المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكاتب الصحفى أنيس منصور كاد ان يتحول إلى مغنى على يد الموسيقار محمد عبدالوهاب



مجاهدون
04-11-2005, 09:39 AM
عندما قال عبد الوهاب: الله يا أنيس!

أنيس منصور

في مصر نعيش أسبوع الآلام ـ ولكنها ككل العادات المصرية مبالغ فيها. فاذا عرفنا أنها كانت يمارسها الفنانون..الممثلون أدركنا انها مشهد من مشاهد أحد الأفلام او المسلسلات، فهي مشاهد عادية جدا عند نجوم السينما والمسرح.

وقد يحتاج الواحد منا الى ساعة لكي يعتصر عينيه ليبكي. ولكن الممثلين يبكون بالامر المباشر.. يقول الواحد منهم لنفسه: الآن إبك.. اشهقي.. موتي.. وبسهولة يكون الموت، بسهولة تكون الضحكة والدمعة..

حزنت مصر على فتاها الفنان القدير أحمد زكي.. وانه ليوجع القلب.. وانتهزت فرصة البكاء على أحمد زكي الذي كان آخر أعماله فيلم عن (حليم) حافظ الذي تزامن مع ذكرى وفاته من ثمانية وعشرين عاما. والفقيدان من محافظة الشرقية.. ولكن ذكرى عبد الحليم أجمل وأرق والطف ومن الممكن أن يستعيدها الإنسان في لحظات فيستمع إلى أغانية الجميلة.. والتي استطاعت أن تتفوق على كل الاصوات العربية في مصر وفي غيرها.. فصوت عبد الحليم هو الحزن في الشجن وفي الكبرياء في الوطنية..

وفي ماضينا ـ عبد الحليم حافظ وأنا ـ حكايات تبعث على الضحك الآن.. ولكن ساعتها أو يومها لم تكن كذلك. ففي بداية الحياة الفنية لعبد الحليم حافظ كان يتردد علينا في (أخبار اليوم) وكان عبد الحليم حافظ صغيرا.. له أغنيتان فقط من تلحين محمد الموجي: با ابو قلب خالي وصافيني مرة. فكنا نغني وعبد الحليم هو الذي يستمع.. كنا أربعة من الشبان نحرص على كل مرة يجيء عبد الحليم لكي ننشر عنه خبرا أو صورة صغيرة لكي يسمعنا.. وكانت أصواتنا لا بأس بها.. وبعضها كان جميلا.. ولكننا احترفنا الكتابة.. الا أنا. فقد كنت أغني في الحفلات المدرسية.

واقنعني عبد الحليم حافظ والشاعر الغنائي مأمون الشناوي والموسيقار كمال الطويل أن نذهب معا الى محمد عبد الوهاب فان أعجبه صوتي تركت التدريس في الجامعة والعمل الصحافي واتفرغ للغناء.. وذهبنا الى محمد عبد الوهاب في مكتبه. وادخلونا. فوجدت المنظر الآتي: عبد الوهاب جالسا وقد احتضن العود.. وعلى الأرض جلست واحدة ريفية تغني (عاشق الروح) وعبد الوهاب يقول: الله.. يا ست نواره.. الله ياست!
وادهشني ما يقوله عبد الوهاب فالبنت ليست جميلة الصوت لدرجة أن يمسك لها عبد الوهاب العود ومش بس كده ويقول الله ياست ـ ونحن في مصر لا نقول الله يا ست إلا لأم كلثوم.. ولكن أن يقول عبد الوهاب لواحدة صوتها ليس جميلا؟ هذا شيء غريب..

التفت الى عبد الحليم حافظ اقول: عبد الحليم ايه ده، البنت صوتها مش حلو، وقال عبد الحليم العبارة الفاصلة القاطعة التي ضربت في دماغي فافقت: انت ما تعرفش ان عبد الوهاب مجامل؟!

يا نهار اسود عبد الوهاب مجامل.. يعني اترك عملي في الجامعة وفي الصحافة واتسول.. وعدت. وفي التليفزيون حكيت هذه المأساة، ولكن عبد الوهاب بذكائه المعروف قال: انتهى كل شيء. وانيس اذا كان خسارة على الطرب فهو مكسب للأدب!
ولكن في داخلي اصرار عنيد لأن أغني لمحمد عبد الوهاب وفي يوم دعاني إلى الغداء ولم يكن في البيت أحد.. لا زوجته ولا حتى السفرجي.. وهنا فقط قلت: أغني لك يا استاذ..

ـ أيوه حبيبي.. سمعني..
وجلس عبد الوهاب الى البيانو وغنيت له: بتلوموني ليه.. وهو يقول الله ! يا أنيس !
قلت: يا استاذ كان يسعدني جدا جدا أن اصدقك لولا..
ـ يخص عليك انت صدقت حليم الخبيث؟
ـ انا صدقت وداني يا استاذ !