المهدى
04-14-2005, 07:07 AM
"الايموبيليا" احتضنت ليالي فاروق وكاميليا وشويكار والصعايدة حاولوا قتل"وحش الشاشة" عند مدخلها!
إذا كانت السينما أعطت المكان حقه أخيرًا وجعلته بطلا في احدث الأعمال السينمائية "عمارة يعقوبيان" للنجم عادل إمام, بعدما منحه من قبل نجيب محفوظ صك البطولة عبر سلسله روايته "قصر الشوق - السكرية - بين القصرين", فإن هناك أماكن لا تقل أهمية, حيث عاصرت وكانت شاهد عيان لعصر طويل أغفلتها السينما والأعمال الفنية, رغم ما تحويه من تاريخ.. من هذه الأماكن "عمارة الايموبيليا" الشهيرة في وسط القاهرة التي ضمت بين أركانها تاريخًا فنيًا وسياسيًا وثقافيًا ورياضيًا عظيمًا.
"جريدة السياسة" انتقلت إلى العمارة لاستنطاق تاريخها وعبقه منذ بداية الأربعينات.
على ناصيتي شارع شريف وقصر النيل, حيث تقف عمارة "الايموبيليا" شامخة.. لا تحتاج لسؤال عنها.. فالكل يعرفها.. لأنها الأشهر بين معالم القاهرة.. وبالبحث في سجلات العمارة عرفنا أنه تم إنشاؤها العام 1941, وتتكون من نحو 300 شقة وثلاثة عشر طابقًا, والعمارة ضمن ممتلكات المليونير المصري القديم أحمد باشا عبود, أغنى أغنياء مصر في ذلك الوقت, حيث كانت تقدر ثروته ب¯ 30 مليون جنيه في الثلاثينات, علاوة على ذلك فقد تولى أحمد باشا عبود رئاسة النادي الأهلي القاهري.
"الايموبيليا" صممت على برجين على شكل حرف "u" وكل برج منهما له ثلاثة مداخل عمومية للسكان يطلق عليها "بريمو", وثلاثة مداخل للعمال والخدم "سكوندو".. ولكل مدخل ثلاثة مصاعد, وثلاثة سلالم للطوارئ.
عاصمة الفن
ورغم أن هناك حكمة تقول "لا تضع البيض كله في سلة واحدة".. إلا أن سلة الفن "عمارة الايموبيليا" أون أكثر من ثلاثين فنانًا من مشاهير الغناء والتمثيل في مصر والوطن العربي سكنوها.. منهم نجيب الريحاني, ومحمد عبد الوهاب, عبد الحليم حافظ, محمد فوزي, مديحة يسري, أنور وجدي, ليلى مراد, محمود المليجي, ماجدة الصباحي, أسمهان, أحمد سالم, عبد العزيز محمود, آسيا, كمال الطويل, هنري بركات, محمود ذو الفقار, كاميليا.
هذه الباقة من نجوم الفن سطعت داخل عمارة الايموبيليا.. وتركوا فيها إرثا فنيًا عظيمًا.
فاروق وكاميليا
العلاقة بين الملك فاروق والفنانة اليهودية الجميلة كاميليا لا ينكرها أحد.. وقد شهدت الايموبيليا بعض وقائع هذه العلاقة, عندما كان يذهب الملك فاروق ليلاً لقضاء الأوقات الجميلة مع الفنانة كاميليا.. كذلك الأميرة شويكار زوجة الملك فؤاد كانت لها صداقات مع بعض سكان العمارة, فتترد عليهم لتمارس هوايتها في لعب القمار هناك.. مما أضفى على العمارة الهيبة الملكية.
ويبدو أن عالم الثقافة يحتاج إلى هدوء تفتقده عمارة الايموبيليا التي تعج بضجيج نجوم الفن.. لذا فقد خلت العمارة تقريبًا من رموز الثقافة والأدب.. فعلى الرغم من حالة الصخب الفني الذي شهدته العمارة نتيجة هذه البوتقة الجميلة من أهل الفن.. إلا أن الأديب الكبير توفيق الحكيم لم يتأقلم مع هذا الجو.. فبعد 10 سنوات من الإقامة فيها..غادرها إلى الهدوء والسكينة.
مقر رياضي
ولأن الايموبيليا كانت ملكًا لأغنى أغنياء مصر آنذاك أحمد باشا عبود الذي تولى رئاسة النادي الأهلي القاهري لسنوات طويلة.. فقد اتخذ عبود باشا من العمارة مقرًا له يجتمع فيها مع كبار لاعبي النادي الأهلي القدامى.. صالح سليم, وطه إسماعيل, ورفعت الفناجيلي, وعادل هيكل, وطارق سليم.. حيث خصص عبود باشا لذلك مكتبًا لهذه الاجتماعات.
وكانت لعمارة الايموبيليا شركة خاصة تديرها, ورأس هذه الشركة الخواجة ألفونس وكيل عبود باشا.. وعندما صدرت القرارات الاشتراكية التأميمية.. أممت شركة عمارة الايموبيليا, وطرد منها اليهود وكذلك طرد الخواجة ألفونس.. وأصيب عبود باشا من جراء تأميم ممتلكاته كلها بما يشبه الشلل حتى مات.
وكما هو الحال اليهود في كل مكان يتواجدون فيه, ولا سيما الأثرياء منهم, فلا بد أن يكون لهم حضور في أشهر وأضخم عمارة أنشئت في القاهرة حينئذ.. فقد كان من بين سكان عمارة الايموبيليا عدد كبير من أثرياء اليهود.. منهم الخواجة ريمون شملا صاحب محلات "شملا" الشهيرة, وكذلك سلفادور شيكوريل صاحب مجموعة محلات تحمل نفس الاسم, والخواجة نصيري صاحب بنك نصيري بشارع جواد حسني, والخواجة ريمون أشهر تاجر مجوهرات في شارع "ناريمان" "عبد الخالق ثروت".. ويذكر أن الخواجة ريمون كانت له علاقة صداقة وطيدة مع الملكة نازلي والدة الملك فاروق, وكان يهدي الملكة بمجوهرات ثمينة من الذهب والألماس..
ومن سكان العمارة اليهود أيضًا لولو صيدناوي شقيقة سمعان صيدناوي صاحب المحلات الشهيرة. وبذلك كان لليهود بصمة قوية في تاريخ العمارة لم يمحها الزمن.
خزائن أسرار
أسرار وحكايات وطرائف عمارة الايموبيليا مع سكانها وخاصة نجوم زمن الفن الجميل.. هذه الذكريات قد لا يعرفها إلا عدد قليل من الناس, هم البوابون "حراس العمارة" الذين ما زالوا على قيد الحياة, وعايشوا العمارة وعاشت هي فيهم منذ إنشائها.. ففي جولتنا قابلنا عددًا من البوابين, ارتبطت حياتهم بالعمارة.. منهم "سالم أحمد فضل الله" وهو سوداني من وادي العرب, وعوض محمد حسن من إقليم دنقله السوداني.. والحاج محمد نظمي.. مصطفى عباس من أحد الأحياء الشعبية الذي بدأ حكاياته عن العمارة قائلاً:
صدقني.. إذا أردت معرفة تاريخ مصر, وأهل الفن والسياسة لابد أن تكون الايموبيليا هي المفتاح لذلك.. ضمن الحرب العالمية الثانية والعمارة لا تزال شاهدًا على كثير من الوقائع والأحداث الهامة.
وعن أطرف المواقف والحكايات التي عايشها مصطفى عباس.. واقعة طريفة حدثت لفكري باشا أباظة المحامي الشهير وعضو مجلس النواب ورئيس تحرير مجلة المصور.. يقول مصطفى:
كان فكري باشا نظره ضعيف جدًا, ومن ثم كان يرتدي نظارة سميكة "كعب كباية" ولا يرى إلا ما هو أمامه فقط.. وفى يوم دخل فكري باشا العمارة حاملاً كيسًا مملوءًا بالمشمش, ووقف أمام أحد المصاعد ليصعد شقته بالدور الثامن, وكانت كل المصاعد مشغولة.. وعندما مل من الانتظار اتجه ناحية مصعد "العفش والبضائع".. وبالفعل فتح الباب معتقدًا أن كابينة المصعد موجودة.. لكنها كانت في الطابق التاسع.. وبسرعة مد فكري باشا قدميه ليركب الأسانسير.. فإذا به يسقط في بئر المصعد على وجهه وركبتيه.. فاندفع البوابون والعمال, وأوقفنا المصعد حتى لا يرتطم به.. وأخرجناه من بئر المصعد, وقمنا بتنظيف ملابسه.. والاطمئنان أن جروحه بسيطة.. وبعد أن استراح فكري باشا قليلاً.. "شخط" في البوابين.. "انتوا واقفين تتفرجوا علي.. فين "المشمش".. انزلوا هاتوه".
صديق الفنانين
وفي جولتنا بعمارة الايموبيليا قابلنا الحاج محمد إبراهيم.. المعروف بصديق الفنانين.. وهو صاحب محل نظارات شهير بشارع شريف.. ويعلق على جدران محله صورًا له مع مشاهير الفن والسياسة والرؤساء.. جمال عبد الناصر... أنور السادات.. رشدي أباظة, عبد الحليم حافظ, فريد الاطرش, أم كلثوم..
ويروي الحاج محمد إبراهيم حكاية طريفة كان شاهدًا لها حدثت مع صديقه و»حش الشاشة« فريد شوقي.. ويقول: حضر فريد شوقي إلى عمارة الايموبيليا لمقابلة الممثل والمنتج والمخرج أنور وجدي, وعند باب المصعد.. حصلت مشادة بين فريد شوقي ومجموعة من الصعايدة بملابسهم المميزة.. فما كان من "فريد شوقي" ببنيانه القوي, إلا أن أخذ يطيح فيهم ضربًا, وصفع كبيرهم على وجهه.. وهنا ثار الصعايدة.. وأخرج واحد منهم مسدسًا, مصممًا على إطلاق الرصاص على فريد شوقي.. فتجمع البوابون والسكان وأنقذوا فريد شوقي.. وتم إبلاغ الشرطة.. ورفض الصعايدة الصلح.. وأخيرًا تم عقد جلسة عرفية.. وتبين أن الشخص الذي صفعه فريد شوقي على وجهه هو أغنى أغنياء الصعيد وكبيرهم.. واعتبر الصعايدة الصفعة لهم جميعًا.. ولا بد من الثأر لكرامتهم.
المهم استغرقت هذه المشكلة خمس جلسات عرفية في محاولة للصلح.. لكن الصعايدة صمموا أن يقوم كبيرهم بضرب فريد شوقي على وجهه ردًا لكرامتهم.. فتقدم كبيرهم ووضع يده برفق على وجه فريد شوقي, وقبله, واحتضنه.. وانتهت المشكلة بسلام.
اكتشف العندليب
الحاج محمد إبراهيم كان صديقا للمطرب عبد العزيز محمود أحد سكان عمارة الايموبيليا.. وكان عبد العزيز محمود آنذاك يتمتع بشهرة عريضة في أواخر الأربعينيات... ويقول:
طلب أحد ملاجئ الأيتام من عبد العزيز محمود أن يحيي حفلاً.. وكان هذا الملجأ الذي تربى فيه العندليب الأسمر"عبد الحليم حافظ".. في ذلك الوقت كان أجر عبد العزيز محمود أعلى الأجور نظرًا لشهرته الطاغية.. فطلب من الملجأ (150) جنيها ليحيي الحفل.. ووافقت إدارة الملجأ على هذا المبلغ وتم دفع مقدم عربون وتم تحديد الموعد.. وقبل ثلاثة أيام من الحفل اتصل عبد العزيز محمود بإدارة الملجأ وطلب منهم أن يصطحب معه راقصة لترقص على أنغام أغنياته.. وطلب للراقصة ثلاثين جنيهًا.. ولكن قوبل ترشيح الراقصة بالرفض.. فقال عبد العزيز محمود: إذن فلن أغني.. أرسلوا لي من يأخذ "العربون".. فاختارت إدارة الملجأ ثلاثة شبان في مقتبل العمر ليذهبوا إلى عبد العزيز محمود في عمارة الايموبيليا لرد المقدم.. وكان من بين هؤلاء الشبان شاب أسمر نحيف.. هو عبد الحليم حافظ!!
صعد الشبان الثلاثة إلى شقة عبد العزيز محمود.. وانتظروا في صالة الشقة.. وطال الانتظار قليلاً.. فأخذ عبد الحليم حافظ يدندن ببعض الأغنيات.. حتى وصل صوته العذب إلى أذني عبد العزيز محمود, فخرج إليهم قائلاً "الولد ده صوته مش بطال.. أبقوا خلوه يعمل الحفلة!!".
وبالفعل قدم عبد الحليم حافظ الحفل.. وبعدها انطلق إلى سماء نجومية الغناء والطرب.
زفاف السادات
ولأن الحاج محمد إبراهيم كان على علاقة قوية بعبد العزيز محمود.. فيروي قصة طريفة كان بطلها الرئيس الراحل أنور السادات والسيدة زوجته جيهان السادات.. ويقول: اشترطت السيدة جيهان السادات أن يحيي حفل زفافها عبد العزيز محمود.. وعندما حضر السادات للاتفاق مع عبد العزيز محمود.. وجده مشغولاً لمدة أسبوع وحتى موعد الزفاف.. ولما وجد السادات إصرارًا من السيدة جيهان على عبد العزيز محمود.. قرر تأجيل موعد زفافه أسبوعًا حتى يحيي عبد العزيز محمود حفل زفافه.
وشهدت عمارة الايموبيليا قصصًا طريفة جمعت أساطين الفن.. وكانت جدرانها أيضًا شاهدًا على أروع قصة حب في أوائل الستينيات بين النجمة السينمائية المتألقة ماجدة, وأحد ضباط سلاح الطيران بالقوات الجوية.. إيهاب نافع.. حيث تعرفت ماجدة الصباحي بالطيار إيهاب نافع عن طريق السيناريت محمد عثمان.. وكان إيهاب نافع قد أبدى رغبته للعمل بالسينما لابن خالته عز الدين ذو الفقار.. فرشحه لفيلم "الناصر صلاح الدين".
وذهب إيهاب إلى مكتب المنتجة آسيا بالطابق الثامن في العمارة.. ولكن لم يعجبها.. وفى نفس المكان التقى إيهاب بالسيناريست محمد عثمان الذي أخذه ونزل به إلى الطابق السادس عند ماجدة الصباحي.. وبسرعة تبادل الاثنان الإعجاب الذي تحول إلى حب بين إيهاب وماجدة.. وبعد أسبوعين طلب منها الزواج.. فرحبت.. وزينت الأنوار عمارة الايموبيليا لتشهد زواج ماجدة الصباحي وإيهاب نافع.. ولا زال مكتب الفنانة ماجدة موجودًا بالعمارة.
الفنانة المخمورة
وفي الطابق السادس من العمارة.. كانت تسكن ممثلة شهيرة في الفن والخمر والمشاكل والقضايا.. والسجن أيضًا.. فقد كانت ترجع كل ليلة إلى العمارة وهى سكرانة.. وذات مرة عادت فجرًا وهى حافية مستقلة تاكسي.. ورفضت أن تحاسب السائق, مما تسبب في نشوب مشاجرة, وكاد السائق يفتك بالفنانة, لولا أن أنقذها أحد البوابين, ودفع أجرة السائق.
صحيح أن كوكب الشرق أم كلثوم والنجمة الراحلة ليلى فوزي.. لم تكونا من سكان عمارة الايموبيليا.. إلا أنهما وغيرهما كثيرًا ما ترددوا على العمارة.. حيث كان يتواجد أشهر ترزي نسائي في مصر هو "فوزي اندرواس" الذي كان يقوم بتفصيل فساتين الحفلات والسهرات لنجمات الفن, وكذلك لأبناء كبريات العائلات المصرية, وبعض الأميرات من العائلة المالكة.. فقد كان أتيلية فوزي.. مقصدًا لهن جميعًا مما جعل العمارة خلية نحل لا تهدأ.
هكذا ضمت عمارة الإيموبيليا عدداً من رموز الفن لتظل شاهدة على عصر زمن الفن الجميل.
إذا كانت السينما أعطت المكان حقه أخيرًا وجعلته بطلا في احدث الأعمال السينمائية "عمارة يعقوبيان" للنجم عادل إمام, بعدما منحه من قبل نجيب محفوظ صك البطولة عبر سلسله روايته "قصر الشوق - السكرية - بين القصرين", فإن هناك أماكن لا تقل أهمية, حيث عاصرت وكانت شاهد عيان لعصر طويل أغفلتها السينما والأعمال الفنية, رغم ما تحويه من تاريخ.. من هذه الأماكن "عمارة الايموبيليا" الشهيرة في وسط القاهرة التي ضمت بين أركانها تاريخًا فنيًا وسياسيًا وثقافيًا ورياضيًا عظيمًا.
"جريدة السياسة" انتقلت إلى العمارة لاستنطاق تاريخها وعبقه منذ بداية الأربعينات.
على ناصيتي شارع شريف وقصر النيل, حيث تقف عمارة "الايموبيليا" شامخة.. لا تحتاج لسؤال عنها.. فالكل يعرفها.. لأنها الأشهر بين معالم القاهرة.. وبالبحث في سجلات العمارة عرفنا أنه تم إنشاؤها العام 1941, وتتكون من نحو 300 شقة وثلاثة عشر طابقًا, والعمارة ضمن ممتلكات المليونير المصري القديم أحمد باشا عبود, أغنى أغنياء مصر في ذلك الوقت, حيث كانت تقدر ثروته ب¯ 30 مليون جنيه في الثلاثينات, علاوة على ذلك فقد تولى أحمد باشا عبود رئاسة النادي الأهلي القاهري.
"الايموبيليا" صممت على برجين على شكل حرف "u" وكل برج منهما له ثلاثة مداخل عمومية للسكان يطلق عليها "بريمو", وثلاثة مداخل للعمال والخدم "سكوندو".. ولكل مدخل ثلاثة مصاعد, وثلاثة سلالم للطوارئ.
عاصمة الفن
ورغم أن هناك حكمة تقول "لا تضع البيض كله في سلة واحدة".. إلا أن سلة الفن "عمارة الايموبيليا" أون أكثر من ثلاثين فنانًا من مشاهير الغناء والتمثيل في مصر والوطن العربي سكنوها.. منهم نجيب الريحاني, ومحمد عبد الوهاب, عبد الحليم حافظ, محمد فوزي, مديحة يسري, أنور وجدي, ليلى مراد, محمود المليجي, ماجدة الصباحي, أسمهان, أحمد سالم, عبد العزيز محمود, آسيا, كمال الطويل, هنري بركات, محمود ذو الفقار, كاميليا.
هذه الباقة من نجوم الفن سطعت داخل عمارة الايموبيليا.. وتركوا فيها إرثا فنيًا عظيمًا.
فاروق وكاميليا
العلاقة بين الملك فاروق والفنانة اليهودية الجميلة كاميليا لا ينكرها أحد.. وقد شهدت الايموبيليا بعض وقائع هذه العلاقة, عندما كان يذهب الملك فاروق ليلاً لقضاء الأوقات الجميلة مع الفنانة كاميليا.. كذلك الأميرة شويكار زوجة الملك فؤاد كانت لها صداقات مع بعض سكان العمارة, فتترد عليهم لتمارس هوايتها في لعب القمار هناك.. مما أضفى على العمارة الهيبة الملكية.
ويبدو أن عالم الثقافة يحتاج إلى هدوء تفتقده عمارة الايموبيليا التي تعج بضجيج نجوم الفن.. لذا فقد خلت العمارة تقريبًا من رموز الثقافة والأدب.. فعلى الرغم من حالة الصخب الفني الذي شهدته العمارة نتيجة هذه البوتقة الجميلة من أهل الفن.. إلا أن الأديب الكبير توفيق الحكيم لم يتأقلم مع هذا الجو.. فبعد 10 سنوات من الإقامة فيها..غادرها إلى الهدوء والسكينة.
مقر رياضي
ولأن الايموبيليا كانت ملكًا لأغنى أغنياء مصر آنذاك أحمد باشا عبود الذي تولى رئاسة النادي الأهلي القاهري لسنوات طويلة.. فقد اتخذ عبود باشا من العمارة مقرًا له يجتمع فيها مع كبار لاعبي النادي الأهلي القدامى.. صالح سليم, وطه إسماعيل, ورفعت الفناجيلي, وعادل هيكل, وطارق سليم.. حيث خصص عبود باشا لذلك مكتبًا لهذه الاجتماعات.
وكانت لعمارة الايموبيليا شركة خاصة تديرها, ورأس هذه الشركة الخواجة ألفونس وكيل عبود باشا.. وعندما صدرت القرارات الاشتراكية التأميمية.. أممت شركة عمارة الايموبيليا, وطرد منها اليهود وكذلك طرد الخواجة ألفونس.. وأصيب عبود باشا من جراء تأميم ممتلكاته كلها بما يشبه الشلل حتى مات.
وكما هو الحال اليهود في كل مكان يتواجدون فيه, ولا سيما الأثرياء منهم, فلا بد أن يكون لهم حضور في أشهر وأضخم عمارة أنشئت في القاهرة حينئذ.. فقد كان من بين سكان عمارة الايموبيليا عدد كبير من أثرياء اليهود.. منهم الخواجة ريمون شملا صاحب محلات "شملا" الشهيرة, وكذلك سلفادور شيكوريل صاحب مجموعة محلات تحمل نفس الاسم, والخواجة نصيري صاحب بنك نصيري بشارع جواد حسني, والخواجة ريمون أشهر تاجر مجوهرات في شارع "ناريمان" "عبد الخالق ثروت".. ويذكر أن الخواجة ريمون كانت له علاقة صداقة وطيدة مع الملكة نازلي والدة الملك فاروق, وكان يهدي الملكة بمجوهرات ثمينة من الذهب والألماس..
ومن سكان العمارة اليهود أيضًا لولو صيدناوي شقيقة سمعان صيدناوي صاحب المحلات الشهيرة. وبذلك كان لليهود بصمة قوية في تاريخ العمارة لم يمحها الزمن.
خزائن أسرار
أسرار وحكايات وطرائف عمارة الايموبيليا مع سكانها وخاصة نجوم زمن الفن الجميل.. هذه الذكريات قد لا يعرفها إلا عدد قليل من الناس, هم البوابون "حراس العمارة" الذين ما زالوا على قيد الحياة, وعايشوا العمارة وعاشت هي فيهم منذ إنشائها.. ففي جولتنا قابلنا عددًا من البوابين, ارتبطت حياتهم بالعمارة.. منهم "سالم أحمد فضل الله" وهو سوداني من وادي العرب, وعوض محمد حسن من إقليم دنقله السوداني.. والحاج محمد نظمي.. مصطفى عباس من أحد الأحياء الشعبية الذي بدأ حكاياته عن العمارة قائلاً:
صدقني.. إذا أردت معرفة تاريخ مصر, وأهل الفن والسياسة لابد أن تكون الايموبيليا هي المفتاح لذلك.. ضمن الحرب العالمية الثانية والعمارة لا تزال شاهدًا على كثير من الوقائع والأحداث الهامة.
وعن أطرف المواقف والحكايات التي عايشها مصطفى عباس.. واقعة طريفة حدثت لفكري باشا أباظة المحامي الشهير وعضو مجلس النواب ورئيس تحرير مجلة المصور.. يقول مصطفى:
كان فكري باشا نظره ضعيف جدًا, ومن ثم كان يرتدي نظارة سميكة "كعب كباية" ولا يرى إلا ما هو أمامه فقط.. وفى يوم دخل فكري باشا العمارة حاملاً كيسًا مملوءًا بالمشمش, ووقف أمام أحد المصاعد ليصعد شقته بالدور الثامن, وكانت كل المصاعد مشغولة.. وعندما مل من الانتظار اتجه ناحية مصعد "العفش والبضائع".. وبالفعل فتح الباب معتقدًا أن كابينة المصعد موجودة.. لكنها كانت في الطابق التاسع.. وبسرعة مد فكري باشا قدميه ليركب الأسانسير.. فإذا به يسقط في بئر المصعد على وجهه وركبتيه.. فاندفع البوابون والعمال, وأوقفنا المصعد حتى لا يرتطم به.. وأخرجناه من بئر المصعد, وقمنا بتنظيف ملابسه.. والاطمئنان أن جروحه بسيطة.. وبعد أن استراح فكري باشا قليلاً.. "شخط" في البوابين.. "انتوا واقفين تتفرجوا علي.. فين "المشمش".. انزلوا هاتوه".
صديق الفنانين
وفي جولتنا بعمارة الايموبيليا قابلنا الحاج محمد إبراهيم.. المعروف بصديق الفنانين.. وهو صاحب محل نظارات شهير بشارع شريف.. ويعلق على جدران محله صورًا له مع مشاهير الفن والسياسة والرؤساء.. جمال عبد الناصر... أنور السادات.. رشدي أباظة, عبد الحليم حافظ, فريد الاطرش, أم كلثوم..
ويروي الحاج محمد إبراهيم حكاية طريفة كان شاهدًا لها حدثت مع صديقه و»حش الشاشة« فريد شوقي.. ويقول: حضر فريد شوقي إلى عمارة الايموبيليا لمقابلة الممثل والمنتج والمخرج أنور وجدي, وعند باب المصعد.. حصلت مشادة بين فريد شوقي ومجموعة من الصعايدة بملابسهم المميزة.. فما كان من "فريد شوقي" ببنيانه القوي, إلا أن أخذ يطيح فيهم ضربًا, وصفع كبيرهم على وجهه.. وهنا ثار الصعايدة.. وأخرج واحد منهم مسدسًا, مصممًا على إطلاق الرصاص على فريد شوقي.. فتجمع البوابون والسكان وأنقذوا فريد شوقي.. وتم إبلاغ الشرطة.. ورفض الصعايدة الصلح.. وأخيرًا تم عقد جلسة عرفية.. وتبين أن الشخص الذي صفعه فريد شوقي على وجهه هو أغنى أغنياء الصعيد وكبيرهم.. واعتبر الصعايدة الصفعة لهم جميعًا.. ولا بد من الثأر لكرامتهم.
المهم استغرقت هذه المشكلة خمس جلسات عرفية في محاولة للصلح.. لكن الصعايدة صمموا أن يقوم كبيرهم بضرب فريد شوقي على وجهه ردًا لكرامتهم.. فتقدم كبيرهم ووضع يده برفق على وجه فريد شوقي, وقبله, واحتضنه.. وانتهت المشكلة بسلام.
اكتشف العندليب
الحاج محمد إبراهيم كان صديقا للمطرب عبد العزيز محمود أحد سكان عمارة الايموبيليا.. وكان عبد العزيز محمود آنذاك يتمتع بشهرة عريضة في أواخر الأربعينيات... ويقول:
طلب أحد ملاجئ الأيتام من عبد العزيز محمود أن يحيي حفلاً.. وكان هذا الملجأ الذي تربى فيه العندليب الأسمر"عبد الحليم حافظ".. في ذلك الوقت كان أجر عبد العزيز محمود أعلى الأجور نظرًا لشهرته الطاغية.. فطلب من الملجأ (150) جنيها ليحيي الحفل.. ووافقت إدارة الملجأ على هذا المبلغ وتم دفع مقدم عربون وتم تحديد الموعد.. وقبل ثلاثة أيام من الحفل اتصل عبد العزيز محمود بإدارة الملجأ وطلب منهم أن يصطحب معه راقصة لترقص على أنغام أغنياته.. وطلب للراقصة ثلاثين جنيهًا.. ولكن قوبل ترشيح الراقصة بالرفض.. فقال عبد العزيز محمود: إذن فلن أغني.. أرسلوا لي من يأخذ "العربون".. فاختارت إدارة الملجأ ثلاثة شبان في مقتبل العمر ليذهبوا إلى عبد العزيز محمود في عمارة الايموبيليا لرد المقدم.. وكان من بين هؤلاء الشبان شاب أسمر نحيف.. هو عبد الحليم حافظ!!
صعد الشبان الثلاثة إلى شقة عبد العزيز محمود.. وانتظروا في صالة الشقة.. وطال الانتظار قليلاً.. فأخذ عبد الحليم حافظ يدندن ببعض الأغنيات.. حتى وصل صوته العذب إلى أذني عبد العزيز محمود, فخرج إليهم قائلاً "الولد ده صوته مش بطال.. أبقوا خلوه يعمل الحفلة!!".
وبالفعل قدم عبد الحليم حافظ الحفل.. وبعدها انطلق إلى سماء نجومية الغناء والطرب.
زفاف السادات
ولأن الحاج محمد إبراهيم كان على علاقة قوية بعبد العزيز محمود.. فيروي قصة طريفة كان بطلها الرئيس الراحل أنور السادات والسيدة زوجته جيهان السادات.. ويقول: اشترطت السيدة جيهان السادات أن يحيي حفل زفافها عبد العزيز محمود.. وعندما حضر السادات للاتفاق مع عبد العزيز محمود.. وجده مشغولاً لمدة أسبوع وحتى موعد الزفاف.. ولما وجد السادات إصرارًا من السيدة جيهان على عبد العزيز محمود.. قرر تأجيل موعد زفافه أسبوعًا حتى يحيي عبد العزيز محمود حفل زفافه.
وشهدت عمارة الايموبيليا قصصًا طريفة جمعت أساطين الفن.. وكانت جدرانها أيضًا شاهدًا على أروع قصة حب في أوائل الستينيات بين النجمة السينمائية المتألقة ماجدة, وأحد ضباط سلاح الطيران بالقوات الجوية.. إيهاب نافع.. حيث تعرفت ماجدة الصباحي بالطيار إيهاب نافع عن طريق السيناريت محمد عثمان.. وكان إيهاب نافع قد أبدى رغبته للعمل بالسينما لابن خالته عز الدين ذو الفقار.. فرشحه لفيلم "الناصر صلاح الدين".
وذهب إيهاب إلى مكتب المنتجة آسيا بالطابق الثامن في العمارة.. ولكن لم يعجبها.. وفى نفس المكان التقى إيهاب بالسيناريست محمد عثمان الذي أخذه ونزل به إلى الطابق السادس عند ماجدة الصباحي.. وبسرعة تبادل الاثنان الإعجاب الذي تحول إلى حب بين إيهاب وماجدة.. وبعد أسبوعين طلب منها الزواج.. فرحبت.. وزينت الأنوار عمارة الايموبيليا لتشهد زواج ماجدة الصباحي وإيهاب نافع.. ولا زال مكتب الفنانة ماجدة موجودًا بالعمارة.
الفنانة المخمورة
وفي الطابق السادس من العمارة.. كانت تسكن ممثلة شهيرة في الفن والخمر والمشاكل والقضايا.. والسجن أيضًا.. فقد كانت ترجع كل ليلة إلى العمارة وهى سكرانة.. وذات مرة عادت فجرًا وهى حافية مستقلة تاكسي.. ورفضت أن تحاسب السائق, مما تسبب في نشوب مشاجرة, وكاد السائق يفتك بالفنانة, لولا أن أنقذها أحد البوابين, ودفع أجرة السائق.
صحيح أن كوكب الشرق أم كلثوم والنجمة الراحلة ليلى فوزي.. لم تكونا من سكان عمارة الايموبيليا.. إلا أنهما وغيرهما كثيرًا ما ترددوا على العمارة.. حيث كان يتواجد أشهر ترزي نسائي في مصر هو "فوزي اندرواس" الذي كان يقوم بتفصيل فساتين الحفلات والسهرات لنجمات الفن, وكذلك لأبناء كبريات العائلات المصرية, وبعض الأميرات من العائلة المالكة.. فقد كان أتيلية فوزي.. مقصدًا لهن جميعًا مما جعل العمارة خلية نحل لا تهدأ.
هكذا ضمت عمارة الإيموبيليا عدداً من رموز الفن لتظل شاهدة على عصر زمن الفن الجميل.