المهدى
04-23-2005, 09:46 AM
القاهرة /»السياسة«
/ بابتسامة تحمل كل معاني الرضا والصبر, وبخفقات قلوب راضية, قانعة, بالقضاء والقدر, سطرت أسرة مصرية بسيطة, تعيش في حي بولاق الدكرور الشعبي - فصلاً جديداً في كتاب يحمل عنوان "لله في خلقه شؤون".. الذي يضم بين صفحاته الكثير من الحالات الإنسانية ذات العيوب الخلقية النادرة; والتي تتجلي أمامها عظمة الخالق جل شأنه..
بهذه الفلسفة الروحانية تعيش أسرة الطفل عماد هاني عمره ستة أعوام - والمكونة من أب يعمل بأجر زهيد, وأم ربة منزل, وطفل آخر يدعي "محمد" الشقيق الأصغر له. يعيش "عماد" ب¯ "خمس" كليات, وعيوب خلقية في الإبصار بالعين اليمني حتي إن بعض الأطباء أشاروا إلي احتمال غياب قدرة البصر لديه في هذه العين نهائياً. لكن تظل المشكلة الكبري في حياته, وحياة أسرته المتواضعة ألا وهي حالة النشاط الذهني لديه, وكذلك النشاط الحركي الذي يجعله لا يهدأ إلا بأدوية المهدئات باهظة الثمن. وحسب قول أحد الأطباء الذي تعرف على حالته فإنه إذا استمرت حالته الحركية التي وصلت إلى حد العنف بصورة شرسة ومخيفة في تصاعد مستمر فإنه سيكون قادراً على "هدم عمارة" ولن تجدي معه المهدئات مستقبلاً!! فما هي حكاية الطفل عماد? هل كل هذا نتيجة لنشاط الكلى الخمس الموجودة بجسمه.. أم أن هناك شيئا آخرا لم يتم اكتشافه? هذا ما نتعرف عليه من خلال عرض الحالة وآراء الأطباء المتخصصين والمعالجين له.
يهدأ بالقرآن
في البداية سألت "بوتو" - الاسم الذي يحب الطفل عماد ان يناديه به الناس - عن الأشياء التي يحبها.. فقال بصوت متحشرج, وكلمات متقاطعة: أحب القرآن, »عايز أسمع قرآن« وبالفعل قامت الأم بتلبية طلبه, وأدارت له شريط الكاسيت لمدة ليست قليلة.. بعد ذلك حاولت الانتقال معه إلى زاوية أخرى من الحديث, فطلبت منه أن يعدد لي ما يحبه من أغنيات.. فقال : بحب أغنية "ليل نهاري" لعمرو دياب.
لكن عدم هدوئه, وحركته المستمرة, جعل مواصلة الحديث معه مهمة صعبة, حتى أن زميلي المصور وجد صعوبة أكبر أثناء التقاط الصور له بسبب كثرة حركته,, ورفضه الانصياع لطلباتنا بأن يجلس لدقائق بدون حركة.
مسح طبي
بكلمات يكسوها الحزن, ومدادها الألم, تحدثت الأم قائلة: "أخذت عماد منذ سنوات إلى مستشفي "أبو الريش" الجامعي, وكان عمره وقتها شهرين.. وهناك اكتشفت وحدة الوراثة أن يحمل خمس كليات, وتم إجراء الفحوص الطبية عليه, بعمل أشعة تلفزيونية على الكلي. وتعود الام بالذاكرة فتقول: منذ أن ولدت عماد قبل نحو ست سنوات كنت ألاحظ عليه عصبيته المستمرة وهو طفل صغير مما أثار شكوكي في أن هذه العصبية شئ غير طبيعي, فذهبت به وعمره شهران إلى مستشفى "أبو الريش الجامعي" وتم عرضه على الدكتورة إيمان الخادم, اخصائية الأطفال, حيث لاحظت أن عصبية الطفل وتحركاته ليست طبيعية ولا تماثل طبيعة الأطفال في هذه السن فقامت بعرضه على وحدة الوراثة التي أجرت له الفحوصات الطبية من أشعات تلفزيونية على جميع مكونات جسمه واكتشف الاطباء أنه يحمل في جسمه "خمس كليات",اثنتان منها في الناحية اليسري من الجسم بينما الناحية اليمني خالية من الكلي تماماً, أما الثلاث كليات الأخرى فهي بمنطقة الحوض تحت السرة.
وتضيف الأم: بناء على ما ظهر في الأشعة التلفزيونية فقد تم إجراء مسح "ذري" على الكلي لتحديد أماكنها بالضبط, ومدى كفاءة وظائفها, فتم عمل تحليل "كروموزمات" لطفلي عماد لمعرفة ما إذا كان هناك أي خلل في عمل وظائف الكلي, وبعد الفحص الذري ثبت أن الكلى الخمس تعمل بصورة إلي حد ما أقل من الطبيعي, لكنها في كل الأحوال لن تؤثر على حالته الصحية بالقدر المزعج.
الدكتورة إيمان
وبعدما أطلعت على جميع تقارير الفحوصات نصحتني بألا أذهب بأبني إلى الأطباء وألا أقوم بعمل أي "سونار" له في عيادات خاصة.. ولكنني للأسف لم أعمل بنصيحتها, فأخذت انتقل من مستشفي إلى آخر ومن طبيب إلى آخر باحثة عن دواء يهدئ من حركات ابني العنيفة.. حتى أنني أصبحت أقضي أغلب وقتي بين جدران المستشفيات و أجهزة التحاليل الطبية والأشعة لدرجة إن مقاعد الانتظار في هذه المستشفيات باتت تعرف ملامحي وابني.. وهنا سألتها: ماذا قال الأطباء عن هذه الحالة بالضبط?.. قالت: كلام كثير ومتناقض ولم يستطيع أحد أن يحدد بالضبط نوع الحالة هل هي بسبب الكلى الخمس أم لا..
إحباط
\ ماذا كان شعورك في ذلك الوقت?
/ لك أن تتخيل ما هي الحالة التي تكون عليها أم عندما تسمع أحد الأطباء يقول: يا مدام.. هذا الطفل وبهذه الحالة إذا لم يأخذ أنواعاً معينة من المهدئات فأنني أتوقع له في المستقبل أن يكون قادرا على "هدم عمارة بالكامل".. فمن المؤكد أن هذا الكلام كفيل بإصابة أي إنسان بالاحباط فما بالك وأنا أمه.. وبالطبع فإن المهدئات التي يقصدها الطبيب باهظة الثمن, لا أقدر عليها, ولكنني صابره مع ابني وسوف اتحمل من أجله كل مشقة.
\ هل يوجد صلة قرابة بينك وزوجك?
/ إطلاقا, ليست هناك صلة قرابة من قريب أو من بعيد وكنا في العشرينات من العمر - وقت ولادة عماد - وهذا يعني أن عامل الوراثة بعيد تماما عن أن يكون له دخل في هذا العيب الخلقي.
وتضيف الأم: إن أحد الأطباء الذين تابعوا حالة عماد ولم يستطع تشخيص حالته يعمل في مستشفى أبو الريش الجامعي للأطفال أخذ عينات مني ومن زوجي ومن "عماد" لعرضها على المراكز الطبية العلمية في أميركا أثناء سفره هناك لمعرفة نتيجة التحاليل.. ورفض اعطائي أي نتيجة رفضا مطلقا وعاملني معاملة سيئة للغاية.. ولم يتصل بنا حتى الآن.. ويبدو أن الدكتورة إيمان الخادم التي تابعت حالة عماد منذ البداية كانت على حق عندما قالت لي: لا تذهبي بابنك للأطباء ولا تقومي بعمل أي "سونار" له في عيادات خاصة وهذا هو ما سوف اتبعه في المرحلة القادمة, فقد حسمت أمري لاجئة إلى المولي عز وجل, فهو القادر على كل شئ, راضية بالعلاج الذي قررته الدولة.ولكن ما يحزنني أن جميع المدارس ترفض قبوله نظرا لحالته غير الطبيعية والتي وصفها المسؤولون في تلك المدرسة بالشراسة.
حالة نادرة
\ توجهت إلى د. إيمان الخادم.. وسألتها عن سر هذه الحالة فقالت : لقد تم اكتشافها منذ سنوات ومنذ ذلك الوقت ونحن نتعامل معها في حدود المتاح, وهي تسير بصورة طبيعية إلي حد ما. وأنا لم أر الطفل منذ فترة, لكن عندما كنت أتابعها كانت جيدة, وهي حالة نادرة الحدوث.. والطفل يعيش ب¯ "الكلى" الموجودة في جسده بصورة طبيعية ولا خطورة على حياته, إنما الخطورة الحقيقة سوف تحدث عندما يتم استئصال أي "كلى" من جسده, ففي هذا خطورة شديدة علي حياته, وأن مشكلته الحقيقية حاليا هي ضعف الإبصار الذي بدأ يعاني منه, وحركته ونشاطه الذهني المستمر في الزيادة.. ولا أستطيع أن أحدد بالضبط سبب النشاط الزائد والقوة الجسمانية للطفل هل هو بسبب الكلى الخمس أم لأمر آخر.
أسرار الكلى
\ الدكتور محمد محمود زهران - أستاذ جراحة الكلي والمسالك البولية في طب القاهرة - يوضح نشأة وتكوين الكلي فيقول: هما غرتان تقعان علي جانبي العمود الفقري عند الخاصرتين, وتتصلان بالمثانة بواسطة الحالب, والكليتان هما أهم الأعضاء للتصفية وتنقية الدم ووظيفتهما إفراز البول من الدم.
و بعد مرور ثلاثة أشهر من نمو الجنين في بطن أمه ينمو الجهاز البولي التناسلي له, وهناك عضوان مهمان هما ما يسمي " أنبوبة ولفين " - هذه الأنبوبة هي التي تصنع الحالب, وهي عبارة عن نتوء بارز من اسفل الجهاز التناسلي ومتجه إلي أعلي الي ان يقابل عضوا آخرا يسمي " ميتانفرون " وهذا العضو هو الذي يصنع الكلي نفسها بمعني هو الذي يجعل الكلي تتكون من جزء أو جزأين حسب نوع الحالب الصاعد من تحت إلي أعلي حتي يصل إلي عضو " ميتانفرون " و الكلي مكونة من جزأين أساسيين الجزء الخاص بإنتاج البول وترشيح الدم, والجزء الآخر الأنابيب الموصلة التي تحمل البول من الكلي إلي الحالب ثم إلي المثانة ثم مجري البول..
وهناك أنبوبة تنقل البول من أعلي الكلي إلي الحالب وحوض الكلي, وعموماً فإن كل ما يتعلق بالحالب يأتي من " أنبوبة ولفين ", وكل ما يتعلق بالكلي يأتي من "ميتانفرون".
ويضيف د. محمد زهران: إن الكلي تعمل في الجنين وهو في بطن أمه وايضاً يتبول في السائل المحيط به وهو ما يسمي بالسائل الامنيوسي, كما نقوم الآن بتشخيص أمراض الكلي والحالب والمثانة ومجري البول للجنين وهو في بطن أمه عن طريق السونار لمعرفة أي مشاكل قد تؤدي إلي انسداد مخارج مجري البول بل ومن الممكن أن نجري بعض العمليات للجنين وهو في بطن أمه حتي يولد سليماً.
حالة عماد
ويعلق علي حالة عماد قائلا : يجب توضيح مسالة مهمة للغاية وهي أن الكلى تبدأ العمل داخل الجنين وهو في الشهر الخامس ونلاحظ أن "النتوء البارز الى أعلى" إذا كان واحدا فقط تكون الكلى واحدة وهذا طبيعي و تكون هناك كلي يمني وآخرى يسرى.. أما إذا كان النتوء وهو صاعد لأعلي من أسفل جهاز المثانة قد انقسم الى نصفين ويصل كل فرع الى عضو الميتانفرون فيتم تخليق كلية صغيرة أمام كل فرع منها.. بمعنى أن تكون هناك كليتان ولكن مجموع خلاياهما يساوي كلية واحدة.
وعلى الجانب الآخر لو أن النتوء تفرع الي ثلاثة فروع ففي هذه الحالة يتم تخليق ثلاث كلي يكون مجموع الثلاثة ووظيفتها تعادل كلية واحدة.
وأود أن أقول شيئا مهما جداً وهو أن 7 % من الناس الطبيعيين لديهم في كل جانب كليتان متفرعتان من حالبين صاعدين من أسفل, ومجموع الكليتين يساوي كلية واحدة وهم أناس طبيعيون جداً لا يعانون من أي أمراض وهناك أيضاً 2 % من الناس الطبيعيين عندهم نفس التقسيمة موجودة علي الجانبين ( يمين, شمال ) يعني هذا وجود أربع كليات ولكنها في الحقيقة كلية واحدة في كل جانب ولكن مقسومة اثنين أو ثلاثة.
ويوضح الدكتور محمد زهران أن كل كلية فيها مليون وحدة كلوية يعني أن الإنسان عنده 2 مليون وحدة كلوية يمين, وشمال ويظل بهم طول عمره.. فهناك شيئان في جسم الإنسان لا يمكن أن يتغيرا هما : الجهاز العصبي, وجهاز الكلي من الطفولة حتي الموت.
وعن مدى خطورة هذه الحالة علي الطفل قال د. محمد زهران: ليس لها أية خطورة من هذا العدد.. ولكن هناك بعض الخطورة لو حدث اختلال في بعض خلايا هذه الكلي فذلك يؤدي إلي قصور وفشل كلوي.. ومثلما قلنا فإن مجموع الوحدات الكلوية في الخمس كليات هو نفس مجموع خلايا الكليتين أي 2 مليون وحدة كلوية لا تزيد ولا تنقص وهذا الطفل يعيش طبيعياً.
وعن مدي إمكانية سرقة إحدي الكلي يقول الدكتور محمد زهران : لا يمكن سرقة هذه الكلي.. لأنه عندما نأخذ كلي من متبرع لزرعها في مريض نقوم بعمل بعض الأبحاث المهمة جداً وأشعات وريدية وأشعات عن طريق الشرايين لكي نعرف ما هي هذه الكلية وهل فيها أي مشكلات أم لا وكم شريان و حالب لها وفي النهاية لابد من اختيار الكلية الطبيعية,ولكن بالنسبة لهذا الطفل فإن الكلي الخاصة به غير مناسبة لأي مريض لأنها غير طبيعية.. ولو فكر أي طبيب أن يأخذها ويزرعها فسيحتاج إلي جراحات كثيرة جدا ومشاكلها أكثر من نفعها.
أضرار صحية
الدكتور حسن سلامة أستاذ أمراض الجهاز الهضمي والكبد في طب قصر العيني يوضح ان حالة الطفل عماد هاني طبيعية جدا مثل كثير من الظواهر غير الطبيعية التي يولد بها الأطفال, و لا تشكل أية خطورة علي حالة الطفل بل علي العكس أنها تزيد من نشاطه وحيويته, وليس لها أي أضرار صحية علي حياته, وهذا ما يظهر علي حالته في الحركة الدائمة وهو فعلا يحتاج إلي مهدءات حتي تعيد السكينة لنفسه وتهدئ من انفعالاته.. ولكن كما ذكرت ليس لها أية أضرار صحية أما ما يعانيه الطفل من ضعف البصر فليس له علاقة بعدد الكلي الموجودة به, ولابد من عرضه علي طبيب عيون متخصص لمتابعة حالته.
وهكذا بعد استعراض حالة الطفل عماد بجميع تفاصيلها وآراء الأطباء المعالجين له وغيرهم من المتخصصين ويتضح أن عدد الكلي الموجودة بالطفل من الظواهر غير الطبيعية التي يولد بها بعض الأطفال و لا تشكل أي خطورة علي حياته.. كما أن هؤلاء المختصين لم يؤكدوا أو ينفوا, إذا كانت السبب في قوته وحركاته العنيفة أم لا.
وبالرغم من أنها تعتبر ثروة في بطن الطفل يتمناها كثير من مرضي الفشل الكلوي ومستعدون لدفع أموال ضخمة للحصول علي كلية واحدة لإنقاذهم من الموت, إلا أن الطفل عماد لا يستطيع التصرف فيها لعدم صلاحيتها للآخرين كما أشار الأطباء.. ولله في خلقه شؤون.
/ بابتسامة تحمل كل معاني الرضا والصبر, وبخفقات قلوب راضية, قانعة, بالقضاء والقدر, سطرت أسرة مصرية بسيطة, تعيش في حي بولاق الدكرور الشعبي - فصلاً جديداً في كتاب يحمل عنوان "لله في خلقه شؤون".. الذي يضم بين صفحاته الكثير من الحالات الإنسانية ذات العيوب الخلقية النادرة; والتي تتجلي أمامها عظمة الخالق جل شأنه..
بهذه الفلسفة الروحانية تعيش أسرة الطفل عماد هاني عمره ستة أعوام - والمكونة من أب يعمل بأجر زهيد, وأم ربة منزل, وطفل آخر يدعي "محمد" الشقيق الأصغر له. يعيش "عماد" ب¯ "خمس" كليات, وعيوب خلقية في الإبصار بالعين اليمني حتي إن بعض الأطباء أشاروا إلي احتمال غياب قدرة البصر لديه في هذه العين نهائياً. لكن تظل المشكلة الكبري في حياته, وحياة أسرته المتواضعة ألا وهي حالة النشاط الذهني لديه, وكذلك النشاط الحركي الذي يجعله لا يهدأ إلا بأدوية المهدئات باهظة الثمن. وحسب قول أحد الأطباء الذي تعرف على حالته فإنه إذا استمرت حالته الحركية التي وصلت إلى حد العنف بصورة شرسة ومخيفة في تصاعد مستمر فإنه سيكون قادراً على "هدم عمارة" ولن تجدي معه المهدئات مستقبلاً!! فما هي حكاية الطفل عماد? هل كل هذا نتيجة لنشاط الكلى الخمس الموجودة بجسمه.. أم أن هناك شيئا آخرا لم يتم اكتشافه? هذا ما نتعرف عليه من خلال عرض الحالة وآراء الأطباء المتخصصين والمعالجين له.
يهدأ بالقرآن
في البداية سألت "بوتو" - الاسم الذي يحب الطفل عماد ان يناديه به الناس - عن الأشياء التي يحبها.. فقال بصوت متحشرج, وكلمات متقاطعة: أحب القرآن, »عايز أسمع قرآن« وبالفعل قامت الأم بتلبية طلبه, وأدارت له شريط الكاسيت لمدة ليست قليلة.. بعد ذلك حاولت الانتقال معه إلى زاوية أخرى من الحديث, فطلبت منه أن يعدد لي ما يحبه من أغنيات.. فقال : بحب أغنية "ليل نهاري" لعمرو دياب.
لكن عدم هدوئه, وحركته المستمرة, جعل مواصلة الحديث معه مهمة صعبة, حتى أن زميلي المصور وجد صعوبة أكبر أثناء التقاط الصور له بسبب كثرة حركته,, ورفضه الانصياع لطلباتنا بأن يجلس لدقائق بدون حركة.
مسح طبي
بكلمات يكسوها الحزن, ومدادها الألم, تحدثت الأم قائلة: "أخذت عماد منذ سنوات إلى مستشفي "أبو الريش" الجامعي, وكان عمره وقتها شهرين.. وهناك اكتشفت وحدة الوراثة أن يحمل خمس كليات, وتم إجراء الفحوص الطبية عليه, بعمل أشعة تلفزيونية على الكلي. وتعود الام بالذاكرة فتقول: منذ أن ولدت عماد قبل نحو ست سنوات كنت ألاحظ عليه عصبيته المستمرة وهو طفل صغير مما أثار شكوكي في أن هذه العصبية شئ غير طبيعي, فذهبت به وعمره شهران إلى مستشفى "أبو الريش الجامعي" وتم عرضه على الدكتورة إيمان الخادم, اخصائية الأطفال, حيث لاحظت أن عصبية الطفل وتحركاته ليست طبيعية ولا تماثل طبيعة الأطفال في هذه السن فقامت بعرضه على وحدة الوراثة التي أجرت له الفحوصات الطبية من أشعات تلفزيونية على جميع مكونات جسمه واكتشف الاطباء أنه يحمل في جسمه "خمس كليات",اثنتان منها في الناحية اليسري من الجسم بينما الناحية اليمني خالية من الكلي تماماً, أما الثلاث كليات الأخرى فهي بمنطقة الحوض تحت السرة.
وتضيف الأم: بناء على ما ظهر في الأشعة التلفزيونية فقد تم إجراء مسح "ذري" على الكلي لتحديد أماكنها بالضبط, ومدى كفاءة وظائفها, فتم عمل تحليل "كروموزمات" لطفلي عماد لمعرفة ما إذا كان هناك أي خلل في عمل وظائف الكلي, وبعد الفحص الذري ثبت أن الكلى الخمس تعمل بصورة إلي حد ما أقل من الطبيعي, لكنها في كل الأحوال لن تؤثر على حالته الصحية بالقدر المزعج.
الدكتورة إيمان
وبعدما أطلعت على جميع تقارير الفحوصات نصحتني بألا أذهب بأبني إلى الأطباء وألا أقوم بعمل أي "سونار" له في عيادات خاصة.. ولكنني للأسف لم أعمل بنصيحتها, فأخذت انتقل من مستشفي إلى آخر ومن طبيب إلى آخر باحثة عن دواء يهدئ من حركات ابني العنيفة.. حتى أنني أصبحت أقضي أغلب وقتي بين جدران المستشفيات و أجهزة التحاليل الطبية والأشعة لدرجة إن مقاعد الانتظار في هذه المستشفيات باتت تعرف ملامحي وابني.. وهنا سألتها: ماذا قال الأطباء عن هذه الحالة بالضبط?.. قالت: كلام كثير ومتناقض ولم يستطيع أحد أن يحدد بالضبط نوع الحالة هل هي بسبب الكلى الخمس أم لا..
إحباط
\ ماذا كان شعورك في ذلك الوقت?
/ لك أن تتخيل ما هي الحالة التي تكون عليها أم عندما تسمع أحد الأطباء يقول: يا مدام.. هذا الطفل وبهذه الحالة إذا لم يأخذ أنواعاً معينة من المهدئات فأنني أتوقع له في المستقبل أن يكون قادرا على "هدم عمارة بالكامل".. فمن المؤكد أن هذا الكلام كفيل بإصابة أي إنسان بالاحباط فما بالك وأنا أمه.. وبالطبع فإن المهدئات التي يقصدها الطبيب باهظة الثمن, لا أقدر عليها, ولكنني صابره مع ابني وسوف اتحمل من أجله كل مشقة.
\ هل يوجد صلة قرابة بينك وزوجك?
/ إطلاقا, ليست هناك صلة قرابة من قريب أو من بعيد وكنا في العشرينات من العمر - وقت ولادة عماد - وهذا يعني أن عامل الوراثة بعيد تماما عن أن يكون له دخل في هذا العيب الخلقي.
وتضيف الأم: إن أحد الأطباء الذين تابعوا حالة عماد ولم يستطع تشخيص حالته يعمل في مستشفى أبو الريش الجامعي للأطفال أخذ عينات مني ومن زوجي ومن "عماد" لعرضها على المراكز الطبية العلمية في أميركا أثناء سفره هناك لمعرفة نتيجة التحاليل.. ورفض اعطائي أي نتيجة رفضا مطلقا وعاملني معاملة سيئة للغاية.. ولم يتصل بنا حتى الآن.. ويبدو أن الدكتورة إيمان الخادم التي تابعت حالة عماد منذ البداية كانت على حق عندما قالت لي: لا تذهبي بابنك للأطباء ولا تقومي بعمل أي "سونار" له في عيادات خاصة وهذا هو ما سوف اتبعه في المرحلة القادمة, فقد حسمت أمري لاجئة إلى المولي عز وجل, فهو القادر على كل شئ, راضية بالعلاج الذي قررته الدولة.ولكن ما يحزنني أن جميع المدارس ترفض قبوله نظرا لحالته غير الطبيعية والتي وصفها المسؤولون في تلك المدرسة بالشراسة.
حالة نادرة
\ توجهت إلى د. إيمان الخادم.. وسألتها عن سر هذه الحالة فقالت : لقد تم اكتشافها منذ سنوات ومنذ ذلك الوقت ونحن نتعامل معها في حدود المتاح, وهي تسير بصورة طبيعية إلي حد ما. وأنا لم أر الطفل منذ فترة, لكن عندما كنت أتابعها كانت جيدة, وهي حالة نادرة الحدوث.. والطفل يعيش ب¯ "الكلى" الموجودة في جسده بصورة طبيعية ولا خطورة على حياته, إنما الخطورة الحقيقة سوف تحدث عندما يتم استئصال أي "كلى" من جسده, ففي هذا خطورة شديدة علي حياته, وأن مشكلته الحقيقية حاليا هي ضعف الإبصار الذي بدأ يعاني منه, وحركته ونشاطه الذهني المستمر في الزيادة.. ولا أستطيع أن أحدد بالضبط سبب النشاط الزائد والقوة الجسمانية للطفل هل هو بسبب الكلى الخمس أم لأمر آخر.
أسرار الكلى
\ الدكتور محمد محمود زهران - أستاذ جراحة الكلي والمسالك البولية في طب القاهرة - يوضح نشأة وتكوين الكلي فيقول: هما غرتان تقعان علي جانبي العمود الفقري عند الخاصرتين, وتتصلان بالمثانة بواسطة الحالب, والكليتان هما أهم الأعضاء للتصفية وتنقية الدم ووظيفتهما إفراز البول من الدم.
و بعد مرور ثلاثة أشهر من نمو الجنين في بطن أمه ينمو الجهاز البولي التناسلي له, وهناك عضوان مهمان هما ما يسمي " أنبوبة ولفين " - هذه الأنبوبة هي التي تصنع الحالب, وهي عبارة عن نتوء بارز من اسفل الجهاز التناسلي ومتجه إلي أعلي الي ان يقابل عضوا آخرا يسمي " ميتانفرون " وهذا العضو هو الذي يصنع الكلي نفسها بمعني هو الذي يجعل الكلي تتكون من جزء أو جزأين حسب نوع الحالب الصاعد من تحت إلي أعلي حتي يصل إلي عضو " ميتانفرون " و الكلي مكونة من جزأين أساسيين الجزء الخاص بإنتاج البول وترشيح الدم, والجزء الآخر الأنابيب الموصلة التي تحمل البول من الكلي إلي الحالب ثم إلي المثانة ثم مجري البول..
وهناك أنبوبة تنقل البول من أعلي الكلي إلي الحالب وحوض الكلي, وعموماً فإن كل ما يتعلق بالحالب يأتي من " أنبوبة ولفين ", وكل ما يتعلق بالكلي يأتي من "ميتانفرون".
ويضيف د. محمد زهران: إن الكلي تعمل في الجنين وهو في بطن أمه وايضاً يتبول في السائل المحيط به وهو ما يسمي بالسائل الامنيوسي, كما نقوم الآن بتشخيص أمراض الكلي والحالب والمثانة ومجري البول للجنين وهو في بطن أمه عن طريق السونار لمعرفة أي مشاكل قد تؤدي إلي انسداد مخارج مجري البول بل ومن الممكن أن نجري بعض العمليات للجنين وهو في بطن أمه حتي يولد سليماً.
حالة عماد
ويعلق علي حالة عماد قائلا : يجب توضيح مسالة مهمة للغاية وهي أن الكلى تبدأ العمل داخل الجنين وهو في الشهر الخامس ونلاحظ أن "النتوء البارز الى أعلى" إذا كان واحدا فقط تكون الكلى واحدة وهذا طبيعي و تكون هناك كلي يمني وآخرى يسرى.. أما إذا كان النتوء وهو صاعد لأعلي من أسفل جهاز المثانة قد انقسم الى نصفين ويصل كل فرع الى عضو الميتانفرون فيتم تخليق كلية صغيرة أمام كل فرع منها.. بمعنى أن تكون هناك كليتان ولكن مجموع خلاياهما يساوي كلية واحدة.
وعلى الجانب الآخر لو أن النتوء تفرع الي ثلاثة فروع ففي هذه الحالة يتم تخليق ثلاث كلي يكون مجموع الثلاثة ووظيفتها تعادل كلية واحدة.
وأود أن أقول شيئا مهما جداً وهو أن 7 % من الناس الطبيعيين لديهم في كل جانب كليتان متفرعتان من حالبين صاعدين من أسفل, ومجموع الكليتين يساوي كلية واحدة وهم أناس طبيعيون جداً لا يعانون من أي أمراض وهناك أيضاً 2 % من الناس الطبيعيين عندهم نفس التقسيمة موجودة علي الجانبين ( يمين, شمال ) يعني هذا وجود أربع كليات ولكنها في الحقيقة كلية واحدة في كل جانب ولكن مقسومة اثنين أو ثلاثة.
ويوضح الدكتور محمد زهران أن كل كلية فيها مليون وحدة كلوية يعني أن الإنسان عنده 2 مليون وحدة كلوية يمين, وشمال ويظل بهم طول عمره.. فهناك شيئان في جسم الإنسان لا يمكن أن يتغيرا هما : الجهاز العصبي, وجهاز الكلي من الطفولة حتي الموت.
وعن مدى خطورة هذه الحالة علي الطفل قال د. محمد زهران: ليس لها أية خطورة من هذا العدد.. ولكن هناك بعض الخطورة لو حدث اختلال في بعض خلايا هذه الكلي فذلك يؤدي إلي قصور وفشل كلوي.. ومثلما قلنا فإن مجموع الوحدات الكلوية في الخمس كليات هو نفس مجموع خلايا الكليتين أي 2 مليون وحدة كلوية لا تزيد ولا تنقص وهذا الطفل يعيش طبيعياً.
وعن مدي إمكانية سرقة إحدي الكلي يقول الدكتور محمد زهران : لا يمكن سرقة هذه الكلي.. لأنه عندما نأخذ كلي من متبرع لزرعها في مريض نقوم بعمل بعض الأبحاث المهمة جداً وأشعات وريدية وأشعات عن طريق الشرايين لكي نعرف ما هي هذه الكلية وهل فيها أي مشكلات أم لا وكم شريان و حالب لها وفي النهاية لابد من اختيار الكلية الطبيعية,ولكن بالنسبة لهذا الطفل فإن الكلي الخاصة به غير مناسبة لأي مريض لأنها غير طبيعية.. ولو فكر أي طبيب أن يأخذها ويزرعها فسيحتاج إلي جراحات كثيرة جدا ومشاكلها أكثر من نفعها.
أضرار صحية
الدكتور حسن سلامة أستاذ أمراض الجهاز الهضمي والكبد في طب قصر العيني يوضح ان حالة الطفل عماد هاني طبيعية جدا مثل كثير من الظواهر غير الطبيعية التي يولد بها الأطفال, و لا تشكل أية خطورة علي حالة الطفل بل علي العكس أنها تزيد من نشاطه وحيويته, وليس لها أي أضرار صحية علي حياته, وهذا ما يظهر علي حالته في الحركة الدائمة وهو فعلا يحتاج إلي مهدءات حتي تعيد السكينة لنفسه وتهدئ من انفعالاته.. ولكن كما ذكرت ليس لها أية أضرار صحية أما ما يعانيه الطفل من ضعف البصر فليس له علاقة بعدد الكلي الموجودة به, ولابد من عرضه علي طبيب عيون متخصص لمتابعة حالته.
وهكذا بعد استعراض حالة الطفل عماد بجميع تفاصيلها وآراء الأطباء المعالجين له وغيرهم من المتخصصين ويتضح أن عدد الكلي الموجودة بالطفل من الظواهر غير الطبيعية التي يولد بها بعض الأطفال و لا تشكل أي خطورة علي حياته.. كما أن هؤلاء المختصين لم يؤكدوا أو ينفوا, إذا كانت السبب في قوته وحركاته العنيفة أم لا.
وبالرغم من أنها تعتبر ثروة في بطن الطفل يتمناها كثير من مرضي الفشل الكلوي ومستعدون لدفع أموال ضخمة للحصول علي كلية واحدة لإنقاذهم من الموت, إلا أن الطفل عماد لا يستطيع التصرف فيها لعدم صلاحيتها للآخرين كما أشار الأطباء.. ولله في خلقه شؤون.