فصيح
01-05-2015, 12:27 AM
http://www.tahrirnews.com/news/resize.php?src=../uploads/images/171738_1417004430.JPG&w=205&h=102&zc=1&q=100
جمال فهمي
قبل نحو شهرين فاجأ الرئيس التركى رجب طيب أردوغان العالم بواحدة من عربداته، التى تكشف إخلاصه لعصابة الإخوان الفاشية، التى ينتمى إليها، وتفضح عداءه المتأصل لقيم الحرية والتقدم عمومًا. فأما العربدة التى أقصدها فهى إصدار أوامره بوقف عرض واحدة من أشهر وأجمل روائع وليم شكسبير المسرحية، «ماكبث»!
كثيرون تساءلوا بدهشة وقتها: لماذا ماكبث بالذات استقطب غيظ وحنق الرجل لدرجة إقدامه على التدخل بفظاظة وجلافة لوقف عرض مسرحية تحكى حكايته، مما دفع مدير المسرح، الذى كانت المسرحية تعرض عليه إلى الاستقالة احتجاجا؟!
كثيرون العبد لله واحد منهم أعربوا عن اقتناع يلامس حدود اليقين أن الأخ أردوغان لم يقرأ نص مسرحية ماكبث أصلا، وربما لم يسمع باسمه قط، بدليل أنه لم يمنعه من البداية، لكنه انتظر حتى وسوس أحدهم فى أذنه بشىء من محتواه، فقرر وقف العرض عنوة وبغشم يليق بأمثاله.
طيب، ماذا فى حكاية ماكبث أغاظ هذا الحاكم التافه وأشعل غضبه بعدما اعتبره إسقاطا وإشارة إلى حاله هو شخصيا (كما قال بعض القريبين منه)؟!.. الإجابة مدهشة ومثيرة جدا، لأن جوهر الحكاية يدور حول الخيانة، وكيف تكون سببا فى تعاسة الخائن وتدميره كليا.
ملخص مأساة ماكبث كما رواها شكسبير فى مسرحيته، أنه كان أشجع وأقرب قواد الملك دانكان ملك اسكتلندا إلى قلبه، وفى ذات يوم وبينما هذا القائد وزميله بانكو عائدين من معركة خاضاها بقواتهما وانتصرا فيها على الأعداء انتصارا ساحقا، اعترض طريقهما ثلاث ساحرات شريرات ظهرن لهما فى صورة أشباح، ثم ما لبثن أن أبلغن القائدين ببضع نبوءات، أخطرها نبوءتان تخصان ماكبث، الأولى أنه سيصير نائب الملك ، والثانية تبشيره بأن كرسى العرش نفسه فى انتظاره، لكن الساحرات التفتن إلى بانكو وهتفن فى وجهه قائلين: أما أنت يا بانكو فلن تكون ملكا أبدا، غير أن أولادك وباقى نسلك هم الذين سيتوارثون عرش البلاد .
اختفت الساحرات بعدما ألقين بهذه النبوءات التى أثارت دهشة القائدين الصديقين، وأبدى ماكبث عدم اكتراثه بما سمعه من نبوءات، فكيف يكون نائب الملك وبأى طريقة يرتقى كرسى العرش، والملك عنده ولدان؟! هكذا سأل نفسه، وكان على وشك أن ينسى تلك الحادثة الغريبة، لولا أن النبوءة الأولى تحققت فورا، إذ فوجئ برسول من الملك يأتيه ويبشره بأن دانكان أنعم عليه بلقب نائب الملك تعبيرا عن امتنانه وإعجابه بانتصاراته وإخلاصه فى الدفاع عن المملكة.
عندئذ عربد الطموح والطمع فى رأس ماكبث ، وراح يفكر فى النبوءة الثانية التى قالتها له الساحرات، وعندما عاد إلى بيته أبلغ زوجته بما حدث، وحكى لها النبوءتين اللتين تحققت إحداهما فعلا، غير أنه قال لها ما معناه إن تحقيق النبوءة الثانية أمر مستحيل.. هنا لعب الشيطان برأس الزوجة، وراحت تحرضه على قتل مليكه لأن ذلك إرادة الرب ، وهو الطريق الوحيد لكى يرتقى عرش اسكتلندا التى طالما جاهد وحارب من أجلها.
ظل ماكبث يقاوم تحريض زوجته بقدر قليل من القوة، وبكثير من التردد، وبينما هو على هذه الحال فوجئ بالملك دانكان يزوره فى قلعته، لكى يحييه على انتصاراته، وقرر أن يبيت ليلته ضيفا على قائده العزيز، وقد وجدت زوجة ماكبث أن وجود الملك فى بيتها فرصة عظيمة للخلاص منه وفتح الطريق أمام زوجها لكى يصعد ويجلس على العرش.. حاولت إقناع ماكبث بأن يرتكب الجريمة، التى خططت لها بسرعة، لكنها خشيت من تردده فأقدمت هى على تنفيذها، بيد أنها عندما دخلت مخدع الملك رأت فى ملامح وجهه البرىء، وهو نائم شيئا ذكرها بأبيها فتراجعت، وذهبت إلى ماكبث ورفعت من وتيرة وحرارة تحريضها له حتى استجاب أخيرا، وانطلق إلى حجرة دانكان حيث قتله بطعنة واحدة قوية فى صدره.. فلما طلعت شمس الصباح وتم اكتشاف الجريمة التى أحدث خبرها دويا هائلا، راحت زوجة ماكبث تمعن فى إظهار حزن وغضب عظيمين، وأخذت تردد أن فى الأمر مؤامرة كبرى، وأن من قتل الملك المفدى هما اثنان من خدمه كانا يرافقانه، وقد جندهما الأعداء.
راجت هذه الرواية وصدقها الناس، وقبض على الخادمين وأعدما، كما أن حديث المؤامرة الكبرى دفع أبناء الملك المغدور إلى الهرب، ومن ثم صار كرسى العرش شاغرا، ولم يعد هناك من يشغله إلا نائب الملك ، وصفيه ماكبث .
غير أن نعمة المُلك تحولت بسرعة البرق إلى نقمة، راحت تنهش فى عقل ووجدان ماكبث، إذ طاردته الكوابيس والهواجس والظنون السوداء، ولم يعد ينام من فرط انشغاله وقلقه ورعبه من أن تتحقق نبوءة الساحرات الشريرات بأن أولاد صديقه وزميله بانكو سوف يخطفون العرش منه.. وأمسكت الشكوك بتلابيب الرجل الخائن، وحولت حياته إلى عذاب وجحيم لا يطاق، ثم انتهت مأساته الرهيبة بانتحار زوجته، وموته هو شخصيا مقتولا أيضا، ليس بيد واحد من أولاد صديقه، إنما الذى قتله واحد من أركان دولته.
إذن، فقد صعد ماكبث بـ الخيانة وسقط ومات بـ الخيانة أيضًا.
http://www.tahrirnews.com/news/details.php?ID=329857#.VKmhjsIfrIU
جمال فهمي
قبل نحو شهرين فاجأ الرئيس التركى رجب طيب أردوغان العالم بواحدة من عربداته، التى تكشف إخلاصه لعصابة الإخوان الفاشية، التى ينتمى إليها، وتفضح عداءه المتأصل لقيم الحرية والتقدم عمومًا. فأما العربدة التى أقصدها فهى إصدار أوامره بوقف عرض واحدة من أشهر وأجمل روائع وليم شكسبير المسرحية، «ماكبث»!
كثيرون تساءلوا بدهشة وقتها: لماذا ماكبث بالذات استقطب غيظ وحنق الرجل لدرجة إقدامه على التدخل بفظاظة وجلافة لوقف عرض مسرحية تحكى حكايته، مما دفع مدير المسرح، الذى كانت المسرحية تعرض عليه إلى الاستقالة احتجاجا؟!
كثيرون العبد لله واحد منهم أعربوا عن اقتناع يلامس حدود اليقين أن الأخ أردوغان لم يقرأ نص مسرحية ماكبث أصلا، وربما لم يسمع باسمه قط، بدليل أنه لم يمنعه من البداية، لكنه انتظر حتى وسوس أحدهم فى أذنه بشىء من محتواه، فقرر وقف العرض عنوة وبغشم يليق بأمثاله.
طيب، ماذا فى حكاية ماكبث أغاظ هذا الحاكم التافه وأشعل غضبه بعدما اعتبره إسقاطا وإشارة إلى حاله هو شخصيا (كما قال بعض القريبين منه)؟!.. الإجابة مدهشة ومثيرة جدا، لأن جوهر الحكاية يدور حول الخيانة، وكيف تكون سببا فى تعاسة الخائن وتدميره كليا.
ملخص مأساة ماكبث كما رواها شكسبير فى مسرحيته، أنه كان أشجع وأقرب قواد الملك دانكان ملك اسكتلندا إلى قلبه، وفى ذات يوم وبينما هذا القائد وزميله بانكو عائدين من معركة خاضاها بقواتهما وانتصرا فيها على الأعداء انتصارا ساحقا، اعترض طريقهما ثلاث ساحرات شريرات ظهرن لهما فى صورة أشباح، ثم ما لبثن أن أبلغن القائدين ببضع نبوءات، أخطرها نبوءتان تخصان ماكبث، الأولى أنه سيصير نائب الملك ، والثانية تبشيره بأن كرسى العرش نفسه فى انتظاره، لكن الساحرات التفتن إلى بانكو وهتفن فى وجهه قائلين: أما أنت يا بانكو فلن تكون ملكا أبدا، غير أن أولادك وباقى نسلك هم الذين سيتوارثون عرش البلاد .
اختفت الساحرات بعدما ألقين بهذه النبوءات التى أثارت دهشة القائدين الصديقين، وأبدى ماكبث عدم اكتراثه بما سمعه من نبوءات، فكيف يكون نائب الملك وبأى طريقة يرتقى كرسى العرش، والملك عنده ولدان؟! هكذا سأل نفسه، وكان على وشك أن ينسى تلك الحادثة الغريبة، لولا أن النبوءة الأولى تحققت فورا، إذ فوجئ برسول من الملك يأتيه ويبشره بأن دانكان أنعم عليه بلقب نائب الملك تعبيرا عن امتنانه وإعجابه بانتصاراته وإخلاصه فى الدفاع عن المملكة.
عندئذ عربد الطموح والطمع فى رأس ماكبث ، وراح يفكر فى النبوءة الثانية التى قالتها له الساحرات، وعندما عاد إلى بيته أبلغ زوجته بما حدث، وحكى لها النبوءتين اللتين تحققت إحداهما فعلا، غير أنه قال لها ما معناه إن تحقيق النبوءة الثانية أمر مستحيل.. هنا لعب الشيطان برأس الزوجة، وراحت تحرضه على قتل مليكه لأن ذلك إرادة الرب ، وهو الطريق الوحيد لكى يرتقى عرش اسكتلندا التى طالما جاهد وحارب من أجلها.
ظل ماكبث يقاوم تحريض زوجته بقدر قليل من القوة، وبكثير من التردد، وبينما هو على هذه الحال فوجئ بالملك دانكان يزوره فى قلعته، لكى يحييه على انتصاراته، وقرر أن يبيت ليلته ضيفا على قائده العزيز، وقد وجدت زوجة ماكبث أن وجود الملك فى بيتها فرصة عظيمة للخلاص منه وفتح الطريق أمام زوجها لكى يصعد ويجلس على العرش.. حاولت إقناع ماكبث بأن يرتكب الجريمة، التى خططت لها بسرعة، لكنها خشيت من تردده فأقدمت هى على تنفيذها، بيد أنها عندما دخلت مخدع الملك رأت فى ملامح وجهه البرىء، وهو نائم شيئا ذكرها بأبيها فتراجعت، وذهبت إلى ماكبث ورفعت من وتيرة وحرارة تحريضها له حتى استجاب أخيرا، وانطلق إلى حجرة دانكان حيث قتله بطعنة واحدة قوية فى صدره.. فلما طلعت شمس الصباح وتم اكتشاف الجريمة التى أحدث خبرها دويا هائلا، راحت زوجة ماكبث تمعن فى إظهار حزن وغضب عظيمين، وأخذت تردد أن فى الأمر مؤامرة كبرى، وأن من قتل الملك المفدى هما اثنان من خدمه كانا يرافقانه، وقد جندهما الأعداء.
راجت هذه الرواية وصدقها الناس، وقبض على الخادمين وأعدما، كما أن حديث المؤامرة الكبرى دفع أبناء الملك المغدور إلى الهرب، ومن ثم صار كرسى العرش شاغرا، ولم يعد هناك من يشغله إلا نائب الملك ، وصفيه ماكبث .
غير أن نعمة المُلك تحولت بسرعة البرق إلى نقمة، راحت تنهش فى عقل ووجدان ماكبث، إذ طاردته الكوابيس والهواجس والظنون السوداء، ولم يعد ينام من فرط انشغاله وقلقه ورعبه من أن تتحقق نبوءة الساحرات الشريرات بأن أولاد صديقه وزميله بانكو سوف يخطفون العرش منه.. وأمسكت الشكوك بتلابيب الرجل الخائن، وحولت حياته إلى عذاب وجحيم لا يطاق، ثم انتهت مأساته الرهيبة بانتحار زوجته، وموته هو شخصيا مقتولا أيضا، ليس بيد واحد من أولاد صديقه، إنما الذى قتله واحد من أركان دولته.
إذن، فقد صعد ماكبث بـ الخيانة وسقط ومات بـ الخيانة أيضًا.
http://www.tahrirnews.com/news/details.php?ID=329857#.VKmhjsIfrIU