الغول سعيد
10-03-2014, 01:32 AM
على تخوم الجهاد
http://www.alqabas.com.kw:82//sites/default/files/imagecache/Horizontal_Top_News/article/main/2014/10/02/593959.gif
جنود اتراك يقفون عند نقطة تفتيش بالقرب من الحدود مع سوريا في محافظة سانليورفا (ا ب)
■ سياسة الحدود التركية المفتوحة استفاد منها الجهاديون
■ مافيا إسطنبول أدخلت الجهاديين بمساعدة المخابرات التركية
■ رحلات بحرية لمهاجرين سوريين من تركيا تقدر إيراداتها بــ 70 مليون دولار
ريمي أوردان (لوموند) -ترجمة وإعداد سليمة لبال
تقع منطقة الاتصال الوحيدة بين الجهاديين في سوريا والعالم الخارجي على الحدود التركية، وقد تحولت هذه المنطقة الى مملكة للحروب من كل نوع.
يرفرف العلم الأسود (علم «داعش») في تل أبيض، القرية السورية على الحدود، وتقابلها في الجهة الثانية مدينة أكاكال التركية، لكن قراصنة الشرق الأوسط، الذين رفعوا راية الجهاد وسخروا من الدول واغتالوا واستباحوا دم الشعوب وأصبحوا يتحدون الدول الغربية التي تشن حربا ضدهم، هؤلاء لا اثر لهم خلف الاسلاك الشائكة والنقاط العسكرية التابعة للجيش التركي، غير ان علمهم الذي يرفرف بفخر يتحدث عنهم.
يفرض «داعش» نفوذه على المناطق التي بسط سيطرته عليها في كل من العراق وسوريا، لكن ليس له نفوذ على الحدود واما الحدود الوحيدة غير المعترف بها بين الدولة الاسلامية والعالم الخارجي فهي هنا على الحدود التركية.
التحق الجهاديون الاجانب بــ «داعش» عبر مدينتي سانليورفا وأكاكال التركيتين، اللتين تعدان المنطقتين الرئيسيتين اللتين تستخدمهما الدولة لادخال شبكاتها الخارجية للمنطقة.
لقد أصبحت هذه المنطقة معقلا للتهريب، حيث تتم عمليات شراء الاسلحة وتزوير الوثائق والسيارات وبيع البترول، باختصار تحول هذا المكان إلى مركز لـــ «بزنس الحرب» ووجهة للمغامرين من كل صوب وحدب، هنا نجد المهربين والمافيا والجواسيس الاتراك والاجانب والمقاتلين الاسلاميين والصحافيين والنشطاء في المجال الانساني والاغاثي وبعض من لم تتبين اهدافهم ممن يتحركون سرا مثلما يحدث غالبا حين تطول النزاعات.
في الجانب السوري، وعلى الاراضي التي سيطر عليها ابو بكر البغدادي في ربيع 2013 ، اعلن هذا الجهادي العراقي نفسه خليفة للمسلمين في 29 يونيو الماضي، واما في الجانب الآخر، فهناك دولة تركية انتهجت سياسة «الحدود المفتوحة» بهدف مساعدة المعارضة السورية ضد دكتاتورية دمشق ،حيث استقبلت 1.3 مليون لاجئ ، لكن هذه السياسة استفاد منها الجهاديون.
وبينهما انقسمت المعارضة السورية سياسيا وعسكريا على طول الحدود، بسبب تعدد فصائلها وقياداتها، ترى في التدخل الاجنبي ضد الدولة الاسلامية، فرصة مناسبة لتصحيح مسارها.
يعرف أبو ليث (سوري)، وهو اسم مستعار، هذه الحدود جيدا، فطيلة عام كامل والى غاية الايام الاخيرة، عمل في كل اشكال التهريب من نقل الجهاديين الى تزوير جوازات السفر، لكن اختصاصه الاصلي هو السلاح.
كل شيء بدأ في احد الفنادق البائسة التي يتردد عليها المهربون على طول الحدود، لكن اشهر هذه الفنادق هو باريس في محافظة كلس قبل ان تصبح بلدة أكاكال بوابة داعش على تركيا.
◄ مافيا اسطنبول
يقول أبو ليث «لقد التقيت شخصا يدعى «س»، أنه تركي من مافيا اسطنبول. لقد حارب في الشيشان، ويملك جواز سفر روسي. وقال لي إنه علينا ان ندخل 5000 مقاتل اجنبي لمصلحة داعش الى سوريا، وبأن العملية تحت حماية الاستخبارات التركية. لقد طمأنني وأكد لي بأن ليس هناك ما يدعو للقلق».
وصل إذن رجلان من القوقاز لترتيب وتنظيم عملية مرور الجهاديين ونقل الاسلحة وفق ابو ليث الذي يضيف «احدهما قدم نفسه بصفته ابن عم عمر الشيشاني».
والاسم الحقيقي لعمر الشيشاني هو تاركان باتيراسفيلي، وهو في الحقيقة جورجي أصبح قائدا عسكريا له نفوذ كبير في داعش.
ويقول ابو ليث «مع السيد «س»، أصبح هذان الرجلان حلقة الوصل بين الاستخبارات التركية وجهاديي روسيا والقوقاز. كان علي ان أشتري الاسلحة لكتائب تابعة للجيش السوري الحر، واسلمها لهم في الاراضي السورية، كلما وصل مقاتلون جدد».
لكن أول عملية شارك فيها ابو ليث تمت وقائعها في الجانب السوري في أطمة مقابل مدينة ريحانلي التركية، وعنها يقول أبو ليث «لقد وصل المئات من المقاتلين القوقاز والشيشان عبر اسطنبول، وقد تم تفريقهم على فنادق مدن غازي عنتب وكلس وريحانلي، وكان السيد «س» يحمي ويرعى تحركاتهم في تركيا، فيما كان مديرو الفنادق مثله، مرتبطون جميعهم بالاستخبارات التركية.
اقام ابو ليث هو الآخر في أحد فنادق الجهاديين في وقت منحه المنظمان القوقازيان المال ومهلة خمسة ايام لينتظرهما في الجانب السوري من الحدود مع السلاح.
لم يكونا يرغبان في غير السلاح الروسي، وقد تم الاتفاق على 100 الف دولار مقابل العتاد. ويؤكد انه ربح 20 الف دولار خلال هذه العملية، ويجهل ما ربحه السيد «س»، ولا المبلغ الذي حوله للاستخبارات التركية».
◄ شعور بالذنب
تملك الشك أبو ليث بعد عدة شهور، وأصبح يشعر بالذنب وتأنيب الضمير، انه بالفعل تاجر سلاح، لكنه سوري أيضا يناصر الثورة «لقد اردت مساعدتهم على القتال اكثر من ممارسة تجارتي، لكن شيئا فشيئا، شعرت بأن الامور انقلبت، من جهة لأنهم يقاتلون الثوار السوريين، وليس نظام دمشق، ومن جهة اخرى، لانه بدا لي بأن مختلف فروع الاستخبارات التركية لم تكن بالضرورة على اتفاق مع ما كان يقوم به فرع السيد س مع الجهاديين. والمشكل هو انه كان يصعب علي التوقف عن العمل مع هؤلاء بعدما بدأت معهم المهمة».
وحتى لا يساهم في اضعاف الثوار لمصلحة النظام الفاسد، تخلى ابو ليث عن تهريب السلاح، وتخصص في تزوير بطاقات الهوية وجوازات السفر، وقد قرر ذلك بعد ان قطعت داعش رؤوس مقاتلين تابعين للجيش الحر، أسرتهم خلال معركة في أعزاز شمال غرب حلب.
◄ رحلات بحرية سرية
ولأنه يدرك حجم التهديدات التي تواجهه من قبل «داعش» والجيش الحر، نقل أفراد عائلته إلى تركيا والى الاراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية، ويستعد هو اليوم للفرار باتجاه أوروبا بحراً وفي انتظار ذلك، وحتى يتمكن من ربح المزيد من الأموال، ينظم اليوم رحلات بحرية سرية لمهاجرين سوريين.
وخلال مقابلتي معه، غاب ثلاث ساعات للانتقال الى الساحل من اجل التحقق من مغادرة مركب يحمل 50 شخصا «لقد وصل مركب إلى المياه الدولية وينتظر في نهاية الليل سنكون قد أرسلنا 200 شخص إلى ايطاليا».
كل راكب يدفع 7000 دولار، ما يعني ان المحصلة ستبلغ 1.4 مليون دولار مع طلوع الفجر، لكن أبو ليث يوضح «50 ألف دولار من أجل شراء المركب و150 ألف دولار للشرطة التركية».
يقول أبو ليث إنه تمكن من نقل 10 آلاف مهاجر منذ انتقاله إلى الساحل قبل شهرين، وعليه فقد شارك في عمليات تهريب تقدر إيراداتها بـ70 مليون دولار، توزع بين مختلف مكونات المافيا، التي يلعب دورا مهما فيها، فالتهريب يسكن دمه.
◄ تهريب النفط
أبو ليث يلوم داعش أكثر من نظام دمشق لقمعها الشعب السوري وقتالها للثوار ويلوم أكثر تركيا ورئيسها «صحيح أن أردوغان ساعد اللاجئين، ولكنه يكذب فيما يخص دعمه للمعارضة السورية. لم يفعل شيئا من اجل الدفاع عن حمص وحلب، بينما شارك حقيقة في بناء داعش».
ويؤكد المهرب «هذه الحرب جيدة بالنسبة لحزبه العدالة والتنمية وللبزنس. تعرف الاستخبارات التركية كل شيء عن داعش، والجيش يغمض عينيه عن تهريب البترول، فالصهاريج تمر عبر نقطة عسكرية».
هنا يباع برميل النفط مقابل 30 دولارا، لكن أبو ليث يقول «ليست الحكومة التركية من يشتري البترول، إنه شخص آخر من المافيا، لكن الحكومة تغمض عينيها وتسد آذانها وبالتأكيد ينال البعض نصيبهم».
لقد عززت تركيا رسمياً وجودها العسكري والأمني على حدودها مع داعش عكس المناطق التي يتواجد فيها الجيش الحر، حيث لا أثر للجيش التركي، بينما بلدة أكاكال ملغمة أمنياً، وعلى طول الحدود نلحظ تواجد نقاط عسكرية. وفي الجانب الآخر كلفت داعش كتيبة سلطان محمد الفتح المكونة من جهاديين أتراك وتركمان بإدارة شؤون تل أبيض، ويقول صحفي سوري لجأ الى المنطقة «تحفز تركيا مرور الجهاديين إلى سوريا، لأنها دعمت لوقت طويل داعش وحتى يتم قتلهم، تحاول في المقابل منعهم من العودة، فحراس الحدود يطلقون النار أحيانا على من يحاولون عبور الحدود ليلا».
لكن هذا لا يمنع وفق محدثنا من مرور عناصر «داعش» سرا والعيش والتنقل داخل بلدة سانليورفا. إنهم لا يظهرون علنا مثلما كان عليه الأمر سابقاً حين غزوا كلس، لكنهم هنا دوما والأتراك الذين يملكون شبكة كبيرة من العملاء يعرفون ذلك وفق هذا الصحافي «إنهم يدعمون داعش ويشاركون في التحالف الدولي ضدها. إنهم يلعبون بالنار وأعتقد أنهم يشعرون بالخوف، ولقد ساهموا بسياستهم المعادية لدمشق والمعادية للأكراد، في ظهور وحش يمكن أن ينقلب ضدهم في أي لحظة وينفذ اعتداءات ويضرب الاقتصاد التركي.. لقد وقعوا في الفخ».
◄ شراء الناس وابتزازهم
لقد وصل أبو ياسر الى أكاكال قبل عام، منذ أن سقطت مدينته الشدادي في يد «داعش». كان هذا الرجل مالك اراضٍ وينتمي الى عشيرة الجبور المعروفة، لكنه فقد كل شيء «كنت أتمنى البقاء والتفاوض مع امير الدولة الاسلامية في منطقتي، ويدعى أبو أسامة العراقي، لكن في اليوم الذي كنت فيه على موعد معه ولدى وصولي الى قاعدته، التقيت صدفة وتعرّفت على ضابط استخبارات سوري كان يعمل لمصلحة دمشق قبل ان ينخرط في صفوف «داعش».
تم إلغاء الموعد وتلقيت في اليوم التالي تهديدات بالقتل فغادرت بعد بضعة ايام، تم الهجوم على بيته وقد قاوم ابناؤه، وبعد ان فقدوا رجلا فروا هم كذلك، ولجأوا جميعهم الى أكاكال. ويروي نجله ياسر في بيت شبه فارغ تفاصيل الحياة في عهد «داعش»: «تشتري الدولة الاسلامية الناس بفضل أموال البترول وابتزاز الاثرياء ورجال الاعمال، وحين وصل الجهاديون الى الشدادي، كانوا خمسة فقط، لكن بعد فترة وصل عددهم الى 3000 رجل، قدموا من تركيا، او تم اطلاق سراحهم من السجون من قبل حكومتي دمشق وبغداد. لم يقاتلوا أبداً النظام السوري، ولم يفعلوا سوى بسط نفوذهم على الاراضي التي حررتها وحداتنا، فقبل وصولهم كان الطيران السوري يقصفنا يوميا، لكن ما ان سيطروا على المنطقة،حتى توقف القصف».
أبو ياسر ونجله، مثله مثل كثير من قيادات ووجهاء المعارضة السورية، يثنيان في المقابل على دور تركيا، وفي هذا الشأن يقول الأب: «لقد ساعدت تركيا حقيقة الشعب السوري والمعارضة في دمشق، نحن نشعر بخير هنا، لكن المشكل الرئيسي بالنسبة الينا هو ان الحياة غالية جدا ولا يوجد عمل».
في نقطة العبور الحدودية في أكاكال، كانت هناك عائلة تستعد للدخول الى تل أبيض. بينما كان شاب لأب سوري وأم تركية، يعرض خدماته كعتال. تحدثت الى عجوز كردي، فقال لي «الجهاديون، وحوش، علينا قصفهم»، ثم صرخ وقال «كل العرب مسؤولون عما يحصل».
يوجد هنا على طول الطريق الذي يؤدي الى سانليوفرا والمحفوف بحقول الذكرة، يوجد مخيم للاجئين، يأهل 30 الف لاجئ وطوابير من الشاحنات التي تنتظر العبور الى سوريا وعشرات الكيلو مترات من السيارات التي تنتظر في النقطتين الحدوديتين الواقعتين في ريحانلي وكلس قبالة المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر او تسيطر عليها الحركات الاسلامية المناهضة لــ «داعش». وتنقل الشاحنات على الخصوص مواد البناء، وفي هذا الشأن يقول سوري مقيم في كلس: «التجارة بخير، فمرور شاحنة واحدة يكلف 150 دولارا، وفي ما بعد وفور دخول سوريا يختلف الامر وفق نقطة التفتيش، فإن كنت تملك المال، يمكن أن تذهب الى أي مكان عبر المناطق المحررة، بما في ذلك الى المناطق التي يسيطر عليها «داعش» أو دمشق».
انه امر سريالي، ففي منطقة تشتعل فيها الحرب وتلتهب جبهاتها سيبدو أن لا شيء توقف، بما في ذلك التجارة.
الجماعات المعارضة تثني على الدور التركي
تثني الجماعات العسكرية التابعة للمعارضة السورية على الدور التركي، وفي هذا الشأن يقول إسلام علوش، الناطق باسم الجبهة الإسلامية «تركيا هي الداعم رقم واحد لنا عسكرياً وسياسياً وفي المجال الإنساني»، ويقول أبو عزام قائد كتيبة الفاروق «إن التنسيق مع تركيا أساسي. إنها من الدول النادرة التي دعمت حقيقة الثورة السورية، لكن التوترات الحقيقية الوحيدة توجد بين رجال أعمال البلدين، لأن رجال الأعمال السوريين نقلوا تجارتهم واستثماراتهم ومصانعهم الى تركيا».
http://www.alqabas.com.kw/node/900820
http://www.alqabas.com.kw:82//sites/default/files/imagecache/Horizontal_Top_News/article/main/2014/10/02/593959.gif
جنود اتراك يقفون عند نقطة تفتيش بالقرب من الحدود مع سوريا في محافظة سانليورفا (ا ب)
■ سياسة الحدود التركية المفتوحة استفاد منها الجهاديون
■ مافيا إسطنبول أدخلت الجهاديين بمساعدة المخابرات التركية
■ رحلات بحرية لمهاجرين سوريين من تركيا تقدر إيراداتها بــ 70 مليون دولار
ريمي أوردان (لوموند) -ترجمة وإعداد سليمة لبال
تقع منطقة الاتصال الوحيدة بين الجهاديين في سوريا والعالم الخارجي على الحدود التركية، وقد تحولت هذه المنطقة الى مملكة للحروب من كل نوع.
يرفرف العلم الأسود (علم «داعش») في تل أبيض، القرية السورية على الحدود، وتقابلها في الجهة الثانية مدينة أكاكال التركية، لكن قراصنة الشرق الأوسط، الذين رفعوا راية الجهاد وسخروا من الدول واغتالوا واستباحوا دم الشعوب وأصبحوا يتحدون الدول الغربية التي تشن حربا ضدهم، هؤلاء لا اثر لهم خلف الاسلاك الشائكة والنقاط العسكرية التابعة للجيش التركي، غير ان علمهم الذي يرفرف بفخر يتحدث عنهم.
يفرض «داعش» نفوذه على المناطق التي بسط سيطرته عليها في كل من العراق وسوريا، لكن ليس له نفوذ على الحدود واما الحدود الوحيدة غير المعترف بها بين الدولة الاسلامية والعالم الخارجي فهي هنا على الحدود التركية.
التحق الجهاديون الاجانب بــ «داعش» عبر مدينتي سانليورفا وأكاكال التركيتين، اللتين تعدان المنطقتين الرئيسيتين اللتين تستخدمهما الدولة لادخال شبكاتها الخارجية للمنطقة.
لقد أصبحت هذه المنطقة معقلا للتهريب، حيث تتم عمليات شراء الاسلحة وتزوير الوثائق والسيارات وبيع البترول، باختصار تحول هذا المكان إلى مركز لـــ «بزنس الحرب» ووجهة للمغامرين من كل صوب وحدب، هنا نجد المهربين والمافيا والجواسيس الاتراك والاجانب والمقاتلين الاسلاميين والصحافيين والنشطاء في المجال الانساني والاغاثي وبعض من لم تتبين اهدافهم ممن يتحركون سرا مثلما يحدث غالبا حين تطول النزاعات.
في الجانب السوري، وعلى الاراضي التي سيطر عليها ابو بكر البغدادي في ربيع 2013 ، اعلن هذا الجهادي العراقي نفسه خليفة للمسلمين في 29 يونيو الماضي، واما في الجانب الآخر، فهناك دولة تركية انتهجت سياسة «الحدود المفتوحة» بهدف مساعدة المعارضة السورية ضد دكتاتورية دمشق ،حيث استقبلت 1.3 مليون لاجئ ، لكن هذه السياسة استفاد منها الجهاديون.
وبينهما انقسمت المعارضة السورية سياسيا وعسكريا على طول الحدود، بسبب تعدد فصائلها وقياداتها، ترى في التدخل الاجنبي ضد الدولة الاسلامية، فرصة مناسبة لتصحيح مسارها.
يعرف أبو ليث (سوري)، وهو اسم مستعار، هذه الحدود جيدا، فطيلة عام كامل والى غاية الايام الاخيرة، عمل في كل اشكال التهريب من نقل الجهاديين الى تزوير جوازات السفر، لكن اختصاصه الاصلي هو السلاح.
كل شيء بدأ في احد الفنادق البائسة التي يتردد عليها المهربون على طول الحدود، لكن اشهر هذه الفنادق هو باريس في محافظة كلس قبل ان تصبح بلدة أكاكال بوابة داعش على تركيا.
◄ مافيا اسطنبول
يقول أبو ليث «لقد التقيت شخصا يدعى «س»، أنه تركي من مافيا اسطنبول. لقد حارب في الشيشان، ويملك جواز سفر روسي. وقال لي إنه علينا ان ندخل 5000 مقاتل اجنبي لمصلحة داعش الى سوريا، وبأن العملية تحت حماية الاستخبارات التركية. لقد طمأنني وأكد لي بأن ليس هناك ما يدعو للقلق».
وصل إذن رجلان من القوقاز لترتيب وتنظيم عملية مرور الجهاديين ونقل الاسلحة وفق ابو ليث الذي يضيف «احدهما قدم نفسه بصفته ابن عم عمر الشيشاني».
والاسم الحقيقي لعمر الشيشاني هو تاركان باتيراسفيلي، وهو في الحقيقة جورجي أصبح قائدا عسكريا له نفوذ كبير في داعش.
ويقول ابو ليث «مع السيد «س»، أصبح هذان الرجلان حلقة الوصل بين الاستخبارات التركية وجهاديي روسيا والقوقاز. كان علي ان أشتري الاسلحة لكتائب تابعة للجيش السوري الحر، واسلمها لهم في الاراضي السورية، كلما وصل مقاتلون جدد».
لكن أول عملية شارك فيها ابو ليث تمت وقائعها في الجانب السوري في أطمة مقابل مدينة ريحانلي التركية، وعنها يقول أبو ليث «لقد وصل المئات من المقاتلين القوقاز والشيشان عبر اسطنبول، وقد تم تفريقهم على فنادق مدن غازي عنتب وكلس وريحانلي، وكان السيد «س» يحمي ويرعى تحركاتهم في تركيا، فيما كان مديرو الفنادق مثله، مرتبطون جميعهم بالاستخبارات التركية.
اقام ابو ليث هو الآخر في أحد فنادق الجهاديين في وقت منحه المنظمان القوقازيان المال ومهلة خمسة ايام لينتظرهما في الجانب السوري من الحدود مع السلاح.
لم يكونا يرغبان في غير السلاح الروسي، وقد تم الاتفاق على 100 الف دولار مقابل العتاد. ويؤكد انه ربح 20 الف دولار خلال هذه العملية، ويجهل ما ربحه السيد «س»، ولا المبلغ الذي حوله للاستخبارات التركية».
◄ شعور بالذنب
تملك الشك أبو ليث بعد عدة شهور، وأصبح يشعر بالذنب وتأنيب الضمير، انه بالفعل تاجر سلاح، لكنه سوري أيضا يناصر الثورة «لقد اردت مساعدتهم على القتال اكثر من ممارسة تجارتي، لكن شيئا فشيئا، شعرت بأن الامور انقلبت، من جهة لأنهم يقاتلون الثوار السوريين، وليس نظام دمشق، ومن جهة اخرى، لانه بدا لي بأن مختلف فروع الاستخبارات التركية لم تكن بالضرورة على اتفاق مع ما كان يقوم به فرع السيد س مع الجهاديين. والمشكل هو انه كان يصعب علي التوقف عن العمل مع هؤلاء بعدما بدأت معهم المهمة».
وحتى لا يساهم في اضعاف الثوار لمصلحة النظام الفاسد، تخلى ابو ليث عن تهريب السلاح، وتخصص في تزوير بطاقات الهوية وجوازات السفر، وقد قرر ذلك بعد ان قطعت داعش رؤوس مقاتلين تابعين للجيش الحر، أسرتهم خلال معركة في أعزاز شمال غرب حلب.
◄ رحلات بحرية سرية
ولأنه يدرك حجم التهديدات التي تواجهه من قبل «داعش» والجيش الحر، نقل أفراد عائلته إلى تركيا والى الاراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية، ويستعد هو اليوم للفرار باتجاه أوروبا بحراً وفي انتظار ذلك، وحتى يتمكن من ربح المزيد من الأموال، ينظم اليوم رحلات بحرية سرية لمهاجرين سوريين.
وخلال مقابلتي معه، غاب ثلاث ساعات للانتقال الى الساحل من اجل التحقق من مغادرة مركب يحمل 50 شخصا «لقد وصل مركب إلى المياه الدولية وينتظر في نهاية الليل سنكون قد أرسلنا 200 شخص إلى ايطاليا».
كل راكب يدفع 7000 دولار، ما يعني ان المحصلة ستبلغ 1.4 مليون دولار مع طلوع الفجر، لكن أبو ليث يوضح «50 ألف دولار من أجل شراء المركب و150 ألف دولار للشرطة التركية».
يقول أبو ليث إنه تمكن من نقل 10 آلاف مهاجر منذ انتقاله إلى الساحل قبل شهرين، وعليه فقد شارك في عمليات تهريب تقدر إيراداتها بـ70 مليون دولار، توزع بين مختلف مكونات المافيا، التي يلعب دورا مهما فيها، فالتهريب يسكن دمه.
◄ تهريب النفط
أبو ليث يلوم داعش أكثر من نظام دمشق لقمعها الشعب السوري وقتالها للثوار ويلوم أكثر تركيا ورئيسها «صحيح أن أردوغان ساعد اللاجئين، ولكنه يكذب فيما يخص دعمه للمعارضة السورية. لم يفعل شيئا من اجل الدفاع عن حمص وحلب، بينما شارك حقيقة في بناء داعش».
ويؤكد المهرب «هذه الحرب جيدة بالنسبة لحزبه العدالة والتنمية وللبزنس. تعرف الاستخبارات التركية كل شيء عن داعش، والجيش يغمض عينيه عن تهريب البترول، فالصهاريج تمر عبر نقطة عسكرية».
هنا يباع برميل النفط مقابل 30 دولارا، لكن أبو ليث يقول «ليست الحكومة التركية من يشتري البترول، إنه شخص آخر من المافيا، لكن الحكومة تغمض عينيها وتسد آذانها وبالتأكيد ينال البعض نصيبهم».
لقد عززت تركيا رسمياً وجودها العسكري والأمني على حدودها مع داعش عكس المناطق التي يتواجد فيها الجيش الحر، حيث لا أثر للجيش التركي، بينما بلدة أكاكال ملغمة أمنياً، وعلى طول الحدود نلحظ تواجد نقاط عسكرية. وفي الجانب الآخر كلفت داعش كتيبة سلطان محمد الفتح المكونة من جهاديين أتراك وتركمان بإدارة شؤون تل أبيض، ويقول صحفي سوري لجأ الى المنطقة «تحفز تركيا مرور الجهاديين إلى سوريا، لأنها دعمت لوقت طويل داعش وحتى يتم قتلهم، تحاول في المقابل منعهم من العودة، فحراس الحدود يطلقون النار أحيانا على من يحاولون عبور الحدود ليلا».
لكن هذا لا يمنع وفق محدثنا من مرور عناصر «داعش» سرا والعيش والتنقل داخل بلدة سانليورفا. إنهم لا يظهرون علنا مثلما كان عليه الأمر سابقاً حين غزوا كلس، لكنهم هنا دوما والأتراك الذين يملكون شبكة كبيرة من العملاء يعرفون ذلك وفق هذا الصحافي «إنهم يدعمون داعش ويشاركون في التحالف الدولي ضدها. إنهم يلعبون بالنار وأعتقد أنهم يشعرون بالخوف، ولقد ساهموا بسياستهم المعادية لدمشق والمعادية للأكراد، في ظهور وحش يمكن أن ينقلب ضدهم في أي لحظة وينفذ اعتداءات ويضرب الاقتصاد التركي.. لقد وقعوا في الفخ».
◄ شراء الناس وابتزازهم
لقد وصل أبو ياسر الى أكاكال قبل عام، منذ أن سقطت مدينته الشدادي في يد «داعش». كان هذا الرجل مالك اراضٍ وينتمي الى عشيرة الجبور المعروفة، لكنه فقد كل شيء «كنت أتمنى البقاء والتفاوض مع امير الدولة الاسلامية في منطقتي، ويدعى أبو أسامة العراقي، لكن في اليوم الذي كنت فيه على موعد معه ولدى وصولي الى قاعدته، التقيت صدفة وتعرّفت على ضابط استخبارات سوري كان يعمل لمصلحة دمشق قبل ان ينخرط في صفوف «داعش».
تم إلغاء الموعد وتلقيت في اليوم التالي تهديدات بالقتل فغادرت بعد بضعة ايام، تم الهجوم على بيته وقد قاوم ابناؤه، وبعد ان فقدوا رجلا فروا هم كذلك، ولجأوا جميعهم الى أكاكال. ويروي نجله ياسر في بيت شبه فارغ تفاصيل الحياة في عهد «داعش»: «تشتري الدولة الاسلامية الناس بفضل أموال البترول وابتزاز الاثرياء ورجال الاعمال، وحين وصل الجهاديون الى الشدادي، كانوا خمسة فقط، لكن بعد فترة وصل عددهم الى 3000 رجل، قدموا من تركيا، او تم اطلاق سراحهم من السجون من قبل حكومتي دمشق وبغداد. لم يقاتلوا أبداً النظام السوري، ولم يفعلوا سوى بسط نفوذهم على الاراضي التي حررتها وحداتنا، فقبل وصولهم كان الطيران السوري يقصفنا يوميا، لكن ما ان سيطروا على المنطقة،حتى توقف القصف».
أبو ياسر ونجله، مثله مثل كثير من قيادات ووجهاء المعارضة السورية، يثنيان في المقابل على دور تركيا، وفي هذا الشأن يقول الأب: «لقد ساعدت تركيا حقيقة الشعب السوري والمعارضة في دمشق، نحن نشعر بخير هنا، لكن المشكل الرئيسي بالنسبة الينا هو ان الحياة غالية جدا ولا يوجد عمل».
في نقطة العبور الحدودية في أكاكال، كانت هناك عائلة تستعد للدخول الى تل أبيض. بينما كان شاب لأب سوري وأم تركية، يعرض خدماته كعتال. تحدثت الى عجوز كردي، فقال لي «الجهاديون، وحوش، علينا قصفهم»، ثم صرخ وقال «كل العرب مسؤولون عما يحصل».
يوجد هنا على طول الطريق الذي يؤدي الى سانليوفرا والمحفوف بحقول الذكرة، يوجد مخيم للاجئين، يأهل 30 الف لاجئ وطوابير من الشاحنات التي تنتظر العبور الى سوريا وعشرات الكيلو مترات من السيارات التي تنتظر في النقطتين الحدوديتين الواقعتين في ريحانلي وكلس قبالة المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر او تسيطر عليها الحركات الاسلامية المناهضة لــ «داعش». وتنقل الشاحنات على الخصوص مواد البناء، وفي هذا الشأن يقول سوري مقيم في كلس: «التجارة بخير، فمرور شاحنة واحدة يكلف 150 دولارا، وفي ما بعد وفور دخول سوريا يختلف الامر وفق نقطة التفتيش، فإن كنت تملك المال، يمكن أن تذهب الى أي مكان عبر المناطق المحررة، بما في ذلك الى المناطق التي يسيطر عليها «داعش» أو دمشق».
انه امر سريالي، ففي منطقة تشتعل فيها الحرب وتلتهب جبهاتها سيبدو أن لا شيء توقف، بما في ذلك التجارة.
الجماعات المعارضة تثني على الدور التركي
تثني الجماعات العسكرية التابعة للمعارضة السورية على الدور التركي، وفي هذا الشأن يقول إسلام علوش، الناطق باسم الجبهة الإسلامية «تركيا هي الداعم رقم واحد لنا عسكرياً وسياسياً وفي المجال الإنساني»، ويقول أبو عزام قائد كتيبة الفاروق «إن التنسيق مع تركيا أساسي. إنها من الدول النادرة التي دعمت حقيقة الثورة السورية، لكن التوترات الحقيقية الوحيدة توجد بين رجال أعمال البلدين، لأن رجال الأعمال السوريين نقلوا تجارتهم واستثماراتهم ومصانعهم الى تركيا».
http://www.alqabas.com.kw/node/900820