فاطمة
04-19-2005, 03:47 PM
أسسها نجران بن سبأ وتعاقب على سكناها المعينيون والرومان والحميريون والاحباش
من على ارتفاع 28 ألف قدم تبدو مدينة نجران، في جنوب غرب المملكة العربية السعودية، وكأنها شبه جزيرة وسط محيط من الجبال التي تطوقها من ثلاث جهات، وتفتح ذراعيها من جهة الشرق لتستوعب كل أسرار الربع الخالي احد اعظم صحارى العالم.
وفي حين تعد نجران «صرّة» تاريخ الجزيرة العربية ومهداً مهماً لحضاراتها وثقافاتها المتعاقبة، فإن الكلمة فيها اليوم تعود الى الحقول الخضراء وليالي الصحراء المقمرة واشجار النخيل الباسقة الممتدة مدى البصر لتحمي المدينة من سفع رمال الخماسين، تاركة لأشجار الحمضيات والأراك ومنازل الطين والقش مهمة تلطيف الاجواء.
تاريخ تليد.. مجيد تنسب احدى الروايات المتضاربة حول تاريخ نجران بداية المدينة الى «نجران بن ريدان بن سبأ» الذي اسسها بعد ما حل في موقعها. وقد خضعت المدينة في العام 115 قبل الميلاد لدولة معين قبل ان يغزوها الرومان ويدمروها في العام 24 ق.م. في اعقاب احتلالهم مصر. وسكنها الحميريون حتى العام 340 م.
ولكن من الناحية الأثرية كان اهم ما عرف عن نجران «الأخدود» الذي اورد القرآن الكريم محرقته في مطلع سورة البروج.
وخلاصة قصة الأخدود، كما وردت في تفسير ابن كثير ان الذي قتل اصحاب الأخدود (العام 500 ق.م.) هو الملك «ذو نواس»، واسمه زرعة بن بيان اسعد ابو كرب، وعرف ايضاً باسم يوسف ابان حكمه، وهو من التبابعة الحميريين. وكان احد اسلافه تبّع قد غزا الكعبة واستصحب معه حبرين من احبار اليهود تهوّد اهل اليمن على يديهما.
وذكر ابن اسحق ان «ذو نواس» غزا نجران بعد تحوّل اهلها عن عبادة الاوثان الى النصرانية بفضل عبد الله بن التامر في قصته المشهورة، فسار اليهم «ذو نواس» وجنده ودعاهم الى اليهودية، وخيّرهم بين ذلك والقتل، فاختاروا ان يموتوا رافضين التخلي عن دينهم. فحفر لهم الملك الحميري اخدوداً وحرق منهم بالنار قرابة عشرين الف نسمة ومثّل بالباقين بعدما اعمل فيهم السيوف، وقيل انه لم ينج منهم سوى رجل واحد هو دوس بن ثعلبان، الذي حاول فرسان «ذو نواس» اللحاق به عند فراره لكنهم لم يدركوه.
وتشير الروايات القديمة الى ان دوس بن ثعلبان ذهب الى قيصر ملك الشام واتصل بالنجاشي، ملك الحبشة. فما كان من الأخير الا ان ارسل معه جيشاً من نصارى الحبشة يتقدمهم القائدان ارياط وابرهة «الاشرم» اللذان استنقذا اليمن من ايدي اليهود، في حين غرق «ذو نواس» في البحر اثناء هروبه. واستمر حكم الاحباش النصارى لليمن سبعين سنة قبل ان يؤول الى سيف بن ذي يزن الحميري الذي حرر اليمن من الاحباش بدعم من كسرى ملك الفرس الذي ارسل معه سبعمائة الف سجين كانوا مسجونين عنده.
طريق القوافل من ناحية اخرى، عرفت نجران منذ القدم بأنها واحدة من اهم المدن التجارية بفضل وقوعها على مفترق طرق القوافل التجارية الرئيسية القديمة التي كانت تربط جنوب الجزيرة العربية بشمالها، وافريقيا بالمشرق، محتلة مكانة متميزة في تجارة العالم القديم. وهي حالياً تشكل ملتقى رائعاً للماضي والحاضر، والقديم والحديث.
وقد اشتهرت نجران، كما وصفها المؤرخ الهمداني (توفي عام 945 م)، في مؤلفه الشهير «صفة جزيرة العرب»، بأنها احدى الاسواق الضاربة في القدم واحد اعظم مراكز تجارة التوابل والبخور واللبان والعطور المنقولة من الهند عبر اليمن الى بقية انحاء العالم القديم (بما فيه اوروبا)، على الطريق التجاري الممتد من جنوب الجزيرة العربية الى شمالها. ويتفرع منه فرع يسير الى الشمال الشرقي مروراً بالفاو والافلاج، ومن ثم الأحساء، فالساحل الشرقي باتجاه بلاد ما بين النهرين (العراق)، وفرع باتجاه الشمال الغربي مروراً بجرش فالطائف فمكة المكرمة فالمدينة المنورة فالعلا فالحجر (مدائن صالح) وتبوك وصولا الى البتراء ومنها الى بلاد الشام ومصر واوروبا.
وقد تميزت الفترة الممتدة من العام 1513م وعلى مدى 243 سنة بكثرة المغامرين والرحالة والمستكشفين الاوروبيين الذين توافدوا على الجزيرة العربية. ونجح العلماء بفضل هؤلاء، ومنهم ايضاً علماء بارزون، في فك رموز الكتابة العربية الجنوبية التي اطلق عليها مسمى «الحروف الحميرية» بجانب اكتشاف كنوز اثرية مهمة اخرى. وبين اشهر من زار ونقّب والف عن رحلاته في المنطقة سنت جون فيلبي. واليوم، بمجرد وصول الزائر الى منطقة «الأخدود» التاريخية وقراءته ما بقي منه من آثار ومن «مدينته» من معالم ونقوش يرتسم في مخيلته ما يشبه العرض السينمائي لأحداث قلما شهد تاريخ البشرية لها مثيلاً. وخلف اشجار الأراك المنتشرة في كل مكان تتلو الصخور الضخمة المقصوصة بعناية والرسوم الغريبة الاشكال احاجي والغاز تنتظر اجابات.
بل ان ما يشاهده الزائر من آثار في نجران، لا يمثل ـ حسب علماء الآثار. الا نحو 1 في المائة فقط مما هو مطمور تحت الارض، تحت غابات الأراك بانتظار المنقبين.
من على ارتفاع 28 ألف قدم تبدو مدينة نجران، في جنوب غرب المملكة العربية السعودية، وكأنها شبه جزيرة وسط محيط من الجبال التي تطوقها من ثلاث جهات، وتفتح ذراعيها من جهة الشرق لتستوعب كل أسرار الربع الخالي احد اعظم صحارى العالم.
وفي حين تعد نجران «صرّة» تاريخ الجزيرة العربية ومهداً مهماً لحضاراتها وثقافاتها المتعاقبة، فإن الكلمة فيها اليوم تعود الى الحقول الخضراء وليالي الصحراء المقمرة واشجار النخيل الباسقة الممتدة مدى البصر لتحمي المدينة من سفع رمال الخماسين، تاركة لأشجار الحمضيات والأراك ومنازل الطين والقش مهمة تلطيف الاجواء.
تاريخ تليد.. مجيد تنسب احدى الروايات المتضاربة حول تاريخ نجران بداية المدينة الى «نجران بن ريدان بن سبأ» الذي اسسها بعد ما حل في موقعها. وقد خضعت المدينة في العام 115 قبل الميلاد لدولة معين قبل ان يغزوها الرومان ويدمروها في العام 24 ق.م. في اعقاب احتلالهم مصر. وسكنها الحميريون حتى العام 340 م.
ولكن من الناحية الأثرية كان اهم ما عرف عن نجران «الأخدود» الذي اورد القرآن الكريم محرقته في مطلع سورة البروج.
وخلاصة قصة الأخدود، كما وردت في تفسير ابن كثير ان الذي قتل اصحاب الأخدود (العام 500 ق.م.) هو الملك «ذو نواس»، واسمه زرعة بن بيان اسعد ابو كرب، وعرف ايضاً باسم يوسف ابان حكمه، وهو من التبابعة الحميريين. وكان احد اسلافه تبّع قد غزا الكعبة واستصحب معه حبرين من احبار اليهود تهوّد اهل اليمن على يديهما.
وذكر ابن اسحق ان «ذو نواس» غزا نجران بعد تحوّل اهلها عن عبادة الاوثان الى النصرانية بفضل عبد الله بن التامر في قصته المشهورة، فسار اليهم «ذو نواس» وجنده ودعاهم الى اليهودية، وخيّرهم بين ذلك والقتل، فاختاروا ان يموتوا رافضين التخلي عن دينهم. فحفر لهم الملك الحميري اخدوداً وحرق منهم بالنار قرابة عشرين الف نسمة ومثّل بالباقين بعدما اعمل فيهم السيوف، وقيل انه لم ينج منهم سوى رجل واحد هو دوس بن ثعلبان، الذي حاول فرسان «ذو نواس» اللحاق به عند فراره لكنهم لم يدركوه.
وتشير الروايات القديمة الى ان دوس بن ثعلبان ذهب الى قيصر ملك الشام واتصل بالنجاشي، ملك الحبشة. فما كان من الأخير الا ان ارسل معه جيشاً من نصارى الحبشة يتقدمهم القائدان ارياط وابرهة «الاشرم» اللذان استنقذا اليمن من ايدي اليهود، في حين غرق «ذو نواس» في البحر اثناء هروبه. واستمر حكم الاحباش النصارى لليمن سبعين سنة قبل ان يؤول الى سيف بن ذي يزن الحميري الذي حرر اليمن من الاحباش بدعم من كسرى ملك الفرس الذي ارسل معه سبعمائة الف سجين كانوا مسجونين عنده.
طريق القوافل من ناحية اخرى، عرفت نجران منذ القدم بأنها واحدة من اهم المدن التجارية بفضل وقوعها على مفترق طرق القوافل التجارية الرئيسية القديمة التي كانت تربط جنوب الجزيرة العربية بشمالها، وافريقيا بالمشرق، محتلة مكانة متميزة في تجارة العالم القديم. وهي حالياً تشكل ملتقى رائعاً للماضي والحاضر، والقديم والحديث.
وقد اشتهرت نجران، كما وصفها المؤرخ الهمداني (توفي عام 945 م)، في مؤلفه الشهير «صفة جزيرة العرب»، بأنها احدى الاسواق الضاربة في القدم واحد اعظم مراكز تجارة التوابل والبخور واللبان والعطور المنقولة من الهند عبر اليمن الى بقية انحاء العالم القديم (بما فيه اوروبا)، على الطريق التجاري الممتد من جنوب الجزيرة العربية الى شمالها. ويتفرع منه فرع يسير الى الشمال الشرقي مروراً بالفاو والافلاج، ومن ثم الأحساء، فالساحل الشرقي باتجاه بلاد ما بين النهرين (العراق)، وفرع باتجاه الشمال الغربي مروراً بجرش فالطائف فمكة المكرمة فالمدينة المنورة فالعلا فالحجر (مدائن صالح) وتبوك وصولا الى البتراء ومنها الى بلاد الشام ومصر واوروبا.
وقد تميزت الفترة الممتدة من العام 1513م وعلى مدى 243 سنة بكثرة المغامرين والرحالة والمستكشفين الاوروبيين الذين توافدوا على الجزيرة العربية. ونجح العلماء بفضل هؤلاء، ومنهم ايضاً علماء بارزون، في فك رموز الكتابة العربية الجنوبية التي اطلق عليها مسمى «الحروف الحميرية» بجانب اكتشاف كنوز اثرية مهمة اخرى. وبين اشهر من زار ونقّب والف عن رحلاته في المنطقة سنت جون فيلبي. واليوم، بمجرد وصول الزائر الى منطقة «الأخدود» التاريخية وقراءته ما بقي منه من آثار ومن «مدينته» من معالم ونقوش يرتسم في مخيلته ما يشبه العرض السينمائي لأحداث قلما شهد تاريخ البشرية لها مثيلاً. وخلف اشجار الأراك المنتشرة في كل مكان تتلو الصخور الضخمة المقصوصة بعناية والرسوم الغريبة الاشكال احاجي والغاز تنتظر اجابات.
بل ان ما يشاهده الزائر من آثار في نجران، لا يمثل ـ حسب علماء الآثار. الا نحو 1 في المائة فقط مما هو مطمور تحت الارض، تحت غابات الأراك بانتظار المنقبين.