المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سوق الحميدية .... واجهة دمشق الاقتصادية والثقافة



جون
04-22-2005, 12:00 PM
دمشق - محمد كركوش

ما ان تطأ قدم الزائر مدينة دمشق حتى ينصرف ذهنه الى التفكير في زيارة اسواقها والتجول فيها والتمتع بمنظرها التاريخي والحضاري وبما يعرض فيها من صناعات واقمشة وازياء.. فالاسواق في دمشق من اجمل الفنون العمرانية القديمة التي تحتويها اقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، وهي مركز مهم للنشاط الاقتصادي ومكان مهم للاحتكاك الاجتماعي.. ولم يكن بناء هذه الاسواق من نتاج العهد العثماني، بل كانت في معظمها من عهود سابقة، وربما ادخلت عليها بعض التعديلات في اختصاصها او عدلت خططها طبقا للظروف التي مرت فيها المدينة عبر تاريخها.

وبشكل عام فقد بقيت الاسواق متخصصة بسلعة او حرفة او صبغة معينة ما ساعد على معرفة انواع الحرف التي كانت قائمة في دمشق او الخدمات التي تقدمها للمجتمع والاثاث والازياء المتسخدمة فيه، وقد زاد عدد هذه الاسواق عن مائة وخمسين سوقا كانت معظمها داخل سور دمشق وحول الجامع الاموي.

ومن اهم تلك الاسواق واشهرها على الاطلاق سوق الحميدية الذي بني في عهد السلطان عبدالحميد خان الثاني ولذلك سمي بهذا الاسم، وقد بني هذا السوق على مرحلتين، حيث يعود انشاء القسم الغربي منه الى عهد والي دمشق محمد باشا العظم سنة 1780م وهو يمتد بين «الدرويشية» مدخل سوق الاروام و«العصرونية» واطلق عليه اسم السوق الجديد.

اما القسم الشرقي منه فبني في عهد والي دمشق العثماني راشد باشا في عام 1883، ويمتد بين سوق العصرونية وباب البريد، ويبلغ طول السوق بالكامل 600 متر وعرضه 15 مترا.


يعتبر سوق الحميدية اهم مركز تجاري في دمشق، فهو يختص بجميع اصناف اللوازم المنزلية والالبسة والاقمشة والصناعات التقليدية وتنتشر حوانيته على طرفي السوق عارضة البضائع المختلفة مثل الاقمشة بكل انواعها والكتان المطرز بخيوط الحرير والحرير المقصب بالذهب والموازييك والنحاس المزخرف بالفضة والسجاد والمجوهرات والتحف وادوات الزينة والمكياج والبسة العرائس والاحذية والعباءات والكوفيات و«العِقل» وخلاف ذلك.. وقد قسمت اجزاؤه حسب البضائع التي تباع فيه. فالقسم الغربي منه مثلا يختص ببيع القرطاسية والكتب المتنوعة، والى جانب هذه المحال ينتشر باعة المسك لذلك اطلق على هذا القسم «المسكية» وهي المساحة التي تفصل بين نهاية سوق الحميدية ومدخل الجامع الاموي. ومن اهم انواع الكتب التي تباع في «المسكية» الكتب الدينية والتراثية والتاريخية والكتب الخرافية القديمة والقصص الشعبية.

سوق الحميدية يستعيد شبابه

ومنذ سنوات ثلاث خلت، استعاد سوق الحميدية شبابه من خلال اعادة احيائه وازالة كل اشكال المخالفات الموجودة في داخله التي اخفت معالمه التاريخية، وبدا في حلة جديدة بعد ما ازيلت عن اعمدته اللافتات والديكورات الحديثة فبرزت التيجان الاثرية والاعمدة التاريخية واعيد تنظيم اللافتات في شكل يتماشى مع مظهره التاريخي، وتم تجديد بنيته التحتية وازالة الارصفة عن جانبيه التي كان يستغلها الباعة المتعيشون والجوالون لافساح المجال للمتسوقين الذين لا يهدأون لحظة واحدة منذ الصباح وحتى المساء.

ويرى تاجر الاحذية والجلديات في سوق الحميدية مازن الغميان ان عملية الترميم انعكست ايجابا على حركة البيع والشراء واصبحت الاسواق لافتة للنظر واكثر جمالية بعدما ظهرت المعالم الاثرية التي كانت محجوبة بالبضائع والواجهات الحديثة.

الحريقة والبزورية

الى جانب سوق الحميدية، وفي الناحية الجنوبية منه، يوجد سوق الحريقة، الذي سمي بهذا الاسم، نسبة الى الحريق الذي شب فيها ابان القصف الفرنسي لمدينة دمشق عام 1925 وادى الى دمار واسع اتى على الكثير من البيوت والآثار المعمارية المهمة. وفي هذا السوق تتميز البضائع لا سيما الاقمشة والالبسة الجاهزة بالكثرة والجودة والسعر المقبول. فنجد اقبالا كبيرا عليها من قبل النساء، فهناك كل ما تبتغيه المرأة من ملابس وستائر وحاجيات خاصة كالمكياج وادوات الزينة اضافة الى الاثاث المنزلي والموكيت والسجاد.

ومن الاسواق التابعة لسوق الحميدية سوق البزورية الذي يشتهر بفاكهته الغريبة واعشابه الطبية وحلوياته المتنوعة وكافة انواع البهارات والعطور ولوازم الافراح، ويقع وسط السوق حمام دمشقي عريق لايزال يعمل منذ القرن الثاني عشر الميلادي. كما يضم السوق «خان اسعد باشا» الشهير، ذلك البيت الدمشقي القديم ذو الحجارة الجميلة والرخام الملون والنافورة التي تتوسط باحته فهو لوحة تاريخية في وسط هذا السوق.

مشكلة الترجمة

ويرى تاجر الاقشمة سامر المصري ان مشكلة الترجمة هي ابرز المشكلات التي يعاني منها اصحاب المحلات، حيث لا يمكن شرح نوع البضائع وجودتها واختلافها مع البضائع الاخرى للزبائن الاجانب وخاصة السياح من الاتراك او الاسبان او الايطاليين او اليابانيين والصينيين الذين لا يتقنون اللغة الانكليزية. وعن حال البيع والشراء في السوق يقول محمد الشيخ علي، احد العاملين في متاجر الحميدية المتخصصة ببيع الاغباني والبروكار (اقمشة مصنوعة من الكتان ومطرزة بخيوط من الحرير والقصب) والعباءات، ان البيع الآن اصبح اقل من السابق ويعود السبب في ذلك الى بعض اصحاب المحال التجارية الذين يرفعون اسعارهم بشكل لافت ظنا منهم ان السائح ربما لن يعود مرة اخرى الى السوق، ولن يكتشف هذا الارتفاع في الاسعار، الا ان الزبائن اصبحوا اكثر حذرا في الشراء واصبحوا يساومون البائع الى حد كبير.

اما رواد الحميدية والاسواق الاخرى فكانت لهم آراء مختلفة، حيث التقينا خلال تجوالنا بالسيدة رشا علاء الدين من المغرب التي قالت لـ«القبس» ان التسوق رائع في دمشق، خصوصا سوق الحميدية، فكل شيء موجود هنا ويمكن ان يكون هدية ثمينة تعبر عن الشام وروعتها، ويكفي ان نهاية السوق توصلك الى الجامع الاموي الذي يعد من اهم المواقع الاسلامية في المنطقة ودفن فيه عدد من الشخصيات التاريخية والدينية.

متحف الثياب والأزياء

وتشبه السيدة اليابانية كيكو، التي تتقن العربية وتعمل مع احدى المنظمات الدولية في سوريا، سوق الحميدية بالمتحف المفتوح للثياب والازياء وتقول: انني دائما اتجول في الحميدية وسوق التــوابل بالبزورية وسوق الصاغة والسوق الطويل التاريخي وأستمتع بسماع اصوات ونغمات بائعي الفستق الحلبي والبوشار ورؤية حشود النساء في ازياء مختلفة وأتحدث الى البائعين المتجولين الذين يدعونني الى الشراء منهم بإلحاح شديد.

سوق مدحت باشا الطويل

وعلى امتداد سوق الحميدية يأتي سوق مدحت باشا (السوق الطويل) الذي سمي بهذا الاسم نسبة الى بانيه والي دمشق مدحت باشا في عام 1878، وبني على طراز شبيه بسوق الحميدية، لكن لم تتم تغطيته بشكل كامل، وهو يعلو الشارع الروماني المستقيم الذي كان يخترق المدينة من باب الجابية الى الباب الشرقي.

وتمتلئ المحلات الواقعة على جانبي السوق بالمنسوجات المحلية واقمشة الحرير والعباءات الصوفية والعِقل واغطية الرأس الرجالية التقليدية والمصنوعات النحاسية المزخرفة بخيوط الفضة.

كما يضم السوق خانات وبيوتا قديمة وعددا من المحلات الصغيرة بالاضافة الى كنائس عدة مثل كنيسة حنانيا التي يعود تاريخها الى العهد البيزنطي و«بيت النعسان» الذي يمثل البيت الدمشقي القديم.

كان اسمه سوق الأروام

ومن اهم الفروع ايضا يأتينا من ناحية الغرب باتجاه الحريقة سوق الاروام متفرعا من سوق الحميدية، وهو اليوم يؤلف التجمع الرئيسي لتجار البسط والسجاد، بالاضافة لبعض الاثاث المنزلي، كما تعقد فيه مزادات هذه السلع المذكورة، وكانت تسميته بسوق الاروام سابقا تطلق على كامل سوق الحميدية، فالمسنون الى هذه اللحظة يسمون سوق الحميدية بسوق الاروام.

والاروام في لغة اهل البلاد ابان العهد العثماني هم اليونانيون يقابلهم في صدر الاسلام الروم الذين قدموا الى دمشق فأقاموا فيها وشغلوا هذا السوق قبل تنظيم سوق الحميدية عام 1780.