المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نزار نيوف: الإصلاحيون السوريون قتلوا الحريري ليورطوا نظام الأسد



دشتى
04-08-2005, 12:33 AM
أكد أن أمير سورية الحديث زعيم عصابة أو جندي مارينز

باريس - »إيلاف«


بعد اقل من ساعة على اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري اصدر »المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصلحة في سورية« المعارض الذي يتزعمه نزار نيوف في منفاه الباريسي بيانا كان اول ردة فعل في العالم على الحدث, فبعد الادانة والشجب بأقوى العبارات والحذر في توجيه اصبح الاتهام الى جهة محددة..قال البيان ان الحدث هو بمثابة احداث 11 سبتمبر سيؤدي اغتيال الحريري الى تغيير وجه لبنان وسورية والشرق الاوسط وختم البيان بالقول: »هذا السؤال (من قتل الحريري) لن يجيب عنه بشفافية الا تحقيق دولي مستقل سيتم الاجابة عليه بطرق اخرى سيرى العالم كيف ان النظام السوري سيدفع الثمن باهظا لهذه الجريمة حتى وان لم يكن مسؤولا عنها«.

وبين انفجار 14 فبراير الماضي, تاريخ الجريمة وتاريخ البيان المذكور,وانفجار المدينة الصناعية في بيروت, فجر "المجلس", ودائما عبر المعلومات التي يستقيها نيوف من مصادره الخاصة ويضعها في تصرف منظمته التي غادرها "تنظيميا وحسب", عددا من القنابل الاعلامية التي لم يجرؤ احد في البداية على التعاطي معها بجدية, انطلاقا من الاعتقاد بانها "ناجمة عن موقف معارض وحسب". ولكن سرعان ما بات الاعلاميون والمراسلون ورجال السياسة في لبنان.

ولتسليط الضوء على المعلومات التي يقدمها المجلس المعارض اجرى موقع »ايلاف« على شبكة الانترنت مقابلة مع نيوف فيما يلي نصها:

* من اين لك هذه المعلومات التي تنشرونها, والتي لفتت الخصوم والاصدقاء على حد سواء ?
- لنا مصادرنا الخاصة داخل البلاد وفي العواصم التي تصنع القرار, خصوصا في الوقت الراهن. ومن المؤكد ان فهمنا الخاص الذي ننفرد به لطبيعة النظام وديناميات اشتغاله,فضلا عن السياق الراهن للمعادلات السياسية والستراتيجية خصوصا في الشرق الاوسط وموقع النظام السوري منها, تساعدنا في تركيب وتحليل هذه المعلومات ووضعها في سياق اقرب ما يكون الى المنطق. ولا تكفي المعلومات بذاتها للوصول الى استنتاجات صائبة او قريبة من الصواب. اذ لا بد من توفر منهجية معينة لذلك, والا يتحول الامر الى مجرد حرب شائعات او حرب نفسية سرعان ما يتبين بهتانها وتهافتها.

* ولكن احد المعارضين السوريين القوميين من دعاة حقوق الانسان ادعى ان بعض من هم في اجهزة المخابرات السورية يسربون لكم معلومات مغلوطة كنوع من نصب الفخاخ لتوريطكم لاحقا في نشر معلومات " كاذبة "!

- لو كان الامر كذلك لما كان 90 في المئة مما نكشف عنه لا يتاخر اكثر من اسابيع قليلة, واحيانا اقل من ذلك, لثبوت صحته ودقته, على الاقل في خطوطه العامة.
* وقضية الاسلحة العراقية المزعومة ? اعني الم تكن فخا نصب لكم ونال من مصداقيتكم ?
- ابدا. فنحن لا نزال نصر على صحة ما قلناه.

* حتى بعد ان صدر تقرير لجنة المسح الاميركية ¯ البريطانية الذي نفى وجود هذه الاسلحة لدى النظام العراقي?
- نعم. وعلينا ان ننتبه, وهذا للاسف لم ينل نصيبه الجدير به من الملاحظة والاهتمام, الى ان تقرير المسح الذي اشرت اليه لم ينته الى نتائج قاطعة, بل ترك الباب مفتوحا دون نتائج حاسمة. وفي تقديري ان الملف سيعاد فتحه حين يفتح " الملف السوري " جديا من قبل واشنطن. اعني حين سيتخذ قرار باسقاط النظام السوري.

* ولكن ألم تكن مصلحة الرئيس بوش ان يقدم ادلة على وجود هذه الاسلحة, خصوصا في حملة الانتخابات الرئاسية الماضية حين اتهمه كيري بالكذب في قضية هذه الاسلحة ?
- علينا ان نتذكر ان ادارة بوش الاولى كانت اسيرة تجاذب وتنافر التوجهات التكتيكية والستراتيجية بين وكالة المخابرات الاميركية والخارجية من جهة, والبنتاغون والمخابرات العسكرية التابعة له من جهة ثانية, فيما كان البيت الابيض يلعب دور بيضة القبان.

الجهة الاولى كانت, ولا تزال حتى بعد التغيرات التي حصلت في تركيبهما اثر انتخاب الرئيس بوش لولاية ثانية, ترفض افكار " المحافظين الجدد " ودعوتهم لاسقاط النظام السوري. فيما الجهة الثانية لا منطق لها ولا خطط يعتد بها لديها, والشيء الوحيد الذي تعرفه هو زراعة الفوضى, وما قاموا به في العراق خير دليل على ذلك. فممارساتهم وقرارتهم الغبية والمجنونة التي اتخذوها قبل اسقاط النظام وبعده هي السبب في 90 في المئة من حالات الوضع الارهابي الراهن في هذا البلد. وقد اعترفوا بالكثير من ذلك.

* ولكن الاوضاع تغيرت الان, خصوصا بعد القرار 1559 واغتيال الحريري والانعطاف الجذري في الموقف الاميركي من النظام السوري. فما الذي يمنعهم من فتح الملف?

- لا تقل »بشكل جذري«. الموقف الاميركي من النظام السوري ¯ ورغم كل هذا الصخب الذي تراه ¯ لم يتغير على الاطلاق في جوهره . ونستطيع ان نقول انه تغير جذريا, فقط حين يتخذ قرار باسقاطه وتبدأ الولايات المتحدة تعد العدة جهارا وعلانية من اجل ذلك.

وهذا له اعراض لا تقبل الاختلاط باعراض اخرى, اولها الشروع ببلورة بديل ملموس لنظام دمشق عبر جمع معارضين سوريين فعليين ذوي وزن سياسي واقتصادي واجتماعي, وطائفي اذا شئت, يتمتعون ولو بحد ادنى من القبول الشعبي والارث النضالي في مقاومة الديكتاتورية, ومن ثم " ارغامهم " على بلورة " كيان سياسي " معين يتولى قيادة العملية الانتقالية. وقبل ذلك عليها ان تبدا بما يسمى " جس نبض" النظام او " الخلخلة الاختبارية " لمعرفة مدى تماسكه. وذلك عبر محاولة قلبه من داخله كاقصر الطرق واقلها كلفة من الناحية السياسية والديبلوماسية والامنية, على الولايات المتحدة نفسها وعلى المنطقة بشكل عام. وهذا كله لم يحدث منه شيء على الاطلاق حتى الان, لان الادارة الاميركية تعرف جيدا ان خيارها الراهن في سورية ينوس بين »نظام بشار الاسد« و»الفوضى«. اما اذا كان خيارهم هو الثاني (الفوضى), فبامكانهم التحرك فورا! لكن لا اظن ان حماقتهم وصلت بهم الى حد عدم الاستفادة مما حصل في العراق رغم كل " الاستعداد ات " التي اتخذها هناك.

* ولكن, ها هي الخارجية الاميركية تستقبل معارضين سوريين بحضور مسؤولين من البنتاغون والبيت الابيض. اعني ان "جناحي" الادارة كليهما اجتمعا اخيرا على الاتصال بالمعارضة السورية. الا ترى في ذلك انقلابا ستراتيجيا في موقف الادارة الاميركية, بمختلف " تياراتها ", ازاء مسالة تقويض النظام السوري?

- ابدا. ولا تنس اني تحدثت عن معارضين فعليين لا عن هواة سياسيين لا يعرفهم احد, اللهم باستثناء اثنين منهم نظرا لنشاطهم الثقافي والاكاديمي. ولا يقلل هذا ابدا من قيمتهم كاشخاص وافراد, لكن ليس كسياسيين. اللقاء كان عبارة عن " عراضة " اعلامية, كما نقول في لهجتنا السورية, ارادت منه واشنطن توجيه رسالة للنظام السوري مفادها ان الادارة الاميركية بدات تفكر جديا بالبحث عن بديل له. يعني مجرد " فزاعة " تضاف الى جملة " الفزاعات " الاخرى.

والنظام السوري يعرف ذلك جيدا, ولهذا ليس قلقا كثيرا, على العكس مما يزعم البعض ممن صوروا النظام وكانه يتبول في ملابسه من شدة الخوف! كما ان اللقاء جاء بعد ان افلست الادارة الاميركية في استقطاب اي معارض سوري, سواء داخل البلاد ام خارجها, يتمتع ولو بالحد الادنى من المقبولية اوالسمعة النضالية في الكفاح ضد النظام الديكتاتوري في سورية, سواء في الوسط اليميني او اليساري او حتى الليبرالي.

واكرر هنا ان هذا لا يقلل من قيمة هؤلاء المعارضين كاشخاص. ولكن هناك فرقا كبيرا جدا بين السياسة والعلاقات العامة. او كما يقول الفرنسيون, بين »السياسة المؤنثة« كفعل ممارسة و»السياسة المذكرة« كمؤسسة وبنية ادارية. لقد رفض حتى رجال الاعمال السوريون الحقيقيون الذين اتصل بهم البنتاغون داخل سورية وخارجها (اعني داخل الولايات المتحدة نفسها), التنسيق مع واشنطن. واعني برجال الاعمال هؤلاء, اؤلئك الذين لم يولدوا في ركاب المافيا السلطوية. ونحن نعرف ذلك جيدا, ولدينا قائمة بجميع من اتصل بهم الاميركيون, سواء في دمشق ام الخارج. جميعهم رفضوا التحاور مع واشنطن. كل لاسبابه الخاصة بالطبع. ولكن الجميع كانوا مجمعين على ان الاميركيين لا يتمتعون باي مصداقية, خصوصا بعد ان ثبت بالدليل القاطع انهم سلموا رقبتي ضابطين سوريين لسكاكين النظام السوري حين حاولا الانشقاق عن النظام. وقد دفع الضابطان حياتهما ثمنا للخيانة الاميركية. اي انهم فعلوا بهم تماما كما فعلوا سابقا بالضباط العراقيين الذين سلموا رقابهم لسكين صدام حسين حين طلبوا المساعدة من واشنطن لتنفيذ انقلاب ضده.

* ولكن هذا كلام خطير جدا. هل يمكن ان نعرف اسم الضابطين?
- الامر لم يعد سرا. خصوصا بعد ان فضحنا الموضوع, فبعد اسقاط النظام العراقي, بادر اللواء مصطفى التاجر, نائب رئيس شعبة المخابرات العسكرية في سورية, الى الاتصال بالاميركيين (في يونيو 2003) عبر ضابط الامن الاقليمي في السفارة الاميركية بدمشق ميشيل ماك الذي كان يزور اللواء التاجر بانتظام في مكتبه, على اعتبار ان هذا الاخير كان مكلفا رسميا ك¯ "ضابط اتصال" مع الجهات الاميركية فيما يتعلق بملف مكافحة الارهاب وملف حزب العمال الكردستاني. ولدي تسجيل صوتي لاحد الديبلوماسيين السوريين السابقين يؤكد ذلك.

ووفق ما يقوله بعض الرسميين الاميركيين, والقنصل المشار اليه, فان التاجر قدم لميشيل ماك معلومات مفتاحية حول الاموال العراقية التي هربت الى سورية ولبنان, وقائمة باسماء المسؤولين السوريين واللبنانيين الذين اتهمهم اللواء التاجر بالتورط في العملية : غازي كنعان وجميل السيد (مدير الامن العام اللبناني) وكريم بقرادوني (زعيم حزب الكتائب) وايميل ايميل لحود (النائب, ونجل الرئيس اللبناني). وفي اواخر اغسطس من العام المذكور, وحين كان اللواء التاجر يقضي اجازة استراحة في مزرعة المنصورة التي يملكها في حلب,وضعت له (عن طريق احد حراسه الذي كان يعمل مع جهاز مخابرات سوري اخر) مادة الاكونتين في كاس العصير الذي يتناوله حين ياخذ دواء خاصا بالمشكلة القلبية التي كان يعاني منها.

وقد قتل بعد ان فشل مشفيان في مدينة حلب في انقاذه. وقد اكد لنا طبيب يعمل في المشفى الثاني الذي اسعف اليه التاجر " ان جميع الاعراض التي كانت بادية عليه تؤكد انه تجرع مواد سمية. لكننا لم نتجرا على قول ذلك لمرافقيه, لان نص التقرير الطبي فرض علينا فرضا ".
* هل تريد ان تقول ان غازي كنعان هو المتورط في قتله باعتباره احد المتهمين بالتواطؤ في عملية تهريب الاموال العراقية?

- ليس انا من قال ذلك. ولكن هذا هو الاستنتاج الوحيد الذي توصل اليه فرنسيون معنيون بالصراعات غير المرئية بين "مراكز القوى" في النظام السوري.

* ومن هو الضابط الاخر?
- علي فاضل (ضابط من قرية عين البيضا في محافظة اللاذقية), وقد عمل لسنوات طويلة في المخابرات العسكرية في لبنان كان في احدى مراحلها مقربا جدا من غازي كنعان, ولديه وثائق ومعلومات تقشعر لها الابدان عن جرائم المخابرات السورية في لبنان. وفي سبتمبر الماضي, وبعد ان اقتنع بالهرب بالتنسيق مع كريستوف ايشام رئيس قسم التحقيقات في قناة CBS الاميركية وروبرت كوين المذكور اعلاه, اعتقلوه مع زوجته الكردية السيدة سوسن حسن. وفي 28 يناير الماضي توفي في مشفى تشرين العسكري بدعوى فشل العملية الجراحية التي اجروها له في القلب. علما بانه ¯ وكما اكد افراد اسرته ¯ لم يسبق له ابدا ان شكا من اي علة قلبية مهما كانت بسيطة!!

* ولكنكم اتهمتم في احد بياناتكم المخابرات الفرنسية بالوشاية به, ثم عاد البعض ليتحدث عن ان فريد الغادري, الذي سبق له ان اخذ اسم الضابط منك, هو الذي ارسل رسالة فاكس للسفارة السورية في باريس (باسم فاعل خير) يخبرهم فيه بموضوع علي فاضل كي يحرمك من تسجيل كسب اعلامي ومعنوي من تدبير انشقاق ضابط , بعد ان يئس من ان قبولك بمصالحته!
- بالنسبة لاتهام المخابرات الفرنسية, هذا صحيح. لقد اتهمناهم فعلا بذلك استنادا الى معلومات مؤكدة بانهم كانوا يراقبون جميع مكالماتي مع روبرت كوين وكريستوفر ايشام ولقاءاتي بهما في باريس, وكانوا (اقصد الفرنسيين) يتخوفون فعلا من انشقاق ضابط سوري لديه معلومات ووثائق عن »الملف العراقي«, لان سجلهم هناك (مع نظام صدام) غير نظيف كما يعرف الجميع, وانهم قايضوا مصير الصحافيين الفرنسيين المخطوفين بمصير علي فاضل. لكن تبين لنا لاحقا ان الفرنسيين كانوا يراقبون وحسب.

وفي مطلق الاحوال, وهذا ما يجب التاكيد عليه, نحن لم نكن نحاول تهريب المرحوم علي فاضل لصالح جهة امنية, ولكن لصالح القناة التلفزيونية المذكورة, من اجل اعداد اربعة افلام وثائقية تكلفت انا باعداد سيناريوهاتها مدعمة بوثائق علي فاضل وشهادته, احدها عن علاقة النظام السوري بالنظام العراقي, والثاني عن جرائم المخابرات السورية في لبنان, والثالث عن التعذيب في السجون السورية, والرابع عن سياسة التطهير العرقي ضد اكراد سورية. ولم يتم ذلك الا بعد ان حصلت من القناة المذكورة على كل ما يكفل لجوءه مع اسرته الى بلد اوربي, وتامين الحياة الكريمة لهم بالاعتماد على برنامج " امني ¯ اقتصادي " تتبناه القناة ويقوم مبدؤه على ضمان كل ما يتعلق بامن ومعاش "المصدر" حين يكون مهددا. بمعنى ان مشروعنا كان صحافيا بحتا من الفه الى يائه.

وبالنسبة لرسالة الفاكس, فالواقعة صحيحة ايضا. ولكن لا اعتقد ان فريد الغادري كان وراءها, حتى ولو كان لديه الدافع الذي تحدثت عنه, على الاقل لانه لم يكن يعرف سوى الاسم الاول للضابط, وقد ذكرته امامه ذات مرة بزلة لسان, فانا - رغم فوضويتي الذي يتهمني البعض بها ¯ لا ارتكب خطا امنيا من هذا النوع.

* ولكن من اين حصل الاميركيون على اسمه وعرفوا انه احد مصادرك الامنية, اذا لم يكن الفرنسيون او الغادري مسؤولين عن ذلك?
- لا اعرف, ولا يزال هذا الامر لغزا غامضا بالنسبة لي. والواقع اني صعقت حين قدمت لي ديبلوماسية اميركية اسمه وسالتني عما اذا كان هو مصدري. ورغم هول المفاجاة, تمالكت اعصابي وتصنعت البرود مؤكدا لها انه لم يسبق لي ان سمعت بهذا الاسم!

* ولكن, لماذا كنت حريصا على عدم اطلاع الاميركيين على علاقتك به او بمصادرك الامنية الاخرى?

- للسبب الذي ذكرته اعلاه. اعني لاني اعرف جريمتهم مع الضباط العراقيين وكيف سلموا مصيرهم لصدام كي يجز رقابهم, ولاني كنت اعرف حكايتهم القذرة مع مصطفى التاجر (بغض النظر عن كونه احد اشرس الجلادين في تاريخ المخابرات العسكرية السورية), ولاني اعرف انهم لا يؤتمنون حتى على مصير عنزة او بيضة , فهم مجرد "ارطة زعران" (عصابة زعران), ومستعدون لبيع كل شيء والمتاجرة به حين تقتضي مصلحتهم ذلك. فهم لا يقبلون الاخرين شركاء لهم, وانما مجرد اجراء. ونحن لا يمكن ان نكون "اجراء" الا للشعب السوري, ولا نقبل ان نستبدل رجل مخابرات سوريا باخر اميركي. شعارهم الوحيد "نحن اسياد العالم وانتم ماسحو احذيتنا" حسب تعبير نوعام خومسكي. وهم (الاميركيون), ودوما اعني بذلك الادارة لا الشعب, يرفضون التعامل معك الا بعد ان يقتنعوا بانك تقبل ان تكون حذاء لهم, حتى ولو مصنوعا من جلد عنزة!

* اذا انتقلنا الى موضوع المعارضة السورية, وهي اول ما يتذكره المراقب الخارجي في ظل التطورات الحاصلة, نلاحظ صمتها الغريب ازاء ما يجري حاليا على الساحة اللبنانية ¯ السورية. اقصد لم نسمع رايها لا بمقتل الحريري ولا بالضغوط الاميركية على سورية, وكانها في تحالف غير معلن مع السلطة السورية!?

- لا, في الواقع جميعها ¯ داخلا وخارجا ¯ اصدرت بيانات منددة بالجريمة, ودعت الى انسحاب القوات السورية وانهاء الهيمنة على لبنان واعادة بناء العلاقات بين البلدين على اسس صحيحة. لكن كل جهة حاولت ان تضعه في السياق الخاص لرؤيتها وفهمها لما يجري. فالقوميون وقطاع واسع من اليسار وضعوا اغتيال الحريري في اطار »مؤامرة اميركية ¯ اسرائيلية« لاستدراج سورية الى فخ, على قاعدة المنطق الجنائي البليد : من المستفيد ?

وذهب بعضهم الى حد وضع سيناريوهات جنائية ومخابراتية للطريقة التي »نفذت« بها الجريمة من قبل واشنطن وتل ابيب! اما " الاخوان المسلمون ", ورغم اتهامهم شبه الصريح للنظام السوري بارتكاب الجريمة, متكئين في ذلك على تجربتهم المريرة مع النظام, لم يبتعد منطقهم عن " نظرية المؤامرة ", لكن في سياق اخر. اعني محاولة تمرير وتعميم " فرضية " ان النظام السوري " قتل الحريري لانه سني "! وقد ظهر ذلك من خلال مقالات لبعض قياداتهم وكوادرهم, فضلا عن " تاطير " كلمة مفتي لبنان محمد رشيد قباني, التي اعتبر فيها اغتيال الحريري جزءا من محاولة لتحجيم دور السنة في المنطقة, في صدر موقعهم الالكتروني منذ ذلك الحين وحتى الان!

* كيف يمكن لنا ان نرى الفروق الرئيسية بين المعارضة العراقية التي كانت قبل حرب اسقاط نظام صدام, والمعارضة السورية الراهنة ?

- في الواقع, ورغم كل ما تقدم من حديثي, سنظلم المعارضة السورية اذا ما قارنا ظروف تشكلها ونضالها بظروف تشكل المعارضة العراقية, على الاقل اعتبارا من مطلع الثمانينيات الماضية. ففي الوقت الذي لعب فيه حافظ الاسد بذكاء شديد ورقة المعادلات الاقليمية والدولية, وخصوصا لجهة علاقتها بما يسمى بالقضية الوطنية او القومية, وبالتالي حرم المعارضة السورية من اي مجال حيوي للحركة (مع استثناءات نادرة في الزمان والمكان), ومن التعبئة الشعبية, لم تعان المعارضة العراقية اي شيء من هذا (وانا لا اتحدث هنا عن القمع).

فقد وفرت محورية القضية الكردية داخل القضية الوطنية العراقية, وايران وصراع النظام العراقي مع ملاليها, ولاحقا دول الخليج اثر الغزو العراقي للكويت, مجالا حيويا للحركة والاستفادة من حماقات النظام وعداواته الاقليمية والدولية. وهكذا, مثلا, كان بامكان حافظ الاسد ان يرتكب مجازر حماة وحلب وجسر الشغور وسجن تدمر دون ان تقرا خبرا واحدا عن ذلك في الاعلام الغربي, او تسمع تصريحا من مسؤول غربي الا نادرا. فقد كان الشرق والغرب بحاجة ل¯ " الدور الوظيفي " الذي يؤديه حافظ الاسد في المنطقة, سواء على الساحة اللبنانية او الفلسطينية. وكان بامكانه دوما ان يفرض " خوة سياسية " على واشنطن وموسكو. ولا شك ان موقع سورية كجبهة " مواجهة " مع اسرائيل واحتلال هذه الاخيرة للجولان, قد جعل المعارضة السورية في مازق لا تحسد عليه, بحيث كان النظام, والشارع ايضا, يستطيع توجيه الاتهام ب¯ " اللامسؤولية الوطنية وفقدان الحس الوطني ", ان لم يكن بالخيانة, لكل من يطالب حتى بالحد الادنى من الحريات العامة. وهذا ما كانت المعارضة العراقية متحررة من عبئه الى حد بعيد.

ان النظام السوري, ورغم كل الروائح العفنة التي فاحت من ممارساته السياسية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وقضية الجولان والعلاقة مع واشنطن, مازال قادرا على خداع المواطنين العرب, سواء داخل سورية او حتى في المغرب العربي, بانه الخندق الاخير في الدفاع عن مصالح الامة, وبان كل الضغوطات التي يتعرض لها انما بسبب مواقفه القومية!

* هل تعتقد بان المؤتمر القطري القادم لحزب البعث في دمشق سيقدم حلولا حاسمة للخروج من الازمة?

- حاسمة, لا. ولكن يمكنه ان يزيد من كمية المصل والسيروم التي تساعده في البقاء فترة اطول على قيد الحياة.. حتى ولو في غرفة العناية المركزة!ولكن حتى هذا الاحتمال منوط بالكيفية التي ستلجا اليها مراكز القوى في النظام لتصفية حساباتها. اعني هل ستلجا الى تجديد عقد الشراكة في ملكية وادارة هذا " الماخور السياسي " المسمى سلطة ? ام سيلجا الطرف الضعيف الى بيع اسهمه فيها الى الطرف الاقل ضعفا او الاكثر قوة بحكم رهاناته الخارجية الاكثر " ذكاء.

من رهانات فريد الغادري!! وانا اميل الى ان هذا هو الذي سيحصل, اذا لم يطرا طارئ غير متوقع, خصوصا وان لا بديل للنظام ¯ على الاقل في المستوى المنظور ¯ سوى الفوضى, ان لم تكن حرب اهلية تقوم على الثار الطائفي والمذهبي. ولا اظن ان واشنطن ¯ بعد التجربة العراقية ¯ تحبذ هذا البديل الجهنمي, الا اذا اخذنا بنظرية المؤامرة المستشرية الان, والقائلة بوجود مخطط اميركي لتفتيت المنطقة.

* ولكن, الا تعتقد ان من مصالح اميركا السياسية في الشرق الاوسط اسقاط النظام العلوي وابداله بنظام سني?

- دعني في البداية اسجل تحفظي على ورفضي لتعبير " النظام العلوي ". ليس لاني انحدر, بحكم الولادة وتصاريف الطبيعة, من هذه الطائفة, بل لانه غير علمي اساسا. صحيح ان قسما كبيرا من الجنرالات الممسكين بمفاصل النظام ينحدرون من الطائفة العلوية, لكن الاكثر صحة هو ان الطرف " السني " الداخل مع هؤلاء في شراكة سياسية واقتصادية مافيوية هو المسفيد الفعلي من السلطة ومؤسسات الدولة . ولا تتفاجا اذا قلت لك بان هؤلاء " السنة " سيدافعون عن النظام اكثر من اي علوي مرمي في تلك الجبال المسلوبة من معظم حقوقها.

على اي حال, هناك الان من يرى بان الولايات المتحدة ستلجا الى منح سورية ل¯ "السنية العربية" مقابل خسارة هذه الاخيرة للعراق, وبان الولايات المتحدة قررت انهاء "حكم الاقليات" في المنطقة لصالح " حكم الاكثريات ". ولكن اذا كان النظام قادرا على اعطاء الولايات المتحدة ما تريده, وهو قادر وقد عبر عن ذلك جهارا, لماذا ستلجا واشنطن الى اسقاطه?

انا اعتقد ان واشنطن (كما المعارضة السورية!) تنتظر هي الاخرى مؤتمر البعث, وستكون الحاضر الاكبر في هذا المؤتمر. وفي تقديري ان الامر سيحسم لصالح " المجمع التجاري ¯ العسكري " الكومبرادوري المرتبط بالسوق الدولية. وهذا "المجمع المافيوي" هو " امير سورية الحديث "! وحين تعلم ان هذا المجمع هو الذي نظم المظاهرات خلال الايام الماضية, وليس الحزب ومنظماته كما جرت العادة, سيدرك على الفور ما اعني. فهؤلاء نظموا المظاهرات اظهارا لوجودهم وقوتهم اكثر مما نظموها للتعبير عن دعمهم للنظام. واظن ان رسالتهم وصلت سريعا الى واشنطن وبروكسل بسرعة البرق, وقد قرئت هناك كما ينبغي لها ان تقرا, وفهمت كما اراد لها مرسلوها ان تفهم!

* معظم السياسيين يعتقدون ان ما يسمى بالحرس القديم هو الذي كان وراء اغتيال الحريري. من هي الجهة, بنظرك, التي قامت بعملية قتل الحريري وما الفائدة التي تجنيها?
- ارجو الا تتفاجا اذا قلت لك بان لدي وجهة نظر مختلفة عما كل ما هو متداول. فانا اعتقد ان ما يسمى ب¯ " الجناح الاصلاحي " المحسوب على " تيار الرئيس" هو الذي كان وراءها. لانها كانت الوسيلة الوحيدة امامه لتصفية ما يسمى بالحرس القديم بغطاء دولي, اوربي واميركي, عبر التاسيس لظرف نوعي يدول القضية السورية ¯ اللبنانية ويضع كل رموز "النظام القديم" موضع الاتهام والمساءلة الدولية, وبالتالي التصفية السياسية. واعتقد ان بشار الاسد حين شكا لاكثر من مسؤول عربي من انه " لا يملك من امره شيئا ", ومن ان الجنرالات هم الحاكمون بامرهم (بغض النظر عن مدى صحة زعمه), انما اراد ان يوصل رسالة لمن يعنيه الامر في الغرب. واظنها وصلت وتم فهمها جيدا!

* ما توقعاتك لمستقبل سورية القريب : تغيير شامل في النظام, ام حرب طائفية?
- اظن لا هذه ولا ذاك مع انه لا شيء مستبعد, ولكن الامر يتوقف على شكل التغيير والقوى الذي تقوده. فاذا حدث التغيير بالقوة الخارجية المسلحة, فانه سيكون شاملا وسيقود بالتاكيد الى حرب اهلية, او بالاحرى حرب انتقامية ثارية ضد الطائفة العلوية وبعض الاقليات الاخرى كالاسماعليين والدروز. لان الحرب الاهلية تكون بين قوى تتمتع بحد ادنى من التوازن.

اما هنا في سورية, فلا يمكن الحديث عن حرب اهلية بل حرب ابادة على الطريقة البلقانية. بالنظر لان الطائفة العلوية (ومعها الدروز والاسماعيليون) لا يشكلون ثقلا عدديا يعتد به (13 بالمئة في احسن التقديرات). اما اذا حدث التغيير من الداخل على ايدي " المجمع العسكري ¯ التجاري "المافيوي, ولكن باشراف و توجيه ودعم من الغرب, وهذا ما سيحصل على الارجح, فانه لن يكون الا انتقالا من "دولة العصابة" الى "عصابة الدولة "! فبكل اسف, ان "امير سورية الحديث" لن يكون على المدى المنظور الا واحدا من اثنين: اما زعيم عصابة يرتدي زي صاحب شركة هاتف خليوي او.. جندي مارينز!