دشتى
03-25-2005, 03:52 PM
ميلود بن غربي
كاتب جزائري مقيم في لبنان
رغبة وطموحاً من أحد رجال الاعمال اللبنانيين في البحث عن مصادر الرزق والثروة اتجه نحو شرق افريقيا فتغلغل في أدغال وغابات السافانا الى ان وصل الى قبيلة جانومايا. وكم كانت حسرة هذا الرجل كبيرة حينما وجد هذه الارض خالية من المعادن النفيسة التي كان يبحث عنها وعز عليه ان يعود بخفي حنين فقد كان مولعا بأغلى المعادن، وأمله في الحصول عليها كبير، فهو من أنصار النظرية الماركنتيلية التي فتحت الباب على مصراعيه للاسبان لاستثمار ثروات اميركا الجنوبية وبحر الكاريبي...
وما كان منه إذاً الا ان يبقى في ضيافة هذه القبيلة ليشد الرحال في ما بعد الى بلده. وخلال المدة التي كان يقضيها مع ابناء هذا الشعب لاحظ مدى تفرغهم وتفانيهم في العمل، فرأى ان يقترح على ملكها ان يمده باليد العاملة وان يكون وفق اجراءات رسمية يستفيد منها هو ماديا بواسطة مكتب خاص لذلك، لأن بلده يحتاج للطبقة الشغيلة وخاصة الخادمات. وبعد تردد طويل من هذا الملك وإلحاح شديد من هذا الضيف، وافق الملك.
وبدأت هجرات العمال على شكل دفعات مثلت، شكلت الفتيات النسبة الاكبر فيها، واللواتي صرن يشغلن كخادمات في المنازل. ومع مرور الوقت ارتبط اسم جانومايا في اذهان افراد الشعب المستقبل بكلمة خادمة، على الرغم من وجود خدم من جنسيات اخرى عربية وغير عربية.
ومن المؤكد حسب تصور الكثيرين ان العمالة الوافدة الى لبنان تمارس فيه ضغطا حيث تزاحم ابناء البلد في سوق العمل، اذ انها يد عاملة رخيصة لا تستفيد من التأمينات الاجتماعية وتشتغل بأي دوام وتقبل جميع المهن من دون استثناء او تمييز، فهذه فرصة ذهبية لهؤلاء العمال لا يمكن ان تعوض الا بالعمل في الدول النفطية الغنية او دول العالم المتقدم، ومرجع ذلك كون مستويات المعيشة في دولهم الاصلية غاية في الانخفاض.
لذا فقد بلغ عدد الاجانب الذين منحوا اجازات عمل خلال عام 1995 ما يقدر ب 41913 والمرجع ان العدد اكبر من ذلك بكثير نظرا لغياب احصاء دقيق مرده الى ارتفاع رسوم الاقامة للاجانب واستثناء جزء كبير منهم من دفع اي رسم. هذا من جهة، ولعدم احترام الاجانب لقوانين البلد والاقامة غير الشرعية فيه، من جهة اخرى. فهؤلاء العمال يمثلون عبئا كبيرا على الاقتصاد، فيجب التخلص منهم بأي ثمن وفي اسرع وقت ممكن اذ ان رواتبهم تهرب الى دولهم ولا سبيل للحاق بها.
والظاهر ان من يفكرون بهذه الطريقة يفعلون مثل الشخص الذي ينزوي في غرفة ولا يرى امامه الا قطعة او قطعتين من البلاط ويركز اهتمامه عليهما ولا يحاول ان يتحرر من ذاتيته في رؤية الاشياء والحكم على الامور، ففي هذه العمالة كذلك بعض الايجابيات التي من الضروري تذكرها دائما.
فأولئك العمال يشتغلون في اكدح الاعمال وأصعبها التي ترمز الى حياة البؤس والشقاء والتي يرفض أقل المواطنين مستوى تعليميا هنا ان يشغلها او مجرد التفكير فيها.
وبحكم ان للدولة اللبنانية رسالة مثلها مثل اية دولة في العالم فمن حقها ان تحمي مواطنيها بشتى الوسائل والطرق المشروعة وتوفر لهم الحد المعقول من الرفاه الاقتصادي حيث اتخذت وزارة العمل تدابير واجراءات من شأنها الحد من استخدام الاجانب وتوفير فرص العمل للبنانيين اهمها: حصر بعض الاعمال والمهن باللبنانيين دون سواهم وضبط من يعمل بدون اجازة وزيادة الرسوم المفروضة على اجازات العمل والتنسيق مع المديرية العامة للأمن العام لعدم السماح لأي اجنبي بالدخول الى لبنان للعمل الا بعد حصوله على موافقة مسبقة.
هذه الموافقة المسبقة كان بين من حصلوا عليها ابنة ملك جانومايا لما توفي والدها مكمودا بسبب تخلي شعبه عنه وهجرته له، لأنه كان يسفك الدماء ويولي اشرار القوم عليهم، فلم تجد ابنته بدا من ان تبيع كنوزها وحُليها كي تستثمرها في لبنان، فهي من انصار الليبرالية ومبدأها المعروف <<دعه يعمل اتركه يمر>> لآدم سميث.
وبالفعل أتت ابنة ملك جانومايا الى لبنان وعندما قدمت الموافقة في المطار سألها احد الموظفين بهدوء:
اذا كانت نيتك الحقيقية ان تدرسي احد الاديان السماوية فانه من الصعب ان تمنح لك الاقامة؟
فأجابت دين!! اي دين؟؟
نحن لا نسجد الا للأشجار لأنها تعطينا الثمار ونستفيد من أغصانها واوراقها، فرد عليها: الويل لكم اذن يا شعب جانومايا سيوقد الله لكم نارا من الاشجار التي تعبدون ويحرقكم فيها. ولأن خيالها ليس واسعا لم تقتنع بما قاله لها.
وبانصرام الايام ومرور الزمن ومن خلال مقارنتها بين شعبها وغيره من الشعوب، ادركت ابنة ملك جانومايا ان جوهر الانسان واحد ولا يمكنه ان يتغير، ولا ينتظر من ذلك الكل المركب من اللغة والدين والعادات والقوانين والتشريعات ان تفعل ذلك فما هي الا ألبسة مخاطة تُرتدى فيها الجديدة والبالية.
كاتب جزائري مقيم في لبنان
رغبة وطموحاً من أحد رجال الاعمال اللبنانيين في البحث عن مصادر الرزق والثروة اتجه نحو شرق افريقيا فتغلغل في أدغال وغابات السافانا الى ان وصل الى قبيلة جانومايا. وكم كانت حسرة هذا الرجل كبيرة حينما وجد هذه الارض خالية من المعادن النفيسة التي كان يبحث عنها وعز عليه ان يعود بخفي حنين فقد كان مولعا بأغلى المعادن، وأمله في الحصول عليها كبير، فهو من أنصار النظرية الماركنتيلية التي فتحت الباب على مصراعيه للاسبان لاستثمار ثروات اميركا الجنوبية وبحر الكاريبي...
وما كان منه إذاً الا ان يبقى في ضيافة هذه القبيلة ليشد الرحال في ما بعد الى بلده. وخلال المدة التي كان يقضيها مع ابناء هذا الشعب لاحظ مدى تفرغهم وتفانيهم في العمل، فرأى ان يقترح على ملكها ان يمده باليد العاملة وان يكون وفق اجراءات رسمية يستفيد منها هو ماديا بواسطة مكتب خاص لذلك، لأن بلده يحتاج للطبقة الشغيلة وخاصة الخادمات. وبعد تردد طويل من هذا الملك وإلحاح شديد من هذا الضيف، وافق الملك.
وبدأت هجرات العمال على شكل دفعات مثلت، شكلت الفتيات النسبة الاكبر فيها، واللواتي صرن يشغلن كخادمات في المنازل. ومع مرور الوقت ارتبط اسم جانومايا في اذهان افراد الشعب المستقبل بكلمة خادمة، على الرغم من وجود خدم من جنسيات اخرى عربية وغير عربية.
ومن المؤكد حسب تصور الكثيرين ان العمالة الوافدة الى لبنان تمارس فيه ضغطا حيث تزاحم ابناء البلد في سوق العمل، اذ انها يد عاملة رخيصة لا تستفيد من التأمينات الاجتماعية وتشتغل بأي دوام وتقبل جميع المهن من دون استثناء او تمييز، فهذه فرصة ذهبية لهؤلاء العمال لا يمكن ان تعوض الا بالعمل في الدول النفطية الغنية او دول العالم المتقدم، ومرجع ذلك كون مستويات المعيشة في دولهم الاصلية غاية في الانخفاض.
لذا فقد بلغ عدد الاجانب الذين منحوا اجازات عمل خلال عام 1995 ما يقدر ب 41913 والمرجع ان العدد اكبر من ذلك بكثير نظرا لغياب احصاء دقيق مرده الى ارتفاع رسوم الاقامة للاجانب واستثناء جزء كبير منهم من دفع اي رسم. هذا من جهة، ولعدم احترام الاجانب لقوانين البلد والاقامة غير الشرعية فيه، من جهة اخرى. فهؤلاء العمال يمثلون عبئا كبيرا على الاقتصاد، فيجب التخلص منهم بأي ثمن وفي اسرع وقت ممكن اذ ان رواتبهم تهرب الى دولهم ولا سبيل للحاق بها.
والظاهر ان من يفكرون بهذه الطريقة يفعلون مثل الشخص الذي ينزوي في غرفة ولا يرى امامه الا قطعة او قطعتين من البلاط ويركز اهتمامه عليهما ولا يحاول ان يتحرر من ذاتيته في رؤية الاشياء والحكم على الامور، ففي هذه العمالة كذلك بعض الايجابيات التي من الضروري تذكرها دائما.
فأولئك العمال يشتغلون في اكدح الاعمال وأصعبها التي ترمز الى حياة البؤس والشقاء والتي يرفض أقل المواطنين مستوى تعليميا هنا ان يشغلها او مجرد التفكير فيها.
وبحكم ان للدولة اللبنانية رسالة مثلها مثل اية دولة في العالم فمن حقها ان تحمي مواطنيها بشتى الوسائل والطرق المشروعة وتوفر لهم الحد المعقول من الرفاه الاقتصادي حيث اتخذت وزارة العمل تدابير واجراءات من شأنها الحد من استخدام الاجانب وتوفير فرص العمل للبنانيين اهمها: حصر بعض الاعمال والمهن باللبنانيين دون سواهم وضبط من يعمل بدون اجازة وزيادة الرسوم المفروضة على اجازات العمل والتنسيق مع المديرية العامة للأمن العام لعدم السماح لأي اجنبي بالدخول الى لبنان للعمل الا بعد حصوله على موافقة مسبقة.
هذه الموافقة المسبقة كان بين من حصلوا عليها ابنة ملك جانومايا لما توفي والدها مكمودا بسبب تخلي شعبه عنه وهجرته له، لأنه كان يسفك الدماء ويولي اشرار القوم عليهم، فلم تجد ابنته بدا من ان تبيع كنوزها وحُليها كي تستثمرها في لبنان، فهي من انصار الليبرالية ومبدأها المعروف <<دعه يعمل اتركه يمر>> لآدم سميث.
وبالفعل أتت ابنة ملك جانومايا الى لبنان وعندما قدمت الموافقة في المطار سألها احد الموظفين بهدوء:
اذا كانت نيتك الحقيقية ان تدرسي احد الاديان السماوية فانه من الصعب ان تمنح لك الاقامة؟
فأجابت دين!! اي دين؟؟
نحن لا نسجد الا للأشجار لأنها تعطينا الثمار ونستفيد من أغصانها واوراقها، فرد عليها: الويل لكم اذن يا شعب جانومايا سيوقد الله لكم نارا من الاشجار التي تعبدون ويحرقكم فيها. ولأن خيالها ليس واسعا لم تقتنع بما قاله لها.
وبانصرام الايام ومرور الزمن ومن خلال مقارنتها بين شعبها وغيره من الشعوب، ادركت ابنة ملك جانومايا ان جوهر الانسان واحد ولا يمكنه ان يتغير، ولا ينتظر من ذلك الكل المركب من اللغة والدين والعادات والقوانين والتشريعات ان تفعل ذلك فما هي الا ألبسة مخاطة تُرتدى فيها الجديدة والبالية.