كاكاو
06-16-2015, 02:26 PM
بيار كونيسا - لوموند الفرنسيه
قد نهزأ من بعض تعليقات رجال الدين السعوديين الذين يصرّون على أن الأرض مسطحة (المفتي عبد العزيز بن باز)، أو أنها لا تدور حول الشمس (الشيخ بندر خيبري)، وقد نسخر من جهود رابطة العالم الإسلامي للترويج للنسخة القرآنية من نظرية الخلق، فيما نتذكر أول أعمال تدمير المواقع الأثرية، منها مقبرة الباقي الشهيرة التي دفن فيها صحابة النبي محمد (الشيخ محمد الطيب) خلال السيطرة على مكة. كما قد يصدمنا رفض القضاة للأخذ بشهادة غير المسلمين، وهو أمر يضمّ إلى لائحة طويلة من البلاهات السعودية التي تكاد تكون
بطول لائحة المحظورات المفروضة على المرأة. ولكننا لن نضحك كثيراً حين نسمع عن الحكم الصادر بحق رائف بدوي بالسجن 10 سنوات، وهو حكم قد لا يتمكّن من تنفيذه لأنه سيموت على الأرجح قبل نهاية الألف جلدة التي تشكل جزءاً من الحكم ذاته. تطبق هذه القوانين ضمن حدود المملكة، إلا أن السلفية التي تواجهها فرنسا، هي في الواقع منتج تصدّره الوهّابية السعودية، وتشكّل مثالاً لاستراتيجية التأثير (السعودي) التي قلّما تحللها شبكتنا الدبلوماسية.
في العقود القليلة الماضية، أصبحت الدبلوماسية الدينية أكثر نشاطاً من الدبلوماسية العلمانية المتسامحة، وقد لعبت المملكة العربية السعودية دوراً بارزاً في ذلك، وهي دولة حليفة تحقق بفضل ثورة النفط أرباحاً خلال ثلاثة أيام تساوي ما كانت تحققه خلال عام كامل قبل 1973.
البروباغندا
تنفق السعودية منذ عام 1975 ما بين ملياريّ وثلاث مليارات جنيه استرليني في العام على الدعاية الدينية (ما بين 2.7 و4.1 مليار يورو، أي ما بين ضعفيّ وثلاثة أضعاف الدعاية السوفياتية). وفي كلّ عام، تستقبل الجامعات الدينية في المملكة آلاف الطلاب المسلمين، وتصدّر أئمة المساجد والكتب ووسائل الإعلام والمنح الدراسية والمدارس والمراكز الدينية والمدارس الدينية. فقد تم تمويل بناء أكثر من 1500 مسجد خلال خمسين سنة في أوروبا وأفريقيا جنوب الصحراء وآسيا وروسيا. وتسهم الأموال في إنشاء مراكز على مقربة من أهمّ مواقع تعليم الدين الإسلامي، مثل جامعة الأزهر التي تعدّ أقدم وأعرق الجامعات الإسلامية.طوّرت الشبكات السلفية تقنيات لتجنيد العناصر الجدد من خلال الترويج لقرب نهاية العالم
وقد أجرت مؤسسة «فريدوم هاوس» الأميركية دراسةً لكتيبات وهابية في مساجد في الولايات المتحدة ووجدت فيها عبارات مثل «لا يجب على المسلمين معارضة الكفّار فحسب، بل أيضاً كرههم وقتالهم»، و«الديمقراطيات مسؤولة عن كلّ الحرب بالتواطؤ مع الشيعة». وقد أشار تقرير بريطاني صادر عن مكتب المعايير في التربية وخدمات الأطفال والمهارات إلى النتائج عينها في بريطانيا عام 2014. وردّت رابطة القيادات الإسلامية في أميركا بإصدار بيان تقليدي دعت فيه إلى عدم «وصم» المسلمين وإلى الإقناع عن طريق الحوار، ولكن أينفع ذلك في بلد حيث القانون الجديد لمكافحة الإرهاب الصادر عام 2014 يعتبر الملحدين والمتظاهرين السلميين «إرهابيين»؟
نهاية العالم
يعاقب على الردّة والتجديف بالإعدام، وهنا يجب طرح أسئلة عدّة، أولها لماذا هذا البلد الذي يعتبر نفسه منارة الإسلام لا يستقبل أي لاجئين فارين من الحرب في سوريا والعراق، لا بل يبني جداراً على امتداد 800 كيلومتر، أطول من الجدار الإسرائيلي، لمنع اللاجئين من الدخول إلى السعودية؟ أجل تدفع السعودية الأموال ولكنها لا تستقبل مخيمات اللاجئين! يا له من تضامن منظّم.
إن طرد اللاجئين بالقوّة أمر شائع في السعودية، ومن الأمثلة على ذلك ما تعرّض له الصوماليون.
وماذا عن الجهاد؟ في السنوات الثلاثين الماضية، انتشرت هذه النسخة الإسلامية من مناهضة الامبريالية في دول العالم الثالث في الثمانينيات والتسعينيات واستخدمت الحجج عينها لتشريع العنف من خلال رفض السيطرة الإمبريالية والرأسمالية الغربية والدعوة إلى التضامن العالمي والوعد بمجتمعات تسودها العدالة والمساواة، وأخيراً التشهير بالتيارات الإصلاحية (الإخوان المسلمون) والتيارات الداعية لإحداث تغييرات (المسلمون السيئون). خلال الحرب السوفياتية في أفغانستان بين عاميّ 1983 و1980، قدّر عدد السعوديين الذين كانوا يشاركون في القتال بين 15 ألف و25 ألف مقاتل. وفرض الأمير تركي الذي كان يمولّ 75% من المساعدات للمقاتلين المناهضين
للسوفيات، على باكستان في عهد محمد ضياء الحق المدارس الحنبلية (السلفية) التي خرّجت بعد عشر سنوات حركة الطالبان، وهو أمر ما كان أحد يتوقعه.
بيار كونسيا خلال الثمانينيات، تدربت حوالى أربعين جماعة في مخيمات تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، واليوم أشخاص من حوالى مئة جنسية مختلفة يقاتلون في سوريا، منهم أكثر من 2300 سعودي. وقد طوّرت الشبكات السلفية تقنيات لتجنيد العناصر الجدد من خلال الترويج لقرب نهاية العالم وعودة المخلّص.
ويستدلّ من خلال استخدام الرياض لعدد قليل من الطائرات ضدّ «داعش» (بقدر القوات الدنماركية والهولندية مجتمعة وأقلّ مرتين من فرنسا)، ولعدد مضاعف منها لمواجهة التمرّد الحوثي في اليمن، أن العدوّ الحقيقي للوهابية هو الشيعة.
كما أن التعاطف الداخلي مع السلفية الجهادية أمر واضح، ومن شأن أي عمل عسكري عدواني ضد الدول الإسلامية أن يكون له أثر سلبي لا بل مزعزع للداخل السعودي. فهل يكفي ثراء السعودية الطائل ليجعل منها حليفاً؟ إن كان الجواب نعم، فحليف ضدّ من؟ هل ستصوّت فرنسا لصالح عضوية الرياض في المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة؟
(عن «لو موند»، ترجمة هنادي مزبودي)
* باحث في مسائل الاستراتيجية الدولية، وكاتب دراسة «أي سياسية لمكافحة الأصولية في فرنسا؟»
العدد ٢٦١٦ الثلاثاء ١٦ حزيران ٢٠١٥
http://www.al-akhbar.com/node/235664
قد نهزأ من بعض تعليقات رجال الدين السعوديين الذين يصرّون على أن الأرض مسطحة (المفتي عبد العزيز بن باز)، أو أنها لا تدور حول الشمس (الشيخ بندر خيبري)، وقد نسخر من جهود رابطة العالم الإسلامي للترويج للنسخة القرآنية من نظرية الخلق، فيما نتذكر أول أعمال تدمير المواقع الأثرية، منها مقبرة الباقي الشهيرة التي دفن فيها صحابة النبي محمد (الشيخ محمد الطيب) خلال السيطرة على مكة. كما قد يصدمنا رفض القضاة للأخذ بشهادة غير المسلمين، وهو أمر يضمّ إلى لائحة طويلة من البلاهات السعودية التي تكاد تكون
بطول لائحة المحظورات المفروضة على المرأة. ولكننا لن نضحك كثيراً حين نسمع عن الحكم الصادر بحق رائف بدوي بالسجن 10 سنوات، وهو حكم قد لا يتمكّن من تنفيذه لأنه سيموت على الأرجح قبل نهاية الألف جلدة التي تشكل جزءاً من الحكم ذاته. تطبق هذه القوانين ضمن حدود المملكة، إلا أن السلفية التي تواجهها فرنسا، هي في الواقع منتج تصدّره الوهّابية السعودية، وتشكّل مثالاً لاستراتيجية التأثير (السعودي) التي قلّما تحللها شبكتنا الدبلوماسية.
في العقود القليلة الماضية، أصبحت الدبلوماسية الدينية أكثر نشاطاً من الدبلوماسية العلمانية المتسامحة، وقد لعبت المملكة العربية السعودية دوراً بارزاً في ذلك، وهي دولة حليفة تحقق بفضل ثورة النفط أرباحاً خلال ثلاثة أيام تساوي ما كانت تحققه خلال عام كامل قبل 1973.
البروباغندا
تنفق السعودية منذ عام 1975 ما بين ملياريّ وثلاث مليارات جنيه استرليني في العام على الدعاية الدينية (ما بين 2.7 و4.1 مليار يورو، أي ما بين ضعفيّ وثلاثة أضعاف الدعاية السوفياتية). وفي كلّ عام، تستقبل الجامعات الدينية في المملكة آلاف الطلاب المسلمين، وتصدّر أئمة المساجد والكتب ووسائل الإعلام والمنح الدراسية والمدارس والمراكز الدينية والمدارس الدينية. فقد تم تمويل بناء أكثر من 1500 مسجد خلال خمسين سنة في أوروبا وأفريقيا جنوب الصحراء وآسيا وروسيا. وتسهم الأموال في إنشاء مراكز على مقربة من أهمّ مواقع تعليم الدين الإسلامي، مثل جامعة الأزهر التي تعدّ أقدم وأعرق الجامعات الإسلامية.طوّرت الشبكات السلفية تقنيات لتجنيد العناصر الجدد من خلال الترويج لقرب نهاية العالم
وقد أجرت مؤسسة «فريدوم هاوس» الأميركية دراسةً لكتيبات وهابية في مساجد في الولايات المتحدة ووجدت فيها عبارات مثل «لا يجب على المسلمين معارضة الكفّار فحسب، بل أيضاً كرههم وقتالهم»، و«الديمقراطيات مسؤولة عن كلّ الحرب بالتواطؤ مع الشيعة». وقد أشار تقرير بريطاني صادر عن مكتب المعايير في التربية وخدمات الأطفال والمهارات إلى النتائج عينها في بريطانيا عام 2014. وردّت رابطة القيادات الإسلامية في أميركا بإصدار بيان تقليدي دعت فيه إلى عدم «وصم» المسلمين وإلى الإقناع عن طريق الحوار، ولكن أينفع ذلك في بلد حيث القانون الجديد لمكافحة الإرهاب الصادر عام 2014 يعتبر الملحدين والمتظاهرين السلميين «إرهابيين»؟
نهاية العالم
يعاقب على الردّة والتجديف بالإعدام، وهنا يجب طرح أسئلة عدّة، أولها لماذا هذا البلد الذي يعتبر نفسه منارة الإسلام لا يستقبل أي لاجئين فارين من الحرب في سوريا والعراق، لا بل يبني جداراً على امتداد 800 كيلومتر، أطول من الجدار الإسرائيلي، لمنع اللاجئين من الدخول إلى السعودية؟ أجل تدفع السعودية الأموال ولكنها لا تستقبل مخيمات اللاجئين! يا له من تضامن منظّم.
إن طرد اللاجئين بالقوّة أمر شائع في السعودية، ومن الأمثلة على ذلك ما تعرّض له الصوماليون.
وماذا عن الجهاد؟ في السنوات الثلاثين الماضية، انتشرت هذه النسخة الإسلامية من مناهضة الامبريالية في دول العالم الثالث في الثمانينيات والتسعينيات واستخدمت الحجج عينها لتشريع العنف من خلال رفض السيطرة الإمبريالية والرأسمالية الغربية والدعوة إلى التضامن العالمي والوعد بمجتمعات تسودها العدالة والمساواة، وأخيراً التشهير بالتيارات الإصلاحية (الإخوان المسلمون) والتيارات الداعية لإحداث تغييرات (المسلمون السيئون). خلال الحرب السوفياتية في أفغانستان بين عاميّ 1983 و1980، قدّر عدد السعوديين الذين كانوا يشاركون في القتال بين 15 ألف و25 ألف مقاتل. وفرض الأمير تركي الذي كان يمولّ 75% من المساعدات للمقاتلين المناهضين
للسوفيات، على باكستان في عهد محمد ضياء الحق المدارس الحنبلية (السلفية) التي خرّجت بعد عشر سنوات حركة الطالبان، وهو أمر ما كان أحد يتوقعه.
بيار كونسيا خلال الثمانينيات، تدربت حوالى أربعين جماعة في مخيمات تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، واليوم أشخاص من حوالى مئة جنسية مختلفة يقاتلون في سوريا، منهم أكثر من 2300 سعودي. وقد طوّرت الشبكات السلفية تقنيات لتجنيد العناصر الجدد من خلال الترويج لقرب نهاية العالم وعودة المخلّص.
ويستدلّ من خلال استخدام الرياض لعدد قليل من الطائرات ضدّ «داعش» (بقدر القوات الدنماركية والهولندية مجتمعة وأقلّ مرتين من فرنسا)، ولعدد مضاعف منها لمواجهة التمرّد الحوثي في اليمن، أن العدوّ الحقيقي للوهابية هو الشيعة.
كما أن التعاطف الداخلي مع السلفية الجهادية أمر واضح، ومن شأن أي عمل عسكري عدواني ضد الدول الإسلامية أن يكون له أثر سلبي لا بل مزعزع للداخل السعودي. فهل يكفي ثراء السعودية الطائل ليجعل منها حليفاً؟ إن كان الجواب نعم، فحليف ضدّ من؟ هل ستصوّت فرنسا لصالح عضوية الرياض في المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة؟
(عن «لو موند»، ترجمة هنادي مزبودي)
* باحث في مسائل الاستراتيجية الدولية، وكاتب دراسة «أي سياسية لمكافحة الأصولية في فرنسا؟»
العدد ٢٦١٦ الثلاثاء ١٦ حزيران ٢٠١٥
http://www.al-akhbar.com/node/235664