلك، كان هناك عيسى عليه السلام، الذي لم يكن لديه وقت للأغنياء، والقديس بولس، الذي قال ان حب المال هو أصل كل الشرور.

رجال الأعمال يتمتعون بسمعة سيئة بقدر الأعمال نفسها. منذ العصور القديمة وحتى يومنا هذا، كان يتم السخرية وهجاء ابتذال وادعاء الأثرياء الجدد من رجال الأعمال بقسوة وبلا رحمة من قبل الروائيين والمسرحيين، لكونهم المثل العليا للضيوف المثيرين للاشمئزاز في مأدبة ترايميلتشو Trimalchio، في رواية ساتيريكون لمؤلفها بترونيوس، وشخصية المسيو جوردان في مسرحية موليير «البرجوازي النبيل»، التي يسخر فيها من التسلق الاجتماعي وسوقية وبهرجة الطبقة المتوسطة، وتعالي وغرور الطبقة الارستقراطية.

روائيو القرن التاسع عشر من قبيل بلزاك وديكنز وزولا وديستويفسكي، برعوا في فن تصوير الأشخاص الرهيبين الشديدي البخل والتجار المحتالين. وفي العصر الحديث، هلل عدد قليل من المؤلفين للفوائد الاجتماعية لخلق الثروات في الروايات أو الشعر، مع استثناء ملحوظ، وهو آين راند.
علينا أن نعترف أنه في معظم فترات التاريخ، كانت المشاعر المناهضة للأعمال حقيقة ثابتة وراسخة للبنية الاجتماعية والسياسية، الأمر الذي يساعد في تفسير السبب في كون الرأسمالية زرعاً غير مريح في ثقافات الغرب والشرق على حد سواء.

قيم أفلاطون وأرسطو، التي نقلها الفيلسوف توماس أكواينس في القرن الثالث عشر، صمدت واستمرت في أوروبا خلال عصر الاقطاعية. في ذلك الوقت، كانت تأتي السلطة والثروة من الأرض، وكان الارستقراطيون ينظرون الى التجارة بدونية ويزدرونها. تجارة الأسلحة وادارة العقارات والعمل في الكنيسة كانت المهن الوحيدة المناسبة للنبلاء. فلم يكن لديهم وقت لفضائل البورجوازية في ادخار المال والمغامرة.

الشيء نفسه ينطبق على آسيا. اذ كان علماء الكونفوشيوسية الأوائل في الصين يعلمون مريديهم أن هناك تسلسلا هرميا للمهن، «المهن الأربع»، التي تبدأ بالعلماء النبلاء، ثم تمر عبر الفلاحين في المناطق الريفية، ثم الحرفيين المهرة، وصولا الى التجار الوضيعين.

وفي المجتمع الطبقي الاقطاعي المماثل في اليابان، وعلى مدى عدة قرون قبل اصلاحات الامبراطور ميجي في عام 1868، كان التسلسل الهرمي ينحدر من الساموراي الى المزارع ثم الى الحرفي وأخيرا الى التاجر، الذي كان يعتبر، في أفضل الأحوال، شر لا بد منه. لماذا دائما هناك الكثير من الازدراء حيال المال والأعمال؟ السياق الاقتصادي يوفر جزءا من الاجابة. فعلى مدى قرون من الزمن كان هناك القليل أو انعدام للنمو في نصيب الفرد من الدخل. وبدون نمو، كانت التجارة تبدو لعبة محصلتها صفر حيث ان ربح رجل ما فان ذلك يعني الحاق خسارة برجل آخر لا محالة. وهكذا بدا الأساس الأخلاقي للتجارة مشكوكا فيه.

بدأ هذا التحامل على التجارة بالتآكل في العالم الاسلامي. وفي الصين، شهد التسويق التدريجي بين القرن العاشر والقرن السابع عشر، في عهد سلالتي سونغ ومينغ، تساهلا مع الفئات المهنية واستيعاب للتجار الأغنياء ضمن طبقة النبلاء التي تملك الأراضي، رغم أن بيروقراطية الصين، كانت لا تزال تمثل عائقا قويا أمام تطوير الاقتصاد الرأسمالي.

مسيرة الأعمال الطويلة لاستحقاق شيء من الاحترام في أوروبا بدأت بشكل جدي مع المدن الايطالية التي كانت بمنزلة دولة. فخلال الفترة بين القرن الثاني عشر والقرن الرابع عشر، اختلط التجار والمصرفيون مع الطبقة الارستقراطية الحاكمة القوية، مما أدى الى انقطاع الصلة بين السلطة والأرض. وأصبح اقتصادها قائما على المال، واتخذ شكلا بدائيا للرأسمالية، بمعنى أنها كانت متجذرة في مبادلات ومقايضات السوق، ومدعومة بحقوق ملكية واضحة الى حد معقول. بل ان بوكاتشيو كان قادرا على التصريح في رواية ديكاميرون بأن «التجار رجال طاهرون ومهذبون».

في القرنين السابع عشر والثامن عشر، شهد المناخ الفكري في أوروبا خطوة نحو التغيير. ففي أعقاب الحروب الدينية المدمرة في أوروبا، هاجم فلاسفة مثل غروتيوس وسبينوزا و هوبز القيم العسكرية التي سادت أثناء العصور الوسطي، والتقاليد المسيحية في معاداة المادية. وكانوا يهدفون من ذلك الى ضمان السلام والاستقرار من خلال صرف الناس بعيدا عن البطولات العسكرية والانشغال بالخلاص الأبدي على حساب الازدهار.

ثم جاء آدم سميث مع تمجيده للمصلحة الذاتية عام 1776 في كتاب «ثروة الأمم». حاول مونتسكيو، الفيلسوف السياسي الفرنسي في القرن الثامن عشر، أن يجعل من التجارة مهنة محترمة من خلال ما ورد في كتابه «روح القوانين».... الأثر الطبيعي للتجارة هو أن تؤدي الى السلام. دولتان تتبادلان التجارة فيما بينهما يجعلهما تعتمد إحداهما على الأخرى: اذا كان لدى احداهما اهتمام بالشراء، تكون الأخرى مهتمة بالبيع وجميع الاتحادات تستند إلى الاحتياجات المتبادلة.

قواعد اللعبة تغيرت بشكل كبير في النصف الثاني من القرن الثامن عشر مع الثورة الصناعية، التي جسدت طريقة عمل ما نعرفه الآن بالرأسمالية، النظام الذي سينتشل الملايين من الفقر المدقع.
لكن العقبة كانت في الرأسمالية القوية المفعمة بالحيوية التي جلبت معها الحدود القصوى المتطرفة لدورة الأعمال ودورة مالية أكثر تطرفا، الأمر الذي أدى الى انتقادات فظة وعنيفة ليس أقلها ما جاء من ماركس وأنغلز اللذين صدما من استعباد رأس المال للطبقة العاملة.

وفي كتابه «رسائل عن التربية الجمالية للانسان» أعرب شيلر عن غضبه الشديد من انتصار الفائدة على الفن. في حين سلط أوليفر غولد سميث الضوء في قصيدته «القرية المهجورة» على الاضطرابات الاجتماعية التي نشأت من التحضر الذي رافق التصنيع.

اليوم في العالم المتقدم، تم تخفيف أقسى ملامح وسمات الرأسمالية من خلال تدخل الدولة، على الرغم من تكلفة ذلك على الدين العام وزيادته بشكل كبير، بيد أن القلق بشأن الأساس الأخلاقي للرأسمالية يبقى قائما.

حاول كينز وضع أفضل جانب لها في كتاب « النظرية العامة» : «يمكن توجيه النزعات البشرية الخطيرة الى قنوات غير ضارة نسبيا، بسبب وجود الفرص لجني المال والثروات الخاصة التي ان لم يكن بالامكان اشباعها بهذه الطريقة، فانها قد تجد لها منفذا في القسوة، أي السعي المتهور للقوة والسلطة الشخصية، وأشكال أخرى من تعظيم الذات. ومن الأفضل أن يستبد الرجل بحسابه المصرفي على أن يستعبد المواطنين».

انها فكرة مثيرة للاهتمام، لكنها تبالغ في الحجة المؤيدة للمال، مع تلميحها الضمني بأنه لو كان هتلر أو ستالين أو ماو تسي تونغ منحوا مصنع نسيج لادارته في سن مبكرة، لكنا ربما تجنبنا أسوأ الفظائع التي ارتكبت في القرن العشرين.

الرأسمالية لديها حقائقها الأبدية. احدى تلك الحقائق هي أنها لم ولن تخلق أبدا الاقتصاد السياسي لمجتمع عادل. وحقيقة أخرى هي أن الطفرات والانهيارات الى جانب الأزمات المالية الشديدة، هي من السمات الدائمة للنظام. الفقاعة في الصين، تماما كما هي الأزمة المالية في عام 2008 في الغرب، تذكير مفيد بهذه الحقيقة الأساسية.

*هذا المقال استند الى الكتاب الذي ألفه جون بليندر «الرأسمالية: المال والأخلاق والأسواق».


http://www.alqabas.com.kw/Articles.aspx?ArticleID=1078494&CatID=774