المهدى
03-31-2005, 07:36 AM
فاخر السلطان
هل يمكن أن يتسبب حكم محكمة أو فتوى فقهية في عرقلة انتشار الفكر، مثلما نسمع ونرى وبصورة شبه يومية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وهو ما يعكس نفوذ التوجه المؤدلج المغذي لهذا النوع من الأحكام والفتاوى؟. فهذا التوجه يسير في الضد من حركة التاريخ لأنه لا يطيق وجود الرأي الآخر، كما يعيش حالة من النشوة الإيمانية كلما أقصى المختلف «المنحرف والفاسق بل والكافر» من الساحة الفكرية..
فحياة المفكر، بسبب أفكاره ورؤاه التي يدونها كل يوم بل وكل ساعة ودقيقة ويشعر خلالها شعور العاشق لفكره وقلمه، قد تصبح مهددة جراء فتوى تجيز قتله، وقد يدخل السجن بحكم من المحكمة، لكن فكره سيستمر مادام الإنسان مستمرا في القراءة. بجملة أخرى فإن أحكام المحاكم وفتاوى الفقهاء (لافرق من الناحية القانونية بين الاثنين) قد تعرقل طريق الكتّاب والمفكرين، لكنها لن تستطيع أن تضع حدا نهائيا لكتاباتهم الجريئة، كما لن تستطيع أن توقف الناس عن قراءة فكرهم أو أن تطرد كتبهم من المكتبات، إلا في حالة واحدة وهي أن يتم حرق جميع كتبهم «الضالة» وقتل جميع مفكري «الضلال»، وهو ما كان يتم بصورة وحشية متعارف عليها في الماضي.
أما اليوم وفي ظل عولمتنا الراهنة، دنيا الثورة المعلوماتية، فلا مجال لكل ما فات: لحرق الكتب وقتل المفكر ومنع القراءة، أو لدور الفتوى وحكم المحكمة بهدف إجهاض الفكر من أن يُقرأ أو يُنتشر، إذ حتى الكتب ومكتباتها أصبحت ممنهجة ومرتبة في المواقع الإلكترونية مما صعب دور «الرقيب المؤدلج» من القيام بفعله الإقصائي.
فالفكر راهنا لا يمكن أن تعرقله الاعتراضات الدينية والقانونية، أو تسد طريق انتشاره ممارسات القتل الإرهابية ضد المفكرين كما حصل مع العديد من الكتّاب ومنهم صاحب «الحقيقة الغائبة» المصري فرج فودة.
ومما لا شك فيه أن نفس الجهة أو الشخص الذي أصدر الحكم القانوني أو الفتوى الدينية، أو الإرهابي الذي مارس القتل لاستهداف الفكر والمفكر، قد يكون عرضة لرد فعل شبيه ومماثل إذا ما حاد عن «الطريق المؤدلج» الذي حثه على إصدار حكمه، أو فتواه، أو دعاه لتنفيذ جريمة القتل.
حينما زار المفكر الجزائري الكبير محمد أركون مملكة البحرين عام 2002، أثار وجوده ومحاضراته جدلا واسعا حيث كان لموقف الفتوى خلاله دور كبير. فقد أرسل أحد البحرينيين إلى المرجع الشيعي اللبناني محمد حسين فضل الله يستفتيه في أركون وأنصاره في البحرين الذين وصفهم بالأركونيين سائلا: في هذه الأيام ظهر مَنْ يدّعون الثقافة وهم مم يتخذون أركون فكرا لهم وهم ممن يدّعون بأنهم إسلاميون حداثيون يروجون لفكر أركون بين أوساط المجتمع، ماهي نصيحكتم لهم وما هو واجبنا الشرعي تجاه ما يقومون به؟
وهل يجوز الترويج لفكر أركون؟.
فكان جواب فضل الله ما يلي: لا يجوز الترويج لأيّ فكر قد يكون «معادياً للإسلام» في طروحاته ولا سيما إذا كان ينطلق في ذلك من داخل الإسلام لينقض عليه من الداخل، ولذا فلا بدّ من وجود نخبة مثقفة قد تكون قادرة على مواجهة هؤلاء من خلال أسلوبهم أي على أساس نقد هذا الفكر نقداً علميا ليتضح للآخرين أماكن الخلل فيه، وهذا يتطلب الحكمة والدراية، والله ولي التوفيق.
فوصف فضل الله لفكر أركون بـ«المعادي للإسلام» هو مطب سقط فيه العلامة الشيعي رغم إن آخرين نعتوا فكر فضل الله بنفس النعوت. وموقفه هذا إنما جاء بسبب الطريق المعبّد بالأيديولوجيا الذي اختاره هذا العلامة وسلك من خلاله العلم والمعرفة، حيث يستند ذلك إلى أنه:
إمّا أن تختار الفكر الذي أؤمن به وأعتقد فيه، أما ما ينافس ذلك الفكر مما قد يزيحه عن الطريق فهو في خانة «العدو». ففضل الله عانى من فتاوى مشابهة ومن فروض على كتاباته في العديد من الدول العربية والإسلامية، وقد نعته أحد الفقهاء الشيعة بـ«السيد البيروتي» نكاية فيه، فيما حرّم بعض الفقهاء «تقليده»، وقال أحدهم «تقليد فضل الله حرام»، كما وُصفت كتبه بكتب ضلال.
لا يمكن للثقافة العالمية الراهنة التي نعيشها، ولا لقيمها وقوانينها، الثقافة الحداثية المستندة إلى حرية التعبير واحترام حقوق الإنسان الفرد والتعددية، لا يمكن لها أن تسمح لأيديولوجيا الفكر الديني الإقصائي المتغلغل في الواقع السياسي والاجتماعي أن تفعل فعلها الساعي إلى مناهضة حرية النشر والفكر وعرقلة الحركة الثقافية للكتاب والمفكرين، سواء كان ذلك النشر كتابا أو موقعا إلكترونيا، أو كان الفكر وصاحبه ليبراليا أو دينيا أو حتى ما يسمى باطلا. فالعالم الراهن يتبنى مفهوم حقوق الإنسان الذي لا مجال فيه لاستبداد ضد الفكر والمفكرين، وإلا تعرض المستبدون المؤدلجون لعقوبات غليظة..ًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً ًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً ًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً ًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً ًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً ًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً ًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً ًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً ًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً ًًًًًًًًًًًًًًفأدعياء الثقافة ممن تحالفوا مع المستبدين لشن حرب ضد مناهضي الأيديولوجيا ممن يرفضون الوصاية، نصبوا أنفسهم أوصياء على الثقافة الإنسانية، وهو ما أدى إلى نفوذ تلك الثقافة على الحركة الفكرية في مجتمعاتنا، الأمر الذي أثر سلبا بل واستبدادا على مختلف مشارب الحياة ومناحيها، من سياسية واجتماعية واقتصادية وحتى قضائية.
فالثقافة الدينية الفقهية التاريخية المتداولة في حياة اليوم، والتي يدّعي أنصارها بأنها الوحيدة المعبرة عن رؤية الدين، باتت تلعب دورا رئيسيا في تركيب وتسيير العقلية غير المتسامحة للقائمين على مؤسسات المجتمع، وبالتالي باتت تلك المؤسسات سببا في انتشار الاستبداد الذي يسير في تبرير استبداده تارة نحو ثوابت الدين وتارة أخرى نحو ثوابت العادات والتقاليد.
f_ssultann@kwtanweer.com
هل يمكن أن يتسبب حكم محكمة أو فتوى فقهية في عرقلة انتشار الفكر، مثلما نسمع ونرى وبصورة شبه يومية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وهو ما يعكس نفوذ التوجه المؤدلج المغذي لهذا النوع من الأحكام والفتاوى؟. فهذا التوجه يسير في الضد من حركة التاريخ لأنه لا يطيق وجود الرأي الآخر، كما يعيش حالة من النشوة الإيمانية كلما أقصى المختلف «المنحرف والفاسق بل والكافر» من الساحة الفكرية..
فحياة المفكر، بسبب أفكاره ورؤاه التي يدونها كل يوم بل وكل ساعة ودقيقة ويشعر خلالها شعور العاشق لفكره وقلمه، قد تصبح مهددة جراء فتوى تجيز قتله، وقد يدخل السجن بحكم من المحكمة، لكن فكره سيستمر مادام الإنسان مستمرا في القراءة. بجملة أخرى فإن أحكام المحاكم وفتاوى الفقهاء (لافرق من الناحية القانونية بين الاثنين) قد تعرقل طريق الكتّاب والمفكرين، لكنها لن تستطيع أن تضع حدا نهائيا لكتاباتهم الجريئة، كما لن تستطيع أن توقف الناس عن قراءة فكرهم أو أن تطرد كتبهم من المكتبات، إلا في حالة واحدة وهي أن يتم حرق جميع كتبهم «الضالة» وقتل جميع مفكري «الضلال»، وهو ما كان يتم بصورة وحشية متعارف عليها في الماضي.
أما اليوم وفي ظل عولمتنا الراهنة، دنيا الثورة المعلوماتية، فلا مجال لكل ما فات: لحرق الكتب وقتل المفكر ومنع القراءة، أو لدور الفتوى وحكم المحكمة بهدف إجهاض الفكر من أن يُقرأ أو يُنتشر، إذ حتى الكتب ومكتباتها أصبحت ممنهجة ومرتبة في المواقع الإلكترونية مما صعب دور «الرقيب المؤدلج» من القيام بفعله الإقصائي.
فالفكر راهنا لا يمكن أن تعرقله الاعتراضات الدينية والقانونية، أو تسد طريق انتشاره ممارسات القتل الإرهابية ضد المفكرين كما حصل مع العديد من الكتّاب ومنهم صاحب «الحقيقة الغائبة» المصري فرج فودة.
ومما لا شك فيه أن نفس الجهة أو الشخص الذي أصدر الحكم القانوني أو الفتوى الدينية، أو الإرهابي الذي مارس القتل لاستهداف الفكر والمفكر، قد يكون عرضة لرد فعل شبيه ومماثل إذا ما حاد عن «الطريق المؤدلج» الذي حثه على إصدار حكمه، أو فتواه، أو دعاه لتنفيذ جريمة القتل.
حينما زار المفكر الجزائري الكبير محمد أركون مملكة البحرين عام 2002، أثار وجوده ومحاضراته جدلا واسعا حيث كان لموقف الفتوى خلاله دور كبير. فقد أرسل أحد البحرينيين إلى المرجع الشيعي اللبناني محمد حسين فضل الله يستفتيه في أركون وأنصاره في البحرين الذين وصفهم بالأركونيين سائلا: في هذه الأيام ظهر مَنْ يدّعون الثقافة وهم مم يتخذون أركون فكرا لهم وهم ممن يدّعون بأنهم إسلاميون حداثيون يروجون لفكر أركون بين أوساط المجتمع، ماهي نصيحكتم لهم وما هو واجبنا الشرعي تجاه ما يقومون به؟
وهل يجوز الترويج لفكر أركون؟.
فكان جواب فضل الله ما يلي: لا يجوز الترويج لأيّ فكر قد يكون «معادياً للإسلام» في طروحاته ولا سيما إذا كان ينطلق في ذلك من داخل الإسلام لينقض عليه من الداخل، ولذا فلا بدّ من وجود نخبة مثقفة قد تكون قادرة على مواجهة هؤلاء من خلال أسلوبهم أي على أساس نقد هذا الفكر نقداً علميا ليتضح للآخرين أماكن الخلل فيه، وهذا يتطلب الحكمة والدراية، والله ولي التوفيق.
فوصف فضل الله لفكر أركون بـ«المعادي للإسلام» هو مطب سقط فيه العلامة الشيعي رغم إن آخرين نعتوا فكر فضل الله بنفس النعوت. وموقفه هذا إنما جاء بسبب الطريق المعبّد بالأيديولوجيا الذي اختاره هذا العلامة وسلك من خلاله العلم والمعرفة، حيث يستند ذلك إلى أنه:
إمّا أن تختار الفكر الذي أؤمن به وأعتقد فيه، أما ما ينافس ذلك الفكر مما قد يزيحه عن الطريق فهو في خانة «العدو». ففضل الله عانى من فتاوى مشابهة ومن فروض على كتاباته في العديد من الدول العربية والإسلامية، وقد نعته أحد الفقهاء الشيعة بـ«السيد البيروتي» نكاية فيه، فيما حرّم بعض الفقهاء «تقليده»، وقال أحدهم «تقليد فضل الله حرام»، كما وُصفت كتبه بكتب ضلال.
لا يمكن للثقافة العالمية الراهنة التي نعيشها، ولا لقيمها وقوانينها، الثقافة الحداثية المستندة إلى حرية التعبير واحترام حقوق الإنسان الفرد والتعددية، لا يمكن لها أن تسمح لأيديولوجيا الفكر الديني الإقصائي المتغلغل في الواقع السياسي والاجتماعي أن تفعل فعلها الساعي إلى مناهضة حرية النشر والفكر وعرقلة الحركة الثقافية للكتاب والمفكرين، سواء كان ذلك النشر كتابا أو موقعا إلكترونيا، أو كان الفكر وصاحبه ليبراليا أو دينيا أو حتى ما يسمى باطلا. فالعالم الراهن يتبنى مفهوم حقوق الإنسان الذي لا مجال فيه لاستبداد ضد الفكر والمفكرين، وإلا تعرض المستبدون المؤدلجون لعقوبات غليظة..ًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً ًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً ًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً ًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً ًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً ًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً ًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً ًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً ًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً ًًًًًًًًًًًًًًفأدعياء الثقافة ممن تحالفوا مع المستبدين لشن حرب ضد مناهضي الأيديولوجيا ممن يرفضون الوصاية، نصبوا أنفسهم أوصياء على الثقافة الإنسانية، وهو ما أدى إلى نفوذ تلك الثقافة على الحركة الفكرية في مجتمعاتنا، الأمر الذي أثر سلبا بل واستبدادا على مختلف مشارب الحياة ومناحيها، من سياسية واجتماعية واقتصادية وحتى قضائية.
فالثقافة الدينية الفقهية التاريخية المتداولة في حياة اليوم، والتي يدّعي أنصارها بأنها الوحيدة المعبرة عن رؤية الدين، باتت تلعب دورا رئيسيا في تركيب وتسيير العقلية غير المتسامحة للقائمين على مؤسسات المجتمع، وبالتالي باتت تلك المؤسسات سببا في انتشار الاستبداد الذي يسير في تبرير استبداده تارة نحو ثوابت الدين وتارة أخرى نحو ثوابت العادات والتقاليد.
f_ssultann@kwtanweer.com