المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بعد سنتين على سقوط الصنم.. شيء من الأمل.. شيء من الخوف



المهدى
04-09-2005, 09:36 AM
وجهان للصورة العراقية لا يمكن الاكتفاء بأحدهما

كتب زهير الدجيلي

من مصادفات الزمن ان تشهد الذكرى الثانية لسقوط نظام صدام مشهدين مثيرين، الأول انتخاب أول رئيس عراقي كردي على خلاف الاعتبارات السائدة منذ نشأة العراق الى الآن، والمشهد الثاني هو مشاهدة صدام حسين وعشرة من أركان نظامه وهم في السجن وقائع اجتماعات الجمعية الوطنية العراقية وهي تنتخب الرئيس الجديد جلال الطالباني والتي ينقلها التلفزيون.

انها الأيام، يوم لك ويوم عليك، ولو دامت لغيرك ما اتصلت اليك.

بعد تسعة عشر يوماً من بدء الحرب، وفي التاسع من ابريل 2003 وصلت القوات الاميركية دون صعوبات كبيرة الى ساحة الفردوس قرب فندق فلسطين في قلب بغداد ـ الرصافة. حيث تمثال كبير للدكتاتور صدام حسين يتوسط الساحة.

اقتربت دبابة اميركية من النصب، وصعد احد الجنود الاميركيين لمساعدة مئات من العراقيين لوضع الحبل حول رقبة تمثال الدكتاتور ليربطه بالدبابة، فاقتلعته وسط صيحات تهليل وراح الحضور يحطمون مفاصل التمثال بعد اقتلاعه معبرين عن كراهية دفينة قمعها صدام طوال 35 عاماً من حكمه.

ومنذ ذلك التاريخ اصبح هذا المشهد في عين العالم وذاكرته رمزاً لسقوط نظام صدام وتأريخا لنهايته، فيما اعتبره العراقيون عيداً وطنياً.

وفر صدام حسين الى جهة مجهولة بعيداً عن تماثيله وقصوره، فيما اختفت وتلاشت خلف حيطان وبيوت المدن وتحت سطح الأرض كل قواته وميليشياته.

وفي 21 ابريل وصل الجنرال الاميركي المتقاعد جاي غارنر الذي عينته واشنطن حاكماً مدنياً مؤقتاً لعراق ما بعد الحرب، ثم أعقبه بول بريمر.

هل انتهت الحرب حقاً؟

ولكن الحرب لم تنته كما أعلن الرئيس الاميركي بوش، إذ ان مشهد سقوط الصنم في ساحة الفردوس كان مشهداً اعلامياً واحتفالياً، لكن الحقيقة كانت فيما حصل بعد ذلك من أحداث، رغم القبض على صدام وبقية رموز نظامه فيما بعد. كما ان خسائر العمليات العسكرية لغاية اعلان الرئيس بوش عن توقف الحرب لم تقف عند 139 جندياً اميركياً و33 جندياً بريطانياً كما كانت تلك النتائج في ذلك اليوم، إذ ان تداعي الأحداث فيما بعد اثبتت ان الحرب لم تنته، وأوصلت الخسائر الى أكثر من 1500 جندي اميركي، وأكثر من 200 جندي من قوات التحالف الاخرى لغاية شهر مارس الماضي. فيما تشير احصائيات تقريبية الى ما يقارب الـ19 الف عراقي قتلوا منذ الحرب لغاية الآن، وجرح 16 الف آخرين وتم اختطاف ما يفوق الـ5 آلاف.

لقد اتخذ نظام صدام قبل سقوطه قراراً يلزم قواته وميليشياته العسكرية والحزبية بالتواري والاختفاء خلف الحيطان وانتظار الفرص والاستعداد لشن حرب تخريب وتدمير شاملة في البلاد تعيق تحقيق الهدف الذي جاءت من اجله قوات التحالف، وهو هدف تغيير النظام ومساعدة الشعب العراقي في اقامة نظام ديموقراطي بديل.

ومر شهران اكملت فيهما القوى التي يقودها حزب البعث استعداداتها بالتعاون مع مجموعات ارهابية مع تنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات التكفيرية المتشددة، لتبدأ في شن عمليات تفجير سيارات واغتيال وتدمير للمباني والمنشآت المدنية والاقتصادية العراقية، واشعال الحرائق في المنشآت النفطية باعتبارها مصدر التنمية، وكانت تلك العمليات تركز في البداية على القوات الاميركية والأخرى المتعددة الجنسيات، لكنها في السنة الثانية اصبحت تركز أكثر على أجهزة الجيش والشرطة والحرس الوطني العراقي التي اعيد تشكيلها مما أدى الى مقتل 1650 شرطياً وجندياً عراقياً لغاية مارس الماضي. كما شملت آلاف العراقيين بحملة خطف واغتيالات يومية مستمرة طالت النخب المتعلمة والمثقفة من العراقيين. ونشطت عصابات اجرامية متنوعة جراء قيام نظام صدام قبل سقوطه بإطلاق سراح ما يقارب 110 آلاف من السجناء المحكومين بجرائم جنائية، مما ادى الى توفير عدة كاملة لفقدان الامن الذي اعاق الاعمار، وعطل اعادة البناء، وادى الى زعزعة الاستقرار في البلاد. وقد ساعد ذلك كثرة مخازن السلاح من مخلفات النظام السابق. كما ان سياسة بعض دول الجوار مثل سوريا وايران اللتين بنتا موقفيهما من العراق على مبدأ العداء للولايات المتحدة فقط دون النظر لمصلحة الشعب العراقي في التغيير، ادت الى المشاركة في زعزعة الامن بنشاط ودعم متنوعين.

إشكالية الأرباح والخسائر

لا يمكن اعتبار ما حصل في العراق من تغيير ذي وجه واحد. فالنظرة الموضوعية للاوضاع في العراق بعد سنتين من سقوط نظام صدام لا بد ان تقودنا الى حساب الخسائر والارباح في آن واحد.

انها بالنسبة للعراقيين، حالة فيها شيء كبير من الامل في بناء عراق ديموقراطي محكوم بقوانين الحرية والمدنية والمساواة، وفيها شيء كبير من القلق ايضا على هذا الامل والخوف من ضياعه جراء سلبيات كثيرة تعيق عملية البناء والاعمار.

فولادة عراق جديد كانت اشبه بالعملية القيصرية الصعبة، حيث ما كان بالامكان اسقاط نظام صدام من الداخل بسهولة ومن دون دعم خارجي. كما ان اسقاطه بالدعم الخارجي للمعارضة العراقية، وبالطريقة التي تمت كان عملية مكلفة للغاية، جعلت المشهد يبدو اشبه بتقويض دولة بأكملها لصالح غاية سياسة محفوفة بالمخاطر مما خلق اشكاليات كثيرة للوضع العراقي القائم الآن.

وجهان للصورة العراقية

فأنصار الوجه الاول هم غالبية الشعب العراقي الذين صمدوا ودفعوا الكلفة العالية لسقوط نظام صدام، وبدأوا بتجربة الديموقراطية التي جعلت العراق ينتقل من حاكمية الاحتلال الى حكومة عراقية منتخبة ديموقراطيا.

اما انصار الوجه الثاني من الصورة فهم يرون العراق مقبلا على كارثة، ينظرون اليه من زاوية ما يحدث يوميا فيه من تفجيرات واغتيالات وحرائق، متجاهلين الايجابيات والمنجزات في قطاعات الحياة المختلفة، غير معترفين بالتجربة الديموقراطية التي يمارسها الشعب العراقي، متهمين القوى المشاركة في العملية السياسية في العراق بالعمالة لأميركا والصهيونية، والكثير منهم يشجع القوى الارهابية التي تمارس العنف والقتل ضد العراقيين، معتبرين ذلك مقاومة، وهؤلاء تتحكم فيهم عقيدة ترى الامور من منظار سلفي غير واقعي ظل يلازم الفكر العربي مدة طويلة.

تحسن الوضع المعيشي

فالناتج المحلي ارتفع بنسبة 65% مما كان عليه في آخر عامين من حكم صدام، وارتفع دخل المواطن العراقي بين ثلاثين الى اربعين ضعفا، فبينما كان متوسط الدخل الشهري لا يتجاوز الثلاثة دولارات اصبح الآن بين 120 الى 150 دولارا، وهناك شرائح كثيرة في الدولة والمجتمع تحصل على دخل يفوق الـ 500 دولار. يقابل ذلك صدور عملة عراقية جديدة عوضا عن دينار صدام الذي كان لا يساوي قيمة الورق المطبوع عليه، وارتفعت قيمة الدينار العراقي الجديد نسبة 35% عن سعره السابق، فيما انشئت مصارف وبنوك محلية عديدة وصل عددها الى 24 بنكا، وجراء الانفتاح التجاري الواسع الذي شهده العراق تأسست آلاف الشركات، وعادت بورصة بغداد للعمل بحيث ارتفعت اسعار اسهم شركاتها 100% خلال السنتين. وانتعش قطاع الاستيراد والتصدير، وتمكنت الحكومة من وضع ميزانية لعام 2005 تصل الى 24 مليار دولار. ووصلت معدلات انتاج البترول الى معدلاتها السابقة في زمن صدام، حيث اصبح انتاج النفط يتجاوز المليوني برميل يوميا، لكنه تراجع الى ما لا يقل عن ذلك بسبب عمليات التخريب.

حريات لا مثيل لها في العالم العربي

يقابل ذلك ممارسات غير مسبوقة للحريات في العراق، فعلى الصعيد الاعلامي والتعبير عن الرأي والعقيدة والمذهب لا توجد قيود على ذلك مطلقا، وليس بمقدور اجهزة السلطة ان تتدخل، او تمنع اي ممارسة لهذه الحقوق والحريات. وبمقدور اي مواطن ان يبدي رأيه في اي كان من المسؤولين دون تحفظ او قيود. كان صدام حسين يمنع عن العراقيين كل وسائل الاتصال او حرية التعبير عن الرأي، ويحكم بالاعدام اي شخص ينتقده او ينتقد النظام. لقد ولى ذاك العهد تماما، تمكن العراقيون الآن من تحقيق الاتصال بالعالم الخارجي بإقبالهم على وسائل الاتصال الحديثة والتوسع في استخدام الستلايت والانترنت ووسائل الاتصال الاخرى التي كان يحظر عليهم استعمالها، واضافة الى حرية تشكيل الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني التي شرعت بتنفيذ مئات المشاريع في المجتمع، صدر في العراق خلال السنتين ما يزيد على 350 مطبوعا بين صحيفة يومية واسبوعية ومجلة، فضلا عن عشرات الاذاعات ومحطات التلفزة المحلية ووكالات الانباء، ان حرية الاعلام والنشر والتظاهر والتعبير عن الرأي في العراق لا مثيل لها في البلدان العربية والاسلامية قاطبة، وتحظى المرأة بمكانة متفوقة، فلا يوجد بلد عربي احتلت فيه النساء نسبة 30% من البرلمان، ففي العراق الآن 85 نائبة وست وزيرات و14 وكيلة وزارة وعشرات من النساء في مراكز قيادية في مجالس المحافظات، الى جانب ذلك قامت أكثر من ثلاثين رابطة ومنظمة أدبية وثقافية، وشهدت الحياة الثقافية العراقية نشاطا متنوعا في مختلف مجالات الفنون، فيما تمكنت الجامعات العراقية من استعادة دورها ونشاطها وحصلت على فرص كثيرة ومنح دولية تتيح لها تطوير علاقاتها التعليمية بالعالم الخارجي والحصول على تقنية المعلومات وتحديث المناهج.

مشاريع الإعمار

ورغم تعطل الكثير من مشاريع الإعمار بسبب الوضع الأمني المتدهور، ورغم عدم الايفاء بالوعود من الدول التي تعهدت بتقديم الدعم المالي للعراق، فإن العراق تمكن من اعادة بناء الكثير من الوزارات ومؤسسات الدولة وادارات الخدمات، وبذلك تمكن من تنفيذ مئات المشاريع خلال السنتين. فكل وزارة من وزارات الدولة لديها الآن موقع على الانترنت تنشر فيه ما انجزته من مشاريع وما حققته طوال هاتين السنتين. فوزارة التربية مثلا، اعادت ترميم وبناء ما يفوق على 3500 مدرسة لكل مراحل التعليم، وواظب مئات الآلاف من الطلبة في مدارسهم ومعاهدهم، وتم توفير الكثير من مستلزمات الدراسة مجانا للطلبة، واعيد الآلاف من المدرسين المفصولين سابقا للخدمة في التعليم، يقابل ذلك منجزات مشابهة في مجال الصحة والزراعة والنقل والمواصلات.

ورغم الانقطاع المستمر للكهرباء بسبب الاعمال الارهابية التي تستهدف هذه المنشآت الحيوية، فإن وزارة الكهرباء تمكنت من توفير نسبة أعلى من المعدلات السابقة أيام صدام من الطاقة الكهربائية. وتشير تقارير وزارة التنمية والتخطيط العراقية، وكذلك تقارير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي تدعم مشاريع الإعمار في العراق ان هناك ما يقارب الـ 3400 مشروع اعماري تم تنفيذ 1300 مشروع منها، اي ان الإعمار تعطل بنسبة الثلثين تقريبا.

متغيرات مهمة

بعد سقوط نظام صدام واجه العراق صدودا عربيا ودوليا واضحا لاسباب كثيرة، لكن العراق تمكن خلال السنتين من تحقيق تقدم في علاقاته العربية والاقليمية والدولية وحاز تغييرا واضحا في مواقف الدول لمصلحته، واضافة الى دعم الأمم المتحدة عبرت الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمات دولية كثيرة عن دعمها ومساندتها للحكومة العراقية الانتقالية واظهرت استعدادها لمزيد من الدعم للعراق.

ولو نظرنا إلى الأوضاع الأمنية، فإننا نرى تقدما ملحوظا في توفير الأمن والقضاء على مصادر العنف والارهاب، بسبب تنامي قدرات الاجهزة الأمنية واعادة بناء الجيش والحرس الوطني وجهاز الشرطة، ورغم وجود مناطق عديدة تشهد تدهورا أمنيا يوميا، فإن هناك الكثير من مناطق العراق تشهد أيضا استقرارا أمنيا.

السلبــيـات والمســـاوئ

لا يمكننا ونحن نرسم الوجه الجميل لعراق الغد ان نتجاهل السلبيات والسيئات والأخطاء التي تتحمل مسؤوليتها إدارة الاحتلال والحكومة العراقية والقوى السياسية المشاركة في العملية السياسية، فإدارة غارنر وبريمر السابقة تركت للحكومتين المؤقتة والانتقالية مشاكل كثيرة تتمثل في قرارات ارتجالية واجراءات ذات مردود سلبي اتخذتها تلك الحاكمية، اضافة الى تركة ثقيلة من الفساد المالي والإداري.

فالتقارير التي صدرت اخيرا من هيئات تحقيقية ورقابية وما توفر لدى هيئة مكافحة الفساد في العراق من تقارير، كلها تكشف عن وباء كبير متفش في العراق اسمه «الفساد» وهو يهدد الى حد كبير كل هذه المنجزات، ويشكل مصدرا نشطا لطاقة التخريب في العراق، لقد شارك في تنمية الفساد في العراق طوال السنتين موظفون عراقيون عملوا في الإدارة المؤقتة والمستشارون والخبراء الاميركيون والاجانب التي استخدمتهم ادارة بريمر أو اناطت بهم مقاولات اعادة البناء، اضافة الى ضلوع مسؤولين عراقيين تولوا مسؤولياتهم في إدارة الدولة طيلة هاتين السنتين، لذلك يستوجب على الحكومة الانتقالية والجمعية الوطنية فتح ملفات الفساد والتحقيق بها وفق خطة تسير باتجاه مكافحة الفساد في الدولة والمجتمع.

وبالطبع، لا يمكن هنا أيضا تجاهل مشكلة البطالة المتفاقمة التي هي ايضا من نتائج قرارات خاطئة اتخذتها سلطة بريمر بتشجيع من قوى سياسة، مثل قرارات حل الجيش العراقي ووزارة الإعلام ومؤسسات كثيرة في الدولة مما سبب تحويل ما يقارب المليون عراقي الى جيش من العاطلين عديمي الدخل، وهذا ما دفع نسبة كبيرة منهم للانخراط في اعمال مخالفة للقانون وزعزعة الأمن في البلاد.

ان اتجاه الحكومات العراقية القادمة نحو توفير المزيد من الخدمات والعمل، يجعل الناس تلتفت أكثر فأكثر نحو بناء حياتها بعيدا عن العنف والتعصب، كما ان اتجاه الحكومة العراقية نحو محاربة التعصب والتطرف الديني والتوجه نحو الاعتدال أكثر فأكثر، لتقوية سلطة القانون، يوفر الكثير من مستلزمات الوحدة الوطنية، ويجعل الأمل يكبر عند العراقيين في عراق يستحق ان يمنحوه كل الحب والولاء.