جبار
04-02-2005, 09:36 PM
استقالة و3 جرائم هزت بلاد أصغر جيش في التاريخ
وأحد البابوات قتله مجهول بدق مسمار في رأسه وهو نائم
لندن: كمال قبيسي
http://www.asharqalawsat.com/2005/04/02/images/news.291458.jpg
لو كان على الأرض مقر رئيسي للغموض، لكان عنوانه الفاتيكان بالتأكيد، فليس في العالم طلاسم وألغاز أكثر مما وراء أسوار الحاضرة الفاتيكانية، رغم أنها أصغر الدول، فبالكاد مساحتها 44 كيلومترا وسكانها ألف نسمة.
مع ذلك، فالبابا بعمر 84 سنة ، البولندي كارول ووجتيلا، وهو أول غير إيطالي ينتخب منذ 456 عاما، حين اختاروه للمنصب منذ 27 سنة، كان أكثر بابوات الفاتيكان شفافية على الإطلاق، وأكثرهم بقاء على الكرسي الرسولي في القرن الماضي، ولم يكد يمكث المدة نفسها قبله سوى البابا بيوس الثاني عشر، الرجل الذي بقي على رأس الكنيسة الكاثوليكية 19 سنة و6 أشهر و27 يوما من القرن العشرين.
والغريب أن ووجتيلا، الذي اعتمد اسم يوحنا بولس الثاني، حين تم انتخابه في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 1978 وترسيمه وهو بعمر 58 سنة بعد 3 أيام كأصغر بابا ينتخب منذ 151 عاما والثالث بقاء على سنامة الفاتيكان في تاريخه، كان خليفة لأقل حبر أعظم بقي على الكرسي الرسولي في القرن الماضي، أي الإيطالي ألبينو لوسياني، الذي اعتمد اسم يوحنا الأول يوم انتخابه، ولم يبق على رأس السلطة إلا 33 يوما، تلتها وفاته «فجأة» في 28 سبتمبر (أيلول) 1978 وهو نائم على فراش البابوية.
أما أكثر بابا بلغ به الكبر عتيا وهو في السلطة، فكان ليون الثالث عشر، الرجل الذي امتدت بابويته من القرن 19 إلى أوائل العشرين، وتوفي في 1903 عن 93 عاما، منها 25 سنة تقريبا حبرا أعظم. لكن أحدا لم يسبق البابا الراحل بتطويب عدد القديسين منذ اعتماد التطويب بصورته، بدءا من القرن السادس عشر، فقد طوّب 476 قديسا، بينهم 3 قديسين من لبنان (شربل ونعمة الله الحرديني والقديسة رفقة).
كما عيّن 1314 كاردينالا، بينهم لبنانيان ومصري وسوداني، يزيدون على كل من طوّبهم وعينهم البابوات طوال 5 قرون، وفوق ذلك كله فان يوحنا بولس الثاني كان أكثر من استقبل ضيوفا بمكتبه البابوي في الفاتيكان، فقد كانوا 429 ملكا ورئيس دولة، إضافة إلى 197 رئيس وزراء و192 وزير خارجية، كما تسلم 642 رسالة من سفراء دول معتمدين في الحاضرة، كما يقال إنه بعث بأكثر من 10 آلاف رسالة إلى الخارج.
ويروون أن أول بابا كان القديس بطرس أو الفلسطيني سمعان، المعروف بأنه كان صياد سمك في بحيرة طبريا، حين اختاره المسيح ضمن 12 تلميذا انتقاهم حواريين، ومن بعدها سافر إلى روما «حيث استمرت بابويته 25 سنة بدءا من العام 42 بعد الميلاد» وفق ما تقول روايات الفاتيكان فقط، حتى مقتله عام 67 بعد الميلاد، وصلبا بطريقة ذلك الزمان في روما القديمة: الرأس إلى أسفل والقدمان مشرّعتان للأعلى بدموية مؤلمة.
يروون أيضا أن الحبر الأعظم استيفان الثاني، كان وما يزال، الرجل الذي أمضى أقصر مدة على الكرسي الرسولي، فقد انتخبوه وبعد 3 أيام توفي في 23 مارس (آذار) عام 752 يوم ترسيمه بالذات، لذلك يختلف مؤرخو الفاتيكان في أمره، فيقول بعضهم إنه لم «يحكم» تماما، فيما زعم آخرون أنه قد يكون حكم لساعة، لذلك توصلوا لحل غريب: وضعوا اسمه بلائحة البابوات ضمن الرقم 92، ولكنهم نسبوا الرقم لخليفته، استيفان الثاني، المنتخب في 26 مارس ذلك العام واستمر 5 سنوات، وبه أصبح المتعاقبون على الكرسي 263 نظريا و264 عمليا، برغم أن بعض البابوات حكم أيضا لمدة قصيرة، كأوربانو السابع الذي استمر 12 يوما عام 1590 وتوفي فجأة. أما مارسيللو الثاني، وهو مارسيللو سيرفيني، فبقي 20 يوما عام 1555 من دون معرفة الأسباب تماما، لأنها ضمن أسرار مطوية بالكتمان الشديد في مخزن غامض وشهير، اسمه أرشيف الفاتيكان.
أما أصغر البابوات فكان عمره 18 سنة حين انتخب عام 955 وهو يوحنا الثاني عشر، الذي أقالوه بعد 9 سنوات لعصيانه أوامر الإمبراطور الروماني، أوتو، وقيل في معلومات أرشيفية إن «رجلا غيورا» قتله من بعدها، من دون شرح للأسباب، أو لمعنى كلمة غيور.
* عامان لانتخاب خليفة
* ويؤرخون أن أكبر مشكلة انتخابية عانت منها الحاضرة بتاريخها كانت حين وفاة البابا الفرنسي، غي فولكس لو غروس، المعتمد يوم ترسيمه لقب كليمنتي الرابع، وكان ذلك حين اجتمع الكرادلة عام 1268 لانتخاب خليفة، لكنهم لم يتوصلوا لنسبة أصوات مطلوبة بجولات وجولات وظلوا في أخذ ورد ومداولات طوال عامين والناس تنتظر ولا ترى إلا دخانا أسود يخرج من مدخنة الفاتيكان بدلا من الأبيض، وهو علامة اختيار حبر أعظم جديد، حتى ضاقت الصدور فهاجت عليهم مظاهرات، تسلل منها غوغاء حملوا الكرادلة بالقوة إلى موقع داخل الفاتيكان كان بلا سقف، والفصل شتاء بارد وممطر، وهناك ألزموهم على البقاء وزودوهم بماء وخبز مع وعيد مرعب: «الواحد منكم لن يخرج من هنا إلا جثة، أو برفقة بابا جديد»، لذلك لم تمر 3 أيام إلا واختاروا الفرنسي تيوبالدو فيسكونتي، المعتمد بعد ترسيمه بعامين في 1272 لقب بياتو غريغوريو العاشر.
والفاتيكان، الذي استقل رسميا عن إيطاليا في 1929 بتوقيع اتفاقية «لاتران» بين بنديتو موسوليني والبابا بيو الحادي عشر ليكون دولة داخل روما المحيطة بها من كل جانب، هو بلاد أصغر جيش في العالم، ويسمونه «الحرس السويسري» لأن أفراده، وهم 100 جندي تماما، سويسريون كاثوليك دائما، وفق مرسوم تأسيسه الساري منذ أصدره البابا جوليو الثاني في 1506 لأمن الحاضرة التي تعيش على تبرعات المسيحيين وبيع الطوابع والتذكارات الدينية والسياحة والمداخيل من ارتياد متاحفها المكتظة بكل ما ندر، إضافة لما تملكه من أرصدة وثروات، لا تكشف حجمها على الإطلاق ومودعة في «بنك الفاتيكان» الشهير، علما بأنها كانت تعتمد العملة الإيطالية كنقد رسمي، وهي اليورو الآن، لكن نشيدها الوطني يختلف، فهو موسيقى فقط بلا كلمات. أما زعيمها البابا فهو الرئيس الوحيد في العالم الذي لا يتقاضى راتبا، ودولته هي الوحيدة التي ليس فيها زواج ولا طلاق ولا مواليد، ولم ترتكب فيها جريمة قتل منذ 156 سنة إلا قبل 7 أعوام فقط.
ويصفون الفاتيكان، وهو اسم مشتق من كلمتي «فاتيك» و«آنوس» اللاتينيتين، وتعنيان «مرتفعات النبوءة»، حيث تم بناء الحاضرة عند تلال كانت تحمل هذا الاسم قبل ألف عام في قلب روما، بأغنى دولة في العالم، مع أنها من الداخل بسيطة لمن لا يعرف غناها الحقيقي، فليس هناك سوى أبنية صمم معظمها فنانون ومعماريون من عصر النهضة الإيطالية، ككنيسة القديس بطرس المحتلة 15 ألف متر مربع وتسع لأكثر من 60 ألف مصل، إضافة إلى «قصر الفاتيكان» وهو مجمعات تضم أكثر من ألف غرفة، إلى جانب مكتبة فيها مليون كتاب، ثم «المتحف الغريغوري» المحتوي على تحف فرعونية نادرة، إضافة إلى دكاكين تبيع البديهيات، ومركز بريد ومحطة تلفزيون تأسست منذ 22 عاما، وفيه مركز اتصالات راق ومطبعة وجريدة «لوبسورفاتوري رومانو» (المراقب الروماني)، التي صدر عددها الأول في 1861 وأصبحت تصدر في 6 لغات كل أسبوع.
كما ان هناك محطة إذاعة يعمل فيها 400 موظف أسسها في 1931 المخترع الإيطالي غوليلمو ماركوني، وهي تبث الآن بأربعين لغة، منها بث متواصل منذ 55 سنة بالعربية. كما ان للفاتيكان جهاز مخابرات يرأسه الآن المطران الإسباني بيدررو لوسيا كينتانيا.
أما الثروة الحقيقية للفاتيكان الذي يزوره 18 مليون سائح وحاج سنويا، فهي استثمارات ببنوك وشركات ومصانع وعقارات في 5 قارات، وكانت بإشراف البابا الذي فقد أمه وهو بعمر 8 سنوات وهي تضع وليدة ماتت قبل الولادة، وبعدها بأعوام توفي أخوه الوحيد إدموند، ثم في 1941 فقد أباه، الجندي بالجيش النمساوي ـ الهنغاري آنذاك.
* استقالة و3 جرائم هزت الفاتيكان
* اهتز الفاتيكان علنيا بالكثير من السلبيات في التاريخ، لكن المعروف من «زلازل» الحاضرة قليل، وأهمه حديثا ما لم تنته ذيوله حتى اليوم، لأن المطالبات بإعادة فتح ملف التحقيق من جديد مستمرة حول جريمة لم تكن على بال أحد، وحدثت أسفل شقة البابا تماما: في ليلة 4 مايو (أيار) 1998 قتل قائد «الحرس السويسري» آلويس إيسترمان وزوجته الفنزويلية، غلاديس روميرو، كما وأحد مساعديه، العريف السويسري في الحرس، سيدريك تورني، بخمس رصاصات تردد صداها تلك الليلة الربيعية في كل أرجاء الدولة الصغيرة، ولم يعترف الفاتيكان بأسبابها الحقيقية، حين أصدر بعد عامين تقريرا ملخصا أقفل به ملف أول جريمة تشهدها الحاضرة منذ 156 سنة.
ما حدث ببساطة هو أن جنديا قتل القائد وزوجته وانتحر «من حالة هلوسة وجنون وهذيان سيطرت عليه»، وفق رواية للفاتيكان لم تقنع أحدا، فكانت هناك تحقيقات مستقلة، أكدت كلها أن الشاب، 23 سنة، لم يكن مهلوسا ولا هاذيا على الإطلاق قبل وحين ارتكب الجريمة داخل شقة قائده الذي يكبره بالعمر 20 عاما تماما.
في تلك الليلة كان يوحنا بولس الثاني يتأمل في غرفته بشؤون دولة يحكمها بابواتها بمبدأ مستمد من قول للقديس أوغسطينو، وكان أحد الآباء الكبار: «اعمل كأن كل شيء يتوقف عليك، وابتهل كأن كل شيء يتوقف على الله» أي ما ملخصه «اعقلها وتوكل» تقريبا.
كان البابا وقتها في شقته يرتاح، لكن سكرتيره الخاص، المطران غيهل، دخل عليه وركع وقبّل ركبتيه وهو حائر كيف يجد وسيلة ليخبره. لكنه لملم بعضه وقال: «أيها الحبر الأعظم، لقد حدث أمر مرعب هنا في الفاتيكان الليلة.. لقد قتل أحدهم الضابط إيسترمان».
ظل البابا صامتا كأنه ما سمع شيئا، إنما بدت عليه ملامح شرود، وكأنه استرجع في تلك اللحظة خطبة ألقاها بالحرس قبل أيام، وفي نهايتها قال: «لا تخشوا قاتلا للجسد إذا ما كان غير قادر على قتل الروح، بل اخشوا الذين يحاولون قتل الروح والجسد معا». لذلك لم تدمع عيناه، وهو المعروف بحساسيته المفرطة، لأنه كان يعلم بشذوذية العلاقة بين الجندي المنتحر وقائده القتيل مع زوجته، وفق ما أكدته تحقيقات مستقلة في ما بعد. وكان صمته حين سمع النبأ علامة على التعقل، لكنه مضى وحيدا من بعدها إلى المحراب فابتهل وصلى، وتضرع أن يبعد الله الفاتيكان «عن الوقوع في التجربة» بحسب تعبيره حين صلى بعد 3 أيام على الضحيتين وقاتلهما المنتحر.
وتؤكد التحقيقات المستقلة أن البابا كان يعرف طبيعة العلاقة بين الجندي، المنضم للحرس قبل الجريمة بستة أشهر، وقائده الذي انضم إليه قبل 18 عاما، كان في نصفها الأخير نائبا للقائد السابق، السويسري رونالد بوش، المعروف بأنه استقال في أواخر 1997 وتسلم القائد القتيل المنصب عنه مؤقتا من دون أن يثبته البابا كقائد للحرس طوال 7 أشهر، حتى تلقى مرسوما بابويا بالتثبيت، فمضى مع زوجته العاملة بسفارة فنزويلا لدى الفاتيكان، ليحتفل تلك الليلة بالترقية قائدا راتبه 3 آلاف دولار، بينما راتب جندي الحرس، المرتدي دائما بزة صممها النحات الإيطالي الشهير، مايكل آنجلو، لا يتجاوز ألف دولار شهريا، وهو ملزم بالسكن في الحاضرة، لا يغادرها إلا بإذن رسمي يصعب الحصول عليه إجمالا.
حين كان قائد الحرس، آلويس إيسترمان، يحتفل بالترقية مع زوجته، دق العريف سيدريك تورني الباب، ودخل يهنئ قائده. لكنه بدلا من أن يحمل هدية للمناسبة، قام وشهر مسدسا نصف أوتوماتيكي يستخدمه معظم أفراد الحرس، وعاجله بثلاث رصاصات، والتفت بعدها إلى الزوجة ولمحها تحاول الهرب فأرداها برصاصة، ولم يبق في مسدسه إلا رصاصتان، فقام من بعدها بإنهاء الدراما على طريقته الخاصة: جلس على مقعد وأطلق في صدغه رصاصة كانت الحاسمة.
تلك الجريمة لم تكن أول ما اهتز له الفاتيكان، ففي يناير (كانون الثاني) 1998 قتل أحد «نبلاء» الحاضرة داخل شقته في روما بالرصاص أيضا، وفي حدث عزت الشرطة الإيطالية أسبابه بأنها «كانت لدوافع شذوذية» ولم يتم اعتقال القاتل، فأقفلوا الملف.
* عملية تهريب تكلف 147 قتيلا
* وقبلها، أي في العام 1959 تماما، وخلال ترسيم البابا يوحنا الحادي والعشرين، أطلق الجندي بالحرس السويسري، أدولف روكر، الرصاص على قائده، وهو مواطنه روبرت نوينليست، ثم حاول الانتحار كتورني تماما، لكنه فشل باغتيال قائد الحرس، واقتصرت الأمور على خروج الرجلين جريحين، ثم أقفلوا الملف أيضا، ومن دون شرح يلبي الفضول.
وأول جريمة قتل حدثت بالفاتيكان كانت في 1848 حين كان كونت بيلليغرينو روسي رئيسا لوزراء البابا بيوس التاسع، حيث هاجت انتفاضة من متحمسين لتوحيد إيطاليا، ومزق من داهموا الفاتيكان الرجل بوحشية، وتفاصيل ما حدث ظل غامض الملابسات.
وقبلها بثلاثة قرون، قام الحرس السويسري في 1527 بتهريب البابا كليمنتي السابع وسط سطو جماعي استهدف روما من قبل الألمان، فكلف إنقاذه 147 قتيلا من الطرفين، وجرت الدماء شآبيب مع الحرائق داخل الفاتيكان، وتم تهريب الحبر الأعظم آنذاك من سرداب ما زال إلى الآن يربط ساحة القديس بطرس بقصر سان انجلو الشهير في روما.
يشككون أيضا بأن يوحنا بولس الأول، سلف البابا الراحل أمس، قضى بالسم من قبل عناصر في «مجمع الكرادلة»، لأن يوحنا بولس الأول أراد التحقيق بفضيحة شهيرة طالت بنك الفاتيكان وما زالت تعلق بالدولة للآن، وتفاصيلها معقدة حتى على صحف إيطالية تتطرق إليها من حين لآخر.
* سلاح الجريمة.. مسمار
* لكن أكثر ما هز الفاتيكان طوال تاريخه هو الاستقالة الوحيدة التي قام بها أحد البابوات، ولم يتسن للكاثوليكية أن تتقبلها حتى اليوم، باعتبار أن البابا، وهي كلمة مستمدة من اليونانية وتعني الأب، هو بالمفهوم الكنسي معصوم عن الخطأ وهو نائب المسيح وخليفة القديس بطرس ورئيس الفاتيكان وخادم سدنة الرب وبطريرك الغرب وأسقف روما، ومنصبه مقرر من المسيح سلفا. لكن سلستينو الخامس فعلها بعد انتخابه في يوليو (تموز) 1284 بستة أشهر واستقال «لاكتشافه أمراء وعناصر كنسيين يتآمرون على حياته» وفق رواية للفاتيكان، لم تشف غضب معاصريه أو تخفف مما ألم بهم من سخط، حمل حتى معاصره في ذلك الزمان، وهو شاعر إيطاليا الأكبر، دانتي ألليغيري، على أن يضعه بين سكان الجحيم في ملحمته «جحيم دانتي» لشدة ما اغتاظ من استقالته.
وتمضي الرواية فتقول إنه مضى بعد الاستقالة وعاش منعزلا «حتى وفاته بالتهاب في منتصف 1296 وحيدا». لكن باحثين لاهوتيين، من مسقط رأسه بمدينة «لاكيلا» الإيطالية، اكتشفا قبل 7 سنوات ما يناقض رواية الفاتيكان بالمرة، حين أجريا فحصا بأشعة إكس وغيرها على جمجمة الرجل الذي تم تطويبه قديسا بعد وفاته بحوالي 17 عاما، ووجدا فيها عند الصدغ ثقبا عميقا «اتضح من الاختبارات أنه من مسمار غرزه مجهول برأسه وهو نائم» وفق ما شرحه الباحثان، الأب دي ماتيس والأب كيرينو سالوموني، رئيس مركز الدراسات اللاهوتية في «لاكيلا» بكتاب ضخم عن «الاستقالة المزعومة» أصدراه قبل 5 سنوات، وفيه أن البابا سلستينو الخامس لم يعش منعزلا في صومعة بعد استقالته «بل قتل بمسمار داخل سجن انفرادي زجه فيه بونيفاسيو الثالث عشر، المسؤول الأول عن استقالته» بحسب ما أورده الباحثان.
ولم يكن بونيفاسيو الثالث عشر سوى من انتخبوه خليفة للمستقيل، والشهير بنظرية غريبة تقول، إن منصب البابوية هو «قوة كونية منذ الأزل» وإن من يمس أملاك الكنيسة «يجب تدميره على الأرض، كما في السماء» ولهذا اقتحمت بلدة أنياني الإيطالية قوة من الجيش الفرنسي حين كان هناك، وزجته في السجن 3 أيام، ومن بعدها نقلوه إلى سجن في روما، ووراء قضبان زنزانة انفرادية مات بعمر 86 سنة منذ 7 قرون.
وأحد البابوات قتله مجهول بدق مسمار في رأسه وهو نائم
لندن: كمال قبيسي
http://www.asharqalawsat.com/2005/04/02/images/news.291458.jpg
لو كان على الأرض مقر رئيسي للغموض، لكان عنوانه الفاتيكان بالتأكيد، فليس في العالم طلاسم وألغاز أكثر مما وراء أسوار الحاضرة الفاتيكانية، رغم أنها أصغر الدول، فبالكاد مساحتها 44 كيلومترا وسكانها ألف نسمة.
مع ذلك، فالبابا بعمر 84 سنة ، البولندي كارول ووجتيلا، وهو أول غير إيطالي ينتخب منذ 456 عاما، حين اختاروه للمنصب منذ 27 سنة، كان أكثر بابوات الفاتيكان شفافية على الإطلاق، وأكثرهم بقاء على الكرسي الرسولي في القرن الماضي، ولم يكد يمكث المدة نفسها قبله سوى البابا بيوس الثاني عشر، الرجل الذي بقي على رأس الكنيسة الكاثوليكية 19 سنة و6 أشهر و27 يوما من القرن العشرين.
والغريب أن ووجتيلا، الذي اعتمد اسم يوحنا بولس الثاني، حين تم انتخابه في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 1978 وترسيمه وهو بعمر 58 سنة بعد 3 أيام كأصغر بابا ينتخب منذ 151 عاما والثالث بقاء على سنامة الفاتيكان في تاريخه، كان خليفة لأقل حبر أعظم بقي على الكرسي الرسولي في القرن الماضي، أي الإيطالي ألبينو لوسياني، الذي اعتمد اسم يوحنا الأول يوم انتخابه، ولم يبق على رأس السلطة إلا 33 يوما، تلتها وفاته «فجأة» في 28 سبتمبر (أيلول) 1978 وهو نائم على فراش البابوية.
أما أكثر بابا بلغ به الكبر عتيا وهو في السلطة، فكان ليون الثالث عشر، الرجل الذي امتدت بابويته من القرن 19 إلى أوائل العشرين، وتوفي في 1903 عن 93 عاما، منها 25 سنة تقريبا حبرا أعظم. لكن أحدا لم يسبق البابا الراحل بتطويب عدد القديسين منذ اعتماد التطويب بصورته، بدءا من القرن السادس عشر، فقد طوّب 476 قديسا، بينهم 3 قديسين من لبنان (شربل ونعمة الله الحرديني والقديسة رفقة).
كما عيّن 1314 كاردينالا، بينهم لبنانيان ومصري وسوداني، يزيدون على كل من طوّبهم وعينهم البابوات طوال 5 قرون، وفوق ذلك كله فان يوحنا بولس الثاني كان أكثر من استقبل ضيوفا بمكتبه البابوي في الفاتيكان، فقد كانوا 429 ملكا ورئيس دولة، إضافة إلى 197 رئيس وزراء و192 وزير خارجية، كما تسلم 642 رسالة من سفراء دول معتمدين في الحاضرة، كما يقال إنه بعث بأكثر من 10 آلاف رسالة إلى الخارج.
ويروون أن أول بابا كان القديس بطرس أو الفلسطيني سمعان، المعروف بأنه كان صياد سمك في بحيرة طبريا، حين اختاره المسيح ضمن 12 تلميذا انتقاهم حواريين، ومن بعدها سافر إلى روما «حيث استمرت بابويته 25 سنة بدءا من العام 42 بعد الميلاد» وفق ما تقول روايات الفاتيكان فقط، حتى مقتله عام 67 بعد الميلاد، وصلبا بطريقة ذلك الزمان في روما القديمة: الرأس إلى أسفل والقدمان مشرّعتان للأعلى بدموية مؤلمة.
يروون أيضا أن الحبر الأعظم استيفان الثاني، كان وما يزال، الرجل الذي أمضى أقصر مدة على الكرسي الرسولي، فقد انتخبوه وبعد 3 أيام توفي في 23 مارس (آذار) عام 752 يوم ترسيمه بالذات، لذلك يختلف مؤرخو الفاتيكان في أمره، فيقول بعضهم إنه لم «يحكم» تماما، فيما زعم آخرون أنه قد يكون حكم لساعة، لذلك توصلوا لحل غريب: وضعوا اسمه بلائحة البابوات ضمن الرقم 92، ولكنهم نسبوا الرقم لخليفته، استيفان الثاني، المنتخب في 26 مارس ذلك العام واستمر 5 سنوات، وبه أصبح المتعاقبون على الكرسي 263 نظريا و264 عمليا، برغم أن بعض البابوات حكم أيضا لمدة قصيرة، كأوربانو السابع الذي استمر 12 يوما عام 1590 وتوفي فجأة. أما مارسيللو الثاني، وهو مارسيللو سيرفيني، فبقي 20 يوما عام 1555 من دون معرفة الأسباب تماما، لأنها ضمن أسرار مطوية بالكتمان الشديد في مخزن غامض وشهير، اسمه أرشيف الفاتيكان.
أما أصغر البابوات فكان عمره 18 سنة حين انتخب عام 955 وهو يوحنا الثاني عشر، الذي أقالوه بعد 9 سنوات لعصيانه أوامر الإمبراطور الروماني، أوتو، وقيل في معلومات أرشيفية إن «رجلا غيورا» قتله من بعدها، من دون شرح للأسباب، أو لمعنى كلمة غيور.
* عامان لانتخاب خليفة
* ويؤرخون أن أكبر مشكلة انتخابية عانت منها الحاضرة بتاريخها كانت حين وفاة البابا الفرنسي، غي فولكس لو غروس، المعتمد يوم ترسيمه لقب كليمنتي الرابع، وكان ذلك حين اجتمع الكرادلة عام 1268 لانتخاب خليفة، لكنهم لم يتوصلوا لنسبة أصوات مطلوبة بجولات وجولات وظلوا في أخذ ورد ومداولات طوال عامين والناس تنتظر ولا ترى إلا دخانا أسود يخرج من مدخنة الفاتيكان بدلا من الأبيض، وهو علامة اختيار حبر أعظم جديد، حتى ضاقت الصدور فهاجت عليهم مظاهرات، تسلل منها غوغاء حملوا الكرادلة بالقوة إلى موقع داخل الفاتيكان كان بلا سقف، والفصل شتاء بارد وممطر، وهناك ألزموهم على البقاء وزودوهم بماء وخبز مع وعيد مرعب: «الواحد منكم لن يخرج من هنا إلا جثة، أو برفقة بابا جديد»، لذلك لم تمر 3 أيام إلا واختاروا الفرنسي تيوبالدو فيسكونتي، المعتمد بعد ترسيمه بعامين في 1272 لقب بياتو غريغوريو العاشر.
والفاتيكان، الذي استقل رسميا عن إيطاليا في 1929 بتوقيع اتفاقية «لاتران» بين بنديتو موسوليني والبابا بيو الحادي عشر ليكون دولة داخل روما المحيطة بها من كل جانب، هو بلاد أصغر جيش في العالم، ويسمونه «الحرس السويسري» لأن أفراده، وهم 100 جندي تماما، سويسريون كاثوليك دائما، وفق مرسوم تأسيسه الساري منذ أصدره البابا جوليو الثاني في 1506 لأمن الحاضرة التي تعيش على تبرعات المسيحيين وبيع الطوابع والتذكارات الدينية والسياحة والمداخيل من ارتياد متاحفها المكتظة بكل ما ندر، إضافة لما تملكه من أرصدة وثروات، لا تكشف حجمها على الإطلاق ومودعة في «بنك الفاتيكان» الشهير، علما بأنها كانت تعتمد العملة الإيطالية كنقد رسمي، وهي اليورو الآن، لكن نشيدها الوطني يختلف، فهو موسيقى فقط بلا كلمات. أما زعيمها البابا فهو الرئيس الوحيد في العالم الذي لا يتقاضى راتبا، ودولته هي الوحيدة التي ليس فيها زواج ولا طلاق ولا مواليد، ولم ترتكب فيها جريمة قتل منذ 156 سنة إلا قبل 7 أعوام فقط.
ويصفون الفاتيكان، وهو اسم مشتق من كلمتي «فاتيك» و«آنوس» اللاتينيتين، وتعنيان «مرتفعات النبوءة»، حيث تم بناء الحاضرة عند تلال كانت تحمل هذا الاسم قبل ألف عام في قلب روما، بأغنى دولة في العالم، مع أنها من الداخل بسيطة لمن لا يعرف غناها الحقيقي، فليس هناك سوى أبنية صمم معظمها فنانون ومعماريون من عصر النهضة الإيطالية، ككنيسة القديس بطرس المحتلة 15 ألف متر مربع وتسع لأكثر من 60 ألف مصل، إضافة إلى «قصر الفاتيكان» وهو مجمعات تضم أكثر من ألف غرفة، إلى جانب مكتبة فيها مليون كتاب، ثم «المتحف الغريغوري» المحتوي على تحف فرعونية نادرة، إضافة إلى دكاكين تبيع البديهيات، ومركز بريد ومحطة تلفزيون تأسست منذ 22 عاما، وفيه مركز اتصالات راق ومطبعة وجريدة «لوبسورفاتوري رومانو» (المراقب الروماني)، التي صدر عددها الأول في 1861 وأصبحت تصدر في 6 لغات كل أسبوع.
كما ان هناك محطة إذاعة يعمل فيها 400 موظف أسسها في 1931 المخترع الإيطالي غوليلمو ماركوني، وهي تبث الآن بأربعين لغة، منها بث متواصل منذ 55 سنة بالعربية. كما ان للفاتيكان جهاز مخابرات يرأسه الآن المطران الإسباني بيدررو لوسيا كينتانيا.
أما الثروة الحقيقية للفاتيكان الذي يزوره 18 مليون سائح وحاج سنويا، فهي استثمارات ببنوك وشركات ومصانع وعقارات في 5 قارات، وكانت بإشراف البابا الذي فقد أمه وهو بعمر 8 سنوات وهي تضع وليدة ماتت قبل الولادة، وبعدها بأعوام توفي أخوه الوحيد إدموند، ثم في 1941 فقد أباه، الجندي بالجيش النمساوي ـ الهنغاري آنذاك.
* استقالة و3 جرائم هزت الفاتيكان
* اهتز الفاتيكان علنيا بالكثير من السلبيات في التاريخ، لكن المعروف من «زلازل» الحاضرة قليل، وأهمه حديثا ما لم تنته ذيوله حتى اليوم، لأن المطالبات بإعادة فتح ملف التحقيق من جديد مستمرة حول جريمة لم تكن على بال أحد، وحدثت أسفل شقة البابا تماما: في ليلة 4 مايو (أيار) 1998 قتل قائد «الحرس السويسري» آلويس إيسترمان وزوجته الفنزويلية، غلاديس روميرو، كما وأحد مساعديه، العريف السويسري في الحرس، سيدريك تورني، بخمس رصاصات تردد صداها تلك الليلة الربيعية في كل أرجاء الدولة الصغيرة، ولم يعترف الفاتيكان بأسبابها الحقيقية، حين أصدر بعد عامين تقريرا ملخصا أقفل به ملف أول جريمة تشهدها الحاضرة منذ 156 سنة.
ما حدث ببساطة هو أن جنديا قتل القائد وزوجته وانتحر «من حالة هلوسة وجنون وهذيان سيطرت عليه»، وفق رواية للفاتيكان لم تقنع أحدا، فكانت هناك تحقيقات مستقلة، أكدت كلها أن الشاب، 23 سنة، لم يكن مهلوسا ولا هاذيا على الإطلاق قبل وحين ارتكب الجريمة داخل شقة قائده الذي يكبره بالعمر 20 عاما تماما.
في تلك الليلة كان يوحنا بولس الثاني يتأمل في غرفته بشؤون دولة يحكمها بابواتها بمبدأ مستمد من قول للقديس أوغسطينو، وكان أحد الآباء الكبار: «اعمل كأن كل شيء يتوقف عليك، وابتهل كأن كل شيء يتوقف على الله» أي ما ملخصه «اعقلها وتوكل» تقريبا.
كان البابا وقتها في شقته يرتاح، لكن سكرتيره الخاص، المطران غيهل، دخل عليه وركع وقبّل ركبتيه وهو حائر كيف يجد وسيلة ليخبره. لكنه لملم بعضه وقال: «أيها الحبر الأعظم، لقد حدث أمر مرعب هنا في الفاتيكان الليلة.. لقد قتل أحدهم الضابط إيسترمان».
ظل البابا صامتا كأنه ما سمع شيئا، إنما بدت عليه ملامح شرود، وكأنه استرجع في تلك اللحظة خطبة ألقاها بالحرس قبل أيام، وفي نهايتها قال: «لا تخشوا قاتلا للجسد إذا ما كان غير قادر على قتل الروح، بل اخشوا الذين يحاولون قتل الروح والجسد معا». لذلك لم تدمع عيناه، وهو المعروف بحساسيته المفرطة، لأنه كان يعلم بشذوذية العلاقة بين الجندي المنتحر وقائده القتيل مع زوجته، وفق ما أكدته تحقيقات مستقلة في ما بعد. وكان صمته حين سمع النبأ علامة على التعقل، لكنه مضى وحيدا من بعدها إلى المحراب فابتهل وصلى، وتضرع أن يبعد الله الفاتيكان «عن الوقوع في التجربة» بحسب تعبيره حين صلى بعد 3 أيام على الضحيتين وقاتلهما المنتحر.
وتؤكد التحقيقات المستقلة أن البابا كان يعرف طبيعة العلاقة بين الجندي، المنضم للحرس قبل الجريمة بستة أشهر، وقائده الذي انضم إليه قبل 18 عاما، كان في نصفها الأخير نائبا للقائد السابق، السويسري رونالد بوش، المعروف بأنه استقال في أواخر 1997 وتسلم القائد القتيل المنصب عنه مؤقتا من دون أن يثبته البابا كقائد للحرس طوال 7 أشهر، حتى تلقى مرسوما بابويا بالتثبيت، فمضى مع زوجته العاملة بسفارة فنزويلا لدى الفاتيكان، ليحتفل تلك الليلة بالترقية قائدا راتبه 3 آلاف دولار، بينما راتب جندي الحرس، المرتدي دائما بزة صممها النحات الإيطالي الشهير، مايكل آنجلو، لا يتجاوز ألف دولار شهريا، وهو ملزم بالسكن في الحاضرة، لا يغادرها إلا بإذن رسمي يصعب الحصول عليه إجمالا.
حين كان قائد الحرس، آلويس إيسترمان، يحتفل بالترقية مع زوجته، دق العريف سيدريك تورني الباب، ودخل يهنئ قائده. لكنه بدلا من أن يحمل هدية للمناسبة، قام وشهر مسدسا نصف أوتوماتيكي يستخدمه معظم أفراد الحرس، وعاجله بثلاث رصاصات، والتفت بعدها إلى الزوجة ولمحها تحاول الهرب فأرداها برصاصة، ولم يبق في مسدسه إلا رصاصتان، فقام من بعدها بإنهاء الدراما على طريقته الخاصة: جلس على مقعد وأطلق في صدغه رصاصة كانت الحاسمة.
تلك الجريمة لم تكن أول ما اهتز له الفاتيكان، ففي يناير (كانون الثاني) 1998 قتل أحد «نبلاء» الحاضرة داخل شقته في روما بالرصاص أيضا، وفي حدث عزت الشرطة الإيطالية أسبابه بأنها «كانت لدوافع شذوذية» ولم يتم اعتقال القاتل، فأقفلوا الملف.
* عملية تهريب تكلف 147 قتيلا
* وقبلها، أي في العام 1959 تماما، وخلال ترسيم البابا يوحنا الحادي والعشرين، أطلق الجندي بالحرس السويسري، أدولف روكر، الرصاص على قائده، وهو مواطنه روبرت نوينليست، ثم حاول الانتحار كتورني تماما، لكنه فشل باغتيال قائد الحرس، واقتصرت الأمور على خروج الرجلين جريحين، ثم أقفلوا الملف أيضا، ومن دون شرح يلبي الفضول.
وأول جريمة قتل حدثت بالفاتيكان كانت في 1848 حين كان كونت بيلليغرينو روسي رئيسا لوزراء البابا بيوس التاسع، حيث هاجت انتفاضة من متحمسين لتوحيد إيطاليا، ومزق من داهموا الفاتيكان الرجل بوحشية، وتفاصيل ما حدث ظل غامض الملابسات.
وقبلها بثلاثة قرون، قام الحرس السويسري في 1527 بتهريب البابا كليمنتي السابع وسط سطو جماعي استهدف روما من قبل الألمان، فكلف إنقاذه 147 قتيلا من الطرفين، وجرت الدماء شآبيب مع الحرائق داخل الفاتيكان، وتم تهريب الحبر الأعظم آنذاك من سرداب ما زال إلى الآن يربط ساحة القديس بطرس بقصر سان انجلو الشهير في روما.
يشككون أيضا بأن يوحنا بولس الأول، سلف البابا الراحل أمس، قضى بالسم من قبل عناصر في «مجمع الكرادلة»، لأن يوحنا بولس الأول أراد التحقيق بفضيحة شهيرة طالت بنك الفاتيكان وما زالت تعلق بالدولة للآن، وتفاصيلها معقدة حتى على صحف إيطالية تتطرق إليها من حين لآخر.
* سلاح الجريمة.. مسمار
* لكن أكثر ما هز الفاتيكان طوال تاريخه هو الاستقالة الوحيدة التي قام بها أحد البابوات، ولم يتسن للكاثوليكية أن تتقبلها حتى اليوم، باعتبار أن البابا، وهي كلمة مستمدة من اليونانية وتعني الأب، هو بالمفهوم الكنسي معصوم عن الخطأ وهو نائب المسيح وخليفة القديس بطرس ورئيس الفاتيكان وخادم سدنة الرب وبطريرك الغرب وأسقف روما، ومنصبه مقرر من المسيح سلفا. لكن سلستينو الخامس فعلها بعد انتخابه في يوليو (تموز) 1284 بستة أشهر واستقال «لاكتشافه أمراء وعناصر كنسيين يتآمرون على حياته» وفق رواية للفاتيكان، لم تشف غضب معاصريه أو تخفف مما ألم بهم من سخط، حمل حتى معاصره في ذلك الزمان، وهو شاعر إيطاليا الأكبر، دانتي ألليغيري، على أن يضعه بين سكان الجحيم في ملحمته «جحيم دانتي» لشدة ما اغتاظ من استقالته.
وتمضي الرواية فتقول إنه مضى بعد الاستقالة وعاش منعزلا «حتى وفاته بالتهاب في منتصف 1296 وحيدا». لكن باحثين لاهوتيين، من مسقط رأسه بمدينة «لاكيلا» الإيطالية، اكتشفا قبل 7 سنوات ما يناقض رواية الفاتيكان بالمرة، حين أجريا فحصا بأشعة إكس وغيرها على جمجمة الرجل الذي تم تطويبه قديسا بعد وفاته بحوالي 17 عاما، ووجدا فيها عند الصدغ ثقبا عميقا «اتضح من الاختبارات أنه من مسمار غرزه مجهول برأسه وهو نائم» وفق ما شرحه الباحثان، الأب دي ماتيس والأب كيرينو سالوموني، رئيس مركز الدراسات اللاهوتية في «لاكيلا» بكتاب ضخم عن «الاستقالة المزعومة» أصدراه قبل 5 سنوات، وفيه أن البابا سلستينو الخامس لم يعش منعزلا في صومعة بعد استقالته «بل قتل بمسمار داخل سجن انفرادي زجه فيه بونيفاسيو الثالث عشر، المسؤول الأول عن استقالته» بحسب ما أورده الباحثان.
ولم يكن بونيفاسيو الثالث عشر سوى من انتخبوه خليفة للمستقيل، والشهير بنظرية غريبة تقول، إن منصب البابوية هو «قوة كونية منذ الأزل» وإن من يمس أملاك الكنيسة «يجب تدميره على الأرض، كما في السماء» ولهذا اقتحمت بلدة أنياني الإيطالية قوة من الجيش الفرنسي حين كان هناك، وزجته في السجن 3 أيام، ومن بعدها نقلوه إلى سجن في روما، ووراء قضبان زنزانة انفرادية مات بعمر 86 سنة منذ 7 قرون.