المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 12 مليون مصري مشرد: أحلام "مكافحة البرد" وواقع "مكافحة الشغب"



الناصع الحسب
01-19-2015, 11:31 PM
http://arabi.assafir.com/content/images/articlefull/2614_650525.jpg

صورة يتمّ تداولها عبر فايسبوك لطفل مشرّد في أحد الشوارع المصرية


منى سليم *

14/1/2015


دعوات تم اطلاقها بشكل دعائي الشتاء الماضى عن فتح ابواب الكلية الفنية العسكرية لإيواء المشردين، ثم تمَّ نفيها، ولم يكترث أحد، فقد مرّ الشتاء وعادت شمس الصيف من جديد.
والآن شتاء جديد يأتي وسط نشاط ملحوظ ـ حتى لو بقي تأثيره محدوداً مقارنة بعدد المحتاجين ـ لجمعيات أهلية تعمل بهدوء وتشكل ما أطلق عليه مؤخراً "قوات مكافحة البرد"، في مقاربة مع اسم "قوات مكافحة الشغب" الذي اطلقه الجيش المصري على دوريات تجوب الشوارع ليل نهار.


مفترشو الخلاء فئات..


يقتسم ما لا يقل عن 12 مليون مصري البرد والجوع والفزع. إنهم سكان العشش والصفيح والمقابر والمشردين في أسفل الكباري والكراجات والدكاكين وبيوت الكرتون. وحسب الاحصاءات الرسمية، فإن عدد المناطق العشوائية في مصر هو 1221 منطقة خارج تخطيط الدولة، لكن هذا لا يعني أنها تتساوى جميعها في الحالة المعيشية. فقد تحول العدد الأكبر منها الى بيوت صغيرة ضيقة متلاصقة تسترق الخدمات العامة كخطوط الكهرباء والمياه، وأغلب سكانها من أسر الصعيد شديدة الفقر التي ضاق بها العيش في السهل بجوار الجبل فهجّت إلى براح الوادي. إلا ان تواتر الأجيال وتراكم المشكلات من دون حل خلق دوائر أكثر حرجاً واحتياجاً مثل سكان المقابر والصفيح والعشش، و بهذا تحتل هذه التصنيفات ما لا يقل عن 40 في المئة من المناطق التى حددتها الدولة كمناطق خارج التخطيط والتغطية الخدمية. وقد اشارت بعض الدراسات المسحية الحكومية الى ان منطقة كـ "البساتين" تشمل وحدها 1.5 مليون مواطن (البساتين هي منطقة قديمة خضراء تحولت عبر الزمن الى الحيز الرئيسي لبناء المقابر فى القاهرة).

وهذا المجتمع، على اتساعه، يشمل في داخله عدد من التصنيفات بل والطبقات أيضاً. فهناك أسر فقدت معيلها أو فقد معيلها الموظف درجته الوظيفية فاضطر للانتقال لتلك المناطق لتدني مستوى الإيجارات، وهناك أيضاً فئات وضعها أشد حرجاً ورمزية مثل "الجيل الثاني لأطفال الشوارع " وهو الجيل الناتج عن زواج او تزاوج هؤلاء الفتيان والفتيات وتشكيل امتداد جديد من الأسر التي لا اعتراف بها، ولا عائل لها ولا حقوق على الورق..

المشردون بالمعني الحرفي للكلمة ظاهرة تتجسد بأعلى صورها داخل العاصمة. ففيها أكثر من غيرها تتكرر بشكل واسع صورة نمطية لرجل مشرد او سيدة عجوز يفترشان اسفل الكباري او يقيمون على مداخل الشوارع، خاصة فى منطقة وسط البلد، في "بيوت" من الكرتون والصفيح ولا يعرفون لهم مأوى غيرها. فمن أين جاء كل هؤلاء، وهل كان لهم واقع آخر قبل هذه اللحظة. الأمانة العامة للصحة النفسية في مصر حذرت قبل ما يزيد من عشر سنوات من هذه الظاهرة ومن الحاجة لتشريعات قانونية تجبر الأسر على تحمل مسؤولية ذويها من المعانين من الأمراض النفسية والعقلية، بينما أصبحت المستشفيات ممر طبيعي من البيوت التي تخفي المرض الى التشرد بالشوارع .


فتح أبواب الإيواء؟


وسط هذا الواقع الكفيل وحده بإثقال كتف أي مسؤول أو أي حالم بالسلطة، يزحف "برد الشتاء" كل عام كأكبر تحد ومعاناة لتلك الأعداد الغفيرة، ولاسيما حين تضرب موجة صقيع شديدة كالتي مرت هذا الأسبوع وأعادت للأذهان سابقتها في العام الماضي، التي تسببت بمقتل اثنين من المشردين تداول الجميع صورهم. وخلال أيام شبيهة باليوم مضى عليها ما يقارب العام، انطلقت دعوات تبشّر على لسان رؤساء تحرير وجرائد مؤيدة لانتخاب المشير عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع آنذاك لرئاسة الجمهورية، بوعود بفتح أبواب الكلية الفنية العسكرية لاستقبال المشردين وإيواء أطفال الشوارع وحمايتهم من البرد، كبداية لإعادة تأهيلهم وإدماجهم بالمجتمع .

لكن وعقب فترة من انتشار هذه النبوءة وتحقيق الدعاية المرجوة منها، تمَّ نفي الخبر في تصريح مقتضب على لسان وزير التضامن الاجتماعي الذي أكد على الجهود الدائمة والمساعدات المقدمة من وزارة الدفاع لكن من دون الاتفاق على شيء محدد في هذا المجال، وعلى كلام من قبيل ان التضامن الاجتماعي ملتزم بالقيام بدوره وتوفير التغطية الخدمية اللازمة للفئات الأكثر احتياجاً...


ومشاهد مأساوية أخرى


ما بين شتاءين عام مر، شمل مشاهد عامة أكثر حضوراً وسخونة، مثل القتل بالرصاص الذي يتكرر أسبوعياً.. لكن كان هناك مشهد يمس ملايين المصريين، وهو حال 192 أسرة تم طردهم من مساكن تابعة للدولة، قال عنهم المسؤولين انهم حصلوا عليها بالبلطجة وفرض الأمر الواقع. وتقول الأسر إنهم جاءوا من مناطق مختلفة تعيش الأزمة نفسها حيث تهدمت منازلهم او تم إخلاؤها، ولم يحصلوا على بديل، فجاءوا بعد الثورة واستقروا فى تلك الوحدات الشاغرة التابعة للدولة، وحصلوا على وعد بتقنين أوضاعهم بمقابل دفع الإيجارات المستحقة. أمتد الجدل والنقاش ليكون الحصاد هطول الأمطار وتلامس مياهها مع أسلاك كهرباء تمت سرقتها من الخط الرئيسي لإنارة مركز الشباب الذي افترشته تلك الأسر تحت حماية الأمن، مما تسبب فى إصابة أربعة أطفال إصابات بالغة. هلع وهرولة وعويل لمشهد الأطفال المصابين كاد يتحول لغضب عارم وتوجه ناحية الطريق العام، لكن السلطة كانت بالمرصاد، حيث ثبتت قوات على مدار العام على مداخل هذا المكان لمنع الأهالي من نشر غضبهم على الطريق.

هكذا حددت الدولة أولوياتها، فداخل أسوار هذا المعسكر المليء بالمخيمات ـ كأي معسكر لاجئين على حدود دولية يضم ضحايا حرب ـ يدور بين هؤلاء وممثلي الدولة النقاش، لكن ما هو غير مسموح به هو الغضب.. لذا فرضت المقتضيات الأمنية نشر "قوات مكافحة الشغب" وتفضيلها عن "مكافحة البرد". "نقص درجات الحرارة " و "شح الخدمات العامة" إلى حد المساس بالحقوق الرئيسية بالحياة كـ "السكن" هو اختصار للمشهد الذي تغذيه عدة معلومات هامة منها:

ـ انه، ومع بدء فصل الشتاء رسمياً منتصف كانون الاول/ديسمبر الماضي، لم تشمل المضابط الرسمية إشارة مباشرة حول توفير حل سريع لـ "متضرري البرد" وانحصر الأمر على توجيهات من رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي لرئيس وزرائه إبراهيم محلب بتوفير المواد الغذائية ومستلزمات فصل الشتاء، وتزويد الأسواق باِحتياجات المواطنين اللازمة فى هذا الصدد.

ـ وبحسب دراسة أعدها المركز المصري للحق في السكن (منظمة حقوقية)، ففي الوقت الذي يعيش فيه 15.5 مليون نسمة في العشوائيات أي ما يزيد على ثلاثة ملايين أسرة، نجد أن هناك 5.8 مليون وحدة سكنية شاغرة لم تستخدم من قبل.

ـ شهدت مصر منذ العام 1952 إنشاء ما يسمى بـ "اللجنة العليا لمعونة الشتاء"، وكان هدفها تقديم خدمات اجتماعية للفقراء والمتضررين من كوارث الشتاء، خاصة بالقرى والأماكن النائية، أثناء التغيرات المناخية والفيضانات والسيول، من خلال حصيلة "طوابع بريدية" توزع على بعض الجهات الحكومية كالتموين وهيئة السكة الحديد والإدارات التعليمية، لتذهب الأموال بعدها إلى اللجنة التي تتولى تقديم المعونات للمحتاجين. و تطالب جهات حقوقية منذ سنوات، بإلغاء هذه اللجنة ووقف ما اسمته بـ "الإتاوات" التى تزيد حصيلتها عن الـ10 ملايين جنيه سنوياً أو إخضاعها لرقابة مباشرة من مجلس النواب، لما ينالها من شبهات فساد وعدم استفادة المستحقين منها.




* صحافية من مصر