المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بريد العراق.. تحرر من الرقابة الصارمة ليقع في الفخ الأمني



مجاهدون
03-28-2005, 07:40 AM
كانت الرقابة والمنع في ظل النظام السابق أكثر ما يقلق العوائل العراقية التي تتراسل مع أبنائها في خارج العراق. فالرسائل كانت تصل الى أصحابها مفتوحة أو ممزقة أو مشوهة ومختومة بعبارة «فتحت من قبل إدارة البريد»، وإذا غامر احد بإرسال طرد بريدي من خارج العراق الى عائلته فمن المؤكد أن الطرد لن يصل، فبعض العاملين في البريد جاهزون للسرقة. هكذا كان حال البريد العراقي الذي لم تحمل طوابعه لسنوات طويلة سوى صور صدام حسين بألوان مختلفة، فهو كان دائرة تابعة للأجهزة الأمنية مما جعل العراقيون يخترعون لغة الرسائل المشفرة التي تنقل بأيدي سائقي السيارات المتنقلة بين بغداد والعاصمة الأردنية عمان لضمان وصولها.

ولكن ما لذي حصل بعد رفع رقابة الممنوع وكيف هي رحلة الرسالة العراقية بين دول العالم اليوم في ظل الوضع الأمني غير المستقر؟ كيف تخرج وكيف تدخل وهل هناك من يترصدها كما في السابق؟ هذه الأسئلة وغيرها وجدنا أجوبتها بين صفوف 143 منتسبا في بريد بغداد والتبادل البريدي في بغداد وعلى مساحة تبدو صغيرة في واجهتها لكنها كبيرة في حجم الخدمات التي تقدمها لكل من يريد ان يراسل أي شخص في العالم أو يبعث له بهدية أو يتسلم منه كذلك. «الشرق الأوسط» رافقت رحلة الرسالة في ذلك المكان، حيث قال مدير بريد بغداد المهندس فاضل داوود سلمان ان«الرسالة بالنسبة الى منطقة بغداد تأتي عبر طرفيها الكرخ والرصافة وكذلك من مناطق الأطراف وعبر مكاتبنا البريدية المنتشرة وعددها 65 مكتبا بريديا في عموم العراق ومن خلال مكتبنا يتم تسليم الرسائل الى قسم التبادل التجاري الذي يتسلم البريد من كل أنحاء العراق».

في قسم التبادل البريدي تعرفنا على تفاصيل رحلة الرسالة. يقول كاظم سعيد علوان مدير التبادل البريدي «نحن نتسلم البريد الداخلي من مكاتبنا من كل أنحاء العراق ونتسلم البريد الخارجي عن طريق عمان من مطار بغداد الدولي ونقوم بإرسال البريد إلى الخارج عن طريق شركة «دي. اتش. ال» مرة واحدة أسبوعيا ويتم إرسال البريد العراقي كله الى البحرين قبل ان يوزع إلى دول العالم».

ويوضح علوان قائلا «بدأ العمل بالبريد المركزي مباشرة بعد سقوط النظام بخمسة أيام ولم يتوقف عمل البريد في العراق إلا فترة وجيزة على الرغم من عدم وجود أي مستلزمات لاستمرار العمل الذي ما يزال يعالج يدويا لعدم وجود المستلزمات الآلية في الفحص والوزن والتفاصيل البريدية الأخرى».

وحول الرقابة على الرسائل والطرود البريدية والمطبوعات قال علوان إن «الطرد يفتح أمام المواطن من قبل لجنة مكونة من مدير الإشراف ومسؤول الطرود وممثل عن هيئة الجمارك وليس هناك من رقابة على الرسائل أبدا وكذلك بالنسبة للمطبوعات التي كانت تذهب في السابق إلى لجنة أمنية في وزارة الإعلام لتقرر منعها أو السماح لها، وبصورة عامة كانت كل المطبوعات ممنوعة من الدخول إلى العراق مهما كانت عناوينها او محتوياتها بما فيها الكتب العلمية، أما الآن فمسموح لكل المطبوعات بالدخول باستثناء المجلات الإباحية التي تنشر صورا منافية للأخلاق والمجتمع.

ويشير محمد فوزي مسؤول الإشراف في قسم التبادل البريدي الى ان «أجور الطرود تتبع أوزانها والبلاد الذاهبة إليها، وتعتبر أسعار العراق رمزية قياسا إلى أسعار دول العالم، والبريد الوارد الى العراق كله مسموح له بالدخول عدا بريد إسرائيل، وقد حصلت حالات قليلة جاءت فيها رسائل عابرة الى إيران عن طريق الترانزيت، وقد قمنا بإعادتها الى مصدرها باعتبار ان لا وجود للعلاقات لنا مع إسرائيل ولم نتابعه كما يحصل مع البريد الوارد أو الصادر الآخر، فمن حق العميل الذي يقدم لنا طردا ما ولم يصل إلى هدفه ان يستعلم عن مصيره بتقديم طلب الى دائرة البريد لنتابع له رحلة هذا الطرد والعناوين التي وصلها، وقد حصلت عدة حالات من هذا النوع واستطعنا ان نعرف مصير تلك الطرود ونخبر أصحابها بعد أن نوصلها الى الهدف». وعن وجود رقابة ما على كتابة الرسائل قال مدير التبادل البريدي «لا وجود لمثل هذه الرقابة أبدا ولكل شخص الحرية فيما يكتب ويرسل إلى أي مكان في العالم وليس من حق أي شخص أن يكون رقيبا على كلمات غيره مهما كانت سلطته، فهذا يعتبر خرقا قانونيا تحاسب عليه المواثيق».

ويوضح علوان أن أهم المشاكل التي تواجه رحلة الرسالة في الداخل هي«سوء الأوضاع الأمنية، فقد تعرضت بعض سياراتنا لعمليات السلب والسرقة لكل البريد الذي تحمله بين البصرة وبغداد والرمادي وبغداد. فالرحلة الأسبوعية في الداخل تكون بين البصرة فالناصرية والسماوة ثم بابل وتعود الى بغداد، وهناك خط بصرة ـ عمارة ـ كوت ـ بغداد مباشرة وخط الشمال عبر دهوك ـ اربيل ـ السليمانية ثم كركوك ـ بغداد، وهذا الخط يعمل ثلاث مرات أسبوعيا وخطوط الموصل ـ بغداد وصلاح الدين ـ بغداد والانبار ـ بغداد وديالى، بغداد يومين أسبوعيا.

واطلعت «الشرق الأوسط» على الرسائل الخارجة من العراق والتي تحمل مغلفاتها طوابع بريدية جديدة تزينها خارطة العراق وصور تاريخية عن العراق. وكان عدد الطرود التي دخلت العراق خلال الشهر الأخير قد بلغ 202 طرد والبريد السريع 41 والمسجلات الجوية 1145 والبريد الدولي 125.153 الفا والرزم 427 والمسجلة 111 والمطبوعات 50500 والبريد الصادر من العراق خلال نفس الشهر هو 46700 رسالة و 3270 مطبوعة و2059 رسالة مسجلة و 239 رزمة و 300 طرد.

رغم ذلك فنحن نادرا ما نصادف ساعي البريد في شوارع بغداد، عندما سألنا مهند حسن، طالب في الجامعة التكنولوجية عن عدد الرسائل التي تصله بواسطة البريد شهريا، نظر إلينا شبه مستغربا وقال «رسائل بريدية؟ كلا أنا لم اتسلم رسائل بواسطة البريد بل أتبادل الرسائل عبر الانترنت، إنها الأضمن والأسرع وصولا«ثم سألنا قائلا «هل تعتقدون بأن هناك ما زال من يراسل الآخرين عبر البريد؟».