المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرسالة الأولى للسيد مقتدى الصدر إلى الطلبة الأعزاء



المهدى
03-29-2005, 07:19 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

بين المشاركة وعدم المشاركة في الانتخابات وبين دعم المقاومة وعدمها وبين كون هذا إرهابي أم مقاوم وغيرها مما انشغل بها القادة والساسة فضلاً عن الرعية والشعب، بين كل ذلك وفي خضم هذه الصراعات الدنيوية والسياسية نسي الشعب والكثير من الشرائح في مجتمعنا المنهك الذي هو بحاجة إلى التوعية الدينية لا السياسية ، فإن هذا الشعب قد غرق في بحر السياسة الدنيوية هذه من سنين طوال فما آن له أن يسمع النصيحة وتُمد له يد العون لنحل له مشاكله وبلاءاته، فما زلنا لاهين بقائمة الانتخاب والنسب التي يشارك بها الحزب الفلاني أو هل سيشارك التيار الفلاني أم لا مع أن الكثير من أخواننا قد غبنوا أمثال التركمان والشبك وغيرهم، ما ذنبهم إلا أنهم لم يؤسسوا حزبا، سبحان الذي جعل من تأسيس الحزب أمراً واجباً بعد ما كنا كارهين لأسم الحزب حتى.

وبين عراك الكبار والجبابرة صار المتضرر الوحيد هو الشعب العراقي الذي ليس المطلوب منه الآن غير صوته وبعدها اسكت وتحمل كل المصاعب تحمل البرد بسبب نقص الوقود، الذي صارت تملئ به الدبابات والاباتشي والهمرات ؟؟؟؟؟؟!!!!

أهذا هو العدل؟ فالعدل السياسي أنك إذا احتجت إلى شخص ما أعطيته وخدمته لكي يخدمك، لا أن تتركه يصارع صعوبات الحياة لا ماء ولا كهرباء ولا اتصالات تمن علينا بها بعض الدول (وهيج منية غالية هم متنراد).

وبين هذا وذاك بدأت أنوار الإيمان في قلوب الشعب العراقي تخفت وبات وهج الشجاعة في عقولهم يهفو مع شديد الأسف وليس العتب عليهم بل على كبارهم فإذا فسد العالِم –بالسياسة- فسد العالَم وقل الإيمان في قلوب الناس والرعية مالكم كيف تحكمون ، أنسيتم أن الله أولاً وآخراً، هو الذي خلصنا من صدام لكننا بنكران الجميل سيهلكنا بوقوعنا بين أيدي المحتل ودكتاتورية أخرى ، أهذا ما تريدون؟ تريدون التخلص من التلميذ للوقوع بيد الأستاذ، ما لكم لا تفقهون حديثاً ، أتركوا المهم وتمسكوا بالأهم.

وبين هذا وذاك ضاع أطفالنا ذاك الجيل الصاعد الذي سنبني به مستقبل العراق ، فلا حزب يبقى ولا مؤتمر يستمر ولا مجلس يرقى بل الشعب باق والكل باق ببقائه وفوق كل ذي علم عليم سبحان الباقي بلا فناء جل جلاله.

فيا أخوتي لا تنسيكم تلك الأمور أن تمدوا يد العون لأطفالنا الأعزاء الذين يذهبون إلى مدارسهم خائفين مترقبين لمدفع أو لغم من هنا أو هناك أو مجند يعتدي عليهم بأي أنواع الاعتداء أو يخطف مختطِف من هنا أوهناك، أفنحمي فلذات أكبادنا أم نحمي لافتات الانتخابات، أفنبني لهم مدارس أم نبني لهم مقرات الانتخابات، أفنمدهم بالعلم والفكر وكل ما هو جميل أم نمد الانتخابات بكذا مليار، أفكرت يوماً أن تعطي لطفل عراقي هدية ولو وردة تعطيه دافع الحب والوئام والمودة والسلام، أو لعبة كسلاح يعرف به عدوه فيحاربه وتغذيه بغذاء الروح فيشفى وإلى الله فيرقى.

لعل المقرات مملوءة بالأمن والأمان لكثرة الحمايات ولعلها بالطعام والشراب مكتفية لكن مدارس الأطفال التي يستهدفها الغرب وأتباعه ليس عليها حماية كالتي على المقرات إلا واحد أو اثنين لا يسمن ولا يغني من جوع، والكثير من أطفالنا يشكو الظمأ ويشكو الجوع والبرد، وأنت عنهم غافل، ولكن الله لا تخفى عليه خافية فهو يسمع ويرى ويناصر المظلوم.

لكني أقول للبراعم الخضر لأبناء المستقبل الزاهر لجنود الحق وأبطال العراق سيروا وحوزتكم معكم وتعلموا لتبنوا عراقاً ذا علم غزير فأنتم قاعدة الخير والعلوم بعونه تعالى ونحن من خلفكم إن لم يحل بيننا وبينكم الغرب وجيوش الظلام، ونحن –والله- وإياكم للبلد محبون وللعراق بانون إن شاء الله.

ثم تلك الأجيال في مدارسنا العزيزة سواء الجامعات والكليات والمعاهد أو حتى الذي في مرحلة قبل هذه، أتذكرت يوماً أنهم في مرحلة حرجة من أعمارهم، وهم بحاجة لأب حنون بالموعظة يرفدهم، وللكلمة الطيبة ينبههم، وللأخلاق يعلمهم، بل وبالأخلاق يربيهم، يمد لهم يد العون ليساعدهم في علومهم ودروسهم التي على عاتقهم ليبنوا جيلاً عالماً متعلماً ليرجع العراق مهد الحضارات ومنبثق العلوم والإيمان، فكيف بهم يبنون كل هذه الأمور والكل غافل عنهم بل لاهي عن تلك الأجيال التي تفوق بالأهمية من الساسة والأحزاب بكل تأكيد فتلك الأجيال لها ننتمي وإليها نرجع، فهم علم العراق وشعبه وهم بناة الوطن وحماته، وشباب العلم حاضراً ، علماء الوطن مستقبلاً، وفقهاء العراق بعد حين ، أعاننا الله وإياهم على مرضاة الله والوطن.

فالعلم هو الأهم من السياسة الدنيوية بل السياسة الحقة إلى العلم تنتمي، وإلى الشعب ترجع ، وبالشعب تضر، فالتفتوا يا أولي الألباب، وانصحكم بأن تقدموا مصالح الشعب على مصالحكم السياسية فهو المقدم بعد الله وهم من وقع عليهم الظلم طيلة سنين الدكتاتورية والجرم لا غيرهم، وقد عانوا من إجبارهم على أمور كانوا منها ينفرون، فلا تجبروا طلبتنا على مثل ذلك.

ثم أوجه سلامي وكلامي إلى طلبتنا الأعزاء الكرام، وأقول لهم قول خير قائل، سيدنا أمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين علي بن أبي طالب (عليه السلام): عليكم بطلب العلم فطلبه فريضة والبحث عنه نافلة وهو صلة بين الأخوان ودال على المروءة وتحفة في المجالس وصاحب في السفر وأُنسٌ في الغربة.

ثم أقول توضيحاً : أطلبوا العلم فهو واجباً مهما استطعتم ونحن كحوزة من خلفكم نريد علومكم وتريدون علومنا ونوفر لكم مصادركم حيث استطعنا، بل إن استطعنا لأمنكم وفرنا ولعدوكم أبعدنا بعونه تعالى، ثم لا تنتظروا العلم بل عنه ابحثوا، فذلك نافلة ترفعك مقاماً عالياً، ولا تعتمد على غيرك فما حك جلدك مثل ظفرك، فتولى مهام أمرك، وأعلم أن هذا العلم سيجعلك للآخرين محباً وللشعب خادماً وللبلد معمراً، فالعلم صلة الأخوان وبكم يتوحد البلد وتنبذ الطائفية فالكل أخوان في عراقنا الحبيب فلا تنسوا ذلك ونحن لكم منتظرون، ولا تنسوا أن العلم بلا أخلاق لا قيمة له، فتحلوا بأسمى الأخلاق وعاملوا الجميع بها فيحلوا الكلام ويرتفع الظلام، ولا تطلب بعملك هذا غير وجه الله، فالمال زائل والدنيا زائلة وتمسك بعلمك ، ألم تسمع قول الأمير (عليه السلام): العلم حاكم والمال محكوم عليه، ثم أعلم أنك لتلك العلوم معلم ولها ناشر وأن العراق منبثق الحضارات وناشر العلوم، فسوف تكون لها إشعاعاً، وستُصيّر العراق ملاذاً لكل من يريد أن ينهل من كأس العلوم فيرتوي، فأعلموا أنكم في بلد الانبياء والرسل وبلد أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه (رضوان الله عليهم) وبلد العلماء والفقهاء والمخترعين والأطباء وكل العلوم السامية والعالية.

وأرجوا منكم أن تكونوا لعلومكم ناشرين ، ولها طابعين ، وللناس معلمين، وإني مستعد لمساعدتكم بتخصيص بعض الصحف والمجلات لكم لتنشروا بها علومكم وأبحاثكم ورسائلكم وكتبكم ومؤلفاتكم وتقاريركم وكل ما يفيد مجتمعكم فتكونوا نجوماً وضاءة في سماء العراق ونقطة بيضاء في تاريخ العراق فيعلو وتعلوا ويبقى الحق عالياً، فهو يعلو ولا يعلى عليه، فقد روي العلم علمان مطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذا لم يكن مطبوع.

وندعوا لكم بوافر العلم والتقوى والخير في الدنيا الآخرة وأتمنى لكم جمال اللسان وكمال العقل، وابنوا لآخرتكم كما تبنون لدنياكم ، ووفقكم الله لمرضاته.



أخوكم مقتدى الصدر

ملاحظة: هذه الرسالة لسماحة السيد مقتدى الصدر أُرسلت ووزعت على الطلبة قبل أكثر من شهرين ونصف ، لذا أقتضى التنويه.