فاطمي
12-06-2014, 11:28 PM
قراءة في رسائل رسـول الـتـكـفـيـر محمد بن عبد الوهاب- ج1
وكان ابن عبد الوهاب قد بعث برسالة الى سليمان بن سحيم حكم فيها على سكان نجد والحجاز بالشرك وقال مانصّه: «ومعلوم أن أهل أرضنا وأرض الحجاز الذي ينكر البعث منهم أكثر ممن يقر به، وأن الذي يعرف الدين أقل ممن لا يعرفه، والذي يضيع الصلوات أكثر من الذي يحافظ عليها، والذي يمنع الزكاة أكثر ممن يؤديها». وهذا ينطوي ليس على حكم عام فحسب، بل إنه ينفي عن أكثر سكّان نجد والحجاز صفة الإسلام مطلقاً.
وفي رسالة يردّ فيها على ما جاء في «أوراق بخط ولد ابن سحيم» حوت ما يعتقد ابن عبد الوهاب بأنه يريد «أن يصد بها الناس عن دين الإسلام، وشهادة أن لا إله إلا الله»، ومما جاء في الأوراق «تكفير كل من قال لا إله إلا الله». ويرد على ذلك بإسلوب مشحون بالغضب «فإذا ذكرنا لهم الآيات التي فيها كفره، وكفر أبيه، وكفر الطواغيت..». واتهم ابن سحيم بأنه تكفيري، ونقل أمثلة من أوراق حسب قوله منها «من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم أملس الكف كفر..» وأنه قال بـ «كفر القدرية، والعلماء لا يكفرونه فكفر ناساً لم يكفروا وأنكر علينا تكفير أهل الشرك».. ولغياب مصدر يمكن الرجوع اليه للتحقق من مقولات بن سحيم تجعلنا نتحفظ على ما يرد في ردود ابن عبد الوهاب، لأنها في الغالب مجتزئة وغير مثبتة في مصادر أخرى محايدة، دع عنك من المصدر نفسه.
يزعم ابن عبد الوهاب أن بن سحيم صدّق بكل ما قاله هو في التوحيد وانواعه، ولكنه يكفر بها ويرد عليه «فإذا كفرنا من قال إن عبد القادر والأولياء ينفعون ويضرون قال: «كفرتم أهل الإسلام، وإذا كفرنا من يدعو شمسان وتاجا وحطاباً قال كفرتم أهل الإسلام..». وسرد قائمة موضوعات يقول بها بن سحيم ثم يكفر بها بعد أن كفّر ابن عبد الوهاب أصحابها. وهذا يناقض ما قال ابن عبد الوهاب عنه بأنه يكفّر من يقول بكذا وكذا. وختم ابن عبد الوهاب رسالته بكلام فيه توهين لابن سحيم بما نصّه: «ما من عقول تفهم أن هذا الرجل من البقر التي لا تميز بين التين والعنب..».
وفي رسالة كتبها محمد بن عبد الوهاب ومعه عبد العزيز بن محمد بن سعود الى أحمد بن محمد بن العديلي البكيلي أحد وجوه اليمن، وكان فيها ردّ على تهمة الاجتهاد، ونفيا ذلك وقالاً «فنحن مقلدون الكتاب والسنة وصالح سلف الأمة، وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة أبي حنيفة النعمان بن ثابت ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس، وأحمد بن حنبل». وتحدّثا بكلام لا يليق كقولهما «حتى آل الأمر إلى الهتيميات، المعروفات بالزنى، والمصريات، يأتون وفوداً يوم الحج الأكبر، كل من الأشراف معروفة بغيته منهن جهاراً، وأن أهل اللواط، وأهل الشرك، والرافضة، وجميع الطوائف، من أعداء الله ورسوله آمنين فيها، وأن من دعا أبا طالب آمن، ومن وحد الله وعظمه ممنوع من دخولها، ولو استجار بالكعبة ما أجارته، وأبو طالب والهتيميات يجيرون من استجار بهم..». وهتيم تتحدّر من قبيلة سبيع وقد عرفن بالجمال، وإتهام ابن عبد الوهاب لهن جميعاً بالزنا يندرج في سياق لا ديني ويصدق عليه القذف والتشهير، وكذلك قوله عن نساء مصر.
غاية ابن عبد الوهاب وابن سعود من الرسالة هو تحريض البكبلي على أشراف مكة بأنهم سمحوا للمشركين والزناة وأهل اللواط وغيرهم بالقدوم الى مكة وإنهم آمنون فيها على أنفسهم، فيما حُرم أهل التوحيد من الحج والعمرة!!. وتكشف الرسالة عن خروج ابن عبد الوهاب عن الضوابط الدينية التي يدعي الالتزام بها، خصوصاً فيما يتعلق بتكفير العموم، ومبدأ الأحكام العمومية.
لغة تصعيدية طبعت الرسالة من أولها لآخرها، ما يؤكد النزعة التحريضية فيها، كقوله: «نقاتل عبّاد الأوثان كما قاتلهم صلى الله عليه وسلم ونقاتلهم على ترك الصلاة وعلى منع الزكاة كما قاتل مانعها صديق هذه الأمة أبو بكر الصديق..».
وبالرغم من تكفيره العموم كما هو واضح في رسائله السابقة جاء من ينفي عنه ذلك، وكتب إليه اسماعيل الجراعي رسالة نيابة عن صاحب اليمن البكبلي، قال له :»لا أصدق أنك تكفر بالعموم..».
وردّ ابن عبد الوهاب على رسالته وأكّد نفيه التكفير بالعموم وقال «فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون به عن هذا الدين..». ولا نعلم إن كان لابن عبد الوهاب فهم خاص لتكفير العموم، بالرغم من وضوح ما قاله وأسلفنا ذكره.
وفي رسالة الى عالم الدين اليمني عبد الله بن عبد الله الصنعاني يجيب فيها عن سؤال الأخير عن دين ابن عبد الوهاب. يقدّم الأخير مطالعة عقدية مطوّلة تدور حول حدي الشرك والتوحيد. وعرّف بمذهبه، وقال «وأما مذهبنا فمذهب الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة..»، ومع أنه لم ينكر على أهل المذاهب الاربعة الا أنّه وضع شرطاً «إذا لم يخالف نص الكتاب والسنة وإجماع الأمة وقول جمهورها». فهو حين يثبّت لأهل السنة إماماً دون بقية أئمة المذاهب إنما ينزع المشروعية عنها، وحين يشترك صحة عملها بما يقرّره هو يجعل من المذهب الحنبلي محوراً لصحة إيمان المرء وسقمه.
وفي رسالة الى أهل المغرب يدعوهم فيها للدخول في دعوته، ويحذّرهم من الوقوع في الشرك وقال «فمعلوم ما قد عمّت به البلوى من حوادث الأمور التي أعظمها الإشراك بالله والتوجه إلى الموتى وسؤالهم النصر على الأعداء وقضاء الحاجات وتفريج الكربات.. وكذلك التقرب إليهم بالنذر وذبح القربان، والاستغاثة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد..».
وبعد انتهائه من مطالعته، قال «فهذا هو الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس حتى آل بهم الأمر إلى أن كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم، وهو الذي ندعو الناس إليه ونقاتلهم عليه بعد ما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح من الأئمة ..». فهو هنا لا يدعو لحوار أو مناظرة بل تبدو النزعة الرسولية واضحة، وهو إنما يخيّر المعنيين برسالته إما القبول بدعوته أو انتظار سيفه، هكذا ببساطة متناهية، أو حسب قوله: «فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قاتلناه بالسيف والسنان».
وفي رسالة مفتوحة الى المسلمين عامة، والى محمد بن عبيد وعبد القادر العديلي وابنه وعبد الله بن سحيم وعبد الله بن عضيب وحميدان بن تركي وعلي بن زامل ومحمد أبا الخيل وصالح بن عبد الله على وجه الخصوص وحديث مكرور عن التوحيد والشرك ومصاديقهما في الواقع، وعاد وكرر مقولته السابقة «لكن المشركين في زماننا أضل من الكفار في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم..» مع شرح ذلك من وجهين: أن كفار زمانه يدعون الانبياء والملائكة في الشدّة والرخاء معاً، وأن «مشركي زماننا يدعون أناساً لا يوازنون عيسى والملائكة». ثم أخبرهم «فلا يخفى عليكم ما ملأ الأرض من الشرك الأكبر عبادة الأصنام..»، أي زيارة قبور الانبياء والصحابة.
وفي رسالة أخرى لمطوّع المجمعة عبد الله بن سحيم يجيب فيه عن سؤال حول كتاب المويس الذي أرسل لأهل الوشم وفيه كلام عن علم أصول الدين أو العقائد وكلام في التوحيد والشرك، والثالث اتباع أهل العلم وتقليدهم واتباع الأدلة..
وعاد ابن عبد الوهاب في رسالته الى تكفير ابن عربي ونقل عن «الاقناع» لأبي شجاع في باب حكم المرتد قوله عن أهل الشام «وهم يعبدون ابن عربي جاعلين على قبره صنماً يعبدونه». ولكن ابن عبد الوهاب يستدرك، لانتماء ابن تيمية وأتباعه الى الشام، فقال: «ولست أعني أهل الشام كلهم حاشا وكلا بل لا تزال طائفة على الحق وإن قلت واغتربت».
وما يلفت في رسائل ابن عبد الوهاب مبالغته في «شيطنة» الخصم، الى حد إظهاره في هيئة الشرير والعدو للدين كقوله عن سليمان ابن سحيم بأنه «كاتب إلى أهل الحساء يعاونهم على سب دين الله ورسوله»، ومن الواضح أنه يهدف تشويه صورة الرجل وليس بالضرورة الدقة فيما ينقل.
وفي رسالة الى أحد مشايخ الاحساء محمد بن سلطان ينكر عليه مطالبته له بالدليل على ادعاءاته بكفر من ينذرون وينتخون في الشدائد ويرضون بذلك، وينقل ابن عبد الوهاب عنه أنه «ويذكرون عنك أنك تقول أبغي أعرضه على العلماء في الخرج وفي الأحساء..». ولكن ابن عبد الوهاب عرّض بالعلماء في الإحساء وقال بأنهم يكابرون، وأنه كان يعرض عليهم من سنين وكان يجادل كل انسان بمذهبه «فإذا أرسلت إليهم ذلك عدلوا عن الجواب لأنهم يعرفون أني على الحق وهم على الباطل وإنما يمنعهم من الانقياد التكبر والعناد على أهل نجد..». وعبارة «على أهل نجد» تنقلنا الى سياق آخر غير عقدي، فالرجل يفشي سراً عن التجاذب المناطقي في مرحلة مبكرة، وزاد على ذلك بقوله: «وكن على حذر من أهل الأحساء أن يلبسوا عليك بأشياء لا ترد على المسألة أو يشبهوا عليك بكلام باطل..».
وفي رسالة مفتوحة الى المسلمين عامة يعرّف عن عقيدته قائلاً: «عقيدتي وديني الذي أدين الله به مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة..». كلام يبدو كما لو أنه ينطوي على تراجع عن الخط الحنبلي، ولكن قد يحمل دلالات أخرى غير مباشرة، وهي أنها محاولة لحشد أكبر عدد من المؤيدين، وقد تكون الرسالة في بدايات حركته الدعوية، كما يلمح لذلك في الرسالة نفسها «وأنا صاحب منصب في قريتي مسموع الكلمة فأنكر هذا بعض الرؤساء لكونه خالف عادة نشأوا عليها، وأيضاً ألزمت من تحت يدي بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وغير ذلك من فرائض الله، ونهيتهم عن الربا وشرب المسكر وأنواع من المنكرات فلم يمكن الرؤساء القدح في هذا وعيبه لكونه مستحسناً عند العوام فجعلوا قدحهم وعداوتهم فيما آمر به من التوحيد وما نهيتهم عنه من الشرك، ولبسوا على العوام أن هذا خلاف ما عليه الناس، وكبرت الفتنة جداً، وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله».
تشير الرسالة الى أن ابن عبد الوهاب لم يكن لديه نفوذ ولا صاحب سلطة، في ظل وجود رؤوساء وأصحاب سطوة. ثم ما يلبث ابن عبد الوهاب يكرر حديثه المعروف في التوحيد بنوعيه: توحيد الربوبية وهذا لا يدخل صاحبه الاسلام ما لم يتواشج مع توحيد الالوهية.
وكرر ابن عبد الوهاب مقولته السابقة «واعلم أن المشركين في زماننا قد زادوا على الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يدعون الملائكة والأولياء والصالحين..». وأضاف في مكان آخر: «وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننا الاعتقاد..».
بل يرى ابن عبد الوهاب بأن جهّال الكفار يعلمون معنى لا اله الا الله أكثر من المسلمين، أو بالأحرى المصنّفين، بحسب اعتقاده، في خانة المسلمين، وهو حسب اعتقاده «ما أصبح غالب الناس فيه».
وعاد وكرر نفيه للتكفير بطريقة مواربة وقال «وأما التكفير فأنا أكفّر من عرف دين الرسول ثم بعد ما عرفه سبه ونهى الناس عنه، وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفر..». وقال بأن أكثر الامة ليسوا كذلك، ولكن كل ما ورد في رسائله من أحكام بالتكفير تنفي هذه العقيدة لديه، بل إن قوله «وأما القتال فلم نقاتل أحداً إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكناً..»، فإنه لا يصدق على الواقع، لأن حديثه في الجهاد وغزواته التي تجاوزت في نجد وحدها المائتي وخمسين غزوة خلال عشرين عاماً ليست دفاعية بل هي من باب «جهاد الطلب».
وكان ابن عبد الوهاب قد بعث برسالة الى سليمان بن سحيم حكم فيها على سكان نجد والحجاز بالشرك وقال مانصّه: «ومعلوم أن أهل أرضنا وأرض الحجاز الذي ينكر البعث منهم أكثر ممن يقر به، وأن الذي يعرف الدين أقل ممن لا يعرفه، والذي يضيع الصلوات أكثر من الذي يحافظ عليها، والذي يمنع الزكاة أكثر ممن يؤديها». وهذا ينطوي ليس على حكم عام فحسب، بل إنه ينفي عن أكثر سكّان نجد والحجاز صفة الإسلام مطلقاً.
وفي رسالة يردّ فيها على ما جاء في «أوراق بخط ولد ابن سحيم» حوت ما يعتقد ابن عبد الوهاب بأنه يريد «أن يصد بها الناس عن دين الإسلام، وشهادة أن لا إله إلا الله»، ومما جاء في الأوراق «تكفير كل من قال لا إله إلا الله». ويرد على ذلك بإسلوب مشحون بالغضب «فإذا ذكرنا لهم الآيات التي فيها كفره، وكفر أبيه، وكفر الطواغيت..». واتهم ابن سحيم بأنه تكفيري، ونقل أمثلة من أوراق حسب قوله منها «من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم أملس الكف كفر..» وأنه قال بـ «كفر القدرية، والعلماء لا يكفرونه فكفر ناساً لم يكفروا وأنكر علينا تكفير أهل الشرك».. ولغياب مصدر يمكن الرجوع اليه للتحقق من مقولات بن سحيم تجعلنا نتحفظ على ما يرد في ردود ابن عبد الوهاب، لأنها في الغالب مجتزئة وغير مثبتة في مصادر أخرى محايدة، دع عنك من المصدر نفسه.
يزعم ابن عبد الوهاب أن بن سحيم صدّق بكل ما قاله هو في التوحيد وانواعه، ولكنه يكفر بها ويرد عليه «فإذا كفرنا من قال إن عبد القادر والأولياء ينفعون ويضرون قال: «كفرتم أهل الإسلام، وإذا كفرنا من يدعو شمسان وتاجا وحطاباً قال كفرتم أهل الإسلام..». وسرد قائمة موضوعات يقول بها بن سحيم ثم يكفر بها بعد أن كفّر ابن عبد الوهاب أصحابها. وهذا يناقض ما قال ابن عبد الوهاب عنه بأنه يكفّر من يقول بكذا وكذا. وختم ابن عبد الوهاب رسالته بكلام فيه توهين لابن سحيم بما نصّه: «ما من عقول تفهم أن هذا الرجل من البقر التي لا تميز بين التين والعنب..».
وفي رسالة كتبها محمد بن عبد الوهاب ومعه عبد العزيز بن محمد بن سعود الى أحمد بن محمد بن العديلي البكيلي أحد وجوه اليمن، وكان فيها ردّ على تهمة الاجتهاد، ونفيا ذلك وقالاً «فنحن مقلدون الكتاب والسنة وصالح سلف الأمة، وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة أبي حنيفة النعمان بن ثابت ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس، وأحمد بن حنبل». وتحدّثا بكلام لا يليق كقولهما «حتى آل الأمر إلى الهتيميات، المعروفات بالزنى، والمصريات، يأتون وفوداً يوم الحج الأكبر، كل من الأشراف معروفة بغيته منهن جهاراً، وأن أهل اللواط، وأهل الشرك، والرافضة، وجميع الطوائف، من أعداء الله ورسوله آمنين فيها، وأن من دعا أبا طالب آمن، ومن وحد الله وعظمه ممنوع من دخولها، ولو استجار بالكعبة ما أجارته، وأبو طالب والهتيميات يجيرون من استجار بهم..». وهتيم تتحدّر من قبيلة سبيع وقد عرفن بالجمال، وإتهام ابن عبد الوهاب لهن جميعاً بالزنا يندرج في سياق لا ديني ويصدق عليه القذف والتشهير، وكذلك قوله عن نساء مصر.
غاية ابن عبد الوهاب وابن سعود من الرسالة هو تحريض البكبلي على أشراف مكة بأنهم سمحوا للمشركين والزناة وأهل اللواط وغيرهم بالقدوم الى مكة وإنهم آمنون فيها على أنفسهم، فيما حُرم أهل التوحيد من الحج والعمرة!!. وتكشف الرسالة عن خروج ابن عبد الوهاب عن الضوابط الدينية التي يدعي الالتزام بها، خصوصاً فيما يتعلق بتكفير العموم، ومبدأ الأحكام العمومية.
لغة تصعيدية طبعت الرسالة من أولها لآخرها، ما يؤكد النزعة التحريضية فيها، كقوله: «نقاتل عبّاد الأوثان كما قاتلهم صلى الله عليه وسلم ونقاتلهم على ترك الصلاة وعلى منع الزكاة كما قاتل مانعها صديق هذه الأمة أبو بكر الصديق..».
وبالرغم من تكفيره العموم كما هو واضح في رسائله السابقة جاء من ينفي عنه ذلك، وكتب إليه اسماعيل الجراعي رسالة نيابة عن صاحب اليمن البكبلي، قال له :»لا أصدق أنك تكفر بالعموم..».
وردّ ابن عبد الوهاب على رسالته وأكّد نفيه التكفير بالعموم وقال «فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون به عن هذا الدين..». ولا نعلم إن كان لابن عبد الوهاب فهم خاص لتكفير العموم، بالرغم من وضوح ما قاله وأسلفنا ذكره.
وفي رسالة الى عالم الدين اليمني عبد الله بن عبد الله الصنعاني يجيب فيها عن سؤال الأخير عن دين ابن عبد الوهاب. يقدّم الأخير مطالعة عقدية مطوّلة تدور حول حدي الشرك والتوحيد. وعرّف بمذهبه، وقال «وأما مذهبنا فمذهب الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة..»، ومع أنه لم ينكر على أهل المذاهب الاربعة الا أنّه وضع شرطاً «إذا لم يخالف نص الكتاب والسنة وإجماع الأمة وقول جمهورها». فهو حين يثبّت لأهل السنة إماماً دون بقية أئمة المذاهب إنما ينزع المشروعية عنها، وحين يشترك صحة عملها بما يقرّره هو يجعل من المذهب الحنبلي محوراً لصحة إيمان المرء وسقمه.
وفي رسالة الى أهل المغرب يدعوهم فيها للدخول في دعوته، ويحذّرهم من الوقوع في الشرك وقال «فمعلوم ما قد عمّت به البلوى من حوادث الأمور التي أعظمها الإشراك بالله والتوجه إلى الموتى وسؤالهم النصر على الأعداء وقضاء الحاجات وتفريج الكربات.. وكذلك التقرب إليهم بالنذر وذبح القربان، والاستغاثة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد..».
وبعد انتهائه من مطالعته، قال «فهذا هو الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس حتى آل بهم الأمر إلى أن كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم، وهو الذي ندعو الناس إليه ونقاتلهم عليه بعد ما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح من الأئمة ..». فهو هنا لا يدعو لحوار أو مناظرة بل تبدو النزعة الرسولية واضحة، وهو إنما يخيّر المعنيين برسالته إما القبول بدعوته أو انتظار سيفه، هكذا ببساطة متناهية، أو حسب قوله: «فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قاتلناه بالسيف والسنان».
وفي رسالة مفتوحة الى المسلمين عامة، والى محمد بن عبيد وعبد القادر العديلي وابنه وعبد الله بن سحيم وعبد الله بن عضيب وحميدان بن تركي وعلي بن زامل ومحمد أبا الخيل وصالح بن عبد الله على وجه الخصوص وحديث مكرور عن التوحيد والشرك ومصاديقهما في الواقع، وعاد وكرر مقولته السابقة «لكن المشركين في زماننا أضل من الكفار في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم..» مع شرح ذلك من وجهين: أن كفار زمانه يدعون الانبياء والملائكة في الشدّة والرخاء معاً، وأن «مشركي زماننا يدعون أناساً لا يوازنون عيسى والملائكة». ثم أخبرهم «فلا يخفى عليكم ما ملأ الأرض من الشرك الأكبر عبادة الأصنام..»، أي زيارة قبور الانبياء والصحابة.
وفي رسالة أخرى لمطوّع المجمعة عبد الله بن سحيم يجيب فيه عن سؤال حول كتاب المويس الذي أرسل لأهل الوشم وفيه كلام عن علم أصول الدين أو العقائد وكلام في التوحيد والشرك، والثالث اتباع أهل العلم وتقليدهم واتباع الأدلة..
وعاد ابن عبد الوهاب في رسالته الى تكفير ابن عربي ونقل عن «الاقناع» لأبي شجاع في باب حكم المرتد قوله عن أهل الشام «وهم يعبدون ابن عربي جاعلين على قبره صنماً يعبدونه». ولكن ابن عبد الوهاب يستدرك، لانتماء ابن تيمية وأتباعه الى الشام، فقال: «ولست أعني أهل الشام كلهم حاشا وكلا بل لا تزال طائفة على الحق وإن قلت واغتربت».
وما يلفت في رسائل ابن عبد الوهاب مبالغته في «شيطنة» الخصم، الى حد إظهاره في هيئة الشرير والعدو للدين كقوله عن سليمان ابن سحيم بأنه «كاتب إلى أهل الحساء يعاونهم على سب دين الله ورسوله»، ومن الواضح أنه يهدف تشويه صورة الرجل وليس بالضرورة الدقة فيما ينقل.
وفي رسالة الى أحد مشايخ الاحساء محمد بن سلطان ينكر عليه مطالبته له بالدليل على ادعاءاته بكفر من ينذرون وينتخون في الشدائد ويرضون بذلك، وينقل ابن عبد الوهاب عنه أنه «ويذكرون عنك أنك تقول أبغي أعرضه على العلماء في الخرج وفي الأحساء..». ولكن ابن عبد الوهاب عرّض بالعلماء في الإحساء وقال بأنهم يكابرون، وأنه كان يعرض عليهم من سنين وكان يجادل كل انسان بمذهبه «فإذا أرسلت إليهم ذلك عدلوا عن الجواب لأنهم يعرفون أني على الحق وهم على الباطل وإنما يمنعهم من الانقياد التكبر والعناد على أهل نجد..». وعبارة «على أهل نجد» تنقلنا الى سياق آخر غير عقدي، فالرجل يفشي سراً عن التجاذب المناطقي في مرحلة مبكرة، وزاد على ذلك بقوله: «وكن على حذر من أهل الأحساء أن يلبسوا عليك بأشياء لا ترد على المسألة أو يشبهوا عليك بكلام باطل..».
وفي رسالة مفتوحة الى المسلمين عامة يعرّف عن عقيدته قائلاً: «عقيدتي وديني الذي أدين الله به مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة..». كلام يبدو كما لو أنه ينطوي على تراجع عن الخط الحنبلي، ولكن قد يحمل دلالات أخرى غير مباشرة، وهي أنها محاولة لحشد أكبر عدد من المؤيدين، وقد تكون الرسالة في بدايات حركته الدعوية، كما يلمح لذلك في الرسالة نفسها «وأنا صاحب منصب في قريتي مسموع الكلمة فأنكر هذا بعض الرؤساء لكونه خالف عادة نشأوا عليها، وأيضاً ألزمت من تحت يدي بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وغير ذلك من فرائض الله، ونهيتهم عن الربا وشرب المسكر وأنواع من المنكرات فلم يمكن الرؤساء القدح في هذا وعيبه لكونه مستحسناً عند العوام فجعلوا قدحهم وعداوتهم فيما آمر به من التوحيد وما نهيتهم عنه من الشرك، ولبسوا على العوام أن هذا خلاف ما عليه الناس، وكبرت الفتنة جداً، وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله».
تشير الرسالة الى أن ابن عبد الوهاب لم يكن لديه نفوذ ولا صاحب سلطة، في ظل وجود رؤوساء وأصحاب سطوة. ثم ما يلبث ابن عبد الوهاب يكرر حديثه المعروف في التوحيد بنوعيه: توحيد الربوبية وهذا لا يدخل صاحبه الاسلام ما لم يتواشج مع توحيد الالوهية.
وكرر ابن عبد الوهاب مقولته السابقة «واعلم أن المشركين في زماننا قد زادوا على الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يدعون الملائكة والأولياء والصالحين..». وأضاف في مكان آخر: «وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننا الاعتقاد..».
بل يرى ابن عبد الوهاب بأن جهّال الكفار يعلمون معنى لا اله الا الله أكثر من المسلمين، أو بالأحرى المصنّفين، بحسب اعتقاده، في خانة المسلمين، وهو حسب اعتقاده «ما أصبح غالب الناس فيه».
وعاد وكرر نفيه للتكفير بطريقة مواربة وقال «وأما التكفير فأنا أكفّر من عرف دين الرسول ثم بعد ما عرفه سبه ونهى الناس عنه، وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفر..». وقال بأن أكثر الامة ليسوا كذلك، ولكن كل ما ورد في رسائله من أحكام بالتكفير تنفي هذه العقيدة لديه، بل إن قوله «وأما القتال فلم نقاتل أحداً إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكناً..»، فإنه لا يصدق على الواقع، لأن حديثه في الجهاد وغزواته التي تجاوزت في نجد وحدها المائتي وخمسين غزوة خلال عشرين عاماً ليست دفاعية بل هي من باب «جهاد الطلب».