المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فضائح بنك المدينة: أكثر من مليون دولار لرستم غزالة وأشقائه



جمال
04-01-2005, 12:24 PM
رنا قليلات تلاعبت بملايين الدولارات.. والسلطات اللبنانية تفضل التغطية والصمت

بالنسبة إلى شخص يتقاضى ألف دولار فقط في الشهر، يمكن القول إنّ رنا قليلات استطاعت أن تعيش حياة مترفة جداً. كانت تسافر في طائرة خاصّة وتصطحب معها خدمها ومصفّف شعرها، وتنزل في أفخم الفنادق في لندن وباريس. وفي بيروت، عاصمة لبنان، كانت تعيش في منزل من ثلاث طبقات. وتجيب كلّ من يسألها من أين لها هذا الرخاء، أنّ لديها خالاً ثرياً.

في الواقع، كانت قليلات تساعد في إدارة مصرف خاص في بيروت، وهنا تكمن الحكاية. قبل عامَين، هزّت فضيحة بنك المدينة وأدّت إلى انهياره، وسُلِّطت الأضواء على رنا قليلات. يقول مدير المصرف، عدنان أبو عيّاش، إنه خسر أكثر من 1.2 مليار دولار، ويلقي اللوم على قليلات وبعض زملائها. وخسر المودعون مئات ملايين الدولارات. اتّهمت السلطات اللبنانية قليلات وأبو عيّاش وثمانية آخرين في احدى أكبر الفضائح المصرفية في تاريخ لبنان.

لا شكّ في أنّ هذا مثير للاهتمام ولكن خلف الكواليس قصّة أكبر تتعلّق بمزاعم حول تحويل أموال إلى مسؤولين سوريين ولبنانيين نافذين، وتبييض أموال للمصرف المركزي العراقي عندما كان صدام حسين في السلطة، وتمويل حزب الله، المنظمة الإرهابية المتمركزة في لبنان. السلطات اللبنانية تفضل الصمت

لم تظهر السلطات اللبنانية رغبة كبيرة في كشف هذه الروابط أو في الإجابة عن الأسئلة. لم تجب السفارة اللبنانية في واشنطن عن الأسئلة التي رفعتها إليها صحيفة يو. أس. نيوز الأميركية منتصف الشهر الجاري. كما أنّ المسؤولين السوريين لم يردّوا على استفسارات المجلّة. ربما كان هذا مفهوماً، ففضيحة بنك المدينة مصدر إحراج كبير للحكومتين، وتسمح بإلقاء نظرة نادرة على الانتفاع الفاسد الذي لطالما اعتُبِر أحد مفاعيل الاحتلال السوري للبنان المستمرّ منذ 30 عاماً، غير ان لا الرئيس اللبناني إميل لحود ولا الرئيس السوري بشار الأسد تورّطا في الفضيحة، لكنّ سوريا تجد نفسها أكثر فأكثر تحت مجهر المجتمع الدولي.

قال فريق تقصّي الحقائق التابع للأمم المتحدة في تقريره الأسبوع الفائت إنّ الرئيس الأسد هدّد الحريري الصيف الماضي بإلحاق أذى جسدي به إذا استمرّ في ممارسة الضغوط للمطالبة باستقلال لبنان. لم يوجّه الفريق اللوم إلى سوريا في مقتل الحريري لكنّه قال إنّ تدخّلها في لبنان خلق مناخاً من العنف أدّى إلى اغتيال الحريري.

عدد سكّان لبنان 3.8 ملايين نسمة فقط، لكنّه يمتلك نظاماً مصرفياً قويّاً. كان بنك المدينة تحت سيطرة عدنان وشقيقه ابرهيم، وكلاهما من الجنسية اللبنانية. اشترى عدنان أبو عياش الذي جنى ثروة من مشاريع البناء والهندسة ويعيش في السعودية، المصرف عام 1984، ونصّب نفسه مديراً له، وعيّن ابرهيم نائب مدير لإدارة العمليّات. بعد سنوات، عندما ساءت الأمور، استخدم عدنان شركة خاصّة في نيويورك، فورتريس غلوبال إنفستيغايشنز، لمعرفة ماذا جرى. وسمحت الشركة لـيو. أس. نيوز الاطّلاع على الاستنتاجات التي توصّلت إليها، بما في ذلك مستندات قانونية أُعِدَّت في لبنان ونيويورك. ووافق عدنان أبو عياش أيضاً على إجراء مقابلة معه.

أصدقاء في مناصب مرموقة

اتّهمت السلطات اللبنانية أبو عياش بتحرير شيكات بدون رصيد تتعدّى قيمتها الخمسين مليون دولار. أما هو فيقول إنه بريء من تلك التهمة ويصرّ على أنّه لم يشارك في نهب المصرف. كما اتهمت السلطات ابرهيم أبو عياش في قضيّة الشيكات بدون رصيد، وبدوره يصرّ على أنّه بريء.

تقول قليلات، الوجه الأساسي في القضية وهي الآن في أواخر العقد الرابع من عمرها، إنها لم ترتكب أيّ خطأ. وترفع دعوى أيضاً ضدّ عدنان أبو عياش. رفضت من خلال محاميها في بيروت، علي صفا، الطلب الذي تقدّمنا به لإجراء مقابلة معها. قال صفا إنّ السلطات اللبنانية اتّهمت قليلات، التي أطلِق سراحها بكفالة، بالاختلاس والتزوير والاحتيال وتحرير شيكات بدون رصيد.

وأضاف: لم يصدر حكم نهائي بحقّها، وهي تقول إنها غير مذنبة. بالنسبة إلى تأكيدات أبو عياش أنّ قليلات استخدمت أموالاً من المصرف لرشوة مسؤولين سوريين ولبنانيين، قال صفا لا أعرف شيئاً عن هذا الأمر.

بدا بنك المدينة حتى انهياره، مشروعاً مزدهراً. كان لديه 22 فرعاً في لبنان، ووسّع الأخوان أبو عياش عمليّاتهما المرتبطة بالمصرف نحو امتلاك منتجعات وشركات تأمين وشركات أخرى. بدت قليلات جزءاً كبيراً من ذلك النجاح، فقد قال عدنان أبو عياش إنها كانت محطّ الثقة الأكبر لدى مالكي المصرف.

وُلِدت رنا قليلات في أسرة متواضعة، وكانت لا تزال في الثامنة عشرة من عمرها عندما أصبحت سكرتيرة ابراهيم أبو عياش عام 1985، على مرّ الوقت، كسبت ثقة الأخوين أبو عياش وأصبح لها نفوذ كبير في المصرف.

يقول عدنان أبو عياش إن قليلات عاشت حياة مترفة جداً إذ كانت تشتري سيارات ويخوتاً باهظة الثمن. وورد في التقرير الذي أعدّه محقّقا فورتريس غلوبال، جون والزر وتوماس فينتون، وهما عميلان بارزان سابقان في مكتب التحقيقات الفديرالي (إف. بي. آي)، أنّها تزعم أنّ مصدر المال هو خال مصري ثريّ.

بدا أيضاً أن لقليلات أصدقاء في مراكز مرموقة.

جاء في تقرير فورتريس غلوبال: زعمت أنّها تحظى بالدعم من مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة واستخبارات الجيش. في الواقع، يقول المحقّقان إنهما كشفا أدلّة تظهر أنّه في فترة شهر تنتهي في يناير 2003، استعملت قليلات أموالاً تابعة لـبنك المدينة لدفع 941 ألف دولار لأشقّاء العميد رستم غزالة، الرئيس النافذ في ذلك الوقت للاستخبارات السورية في لبنان. وتقول فورتريس غلوبال نقلاً عن مصدر موثوق به، إنه في شهر مارس 2003، تدبّرت قليلات هبة بقيمة 300 ألف دولار من أموال المصرف للعميد غزالة. وورد في التقرير أيضاً أنها نقلت في (نوفمبر) 2002 مئة ألف دولار، بواسطة حساب في مصرف توأم لـبنك المدينة، إلى حساب في أحد المصارف اللبنانية باسم مصطفى طلاس وزير الدفاع السوري في ذلك الوقت.

ويأتي التقرير أيضاً على ذكر صفقات أخرى مثيرة للشكوك. فهو يشير إلى أنّه في عام 2002، نقلت قليلات، بدون أيّ تكلفة، شقّة فخمة في بيروت إلى ملكيّة صديق قريب من خالد قدّور عُلِم أنّه مدير مكتب العقيد ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري بشار الأسد. ويضيف التقرير أنّ قليلات استعملت أموالاً تابعة للمصرف لشراء فيلا من الياس المرّ، صهر الرئيس اللبناني اميل لحود، ووزير الداخلية اللبنانية في ذلك الوقت، وأنّها دفعت عشرة ملايين دولار ثمناً للفيلا، وسجّلتها باسم صديق لها. ويقول تقرير فورتريس غلوبال إنه عندما استولت السلطات اللبنانية على الفيلا لاحقاً، خمّنتها بـ2,5 مليونَي دولار.

أين اختفت الأموال؟

في دعوى قضائية رفعها في محكمة فدرالية في مانهاتن، زعم أبو عياش أنّ قليلات بيّضت أموالاً لمصلحة حكومة صدام حسين من خلال حساب سرّي في بنك المدينة. واتّهمها أيضاً بأنّها حوّلت 3.5 ملايين دولار إلى منظمة سياسية تمويهية تابعة لـحزب الله الإرهابي. انفجرت فقّاعة بنك المدينة قبل عامين بعدما عانى المصرف نقصاً حادّاً في السيولة، كما جاء في الدعوى القضائية في نيويورك وسجلاّت أخرى، وعلى لسان أبو عياش. يقول أبو عياش إنه بين عام 1998 ومطلع 2003، ضخّ 1.2 مليار دولار في المصرف، لكنّه اكتشف لاحقاً أنّ قليلات غشّته وجعلته يعتقد أنّها تضع أمواله في حساب باسمه. فهذا الحساب لم يكن موجوداً على قوله. وورد في الدعوى القضائية التي رفعها أبو عياش أمام القضاء في نيويورك، أنّ المشروع الفاسد الذي أنشأته قليلات ضمّ أفراداً من عائلتها وصديقها وموظّفين آخرين في بنك المدينة. ويقول أبو عياش إنه إلى جانب الخسائر الشخصية التي تكبّدها، خسر المودعون 800 مليون دولار. لا أحد يعرف أين اختفت كل هذه المبالغ. قد تتمكّن السلطات اللبنانية من الإجابة عن هذا السؤال لكنّ عياش يعتبر أنها لا تريد الغوص عميقاً في القضيّة. لماذا؟ لأنّ المال حُوِّل إلى شخصيات بارزة جداً في لبنان وسوريا على قوله. ويتابع: انهم يحاولون تغطية المسألة.

> عن الزميلة «النهار» اللبنانية