قاسم
03-26-2005, 04:00 PM
عبدالمطلب الكاظمي
تابعت باهتمام في الصحف الكويتية اغلب كتاب الزوايا الذين كتبوا عن خروج السيد المهري عن العرف العام وعدم الالتزام بتعليمات وزارة الاوقاف الكويتية، واني اذ اؤيد كل ما ذكروا في هذا الصدد، واؤكد ان وزارة الاوقاف اتخذت الموقف الصائب حين طلبت من الائمة والخطباء عدم اشغال المصلين بموضوع الحقوق السياسية للمرأة، صيانة للمساجد من الخوض بمسائل خلافية يشتد الجدل حولها،وهي رسالة يجب تعميمها لكل اطراف الطيف الاسلامي بأنه لا يجوز للخطيب مهما كانت مكانته فرض رأيه على المصلين في المسائل الخلافية الفقهية، وبالتالي لا يجوز شرعا توظيف منبر المسجد لتجريح المخالفين له في الرأي واتهامهم بالعلمانية او اليسارية او غيرها من التهم.
غير اني اود ان اشير الى معلومة مهمة ما كان من الواجب ان تفوت على فطنة السادة الكتاب حيث لم يلتفت اليها اي كاتب منهم، ولم يتساءل عن سبب حدوثها، هذه المعلومة ما تم ذكره على لسان السيد المهري «انه حر في ما يقول في مسجده كون هذا المسجد لم تقم على بنائه الدولة، ولا تصرف عليه وزارة الاوقاف».
ولأول وهلة فإن القارئ والمستمع لهذه العبارة قد يفوته المعنى الذي قصده السيد المهري والذي اراد ان يطلق صرخة مدوية لكي يسمعها الجميع بإدانة ممارسة التمييز الفاضح بين المواطنين الذي تتبناه الدولة ويشجعها عليه اغلبية المجتمع، ولنعد من البداية: عند تكوين امارة الكويت بدأ المهاجرون اليها ورغب معظمهم في الاستقرار بها كوطن دائم لهم للمزايا العظيمة لمكونات المجتمع حينذاك من تراحم وود وتواصل..
بدأت الرغبة في انشاء مساجد لكي يقيم السكان فيها فروض صلاتهم وتم تشييد مساجد لجميع المسلمين بمختلف طوائفهم ومذاهبهم من سنة وشيعة، وكانت تلك المساجد تقام على نفقة المتمولين من السكان القادرين على العطاء، وكانت الاسرة الحاكمة تشارك في تكاليف البناء بدون تفرقة، غير ان الحكم حينذاك لم يكن يستطيع الانفاق على بناء تلك المساجد بمفرده لضعف ايراد الدولة، واستمرت الحال على هذا المنوال حتى اوائل الستينات من القرن الماضي مع بدء الحكومة في ذلك الوقت بتشييد بعض المساجد والصرف عليها بشكل دائم من ادارة الاوقاف..
وعند اعلان الاستقلال لدولة الكويت وصدور دستور البلاد في عام 1962 وانشاء الوزارات المختلفة وصدور الميزانية العامة للدولة وبدء انشاء المناطق السكنية في ضواحي الكويت بدأت الدولة تتكفل ببناء المساجد من الميزانية العامة والصرف على شؤون تلك المساجد واحتياجاتها من ميزانية وزارة الاوقاف السنوية، والى هنا فإن الامور بدت في سياق التطور الطبيعي، لكن وزارة الاوقاف وبترتيب غير معلن مع اجهزة الادارة الحكومية وصناع القرار، اكتفت بتخصيص مواقع بناء للمساجد في المناطق النموذجية الجديدة لشريحة واحدة من المسلمين وتجاهلت المسلمين الشيعة في تخصيص وبناء مساجد لهم وتركت الامر للمتمولين منهم لكي ينشئوا مساجدهم.
والى هنا قد يبدو الامر اقتصر فقط على عدم تحميل تكاليف البناء والصيانة على ميزانية الدولة للمسلمين الشيعة، وان من السهل على اي فرد منهم يرغب في انشاء مسجد الحصول على الترخيص اللازم لذلك، ولكن واقع الحال لا ينطبق على ذلك القول حيث اذا اراد اي مواطن من المسلمين الشيعة بناء مسجد تحتاجه منطقة ما على حسابه الخاص فعليه ان يبدأ رحلة المعاناة والعذاب التي تطول لعدة سنوات في اخذ الموافقات اللازمة من الجهات الحكومية المختلفة والتي تصل في اغلب الاحيان الى طريق مسدود رغم الوساطات وتبويس اللحى والشوارب، اضف الى ذلك انه قبل ما سبق ذكره عليه اخذ الموافقات والرضا التام من جيران بيت الله المنوي تشييده لكي يتم بناء المسجد قرب بيوتهم! ولعل هذا الاجراء بحد ذاته ادى ويؤدي الى التنافر بين شرائح المجتمع لما له من وقع مؤلم وتكريس للفرقة والتعصب.
كل ذلك يجري في ظل مبادئ الدستور التي تكفل المساواة في الحقوق والواجبات وفي ظل الحياة الديموقراطية التي نفخر ونعتز بها وتحت شعار الاسرة الواحدة الذي نصدح به ليلا ونهارا.
اذن اليس من حق السيد المهري ان يتساءل بطريقته الخاصة ويرمي حجرا في المياه الراكدة عن سبب عدم قيام الدولة، وهي الامينة على الدستور، بإنشاء المساجد للمسلمين الشيعة؟ او ليس من حقه ايضا ان يتساءل عن عدم قيام وزارة الاوقاف بالصرف على خدمات وصيانة هذه المساجد؟ واننا نتساءل بدورنا لماذا تكون الحكومة حادة البصر واسعة العينين في امور كثيرة! وتكون كريمة العين في مثل هذا الامر! ولماذا تتبع مثل هذه السياسة مع مواطنيها وهي تعلم انها تؤدي إلى عدم رضاهم وتراكم شعورهم بالظلم والتمييز.
لقد ادت هذه السياسة غير العادلة الى حرمان غالبية المسلمين الشيعة من وجود مساجد لهم اذ بلغ عددها حتى الآن عددا لا يتناسب مع مجموعهم ومتطلباتهم لهذه المساجد في البلاد.
إن غالبية المجتمع الكويتي قد تكون مغيبة عن هذه الحقيقة او انهم ـ على احسن تقدير ـ لم يشعروا بها لأنها لا تمسهم بصورة مباشرة. غير ان العين الراصدة الاجنبية التي تعد التقارير والاحصائيات في مثل هذه الامور ليست بعيدة عن رصد مثل هذه الحقائق. ولعل خير دليل على ما اقول هو تقرير وزارة الخارجية الاميركية، الذي تم رفعه الى الحكومة الكويتية والذي تم نشره في الصحف المحلية والخاص بحقوق المواطنين من ناحية حرية العبادة والمتمثلة بالمساجد الموجودة في الكويت، يشير الى ان المسلمين الشيعة في الكويت والذين يمثلون 30% من السكان لديهم 30 مسجدا فقط بينما اخوانهم من المسلمين السنة الذين يمثلون 70% من السكان لديهم الف ومائتي مسجد (1200) وهي مفارقة مذهلة بالنسبة الى المراقبين من خارج البلاد والذين يعكفون على احصاء المثالب والخروقات في الحقوق المدنية والدينية لجميع الاقليات في بلدان العالم.
ولعل الاغرب والاعجب من التقرير السالف ذكره هو رد الحكومة على التقرير الاميركي والذي نشر ايضا في الصحف الكويتية وفحواه نعم ان ما ذكر في التقرير صحيح من ناحية عدد المساجد غير ان الشيعة لديهم 400 حسينية مرخصة و600 حسينية غير مرخصة يقيمون فيها عباداتهم الدينية، واني على يقين بأن كاتب هذا التقرير الذي اراد الخلط والدس يعلم حق العلم ان الحسينيات لم تكن في يوم من الايام دورا للعبادة لدى الشيعة ولا يمكن مساواتها بالمساجد التي تتم اقامة الصلاة اليومية وصلاة الجمعة والعيدين فيها ولا تتم الصلاة في غيرها من الاماكن.
وان الحسينيات ما هي الا ديوانيات جماعية تتشابه مع آلاف الديوانيات المنتشرة في طول البلاد وعرضها، ويتم بها في مواسم معينة فقط القاء محاضرات ثقافية تشمل التاريخ وتعاليم الدين، غير ان كاتب الرد على التقرير الاميركي والذي اراد الدفاع عن موقف الحكومة ادخلها في مطب آخر، حيث ذكر ان هناك 600 حسينية غير مرخصة ومع التحفظ على الارقام المذكورة في رد الحكومة والتي تعوزها الدقة وترقى الى مستوى المبالغة، فلماذا تكون هذه الحسينيات غير مرخصة اذا كانت دورا للعبادة، كما يدعي كاتب الرد على التقرير الاميركي ـ ومساوية للمساجد؟ وهل معنى ذلك ان المواطنين الشيعة يضطرون الى انشاء حسينيات غير مرخصة بسبب عدم منحهم الترخيص اللازم؟! ولماذا لا يمنح هذا الترخيص؟ وهل الحكومة مستعدة لإكمال بناء هذه الحسينيات بإعطاء التراخيص اللازمة لأصحابها لإقامة المآذن فيها ولإكمال الشكل الطبيعي لها كمساجد؟
ان السؤال يظل حائرا لماذا تكيل الحكومة بمكيالين مختلفين في موضوع اقامة المساجد بين المسلمين السنة والشيعة؟ ولماذا هذا التمييز والاصرار عليه؟ وهل من المنطق والعدل ان تسيء الدولة الى نفسها لهذه الدرجة امام مواطنيها وامام العالم الخارجي.
لقد اصبح هذا التمييز بين المواطنين ثقافة سائدة لا تعتنقها الدولة فقط وانما تمت تربية اجيال من المسؤولين والاداريين عليها حتى اصبحت جزءا من شخصياتهم، واصبحت الاستهانة والاستخفاف بالاصوات المطالبة بالمساواة بين المواطنين امرا مفروغا منه، ومن العجيب ان المسؤولين وغالبية المجتمع والهيئات المهتمة بمصالح الوطن لم تدرك حتى هذه اللحظة الخطورة الكامنة من نتائج هذا التمييز البغيض.
ان الحياة الديموقراطية التي نعيش جميعا كمواطنين في ظلالها وقيمها تحتم على الاغلبية حماية الاقليات والدفاع عن حقوقهم لكي يعتدل ميزان العدالة ويعيش الجميع آمنين مطمئنين على حقوقهم وواجباتهم ولعل مسؤولية الكتاب الأفاضل، الذين يحملون مسؤولية الكلمة الصادقة وقلوبهم على الكويت الغالية، ان يكتبوا ويلحوا في الكتابة تنويرا للمجتمع ولرفع غشاوة التعصب عن عيون من يصر على اكمال السير في هذا المنزلق، وان يشكلوا ضغطا ايجابيا على اصحاب القرار لكي يعودوا الى جادة الصواب.
ان المواطنين كافة مدعوون الى التكاتف والتراحم فيما بينهم، وعليهم البدء بإزالة اسباب الفرقة والاختلاف بين شرائحهم، ولعل نقطة الاساس لهذه المعاني المطلوبة هي البدء بإلغاء هذه التفرقة الجائرة بين المواطنين بخصوص اقامة المساجد وتفعيل مواد الدستور التي كفلت معاني سامية اهمها المساواة.. وعلى المواطن الغيور على وطنه كل في موقعه المساهمة بالمناداة والايمان بأن امن وامان الوطن يبدآن من هنا، واذا لم نقم جميعا بذلك فإن هذا الامر سيؤدي آجلا او عاجلا لتدخلات خارجية في شؤوننا الداخلية، تلك التدخلات التي لا نرغب جميعا كأصحاب وطن واحد في حصولها.
تابعت باهتمام في الصحف الكويتية اغلب كتاب الزوايا الذين كتبوا عن خروج السيد المهري عن العرف العام وعدم الالتزام بتعليمات وزارة الاوقاف الكويتية، واني اذ اؤيد كل ما ذكروا في هذا الصدد، واؤكد ان وزارة الاوقاف اتخذت الموقف الصائب حين طلبت من الائمة والخطباء عدم اشغال المصلين بموضوع الحقوق السياسية للمرأة، صيانة للمساجد من الخوض بمسائل خلافية يشتد الجدل حولها،وهي رسالة يجب تعميمها لكل اطراف الطيف الاسلامي بأنه لا يجوز للخطيب مهما كانت مكانته فرض رأيه على المصلين في المسائل الخلافية الفقهية، وبالتالي لا يجوز شرعا توظيف منبر المسجد لتجريح المخالفين له في الرأي واتهامهم بالعلمانية او اليسارية او غيرها من التهم.
غير اني اود ان اشير الى معلومة مهمة ما كان من الواجب ان تفوت على فطنة السادة الكتاب حيث لم يلتفت اليها اي كاتب منهم، ولم يتساءل عن سبب حدوثها، هذه المعلومة ما تم ذكره على لسان السيد المهري «انه حر في ما يقول في مسجده كون هذا المسجد لم تقم على بنائه الدولة، ولا تصرف عليه وزارة الاوقاف».
ولأول وهلة فإن القارئ والمستمع لهذه العبارة قد يفوته المعنى الذي قصده السيد المهري والذي اراد ان يطلق صرخة مدوية لكي يسمعها الجميع بإدانة ممارسة التمييز الفاضح بين المواطنين الذي تتبناه الدولة ويشجعها عليه اغلبية المجتمع، ولنعد من البداية: عند تكوين امارة الكويت بدأ المهاجرون اليها ورغب معظمهم في الاستقرار بها كوطن دائم لهم للمزايا العظيمة لمكونات المجتمع حينذاك من تراحم وود وتواصل..
بدأت الرغبة في انشاء مساجد لكي يقيم السكان فيها فروض صلاتهم وتم تشييد مساجد لجميع المسلمين بمختلف طوائفهم ومذاهبهم من سنة وشيعة، وكانت تلك المساجد تقام على نفقة المتمولين من السكان القادرين على العطاء، وكانت الاسرة الحاكمة تشارك في تكاليف البناء بدون تفرقة، غير ان الحكم حينذاك لم يكن يستطيع الانفاق على بناء تلك المساجد بمفرده لضعف ايراد الدولة، واستمرت الحال على هذا المنوال حتى اوائل الستينات من القرن الماضي مع بدء الحكومة في ذلك الوقت بتشييد بعض المساجد والصرف عليها بشكل دائم من ادارة الاوقاف..
وعند اعلان الاستقلال لدولة الكويت وصدور دستور البلاد في عام 1962 وانشاء الوزارات المختلفة وصدور الميزانية العامة للدولة وبدء انشاء المناطق السكنية في ضواحي الكويت بدأت الدولة تتكفل ببناء المساجد من الميزانية العامة والصرف على شؤون تلك المساجد واحتياجاتها من ميزانية وزارة الاوقاف السنوية، والى هنا فإن الامور بدت في سياق التطور الطبيعي، لكن وزارة الاوقاف وبترتيب غير معلن مع اجهزة الادارة الحكومية وصناع القرار، اكتفت بتخصيص مواقع بناء للمساجد في المناطق النموذجية الجديدة لشريحة واحدة من المسلمين وتجاهلت المسلمين الشيعة في تخصيص وبناء مساجد لهم وتركت الامر للمتمولين منهم لكي ينشئوا مساجدهم.
والى هنا قد يبدو الامر اقتصر فقط على عدم تحميل تكاليف البناء والصيانة على ميزانية الدولة للمسلمين الشيعة، وان من السهل على اي فرد منهم يرغب في انشاء مسجد الحصول على الترخيص اللازم لذلك، ولكن واقع الحال لا ينطبق على ذلك القول حيث اذا اراد اي مواطن من المسلمين الشيعة بناء مسجد تحتاجه منطقة ما على حسابه الخاص فعليه ان يبدأ رحلة المعاناة والعذاب التي تطول لعدة سنوات في اخذ الموافقات اللازمة من الجهات الحكومية المختلفة والتي تصل في اغلب الاحيان الى طريق مسدود رغم الوساطات وتبويس اللحى والشوارب، اضف الى ذلك انه قبل ما سبق ذكره عليه اخذ الموافقات والرضا التام من جيران بيت الله المنوي تشييده لكي يتم بناء المسجد قرب بيوتهم! ولعل هذا الاجراء بحد ذاته ادى ويؤدي الى التنافر بين شرائح المجتمع لما له من وقع مؤلم وتكريس للفرقة والتعصب.
كل ذلك يجري في ظل مبادئ الدستور التي تكفل المساواة في الحقوق والواجبات وفي ظل الحياة الديموقراطية التي نفخر ونعتز بها وتحت شعار الاسرة الواحدة الذي نصدح به ليلا ونهارا.
اذن اليس من حق السيد المهري ان يتساءل بطريقته الخاصة ويرمي حجرا في المياه الراكدة عن سبب عدم قيام الدولة، وهي الامينة على الدستور، بإنشاء المساجد للمسلمين الشيعة؟ او ليس من حقه ايضا ان يتساءل عن عدم قيام وزارة الاوقاف بالصرف على خدمات وصيانة هذه المساجد؟ واننا نتساءل بدورنا لماذا تكون الحكومة حادة البصر واسعة العينين في امور كثيرة! وتكون كريمة العين في مثل هذا الامر! ولماذا تتبع مثل هذه السياسة مع مواطنيها وهي تعلم انها تؤدي إلى عدم رضاهم وتراكم شعورهم بالظلم والتمييز.
لقد ادت هذه السياسة غير العادلة الى حرمان غالبية المسلمين الشيعة من وجود مساجد لهم اذ بلغ عددها حتى الآن عددا لا يتناسب مع مجموعهم ومتطلباتهم لهذه المساجد في البلاد.
إن غالبية المجتمع الكويتي قد تكون مغيبة عن هذه الحقيقة او انهم ـ على احسن تقدير ـ لم يشعروا بها لأنها لا تمسهم بصورة مباشرة. غير ان العين الراصدة الاجنبية التي تعد التقارير والاحصائيات في مثل هذه الامور ليست بعيدة عن رصد مثل هذه الحقائق. ولعل خير دليل على ما اقول هو تقرير وزارة الخارجية الاميركية، الذي تم رفعه الى الحكومة الكويتية والذي تم نشره في الصحف المحلية والخاص بحقوق المواطنين من ناحية حرية العبادة والمتمثلة بالمساجد الموجودة في الكويت، يشير الى ان المسلمين الشيعة في الكويت والذين يمثلون 30% من السكان لديهم 30 مسجدا فقط بينما اخوانهم من المسلمين السنة الذين يمثلون 70% من السكان لديهم الف ومائتي مسجد (1200) وهي مفارقة مذهلة بالنسبة الى المراقبين من خارج البلاد والذين يعكفون على احصاء المثالب والخروقات في الحقوق المدنية والدينية لجميع الاقليات في بلدان العالم.
ولعل الاغرب والاعجب من التقرير السالف ذكره هو رد الحكومة على التقرير الاميركي والذي نشر ايضا في الصحف الكويتية وفحواه نعم ان ما ذكر في التقرير صحيح من ناحية عدد المساجد غير ان الشيعة لديهم 400 حسينية مرخصة و600 حسينية غير مرخصة يقيمون فيها عباداتهم الدينية، واني على يقين بأن كاتب هذا التقرير الذي اراد الخلط والدس يعلم حق العلم ان الحسينيات لم تكن في يوم من الايام دورا للعبادة لدى الشيعة ولا يمكن مساواتها بالمساجد التي تتم اقامة الصلاة اليومية وصلاة الجمعة والعيدين فيها ولا تتم الصلاة في غيرها من الاماكن.
وان الحسينيات ما هي الا ديوانيات جماعية تتشابه مع آلاف الديوانيات المنتشرة في طول البلاد وعرضها، ويتم بها في مواسم معينة فقط القاء محاضرات ثقافية تشمل التاريخ وتعاليم الدين، غير ان كاتب الرد على التقرير الاميركي والذي اراد الدفاع عن موقف الحكومة ادخلها في مطب آخر، حيث ذكر ان هناك 600 حسينية غير مرخصة ومع التحفظ على الارقام المذكورة في رد الحكومة والتي تعوزها الدقة وترقى الى مستوى المبالغة، فلماذا تكون هذه الحسينيات غير مرخصة اذا كانت دورا للعبادة، كما يدعي كاتب الرد على التقرير الاميركي ـ ومساوية للمساجد؟ وهل معنى ذلك ان المواطنين الشيعة يضطرون الى انشاء حسينيات غير مرخصة بسبب عدم منحهم الترخيص اللازم؟! ولماذا لا يمنح هذا الترخيص؟ وهل الحكومة مستعدة لإكمال بناء هذه الحسينيات بإعطاء التراخيص اللازمة لأصحابها لإقامة المآذن فيها ولإكمال الشكل الطبيعي لها كمساجد؟
ان السؤال يظل حائرا لماذا تكيل الحكومة بمكيالين مختلفين في موضوع اقامة المساجد بين المسلمين السنة والشيعة؟ ولماذا هذا التمييز والاصرار عليه؟ وهل من المنطق والعدل ان تسيء الدولة الى نفسها لهذه الدرجة امام مواطنيها وامام العالم الخارجي.
لقد اصبح هذا التمييز بين المواطنين ثقافة سائدة لا تعتنقها الدولة فقط وانما تمت تربية اجيال من المسؤولين والاداريين عليها حتى اصبحت جزءا من شخصياتهم، واصبحت الاستهانة والاستخفاف بالاصوات المطالبة بالمساواة بين المواطنين امرا مفروغا منه، ومن العجيب ان المسؤولين وغالبية المجتمع والهيئات المهتمة بمصالح الوطن لم تدرك حتى هذه اللحظة الخطورة الكامنة من نتائج هذا التمييز البغيض.
ان الحياة الديموقراطية التي نعيش جميعا كمواطنين في ظلالها وقيمها تحتم على الاغلبية حماية الاقليات والدفاع عن حقوقهم لكي يعتدل ميزان العدالة ويعيش الجميع آمنين مطمئنين على حقوقهم وواجباتهم ولعل مسؤولية الكتاب الأفاضل، الذين يحملون مسؤولية الكلمة الصادقة وقلوبهم على الكويت الغالية، ان يكتبوا ويلحوا في الكتابة تنويرا للمجتمع ولرفع غشاوة التعصب عن عيون من يصر على اكمال السير في هذا المنزلق، وان يشكلوا ضغطا ايجابيا على اصحاب القرار لكي يعودوا الى جادة الصواب.
ان المواطنين كافة مدعوون الى التكاتف والتراحم فيما بينهم، وعليهم البدء بإزالة اسباب الفرقة والاختلاف بين شرائحهم، ولعل نقطة الاساس لهذه المعاني المطلوبة هي البدء بإلغاء هذه التفرقة الجائرة بين المواطنين بخصوص اقامة المساجد وتفعيل مواد الدستور التي كفلت معاني سامية اهمها المساواة.. وعلى المواطن الغيور على وطنه كل في موقعه المساهمة بالمناداة والايمان بأن امن وامان الوطن يبدآن من هنا، واذا لم نقم جميعا بذلك فإن هذا الامر سيؤدي آجلا او عاجلا لتدخلات خارجية في شؤوننا الداخلية، تلك التدخلات التي لا نرغب جميعا كأصحاب وطن واحد في حصولها.