زوربا
11-03-2014, 03:16 PM
التراشق بالماء يوم عاشوراء .. مظاهر فرح تتحول إلى قرح
هسبريس - صالح الخزاعي
الأحد 02 نونبر 2014 - 11:00
كلما اقترب اليوم العاشر من شهر محرم الحرام، إلا وبدأ الأطفال والشبان يستعدون للاحتفال بهذا اليوم المشهود بطريقتهم الخاصة، وذلك بإعداد اللوازم الضرورية لقضاء النهار في التراشق بالماء، وتمضية ما تبقى من ساعات الليل في إشعال النيران وسط الأحياء والقفز عليها ورميها بالمفرقعات، مع تأثيث الحفل الناري ببعض الأهازيج الغريبة، رغم ما يحيط بهذه الظواهر المائية والنارية من انتقادات حول أصلها وخطورتها ومساوئها.
التراشق بالماء عبر التاريخ
اختلف المؤرخون في أصل ظاهرة التراشق بالماء يوم عاشوراء، حيث ربطها بعضهم بأحداث تاريخية تتمثل في الحصار الذي ضربه الجيش الأموي على أهل البيت في كربلاء، حيث قطع عليهم الماء حتى اشتد عطشهم وتعبهم، قبل أن يهاجمهم ويقضي عليهم، فاتخذ الناس بعد ذلك مسألة التراشق بالماء تعبيرا عن تضامنهم مع أهل البيت الذين كانوا في أمس الحاجة إلى الماء.
وفي الوقت الذي أنكر البعض هذا التفسير ووصفوه بالمجانب للحقيقة التاريخية، تم ربطُ التراشق بالماء بما عاشه السابقون من اعتقادات تتمثل في ضرورة رش الماء على أموالهم وأكياس زرعهم من أجل نمائها، وعلى ممتلكاتهم ومدخراتهم بهدف حمايتها، وعلى أطفالهم بُغية صونهم وحفظهم من الشياطين والأضرار.
فريق ثالث من الباحثين في هذه الظاهرة أنكر ما سبق وربط المسألة بطقوس دأب اليهود على ممارستها، معتبرين أن الماء كان سببا في نجاة موسى من شر فرعون وجنوده، وهو ما فرض على الأتباع الاحتفال بهذه المادة منذ قرون من خلال تعظيم الماء وتقديسه، إلا أنه مع مرور الوقت تحول الاحتفال إلى تراشق وتسلية.
الواقع المغربي للتزمزيم
دون الإطالة في الأصول التاريخية لظاهرة التراشق بالماء أو ما يطلق عليه الأطفال المغاربة "التزمزيم"، نظرا لكثرة التفسيرات المرتبطة أساسا بتعدد الديانات من جهة، وكثرة زوايا المعالجة للظاهرة من جهة أخرى، إلا أن ما يعرفه المجتمع المغربي الحالي حول الموضوع هو قضاء يوم من التراشق واللعب بالماء والذي يتحول أحيانا إلى الشجار أو الضرب وأحيانا القتل.
يعيش المغاربة بشكل عام والأطفال بشكل خاص يوم عاشوراء، ساعات من التراشق بالماء باستعمال الأواني المنزلية وخراطيم المياه والبالونات والمسدسات المائية، حيث تنطلق هذه التسلية منذ ساعات الصباح حتى مغرب الشمس، وذلك بين سكان الأحياء، وداخل المؤسسات التعليمية، وحتى في المنازل بين الإخوة والأقارب.
أحيانا وبناء على اتفاق مسبق بين أطفال الحي الواحد، يتجند الجميع في إطار عصابة طفولية، تترصد الغرباء عن الحي من المارة والعابرين إلى حال سبيلهم، قبل أن تحكم قبضتها عليهم لإكرامهم بحمام مجاني دون أدنى اعتبار لممتلكاتهم التي قد تتعطل بسبب الماء أو تنجو من هذا الاعتداء العاشوري المفاجئ.
وفي غالب الأحياء، يلجأ الضحايا إلى استعطاف أفراد العصابة من أجل تبليل جزء صغير من الملابس أو الأطراف، إلا أن هذا التفاوض ينتهي عادة بما خطط له المعتدون، والذين تستهويهم التوسلات ولا يأخذونها بعين الاعتبار حتى لو تعلق الأمر بعجوز أو شيخ لا حول لهما ولا قوة، وهو ما يتسبب للضحايا في مشاكل صحية كبيرة.
التراشق بالماء بين التسلية والاعتداء
لا يخلو التراشق بالماء من مخاطر تتفاوت درجتها من حالة إلى أخرى، فأبسطها بَلَلُ الملابس والأوراق المالية منها والإدارية والأجهزة الإلكترونية من هواتف وساعات يدوية، إضافة إلى مشاكل أخرى من قبيل المشادات الكلامية أو تبادل الضرب والجرح بين المعتدي والمعتدى عليه إذا كان هذا الأخير من النوع الذي لا يتقبل المرح ولا يؤمن بزمزم عاشوراء أو غيرها.
محمد شاب سبق أن كان ضحية مزاح خطير في السنة الماضية، حيث صرح للجريدة أنه كان في طريقه إلى مؤسسته التعليمية قبل سنة، وفجأة تهاطلت عليه كمية كبيرة من الماء من إحدى النوافذ، تسببت في اختناقه لبضع ثوان، ولم يسترجع بعدها أنفاسه الطبيعية إلا بمشقة، مضيفا أنه أحس في تلك اللحظة بتوقف الزفير رغم استمراره في الشهيق لبضع ثوان مرت وكأنها ساعات.
عبد الرحمان موظف بإحدى الإدارات، صرح بدوره للجريدة أن التزمزيم تسبب له في إحدى السنوات في مشاكل مهنية كبيرة، بعد أن تبلل ملف إداري مهم كان يحمله في سيارته بهدف نقله إلى إحدى المصالح، كما أضاف أنه لم يأخذ يوم عاشوراء على محمل الجد ولم يتخذ الإجراءات الوقائية اللازمة، وفي مقدمتها إحكام إغلاق نوافذ السيارة تفاديا لهجوم مائي مفاجئ، وهو ما حدث له بالفعل.
أما الدرجة الخطيرة في عملية التراشق بالماء، فقد كانت من نصيب إحدى الشابات التي ظنت أن معرفتها لأبناء الحي ستشفع لها، إلا أنها تفاجأت ببالونة مملوءة بالماء القاطع تنفجر قرب قدميها، حيث تطاير السائل على أطرافها السفلى مخلفا إصابات وحروق خطيرة، ما تطلب نقلها إلى المستشفى لتلقي الإسعافات اللازمة.
زمزم والمؤسسات التعليمية
كلما تزامن يوم عاشوراء مع يوم دراسة إلا واستنفرت المؤسسات التعليمية كل مكوناتها، حيث تعمل الإدارة رفقة الأساتذة والحراس على مراقبة وتتبع التلاميذ طوال اليوم، داخل الفصول الدراسية وفي الساحة ولحظة الخروج من باب المؤسسة، ورغم هذا كله يحدث بين الفينة والأخرى انفلات مائي بين المتمدرسين.
فإلى جانب المفرقعات والشهب الاصطناعية، يلجأ التلاميذ إلى استقدام البيض والبالونات المليئة بالماء، والاحتفاظ بهذا الزاد داخل المحافظ بعناية كبيرة، حتى إذا خرجوا إلى الساحة أعلنوا الحروب المائية والمعارك البيضية والقذائف "القنبولية"، ما يُحَوِّل المؤسسة التعليمية إلى فضاء لترويج الظواهر الغريبة والخطيرة.
أما التلاميذ الرافضون لهذه الألعاب، فيفضلون يوم عاشوراء تعليق دراستهم وعدم الالتحاق بفصولهم الدراسية تفاديا للوقوع في شراك التزمزيم سواء في الطريق إلى المؤسسة التعليمية أو داخلها، الشيء الذي يؤثر سلبا على تحصيلهم بسبب انتشار ظاهرة عجز التعليم عن محاربتها، ولعبت أمامها السلطات دور المتفرج.
رأي الشارع في الظاهرة
وعلى غرار المواضيع المجتمعية، فقد انقسم المصرحون للجريدة حول هذه الظاهرة، إلى فريق يرى أن المسألة لا تعدو أن تكون مجرد فرصة للمرح والتسلية بين الأطفال والجيران، ولا علاقة لها لا بالمعتقدات الخرافية ولا التاريخية، فيما يرى الفريق الثاني أن التراشق بالماء تحول من مجرد لعب إلى انتقام وتحرش واعتداء، يستغله الكثيرون لإلحاق الأذى بغيرهم تحت ذريعة "الاحتفال بماء زمزم".
كما يرى آخرون أن استغلال يوم عاشوراء في تبذير الماء وأذية الآخرين هو أسمى تجليات الغباء والتخلف، متسائلين عن الفائدة من هذه الطقوس الغريبة وأسسها الدينية والدنيوية، خصوصا في الوقت الذي يعرف فيه العالم تطورا تكنولوجيا وعلميا كبيرا، يقابله تخلف وجهل مجتمعي، لا يفرق بين منافع الأشياء وأضرارها، ولا يميز بين سلبيات الأمور وإيجابياتها.
http://www.hespress.com/societe/245128.html
هسبريس - صالح الخزاعي
الأحد 02 نونبر 2014 - 11:00
كلما اقترب اليوم العاشر من شهر محرم الحرام، إلا وبدأ الأطفال والشبان يستعدون للاحتفال بهذا اليوم المشهود بطريقتهم الخاصة، وذلك بإعداد اللوازم الضرورية لقضاء النهار في التراشق بالماء، وتمضية ما تبقى من ساعات الليل في إشعال النيران وسط الأحياء والقفز عليها ورميها بالمفرقعات، مع تأثيث الحفل الناري ببعض الأهازيج الغريبة، رغم ما يحيط بهذه الظواهر المائية والنارية من انتقادات حول أصلها وخطورتها ومساوئها.
التراشق بالماء عبر التاريخ
اختلف المؤرخون في أصل ظاهرة التراشق بالماء يوم عاشوراء، حيث ربطها بعضهم بأحداث تاريخية تتمثل في الحصار الذي ضربه الجيش الأموي على أهل البيت في كربلاء، حيث قطع عليهم الماء حتى اشتد عطشهم وتعبهم، قبل أن يهاجمهم ويقضي عليهم، فاتخذ الناس بعد ذلك مسألة التراشق بالماء تعبيرا عن تضامنهم مع أهل البيت الذين كانوا في أمس الحاجة إلى الماء.
وفي الوقت الذي أنكر البعض هذا التفسير ووصفوه بالمجانب للحقيقة التاريخية، تم ربطُ التراشق بالماء بما عاشه السابقون من اعتقادات تتمثل في ضرورة رش الماء على أموالهم وأكياس زرعهم من أجل نمائها، وعلى ممتلكاتهم ومدخراتهم بهدف حمايتها، وعلى أطفالهم بُغية صونهم وحفظهم من الشياطين والأضرار.
فريق ثالث من الباحثين في هذه الظاهرة أنكر ما سبق وربط المسألة بطقوس دأب اليهود على ممارستها، معتبرين أن الماء كان سببا في نجاة موسى من شر فرعون وجنوده، وهو ما فرض على الأتباع الاحتفال بهذه المادة منذ قرون من خلال تعظيم الماء وتقديسه، إلا أنه مع مرور الوقت تحول الاحتفال إلى تراشق وتسلية.
الواقع المغربي للتزمزيم
دون الإطالة في الأصول التاريخية لظاهرة التراشق بالماء أو ما يطلق عليه الأطفال المغاربة "التزمزيم"، نظرا لكثرة التفسيرات المرتبطة أساسا بتعدد الديانات من جهة، وكثرة زوايا المعالجة للظاهرة من جهة أخرى، إلا أن ما يعرفه المجتمع المغربي الحالي حول الموضوع هو قضاء يوم من التراشق واللعب بالماء والذي يتحول أحيانا إلى الشجار أو الضرب وأحيانا القتل.
يعيش المغاربة بشكل عام والأطفال بشكل خاص يوم عاشوراء، ساعات من التراشق بالماء باستعمال الأواني المنزلية وخراطيم المياه والبالونات والمسدسات المائية، حيث تنطلق هذه التسلية منذ ساعات الصباح حتى مغرب الشمس، وذلك بين سكان الأحياء، وداخل المؤسسات التعليمية، وحتى في المنازل بين الإخوة والأقارب.
أحيانا وبناء على اتفاق مسبق بين أطفال الحي الواحد، يتجند الجميع في إطار عصابة طفولية، تترصد الغرباء عن الحي من المارة والعابرين إلى حال سبيلهم، قبل أن تحكم قبضتها عليهم لإكرامهم بحمام مجاني دون أدنى اعتبار لممتلكاتهم التي قد تتعطل بسبب الماء أو تنجو من هذا الاعتداء العاشوري المفاجئ.
وفي غالب الأحياء، يلجأ الضحايا إلى استعطاف أفراد العصابة من أجل تبليل جزء صغير من الملابس أو الأطراف، إلا أن هذا التفاوض ينتهي عادة بما خطط له المعتدون، والذين تستهويهم التوسلات ولا يأخذونها بعين الاعتبار حتى لو تعلق الأمر بعجوز أو شيخ لا حول لهما ولا قوة، وهو ما يتسبب للضحايا في مشاكل صحية كبيرة.
التراشق بالماء بين التسلية والاعتداء
لا يخلو التراشق بالماء من مخاطر تتفاوت درجتها من حالة إلى أخرى، فأبسطها بَلَلُ الملابس والأوراق المالية منها والإدارية والأجهزة الإلكترونية من هواتف وساعات يدوية، إضافة إلى مشاكل أخرى من قبيل المشادات الكلامية أو تبادل الضرب والجرح بين المعتدي والمعتدى عليه إذا كان هذا الأخير من النوع الذي لا يتقبل المرح ولا يؤمن بزمزم عاشوراء أو غيرها.
محمد شاب سبق أن كان ضحية مزاح خطير في السنة الماضية، حيث صرح للجريدة أنه كان في طريقه إلى مؤسسته التعليمية قبل سنة، وفجأة تهاطلت عليه كمية كبيرة من الماء من إحدى النوافذ، تسببت في اختناقه لبضع ثوان، ولم يسترجع بعدها أنفاسه الطبيعية إلا بمشقة، مضيفا أنه أحس في تلك اللحظة بتوقف الزفير رغم استمراره في الشهيق لبضع ثوان مرت وكأنها ساعات.
عبد الرحمان موظف بإحدى الإدارات، صرح بدوره للجريدة أن التزمزيم تسبب له في إحدى السنوات في مشاكل مهنية كبيرة، بعد أن تبلل ملف إداري مهم كان يحمله في سيارته بهدف نقله إلى إحدى المصالح، كما أضاف أنه لم يأخذ يوم عاشوراء على محمل الجد ولم يتخذ الإجراءات الوقائية اللازمة، وفي مقدمتها إحكام إغلاق نوافذ السيارة تفاديا لهجوم مائي مفاجئ، وهو ما حدث له بالفعل.
أما الدرجة الخطيرة في عملية التراشق بالماء، فقد كانت من نصيب إحدى الشابات التي ظنت أن معرفتها لأبناء الحي ستشفع لها، إلا أنها تفاجأت ببالونة مملوءة بالماء القاطع تنفجر قرب قدميها، حيث تطاير السائل على أطرافها السفلى مخلفا إصابات وحروق خطيرة، ما تطلب نقلها إلى المستشفى لتلقي الإسعافات اللازمة.
زمزم والمؤسسات التعليمية
كلما تزامن يوم عاشوراء مع يوم دراسة إلا واستنفرت المؤسسات التعليمية كل مكوناتها، حيث تعمل الإدارة رفقة الأساتذة والحراس على مراقبة وتتبع التلاميذ طوال اليوم، داخل الفصول الدراسية وفي الساحة ولحظة الخروج من باب المؤسسة، ورغم هذا كله يحدث بين الفينة والأخرى انفلات مائي بين المتمدرسين.
فإلى جانب المفرقعات والشهب الاصطناعية، يلجأ التلاميذ إلى استقدام البيض والبالونات المليئة بالماء، والاحتفاظ بهذا الزاد داخل المحافظ بعناية كبيرة، حتى إذا خرجوا إلى الساحة أعلنوا الحروب المائية والمعارك البيضية والقذائف "القنبولية"، ما يُحَوِّل المؤسسة التعليمية إلى فضاء لترويج الظواهر الغريبة والخطيرة.
أما التلاميذ الرافضون لهذه الألعاب، فيفضلون يوم عاشوراء تعليق دراستهم وعدم الالتحاق بفصولهم الدراسية تفاديا للوقوع في شراك التزمزيم سواء في الطريق إلى المؤسسة التعليمية أو داخلها، الشيء الذي يؤثر سلبا على تحصيلهم بسبب انتشار ظاهرة عجز التعليم عن محاربتها، ولعبت أمامها السلطات دور المتفرج.
رأي الشارع في الظاهرة
وعلى غرار المواضيع المجتمعية، فقد انقسم المصرحون للجريدة حول هذه الظاهرة، إلى فريق يرى أن المسألة لا تعدو أن تكون مجرد فرصة للمرح والتسلية بين الأطفال والجيران، ولا علاقة لها لا بالمعتقدات الخرافية ولا التاريخية، فيما يرى الفريق الثاني أن التراشق بالماء تحول من مجرد لعب إلى انتقام وتحرش واعتداء، يستغله الكثيرون لإلحاق الأذى بغيرهم تحت ذريعة "الاحتفال بماء زمزم".
كما يرى آخرون أن استغلال يوم عاشوراء في تبذير الماء وأذية الآخرين هو أسمى تجليات الغباء والتخلف، متسائلين عن الفائدة من هذه الطقوس الغريبة وأسسها الدينية والدنيوية، خصوصا في الوقت الذي يعرف فيه العالم تطورا تكنولوجيا وعلميا كبيرا، يقابله تخلف وجهل مجتمعي، لا يفرق بين منافع الأشياء وأضرارها، ولا يميز بين سلبيات الأمور وإيجابياتها.
http://www.hespress.com/societe/245128.html