fadel
03-27-2005, 05:00 PM
علاج للمأزق الاقتصادي لدى البعض.. وآفة اجتماعية لدى الآخر
تحقيق: محمد حنفي
انتشرت في السنوات الأخيرة أسواق شعبية تبيع بضائعها بسعر موحد هو 100 فلس بل تنافسها الآن أسواق تبيع بضائع ب 50 فلسا. ويبدو المشهد مثيرا في هذه الأسواق حيث يحمل الزبائن ومعظمهم من النساء السلال أو يدفعون أمامهم عربات التسوق بينما ينتشر الأطفال هنا وهناك في مشهد يزيد من هالة الصورة الاستهلاكية التي تعاني منها المجتمعات العربية وعلى رأسها دول الخليج.
هذه الأسواق التي انتشرت في العديد من الدول العربية مثل مصر والكويت جاءت متزامنة مع موضة أخرى انتشرت خلال السنوات الأخيرة في هذه البلاد وهي ثقافة «المول» الذي يضم الكثير من الأسواق، خاصة تلك التي تبيع البضائع الصغيرة والبسيطة. في هذه الأسواق ومن بينها أسواق الـ 100 والـ 50 فلسا يجري إغواء المستهلك لكي يشتري ما لا يحتاج إليه، فالمهم هو أن يشتري، فالكماليات أصبحت أهم من الضروريات.
وبضائع هذه الأسواق عبارة عن مئات من الإكسسوارات ولعب الأطفال والأواني المنزلية ومواد التنظيف والمواد المكتبية وإطارات صور والزهور الصناعية والأكواب التي تصنع وحدها ثقافة أخرى اخترعت في السنوات الأخيرة هي ثقافة الـ mug حيث يجب أن يكون لكل شخصmug خاص به في البيت والعمل يعكس شخصيته وطريقته في الحياة، بالإضافة إلى قائمة طويلة من السلع الأخرى التي تخترع خصيصا للمناسبات والأعياد من العيد الوطني إلى عيد الحب ومن عيد الأم إلى كذبة أبريل.
أسواق وناسة
تقول أم عمر (سكرتيرة) التي كانت تدفع أمامها عربة مليئة بالصابون وأكياس البلاستيك والأكواب وأطفالها الثلاثة يحمل كل منهم في يده لعبة رخيصة مغلفة بالبلاستيك:
ـ والله أسواق الـ 100 فلس «وناسة»، وعملية التسوق فيها ممتعة ولا تكلف كثيرا. بضائع هذه الأسواق بعضها «تافه» لكن أكثرها مفيد للبيت وللأطفال، وهي تباع في المجمعات الكبرى بأكثر من سعرها هنا، ويكفي أنها خلصتني من وجع دماغ الأطفال. فأنا أصطحب أطفالي الثلاثة وكل منهم يأخذ لعبة أو لعبتين ولا أدفع إلا 100 فلس في اللعبة. ولو حسبت الأموال التي أنفقتها على الألعاب الغالية التي أخذت طريقها إلى الزبالة بعد تكسيرها لكونت ثروة. الآن لا اهتم إذا كسروا هذه الألعاب فهي لا تكلفني الكثير.
ويمدح محمد العنزي (متقاعد) ظاهرة انتشار أسواق الـ 100 فلس باعتبارها وسيلة فعالة تعلم الكويتيين والمقيمين فن الادخار بعيدا عن التبذير الذي اشتهرت به المجتمعات الخليجية خاصة في شراء الأشياء غير الضرورية، ويقول:
ـ إن هذه الأسواق هي المكان الأفضل لمن يعانون من الضعف أمام الشراء، وأنصح هؤلاء المهووسين بالذهاب إلى هذه الأسواق والشراء، فمهما حملوا من بضائع لن يدفعوا أكثر من دينارين.
لكن خالد فهاد (موظف) لا يرى ميزة في مثل هذه الأسواق ويقول:
ـ إنها امتداد للأسلوب الاستهلاكي الذي تعود عليه المواطنون والوافدون في الكويت في السنوات الأخيرة، من مظاهره انتشار أسواق الـ100 فلس فلا شيء مفيدا في هذه الأسواق كما أن بضائعها رديئة، ومن يشاهد الزبائن فيها يعتقد أنهم تركوا عقولهم في البيت، فكل زبون يحمل ثلاثين وأربعين سلعة، ولأن السعر قليل فإن بعضهم يتوهمون أنهم يوفرون.
Made in china
وأسأل أحمد سبيهي المسؤول عن أحد هذه الأسواق عن مصدر هذه البضائع فيقول:
ـ من غيرها؟ الصين طبعا.. معظم البضائع made in china أما عن الإقبال على بضائع الـ 100 فلس فإن بعض أنواع البضائع لا تبقى سوى أيام، لذا فالإقبال على هذه الأسواق كبير لأنها تحتوي على كم كبير من البضائع الجديدة التي تجذب الناس، وكذلك ألعاب الأطفال التي لا تكلف الآباء كثيرا، فبمائة فلس تشتري لعبة لطفلك.
والإقبال عليها من قبل الكويتيين والوافدين، فالكويتيون يزداد إقبالهم على الأشياء والإكسسوارات الصغيرة بينما الوافدون يشترون الكثير من البضائع كهدايا أثناء قضائهم اجازتهم في بلادهم.
وعن مكسبه من الـ 100 فلس؟ يجيب:
ـ عندما تبيع كثيرا بربح قليل تربح في النهاية كثيرا.
تنشئ أجيالا استهلاكية
يؤكد د. يعقوب الكندري أستاذ علم الاجتماع في جامعة الكويت أن هذه الأسواق ما هي إلا امتداد للنمط الاستهلاكي الذي تعيشه المجتمعات الخليجية ومن بينها الكويت وقال:
ـ للثقافة دور كبير في عملية الشراء، ومن بينها الموازنة بين الضروريات والكماليات، وما يحدث أن هذه الأسواق مفيدة في أشياء كثيرة ولعدة شرائح حيث توفر بعض السلع بأسعار زهيدة. ولكن الخطير أن انتشار هذه الأسواق يدعم النموذج الاستهلاكي الذي نعانيه في الكويت حيث يقوم البعض بالشراء بلا وعي أو ترتيب للأولويات، فيشتري ما لا يحتاج إليه وما ليس ضروريا ويمكن الاستغناء عنه. ووجود هذه الأسواق وبسعر رخيص يجعل البعض يستسهل عملية الشراء ويبتاع عددا كبيرا من السلع لا يحتاج إليها وهذا تبذير نعانيه حتى في الجمعيات والمجمعات الكبرى.
وليت إنتاج هذه السلع كان وطنيا لكنا تحدثنا عن نقطة إيجابية تتعلق بتشجيع الصناعة الوطنية، ولكن هذه الأسواق تشير إلى أزمة أخرى تتعلق بمشكلة يعانيها المجتمع، فحتى أبسط الأشياء لا نستطيع إنتاجها في بلادنا. وهذه السلع استهلاكها وقتي بل إن بعضها لا يستمر سوى دقائق كما يحدث مع ألعاب الأطفال التي لا تحمل قيمنا.
هذه الثقافة الاستهلاكية يرضعها الجيل القادم من آبائه، فهو يراهم وهم يحملون العربة ويضعون السلع بلا أدنى تفكير فيما اذا كانوا يحتاجونها فعلا أم لا. وعندما يطلب الطفل أي عدد من الألعاب تشترى له فورا ما دام السعر رخيصا. وعندما يكبر هذا الطفل ويصبح أبا سيصطحب أبناءه وسيفرط في الشراء كما كان يفعل والده، والنتيجة مزيد من ثقافة الاستهلاك. فمجتمعاتنا العربية ومنها الخليجية أصبحت ضحية لما يطلق عليه السلوك الاستهلاكي.
وانتشار هذه الأسواق على رغم احترامي لكل الآراء التي تتحدث عن فائدتها لشرائح كثيرة في المجتمع تزيد من سطوة هذا السلوك على الأقل داخل هذه الشرائح.
تحقيق: محمد حنفي
انتشرت في السنوات الأخيرة أسواق شعبية تبيع بضائعها بسعر موحد هو 100 فلس بل تنافسها الآن أسواق تبيع بضائع ب 50 فلسا. ويبدو المشهد مثيرا في هذه الأسواق حيث يحمل الزبائن ومعظمهم من النساء السلال أو يدفعون أمامهم عربات التسوق بينما ينتشر الأطفال هنا وهناك في مشهد يزيد من هالة الصورة الاستهلاكية التي تعاني منها المجتمعات العربية وعلى رأسها دول الخليج.
هذه الأسواق التي انتشرت في العديد من الدول العربية مثل مصر والكويت جاءت متزامنة مع موضة أخرى انتشرت خلال السنوات الأخيرة في هذه البلاد وهي ثقافة «المول» الذي يضم الكثير من الأسواق، خاصة تلك التي تبيع البضائع الصغيرة والبسيطة. في هذه الأسواق ومن بينها أسواق الـ 100 والـ 50 فلسا يجري إغواء المستهلك لكي يشتري ما لا يحتاج إليه، فالمهم هو أن يشتري، فالكماليات أصبحت أهم من الضروريات.
وبضائع هذه الأسواق عبارة عن مئات من الإكسسوارات ولعب الأطفال والأواني المنزلية ومواد التنظيف والمواد المكتبية وإطارات صور والزهور الصناعية والأكواب التي تصنع وحدها ثقافة أخرى اخترعت في السنوات الأخيرة هي ثقافة الـ mug حيث يجب أن يكون لكل شخصmug خاص به في البيت والعمل يعكس شخصيته وطريقته في الحياة، بالإضافة إلى قائمة طويلة من السلع الأخرى التي تخترع خصيصا للمناسبات والأعياد من العيد الوطني إلى عيد الحب ومن عيد الأم إلى كذبة أبريل.
أسواق وناسة
تقول أم عمر (سكرتيرة) التي كانت تدفع أمامها عربة مليئة بالصابون وأكياس البلاستيك والأكواب وأطفالها الثلاثة يحمل كل منهم في يده لعبة رخيصة مغلفة بالبلاستيك:
ـ والله أسواق الـ 100 فلس «وناسة»، وعملية التسوق فيها ممتعة ولا تكلف كثيرا. بضائع هذه الأسواق بعضها «تافه» لكن أكثرها مفيد للبيت وللأطفال، وهي تباع في المجمعات الكبرى بأكثر من سعرها هنا، ويكفي أنها خلصتني من وجع دماغ الأطفال. فأنا أصطحب أطفالي الثلاثة وكل منهم يأخذ لعبة أو لعبتين ولا أدفع إلا 100 فلس في اللعبة. ولو حسبت الأموال التي أنفقتها على الألعاب الغالية التي أخذت طريقها إلى الزبالة بعد تكسيرها لكونت ثروة. الآن لا اهتم إذا كسروا هذه الألعاب فهي لا تكلفني الكثير.
ويمدح محمد العنزي (متقاعد) ظاهرة انتشار أسواق الـ 100 فلس باعتبارها وسيلة فعالة تعلم الكويتيين والمقيمين فن الادخار بعيدا عن التبذير الذي اشتهرت به المجتمعات الخليجية خاصة في شراء الأشياء غير الضرورية، ويقول:
ـ إن هذه الأسواق هي المكان الأفضل لمن يعانون من الضعف أمام الشراء، وأنصح هؤلاء المهووسين بالذهاب إلى هذه الأسواق والشراء، فمهما حملوا من بضائع لن يدفعوا أكثر من دينارين.
لكن خالد فهاد (موظف) لا يرى ميزة في مثل هذه الأسواق ويقول:
ـ إنها امتداد للأسلوب الاستهلاكي الذي تعود عليه المواطنون والوافدون في الكويت في السنوات الأخيرة، من مظاهره انتشار أسواق الـ100 فلس فلا شيء مفيدا في هذه الأسواق كما أن بضائعها رديئة، ومن يشاهد الزبائن فيها يعتقد أنهم تركوا عقولهم في البيت، فكل زبون يحمل ثلاثين وأربعين سلعة، ولأن السعر قليل فإن بعضهم يتوهمون أنهم يوفرون.
Made in china
وأسأل أحمد سبيهي المسؤول عن أحد هذه الأسواق عن مصدر هذه البضائع فيقول:
ـ من غيرها؟ الصين طبعا.. معظم البضائع made in china أما عن الإقبال على بضائع الـ 100 فلس فإن بعض أنواع البضائع لا تبقى سوى أيام، لذا فالإقبال على هذه الأسواق كبير لأنها تحتوي على كم كبير من البضائع الجديدة التي تجذب الناس، وكذلك ألعاب الأطفال التي لا تكلف الآباء كثيرا، فبمائة فلس تشتري لعبة لطفلك.
والإقبال عليها من قبل الكويتيين والوافدين، فالكويتيون يزداد إقبالهم على الأشياء والإكسسوارات الصغيرة بينما الوافدون يشترون الكثير من البضائع كهدايا أثناء قضائهم اجازتهم في بلادهم.
وعن مكسبه من الـ 100 فلس؟ يجيب:
ـ عندما تبيع كثيرا بربح قليل تربح في النهاية كثيرا.
تنشئ أجيالا استهلاكية
يؤكد د. يعقوب الكندري أستاذ علم الاجتماع في جامعة الكويت أن هذه الأسواق ما هي إلا امتداد للنمط الاستهلاكي الذي تعيشه المجتمعات الخليجية ومن بينها الكويت وقال:
ـ للثقافة دور كبير في عملية الشراء، ومن بينها الموازنة بين الضروريات والكماليات، وما يحدث أن هذه الأسواق مفيدة في أشياء كثيرة ولعدة شرائح حيث توفر بعض السلع بأسعار زهيدة. ولكن الخطير أن انتشار هذه الأسواق يدعم النموذج الاستهلاكي الذي نعانيه في الكويت حيث يقوم البعض بالشراء بلا وعي أو ترتيب للأولويات، فيشتري ما لا يحتاج إليه وما ليس ضروريا ويمكن الاستغناء عنه. ووجود هذه الأسواق وبسعر رخيص يجعل البعض يستسهل عملية الشراء ويبتاع عددا كبيرا من السلع لا يحتاج إليها وهذا تبذير نعانيه حتى في الجمعيات والمجمعات الكبرى.
وليت إنتاج هذه السلع كان وطنيا لكنا تحدثنا عن نقطة إيجابية تتعلق بتشجيع الصناعة الوطنية، ولكن هذه الأسواق تشير إلى أزمة أخرى تتعلق بمشكلة يعانيها المجتمع، فحتى أبسط الأشياء لا نستطيع إنتاجها في بلادنا. وهذه السلع استهلاكها وقتي بل إن بعضها لا يستمر سوى دقائق كما يحدث مع ألعاب الأطفال التي لا تحمل قيمنا.
هذه الثقافة الاستهلاكية يرضعها الجيل القادم من آبائه، فهو يراهم وهم يحملون العربة ويضعون السلع بلا أدنى تفكير فيما اذا كانوا يحتاجونها فعلا أم لا. وعندما يطلب الطفل أي عدد من الألعاب تشترى له فورا ما دام السعر رخيصا. وعندما يكبر هذا الطفل ويصبح أبا سيصطحب أبناءه وسيفرط في الشراء كما كان يفعل والده، والنتيجة مزيد من ثقافة الاستهلاك. فمجتمعاتنا العربية ومنها الخليجية أصبحت ضحية لما يطلق عليه السلوك الاستهلاكي.
وانتشار هذه الأسواق على رغم احترامي لكل الآراء التي تتحدث عن فائدتها لشرائح كثيرة في المجتمع تزيد من سطوة هذا السلوك على الأقل داخل هذه الشرائح.