المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تخفيف حدّة التوتر بين السنّة والشيعة



الراي السديد
04-24-2015, 07:23 PM
http://fikraforum.org/wp-content/uploads/userphoto/718.thumbnail.jpg

إبريل 23, 2015 (http://fikraforum.org/?p=6765&lang=ar)

أحمد الصاوي - موقع فكره

كان خطيب صلاة الجمعة، في مسجد صغير بحي الدقي بالقاهرة، يستعد لإنهاء خطبته للولوج فوراً للصلاة بأدعية تقليدية شبه محفوظة، منها الدعاء على اليهود والصليبيين. لكنه هذه المرة أضاف عنصراً جديداً في دعائه، ألا وهو الحوثيين، فقال: "اللهم أهلك اليهود والصليبيين والروافض والشيعة والحوثيين. ويأتي هذا الحدث في الوقت الذي تقود فيه السعودية حملة عسكرية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.

في فتواههم العديدة، وصف مشايخ السلفية بوضوح حرب اليمن بأنها "جهاد في سبيل الله،" تخوضه جيوش المسلمين ضد "الروافض،" أي الشيعة. حتى إن شيخاً سُنياً شهيراً في المملكة السعودية والعالم العربي، هو محمد العريفي، ظهر في فيديو وهو يرتدي بذلة عسكرية ويشارك في إطلاق القذائف على الحوثيين في اليمن، وبالرغم من التعليقات الكثيرة عليه، الا أنه لم يكن هناك تعليقاً واحداً يؤيد الحرب انطلاقاً من اعتبارات وطنية أو قومية أو سياسية، وإنما من مشاعر دينية غالبة، وكراهية بلا حدود للشيعة في العموم.

تأتي كل هذه المشاعر السلبية والمواقف العدائية في الوقت الذي لا يخلو فيه بلد عربي من نسبة سكانية تنتمي للطائفة الشيعية، علماً أن الشيعة يشكلون 10-13 بالمئة من مجمل السكان في الشرق الأوسط. وإذا كان الشيعة العرب يعيشون مع السنة في أوطان واحدة منذ مئات السنين، فلماذا تحولوا فجأة إلى "شر مستطير"؟

الصراع الديني المذهبي بين السنة والشيعة قديم جداً ويعود لمرحلة مبكرة من تاريخ الإسلام. ومع استقرار الحكم في أغلب مراحل الدولة الإسلامية لصالح السنة، حدثت توترات وتمردات وانتفاضات شيعية كثيرة، إلا أن العصر الحديث، تحديداً خلال القرن الماضي، لم يشهد توترات كبيرة بين الشيعة والسنة داخل المنطقة ولا خطاب مذهبي حاد كما هو حاصل حالياً. وتجدر الإشارة هنا إلى أن السعودية قاتلت مع الزيديين "الشيعة" في اليمن ضد الجيش المصري، ذات الأغلبية السنّية، في الستينات من القرن الماضي، وظلّت العلاقات العربية الإيرانية وثيقة في كثير من الأحيان.

الخطاب العربي تجاه الشيعة بدأ يتغيّر بعد العام 1979، حين نجحت الثورة الإسلامية الإيرانية في تأسيس جمهورية ولاية الفقيه، وضَعُف الخطاب القومي العربي الذي تغذى على العداء لإسرائيل، بعد توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل.

السياسات الإيرانية التي سعت لتصدير الثورة الإسلامية، وأظهرت أطماعها في المنطقة، خلقت صراعاً واضحاً بين الخليج والسعودية من جهة وإيران من جهة أخرى، وتصاعد بشكل لافت واستدعى كل تراث القتال المذهبي بين الشيعة والسنة، وكأن التاريخ عاد ألف وأربعمائة عاماً إلى الوراء حين تقاتل الصحابة على الخلافة.

للصراع الإيراني الخليجي أسبابه السياسية والإستيراتيجية والقومية، لكنك تُفاجأ باختزال الأمر في بعده المذهبي، ما يجعلك تفكر في مستقبل الشيعة العرب في ظل خطاب عربي مذهبي، رسمي وغير رسمي، يُعمم الكراهية، ويحول الصراع مع إيران إلى مواجهة شاملة مع الشيعة، تنطلق من الطعن في العقيدة، وحتى التخوين الوطني، ما جعل الشيعة العرب، وهم ليسوا كلهم "الحوثيين وحزب الله والميليشيات العراقية،" محل شك واتهام وتكفير أيضاً. وحين تربط ذلك بتعثر المشروعات القومية أو الوطنية القادرة على إدارة التنوع في البلاد العربية في إطار المواطنة المتساوية ومكافحة التمييز، يمكنك أن تتوقع أن مستقبل الشيعة العرب، ومع استمرار الصراع العربي الإيراني، ربما يماثل مع بعض الفوارق قطعاً ما جرى لليهود العرب.

قبل خمسينيات القرن الماضي، لم يكن هناك خطيب مسجد يدعو إلى هلاك اليهود. وكان اليهود العرب جزءا من نسيج مجتمعاتهم يجرى عليهم ما يجرى على غيرهم، ويساهمون في تطوير مجتمعاتهم وحداثتها. لكن كل شيء تغير مع تفاعل الصراع العربي الإسرائيلي سياسياً وعسكرياً.

احتشد العقل العربي في هكذا صراع بكافة أسلحته، بما في ذلك النبش في التراث الإسلامي للبحث عن كل ما يمكن تخريجه لإدانة اليهود، وتحول الصراع إلى معركة مع اليهود، كل اليهود بما فيهم من لم يهاجر إلى إسرائيل وتمسك بوطنه، ومن رفض قيام دولة إسرائيل، وكان أقرب للمواقف العربية والحقوق الفلسطينية. وفي ظل وجود يهود عرب في أغلب البلاد العربية بنسب متفاوتة، بدأ الجسد العربي يُضيّق عليهم باتهامات التخوين والولاء لإسرائيل، ومع ممارسات إسرائيل الرامية إلى تهجير اليهود العرب، انتهى الأمر بمغادرة اليهود البلاد العربية بعضهم راغباً والبعض الآخر مُكرهاً بسبب المناخ المعادي. الأقلية التي تمسكت بالبقاء لا تزال حتى الآن تسمع اللعنات الموجهة إليها من على منابر المساجد.

لا أحد يقول إن هناك احتمال أنه يهاجر الشيعة العرب كاليهود، لأن إيران بعكس إسرائيل، تريدهم في مناطقهم لتضغط بهم على العالم العربي، في الوقت الذي توفر فيه الأنظمة العربية المناخ الخانق للشيعة العرب سياسياً ودينياً، الأمر الذي لا يترك أمامهم مسارات بديلة سوى الانسلاخ عن أوطانهم، أو التمرد عليها، أو الارتماء في حضن إيران بما يعزز نفوذها وحضورها في المنطقة.

ليس من مصلحة العرب خسارة "شيعتهم،" كما ليس من مصلحة أي طرف دولي أو إقليمي لا يرغب في المزيد من التمدد الإيراني في المنطقة، ترك صراع مذهبي سني شيعي يندلع دون تدخل لوأده. بداية الحل تكمن في إقناع العرب ألا يكرّروا ذات الخطأ مع اليهود في سياق صراعهم مع إسرائيل، وأن يتذكروا أنه ليس بالضرورة أن يكون لدى كل الشيعة في العالم ولاء للولي الفقيه.

http://fikraforum.org/?p=6765&lang=ar