عباس الابيض
06-02-2015, 12:05 AM
بقلم: فاطمة حسين
الثلاثاء 2 يونيو 2015 - الأنباء
http://www.alanba.com.kw/articlefiles/2015/06/562695-531013.jpg
بقلم: فاطمة حسين
عندما خطت أقدامي العتبات الأولى في تلفزيون الكويت المسمى آنذاك «الساحر» في سبتمبر 1963 وبطلب كريم من الصديق د.يعقوب الغنيم كنت بين فتيات التلفزيون آنذاك أكبرهن سنا وربما أكثرهن نضجا لأنني كنت بينهن المرأة المتزوجة والأم أيضا.. تحولت بعد عدة أسابيع أو أشهر ـ ربما ـ إلى حائط للمبكى أو دار للتظلم والشكوى وأنا استمع وأحاول ان اعمل شيئا ـ أي شيء ـ وأحصل على أجري من غرفة «الصديقة» باسمة سليمان «قهوة وبسكوت» ـ في الخفاء طبعا ـ محاطة بالزميلتين منى طالب وليلى محمد حسين بعيدا عن عيون الشباب وزعيمهم «الوزير السابق محمد السنعوسي» الرجل الجميل والحشري المالك للقدرات على حافة كل أصبع من يده ـ اللهم لا حسد ـ ولا حتى غبطة ـ وكذلك الصديق المرحوم رضا الفيلي أستاذ اللغة العربية الذي كان يصوغ السوالف كما يصوغ نشرات الأخبار فلا بد ان تبدأ السالفة عنده بمقدمة ثم المشي وصولا للخاتمة وعلينا ان ننتظر حتى نحصل على الزبدة من خضة «اللبن».
***
في ذاك الجو الحميم المفعم بالاحترام والنشاط والعمل الدؤوب أمضيت أيامي الأولى والوسطى والأخيرة أمارس دور الأم ذات الاذان والصبر الجميل ـ كما كان البعض يطلق عليّ رغم رفضي لذلك لانني كنت في ذاك الاستماع «أتعلم» وأشعر بفخر عجيب يرضي غروري ـ إن وجد ـ وزادت قراءاتي في علم النفس نظرا لمهمتي في اعداد وتقديم برنامج «دنيا الأسرة» حتى بدأ الباب في الانفراج وتحولت حمى الشكوى للشباب وخاصة التعامل مع انتاجهم «مَنْ قبل مَنْ ومن ذا أجود من ذاك» حتى وصلنا إلى ما ابتدعته «الإعلام» آنذاك والمسمى «بالرقابة» والتي كسرت «أنف أبوالهول» وكرّت هذه
المسبحة هذا عيب وهذا حرام، هذا لا يذكر، هذا لا يطلع وكان الشباب في أول طلعتهم للكتابة «الدراما» بعد ان بسط كل من عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج وزملائهم السجاد الأحمر فكان على الإعلام ان يقلل من تلك «الحمُرة» نظرا لاعتراض بعض من بذور من يسمون انفسهم «الإسلاميين» أو «المحافظين على التراث والتقاليد» فنفخ في الصور ليمحو كل خط تماس أو مشروع تماس أو حتى فكرة
تماس ما بين المرأة والرجل.. وفرض مسافة أو حاجزا شرعيا بينهما حتى لو الصورة تتحدث عن زوجين، فالرجل لا يحق له ان يقرب منها إلا بمسافة ولا يقبل رأسها لو احسنت صنعا لان هذا يجر الى الرذيلة، أما إذا امرأة مثل الأم اقترحت على ابنها ان يتزوج واختارت له واحدة من أهلها ويحدث ان يطلب الشاب ان يراها لأنه لا يتذكرها إلا طفلة فإن المنكر يُطلّ من الشباك متأرجحا ما بين «الفشلة» و«العيب»
و«الحرام» ـ رغم الشرعية الدينية لأن العادات والتقاليد كثيرا ما تسبق الدين في ذلك الزمن لولا ذاك النور الديني والدنيوي الذي اطل علينا من بعض من شيوخنا الأفاضل والذين عرفتهم عن قرب واستفدت منهم كثيرا في مواجهات فيها من العلم والظرف الكثير.
أولهم كان ذلك الرجل الوسيم الجليل الهادئ الشيخ المرحوم عبدالله النوري، لقد كان يأتي في أيام معينة ليتسلم بريده بنفسه وكثيرا ما جلست معه اتقصى أسلوبه في استقبال تلك الرسائل الكثيرة جدا.. وقلت له مرة «الله يعينك يا عمي ـ وأنا أنظر الى الكم الهائل من
الرسائل ـ فردّ علي باسما: لا تظنيني مجيبا للجميع!! وقرأ على ملامحي استغرابا فأردف قائلا: أغلبها أجيب عليه على الشاشة أما البقية فيكون الكلام بيني وبينهم مباشرا في الديوان أو على الهاتف، ثم قرأ استغرابي فقال: يا ابنتي الجهلاء بالدين الحنيف كُثر لكن إشاعة اسئلتهم على هذا الجهاز العام «الراديو أو التلفزيون» تضر الدين أكثر مما تنفعه قلت: كيف؟؟ فأعطاني رسالتين قائلا اقرأيهما وعند عودتي القادمة أوضح لك كيف أتعامل معهما.. ثم خرج..
تناولت الرسالتين واذا بالأولى لامرأة تذكر انها خرجت من بيتها لقضاء حوائجها والدنيا صيف والشمس حارة فأخذت (الساس) طريقا مستظلة بحائط الجيران لكن الجيران عندهم مكيف هواء أغرقها ببعض قطرات مائه على رأس عباءتها، فتسأل هل يجوز لها ان تصلي بذات العباءة ام لا لأن جارتها مسيحية؟
أما الرسالة الثانية فكانت من رجل يسأل عن اكتشافه ورقة من جريدة أجنبية تلعكها (صخلته) مع الجت (البرسيم) وهو غذاؤها ـ فهل يكفر لو شرب حليبها؟
وبعد يومين أو ثلاثة عاد شيخنا الجليل ـ تغمده الله برحمته ـ ونظر في وجهي وأنا أحمل نصف ابتسامة قائلا وسائلا: هل أدركت مقصدي؟ يا ابنتي «ان هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان عندنا على شاكلة اخرى رجل دين آخر هو الشيخ الظريف، يرحمه الله، الشيخ علي الجسار الذي يحب النكتة، يحيرك أحيانا ما بين الجد والهزل لكنه غزير المعرفة في دينه ودنياه لا يفصل بينهما، له معرفة بالجميع، والجميع يعرفه ويحبه.
أما ثالثهم فكان الشاب المتعلم والمثقف والعالم والرزين، يحفظه الله، الشيخ د.خالد المذكور والذي انتقل بعد ذلك لتأسيس الهيئة الشرعية لأسلمة القوانين المدنية التي تسير الوطن، له أسلوبه الخاص في ربط الدين بالدنيا مع المحافظة الشديدة على المسافة بينهما.
وهكذا، ورغم وجودنا محاطين بهذه الكوكبة الرائعة، إلا ان رقابة وزارة الإعلام لم تأت بمثل هؤلاء الثلاثة فقط بل ببعض من شباب مبهورين بالدين الحنيف ولا يفرقون بين الاستقامة والتحجر حتى بدأت أصابع كتّاب (الدراما) تتعقد وتتكسر بحثا عن لغة يسمحون بها أو حركة يرضون عنها وبرز مقص الرقيب واصلا الى الأفلام العربية بقطع كل قبلة حتى لو كانت قبلة رجل على خد طفلته.
وهكذا لبست القبعة مرة اخرى وذهبت الى المرحوم الشيخ جابر العلي احمل شكوى الكتّاب وأنا معهم وكنت آنذاك أكتب نص مسلسل «بيت تسكنه سمرة»، والشيخ جابر العلي الصباح، يرحمه الله، كان رجلا عجيبا له طولة بال عجيبة وعظيمة لما يعشق ولكن (كلمة ورد غطاها) ـ كما يقال عندما لا يدخل الموضوع مزاجه. فيسألني هل أنت ذكية ام تتذاكين؟ فأقول أحاول أن أكون الاثنين معا.
وأؤكد ان هذه الرقابة غبية، ويرد: ونحن نريدها غبية، فأشعر بأن الأبواب تغلق في وجهي وأصمت، ثم أستعيد فتحها، فأقول: يا بوعلي يا فنان يا عالم اي الجروح اطول عمرا وأقسى وأمر؟ هل هي السطحية أم العميقة؟، يضحك ثم يقول: طبعا العميقة!
فأقول: إذن لماذا تسمحون بالعمق وتحاربون السطحية والتي تزول بسهولة ويسر مع الهواء وفي ثوان من الزمن؟
قال: كيف؟
فأعطيته نموذجا لفيلم عربي كان قد أذيع على تلفزيون الكويت ليلتها (البارحة) وفيه مشهد للزوجة تبحث في جيوب زوجها وتفتح سجل هواتفه وتفتح كيس نقوده وتأخذ بعضا منها، ثم تتسرب الى فراشه، ولا تتحرك الرقابة لكنها تنتفض امام قبلة بريئة.
وأظن ـ والله أعلم ـ أن الإعلام حتى يومنا هذا لم يتقن الرقابة، ولم يؤهل لها فمازالت تخضع للأمزجة والرؤية الشخصية والذوق الخاص والفهم الذاتي رغم ان العمل الإعلامي عام وشامل.
لكن تظل أطرف حكايات الماضي هذه!
كان تلفزيون الكويت يبث مساء فقط ويزيد من زمن البث تدريجيا حسب الإمكانيات حتى بدأت الناس تتذمر وتطالب بإغلاقه مبكرا حتى يتسنى للأمهات إغراء أطفالهن للذهاب الى النوم ووجدت نفسي واقعة على خط التماس مرة اخرى دفاعا عن التلفزيون وضغطا على الأم للقيام بدورها داخل منزلها ولا تطلب من التلفزيون ان يغلق ابوابه حتى ينام أطفالها وكانت أنشط الصحف ذاك الحين هي جريدة الرأي
العام وصاحبها المرحوم عبدالعزيز المساعيد الذي بدأ يشن حربا عليّ شخصيا ووجد ضالته أخيرا عندما قرر تلفزيون الكويت ان يعيد إذاعة برنامجي (الضحى) لسيدات البيوت.. فكانت الرسائل تنهال عليّ وأنا لا أترك رسالة واحدة دون جواب لأنني أعتقد وأؤمن بحق المشاهد عليّ حتى وصلتني رسالة من البصرة تقول ما يلي:
يا بنت حسين انت لست جميلة حتى تطلين علينا مرتين، وصوتك غير إذاعي، والموضوعات التي تطرحينها غير هامة، المهم.. كان المشاهد الكريم يتمنى ان أختفي من الشاشة وأعود الى بيتي.
قرأت رسالته حرفيا على الشاشة، وقلت له: يا سيدي أشكر صراحتك التي لم تجرحني أبدا فحقك علي أكبر من حقي عليك.. أحاول ـ والله ـ جاهدة أن أبحث لك عن مخرج ولم أجد إلا هذا وهو:
أنا أطل على الشاشة في الساعات التالية بالأيام التالية.. احرص يا اخي الكريم على إغلاق جهازك حينها مع الشكر.
فثار ثورة عجيبة أستاذنا الكبير المرحوم عبدالعزيز المساعيد ـ يرحمه الله ـ ولبس بشته وطلب مقابلة وزير الإعلام بعد ان كتب عموده اليومي هجاء لشخصي الضعيف، فما وجد من الوزير إلا الضحك العالي وعدم التصديق بأنني فعلت هذا فعلا، وناداني ليقول لي: «أم حسين عفية عليك»، فغضب بويوسف ـ الله يرحمه ـ وخرج من المكتب قائلا للوزير: ما خرّبهم غيرك! قد لا تصدقون انه بعد تلك الحادثة أصبحنا أصدقاء المرحوم بويوسف وأنا.
http://www.alanba.com.kw/ar/kuwait-news/562695/02-06-2015
الثلاثاء 2 يونيو 2015 - الأنباء
http://www.alanba.com.kw/articlefiles/2015/06/562695-531013.jpg
بقلم: فاطمة حسين
عندما خطت أقدامي العتبات الأولى في تلفزيون الكويت المسمى آنذاك «الساحر» في سبتمبر 1963 وبطلب كريم من الصديق د.يعقوب الغنيم كنت بين فتيات التلفزيون آنذاك أكبرهن سنا وربما أكثرهن نضجا لأنني كنت بينهن المرأة المتزوجة والأم أيضا.. تحولت بعد عدة أسابيع أو أشهر ـ ربما ـ إلى حائط للمبكى أو دار للتظلم والشكوى وأنا استمع وأحاول ان اعمل شيئا ـ أي شيء ـ وأحصل على أجري من غرفة «الصديقة» باسمة سليمان «قهوة وبسكوت» ـ في الخفاء طبعا ـ محاطة بالزميلتين منى طالب وليلى محمد حسين بعيدا عن عيون الشباب وزعيمهم «الوزير السابق محمد السنعوسي» الرجل الجميل والحشري المالك للقدرات على حافة كل أصبع من يده ـ اللهم لا حسد ـ ولا حتى غبطة ـ وكذلك الصديق المرحوم رضا الفيلي أستاذ اللغة العربية الذي كان يصوغ السوالف كما يصوغ نشرات الأخبار فلا بد ان تبدأ السالفة عنده بمقدمة ثم المشي وصولا للخاتمة وعلينا ان ننتظر حتى نحصل على الزبدة من خضة «اللبن».
***
في ذاك الجو الحميم المفعم بالاحترام والنشاط والعمل الدؤوب أمضيت أيامي الأولى والوسطى والأخيرة أمارس دور الأم ذات الاذان والصبر الجميل ـ كما كان البعض يطلق عليّ رغم رفضي لذلك لانني كنت في ذاك الاستماع «أتعلم» وأشعر بفخر عجيب يرضي غروري ـ إن وجد ـ وزادت قراءاتي في علم النفس نظرا لمهمتي في اعداد وتقديم برنامج «دنيا الأسرة» حتى بدأ الباب في الانفراج وتحولت حمى الشكوى للشباب وخاصة التعامل مع انتاجهم «مَنْ قبل مَنْ ومن ذا أجود من ذاك» حتى وصلنا إلى ما ابتدعته «الإعلام» آنذاك والمسمى «بالرقابة» والتي كسرت «أنف أبوالهول» وكرّت هذه
المسبحة هذا عيب وهذا حرام، هذا لا يذكر، هذا لا يطلع وكان الشباب في أول طلعتهم للكتابة «الدراما» بعد ان بسط كل من عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج وزملائهم السجاد الأحمر فكان على الإعلام ان يقلل من تلك «الحمُرة» نظرا لاعتراض بعض من بذور من يسمون انفسهم «الإسلاميين» أو «المحافظين على التراث والتقاليد» فنفخ في الصور ليمحو كل خط تماس أو مشروع تماس أو حتى فكرة
تماس ما بين المرأة والرجل.. وفرض مسافة أو حاجزا شرعيا بينهما حتى لو الصورة تتحدث عن زوجين، فالرجل لا يحق له ان يقرب منها إلا بمسافة ولا يقبل رأسها لو احسنت صنعا لان هذا يجر الى الرذيلة، أما إذا امرأة مثل الأم اقترحت على ابنها ان يتزوج واختارت له واحدة من أهلها ويحدث ان يطلب الشاب ان يراها لأنه لا يتذكرها إلا طفلة فإن المنكر يُطلّ من الشباك متأرجحا ما بين «الفشلة» و«العيب»
و«الحرام» ـ رغم الشرعية الدينية لأن العادات والتقاليد كثيرا ما تسبق الدين في ذلك الزمن لولا ذاك النور الديني والدنيوي الذي اطل علينا من بعض من شيوخنا الأفاضل والذين عرفتهم عن قرب واستفدت منهم كثيرا في مواجهات فيها من العلم والظرف الكثير.
أولهم كان ذلك الرجل الوسيم الجليل الهادئ الشيخ المرحوم عبدالله النوري، لقد كان يأتي في أيام معينة ليتسلم بريده بنفسه وكثيرا ما جلست معه اتقصى أسلوبه في استقبال تلك الرسائل الكثيرة جدا.. وقلت له مرة «الله يعينك يا عمي ـ وأنا أنظر الى الكم الهائل من
الرسائل ـ فردّ علي باسما: لا تظنيني مجيبا للجميع!! وقرأ على ملامحي استغرابا فأردف قائلا: أغلبها أجيب عليه على الشاشة أما البقية فيكون الكلام بيني وبينهم مباشرا في الديوان أو على الهاتف، ثم قرأ استغرابي فقال: يا ابنتي الجهلاء بالدين الحنيف كُثر لكن إشاعة اسئلتهم على هذا الجهاز العام «الراديو أو التلفزيون» تضر الدين أكثر مما تنفعه قلت: كيف؟؟ فأعطاني رسالتين قائلا اقرأيهما وعند عودتي القادمة أوضح لك كيف أتعامل معهما.. ثم خرج..
تناولت الرسالتين واذا بالأولى لامرأة تذكر انها خرجت من بيتها لقضاء حوائجها والدنيا صيف والشمس حارة فأخذت (الساس) طريقا مستظلة بحائط الجيران لكن الجيران عندهم مكيف هواء أغرقها ببعض قطرات مائه على رأس عباءتها، فتسأل هل يجوز لها ان تصلي بذات العباءة ام لا لأن جارتها مسيحية؟
أما الرسالة الثانية فكانت من رجل يسأل عن اكتشافه ورقة من جريدة أجنبية تلعكها (صخلته) مع الجت (البرسيم) وهو غذاؤها ـ فهل يكفر لو شرب حليبها؟
وبعد يومين أو ثلاثة عاد شيخنا الجليل ـ تغمده الله برحمته ـ ونظر في وجهي وأنا أحمل نصف ابتسامة قائلا وسائلا: هل أدركت مقصدي؟ يا ابنتي «ان هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان عندنا على شاكلة اخرى رجل دين آخر هو الشيخ الظريف، يرحمه الله، الشيخ علي الجسار الذي يحب النكتة، يحيرك أحيانا ما بين الجد والهزل لكنه غزير المعرفة في دينه ودنياه لا يفصل بينهما، له معرفة بالجميع، والجميع يعرفه ويحبه.
أما ثالثهم فكان الشاب المتعلم والمثقف والعالم والرزين، يحفظه الله، الشيخ د.خالد المذكور والذي انتقل بعد ذلك لتأسيس الهيئة الشرعية لأسلمة القوانين المدنية التي تسير الوطن، له أسلوبه الخاص في ربط الدين بالدنيا مع المحافظة الشديدة على المسافة بينهما.
وهكذا، ورغم وجودنا محاطين بهذه الكوكبة الرائعة، إلا ان رقابة وزارة الإعلام لم تأت بمثل هؤلاء الثلاثة فقط بل ببعض من شباب مبهورين بالدين الحنيف ولا يفرقون بين الاستقامة والتحجر حتى بدأت أصابع كتّاب (الدراما) تتعقد وتتكسر بحثا عن لغة يسمحون بها أو حركة يرضون عنها وبرز مقص الرقيب واصلا الى الأفلام العربية بقطع كل قبلة حتى لو كانت قبلة رجل على خد طفلته.
وهكذا لبست القبعة مرة اخرى وذهبت الى المرحوم الشيخ جابر العلي احمل شكوى الكتّاب وأنا معهم وكنت آنذاك أكتب نص مسلسل «بيت تسكنه سمرة»، والشيخ جابر العلي الصباح، يرحمه الله، كان رجلا عجيبا له طولة بال عجيبة وعظيمة لما يعشق ولكن (كلمة ورد غطاها) ـ كما يقال عندما لا يدخل الموضوع مزاجه. فيسألني هل أنت ذكية ام تتذاكين؟ فأقول أحاول أن أكون الاثنين معا.
وأؤكد ان هذه الرقابة غبية، ويرد: ونحن نريدها غبية، فأشعر بأن الأبواب تغلق في وجهي وأصمت، ثم أستعيد فتحها، فأقول: يا بوعلي يا فنان يا عالم اي الجروح اطول عمرا وأقسى وأمر؟ هل هي السطحية أم العميقة؟، يضحك ثم يقول: طبعا العميقة!
فأقول: إذن لماذا تسمحون بالعمق وتحاربون السطحية والتي تزول بسهولة ويسر مع الهواء وفي ثوان من الزمن؟
قال: كيف؟
فأعطيته نموذجا لفيلم عربي كان قد أذيع على تلفزيون الكويت ليلتها (البارحة) وفيه مشهد للزوجة تبحث في جيوب زوجها وتفتح سجل هواتفه وتفتح كيس نقوده وتأخذ بعضا منها، ثم تتسرب الى فراشه، ولا تتحرك الرقابة لكنها تنتفض امام قبلة بريئة.
وأظن ـ والله أعلم ـ أن الإعلام حتى يومنا هذا لم يتقن الرقابة، ولم يؤهل لها فمازالت تخضع للأمزجة والرؤية الشخصية والذوق الخاص والفهم الذاتي رغم ان العمل الإعلامي عام وشامل.
لكن تظل أطرف حكايات الماضي هذه!
كان تلفزيون الكويت يبث مساء فقط ويزيد من زمن البث تدريجيا حسب الإمكانيات حتى بدأت الناس تتذمر وتطالب بإغلاقه مبكرا حتى يتسنى للأمهات إغراء أطفالهن للذهاب الى النوم ووجدت نفسي واقعة على خط التماس مرة اخرى دفاعا عن التلفزيون وضغطا على الأم للقيام بدورها داخل منزلها ولا تطلب من التلفزيون ان يغلق ابوابه حتى ينام أطفالها وكانت أنشط الصحف ذاك الحين هي جريدة الرأي
العام وصاحبها المرحوم عبدالعزيز المساعيد الذي بدأ يشن حربا عليّ شخصيا ووجد ضالته أخيرا عندما قرر تلفزيون الكويت ان يعيد إذاعة برنامجي (الضحى) لسيدات البيوت.. فكانت الرسائل تنهال عليّ وأنا لا أترك رسالة واحدة دون جواب لأنني أعتقد وأؤمن بحق المشاهد عليّ حتى وصلتني رسالة من البصرة تقول ما يلي:
يا بنت حسين انت لست جميلة حتى تطلين علينا مرتين، وصوتك غير إذاعي، والموضوعات التي تطرحينها غير هامة، المهم.. كان المشاهد الكريم يتمنى ان أختفي من الشاشة وأعود الى بيتي.
قرأت رسالته حرفيا على الشاشة، وقلت له: يا سيدي أشكر صراحتك التي لم تجرحني أبدا فحقك علي أكبر من حقي عليك.. أحاول ـ والله ـ جاهدة أن أبحث لك عن مخرج ولم أجد إلا هذا وهو:
أنا أطل على الشاشة في الساعات التالية بالأيام التالية.. احرص يا اخي الكريم على إغلاق جهازك حينها مع الشكر.
فثار ثورة عجيبة أستاذنا الكبير المرحوم عبدالعزيز المساعيد ـ يرحمه الله ـ ولبس بشته وطلب مقابلة وزير الإعلام بعد ان كتب عموده اليومي هجاء لشخصي الضعيف، فما وجد من الوزير إلا الضحك العالي وعدم التصديق بأنني فعلت هذا فعلا، وناداني ليقول لي: «أم حسين عفية عليك»، فغضب بويوسف ـ الله يرحمه ـ وخرج من المكتب قائلا للوزير: ما خرّبهم غيرك! قد لا تصدقون انه بعد تلك الحادثة أصبحنا أصدقاء المرحوم بويوسف وأنا.
http://www.alanba.com.kw/ar/kuwait-news/562695/02-06-2015